أهل السودان .. حال السراء والضراء

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِي كُلِّ أُمَّةٍ أَخْيَارًا، وَاصْطَفَى مِنْ عِبَادِهِ عِبَادًا لِلصَّبْرِ وَالثَّبَاتِ، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَأَشْكُرُهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

عِبَادَ اللَّهِ .. أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي الْخَاطِئَةَ بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَهِيَ وَصِيَّةُ اللَّهِ لِلْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ:
﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ﴾.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ .. حَدِيثُنَا الْيَوْمَ عَنْ إِخْوَةٍ لَنَا فِي الدِّينِ، عَنْ قَوْمٍ أَعِزَّاءَ عَلَيْنَا، عَنْ شَعْبٍ طَيِّبِ الْقَلْبِ، عَظِيمِ الْخُلُقِ، صَابِرٍ مُحْتَسِبٍ، كَرِيمٍ مُضْيَافٍ. حَدِيثُنَا عَنْ أَهْلِ السُّودَانِ الْكِرَامِ، الَّذِينَ تَمَيَّزُوا بِصِفَاتٍ قَلَّ أَنْ تَجْتَمِعَ فِي غَيْرِهِمْ، وَإِنَّهَا لَنِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ أَنْ نَتَذَكَّرَ فَضَائِلَ بَعْضِنَا، لِنَتَأَسَّى، وَنَتَرَاحَمَ، وَنَتَعَاوَنَ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى.

لَقَدِ ابْتُلِيَ أَهْلُ السُّودَانِ مِرَارًا فِي تَارِيخِهِمْ، فِي رِزْقِهِمْ وَأَمْنِهِمْ، فِي وَحْدَتِهِمْ وَأَرْضِهِمْ، لَكِنَّهُمْ دَوْمًا مَا يُضْرَبُ بِهِمُ الْمَثَلُ فِي الصَّبْرِ عَلَى الْبَلَاءِ، وَفِي حُسْنِ الظَّنِّ بِاللَّهِ.

قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَٰلِكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ»؛ فَمَا بَالُكُمْ بِقَوْمٍ صَابِرِينَ مُحْتَسِبِينَ؟ يَرْجُونَ اللَّهَ، وَيَضْرَعُونَ إِلَيْهِ، وَيَثْبُتُونَ رَغْمَ الْمِحَنِ، فَهَذَا دَلِيلُ إِيمَانٍ عَمِيقٍ، وَتَوَكُّلٍ صَادِقٍ.

أَهْلُ السُّودَانِ مَعْرُوفُونَ بِسَخَائِهِمْ، مَنَازِلُهُمْ مَفْتُوحَةٌ، قُلُوبُهُمْ مُرَحِّبَةٌ، لَا يَرُدُّونَ مُحْتَاجًا، وَلَا يُخْذِلُونَ ضَيْفًا.
وَقَدْ قَالَ ﷺ: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ".

وَقَالَ أَيْضًا: "النَّاسُ مَعَادِنُ، خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقِهُوا".

فَلَقَدْ وَرِثَ أَهْلُ السُّودَانِ هَذَا الْكَرَمَ عَنْ آبَائِهِمْ، وَتَرَبَّوْا عَلَيْهِ فِي بُيُوتِهِمْ، فَصَارَ سَجِيَّةً لَا يَتَكَلَّفُونَهَا.
مَنْ زَارَ السُّودَانَ أَوْ عَاشَ بَيْنَ أَهْلِهِ، عَرَفَ طِيبَ مُعَاشَرَتِهِمْ، وَرَأَى بِأُمِّ عَيْنِهِ أَدَبَهُمْ وَتَوَاضُعَهُمْ، وَبَشَاشَتَهُمْ فِي وُجُوهِ النَّاسِ، فَلَا تَكَادُ تَجِدُ فِيهِمْ تَكَبُّرًا وَلَا تَجَبُّرًا.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا".

وَقَدْ شَهِدَ كَثِيرٌ مِنَ الدُّعَاةِ وَالْعُلَمَاءِ وَالرَّحَّالَةِ بِأَخْلَاقِ أَهْلِ السُّودَانِ، حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ: "هُمْ قَوْمٌ إِذَا جَالَسْتَهُمْ أَحْبَبْتَهُمْ، وَإِذَا غِبْتَ عَنْهُمْ اشْتَقْتَ إِلَيْهِمْ".

السُّودَانُ بَلَدُ الْعِلْمِ وَالدَّعْوَةِ، بَلَدُ الْعُلَمَاءِ وَالشُّيُوخِ وَالْمَدَارِسِ الْقُرْآنِيَّةِ، حَفِظُوا كِتَابَ اللَّهِ، وَتَعَلَّمُوا فِقْهَ الدِّينِ، وَرَبَّوْا أَبْنَاءَهُمْ عَلَى تَعَالِيمِ الْإِسْلَامِ.
كَمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالدُّعَاةِ مِنْ أَهْلِ السُّودَانِ خَدَمُوا الْإِسْلَامَ فِي بِقَاعٍ شَتَّى، وَكَانَتْ لَهُمْ جُهُودٌ فِي نَشْرِ الْعَقِيدَةِ وَالْفِقْهِ وَالتَّرْبِيَةِ وَالدَّعْوَةِ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ.

نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَحْفَظَنَا جَمِيعًا مِنْ كُلِّ شَرٍّ وَمَكْرُوهٍ.
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ...

 

 

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يَبْتَلِي عِبَادَهُ بِالْخَيْرِ وَالشَّرِّ فِتْنَةً، وَهُوَ أَرْحَمُ بِهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، لَهُ الْحَمْدُ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، بَلَّغَ الرِّسَالَةَ، وَأَدَّى الْأَمَانَةَ، وَنَصَحَ الْأُمَّةَ، فَجَزَاهُ اللَّهُ عَنَّا خَيْرَ مَا جَزَى نَبِيًّا عَنْ أُمَّتِهِ.

مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ .. لَقَدْ مَرَّ أَهْلُ السُّودَانِ بِأَيَّامٍ عَصِيبَةٍ، عَاشُوا مِحْنَةً عَظِيمَةً، عَانَوْا فِيهَا مِنَ الْبَلَاءِ وَالْمِحْنَةِ، وَذَاقُوا مَرَارَةَ التَّشَرُّدِ وَالْخَوْفِ وَالْجُوعِ، حَتَّى ضَاقَتْ بِهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ. فِتْنَةٌ تَتَنَازَعُ فِيهَا الْمَصَالِحُ، وَتُضَيَّعُ فِيهَا الْأَرْوَاحُ، وَيَتَشَرَّدُ فِيهَا الْأَبْرِيَاءُ.

وَنَحْنُ أُمَّةُ الْجَسَدِ الْوَاحِدِ، لَا يَجُوزُ لَنَا أَنْ نَغْفُلَ عَنْهُمْ، أَوْ نَكُونَ فِي شَأْنٍ وَهُمْ فِي شَأْنٍ.

وَلَكِنْ، مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ أَنَّ الْبَلَاءَ لَا يَدُومُ، وَأَنَّ الشِّدَّةَ يُعْقِبُهَا فَرَجٌ، وَأَنَّ الدَّمْعَةَ تَتْبَعُهَا بَسْمَةٌ، وَأَنَّ الرَّحْمَةَ تَسْبِقُ الْغَضَبَ.

وَهَا نَحْنُ الْيَوْمَ نَرَى عَلَامَاتِ الْفَرَجِ، وَنُشَاهِدُ أَبْوَابَ الرَّحْمَةِ تُفْتَحُ، وَنَسْمَعُ أَنْبَاءَ الطُّمَأْنِينَةِ تَعُودُ، بَعْدَ أَنْ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْهُمُ الْعَنَاءَ، وَبَدَأَتِ الْأَوْضَاعُ تَسْتَقِرُّ، وَالْآهَاتُ تَهْدَأُ.

فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَرَّجَ كَرْبَهُمْ، وَرَفَقَ بِحَالِهِمْ، وَكَتَبَ لَهُمُ السَّلَامَةَ بَعْدَ شِدَّةٍ، وَعَوَّضَهُمُ الْأَمْنَ بَعْدَ خَوْفٍ.

وَلْنَكُنْ عَوْنًا لَهُمْ بِدُعَائِنَا، وَبِكَلِمَةِ الْحَقِّ، وَبِنَشْرِ الْخَيْرِ، وَرَفْضِ الظُّلْمِ وَالْفُرْقَةِ، وَالدَّعْوَةِ إِلَى الْإِصْلَاحِ، فَالصُّلْحُ خَيْرٌ، وَالتَّرَاحُمُ وَاجِبٌ، وَدَمُ الْمُسْلِمِ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُسْفَكَ مِنْ أَجْلِ كُرْسِيٍّ أَوْ مَنْصِبٍ أَوْ هَوًى.

اللَّهُمَّ اجْعَلْ مَا أَصَابَهُمْ رِفْعَةً وَطُهْرًا، وَلَا تُرِهِمْ بَعْدَ الْيَوْمِ بَأْسًا وَلَا ضُرًّا.
اللَّهُمَّ أَطْعِمْ جَائِعَهُمْ، وَآوِ مُشَرَّدَهُمْ، وَدَاوِ جَرِيحَهُمْ، وَارْحَمْ شَهِيدَهُمْ، وَثَبِّتْ أَقْدَامَهُمْ، وَاكْتُبْ لَهُمُ الْأَمْنَ وَالْإِيمَانَ.
اللَّهُمَّ أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاهْدِ سُبُلَهُمْ، وَاجْعَلْ مَا بَعْدَ الْكَرْبِ خَيْرًا مِمَّا قَبْلَهُ، وَاحْفَظِ السُّودَانَ وَأَهْلَهُ، وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْفِتَنِ وَالْمِحَنِ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ.
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِهِمْ، وَاهْدِ سُبُلَ السَّلَامِ بَيْنَهُمْ، وَوَلِّ عَلَيْهِمْ خِيَارَهُمْ، وَاكْفِهِمْ شَرَّ الْأَشْرَارِ.
اللَّهُمَّ اجْعَلِ السُّودَانَ بَلَدَ أَمْنٍ وَإِيمَانٍ، وَسَلَامٍ وَوِئَامٍ، وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ.
آمِينَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ. وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

المرفقات

1747944051_أهل السودان .. حال السراء والضراء.pdf

1747944070_أهل السودان .. حال السراء والضراء.docx

المشاهدات 109 | التعليقات 0