أهمية المواريث والتحذير من الظلم في توزيعها - للشيخ ناصر الكناني
موسى السلامي
أهمية المواريث والتحذير من الظلم في توزيعها 3/7/1446هـ
الحمد لله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين ، و لا عدوان إلا على الظالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وأمينه على وحيه ، ختم به الأنبياء والرسل ، فبَلَّغ الرسالة ، وأدى الأمانة ، ونصح الأمة ، صلى الله عليه و على آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسانٍ وسلم تسليماً كثيرا.
أما بعد :
فاتقوا الله أيها المؤمنون حق التقوى ، وذلك بامتثال أوامره واجتناب نواهيه الواردة في الكتاب والسنة ، (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب) ، (ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا).
عباد الله : إن من أهم الأحكام الواردة في كتاب الله تعالى أحكامَ المواريثِ فإن الله جل شأنه تولى تقدير الفرائض بنفسه، ولم يَكِلْها إلى مَلَكٍ مقرب و لا نبي مرسل، فبين سبحانه ما لِكل وارثٍ من النصف والربع و الثمن و الثلثين والثلث والسدس ، وفصَّلَ هذه الأحكامَ تفصيلاً دقيقاً ، بخلافِ كثيرٍ من الأحكام التي جاءت في القرآن الكريم مُجْمَلةً ثم بينتها السنة النبوية الشريفة ، كأحكام الصلاة والزكاة والحج ، ولأهمية الفرائض سماها الله تعالى حدودَه ، ووعد من أطاعه في تنفيذها على الوجه المشروع بجناتٍ تجري من تحتها الأنهار ، وتوعد من تعدى هذه الحدودَ بزيادةٍ أو نقصٍ أو حرمانِ مَنْ يستحقُّها ، أو إعطاءِ مَنْ لا يستحقها بالنار والعذابِ المهين ، قال تعالى : ( تلك حدود الله و من يطع الله و رسولَه يدخله جناتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم ، و من يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالدا فيها وله عذاب مُهين ). النساء13-14، وقال تعالى عن الفرائض : ( فريضة من الله إن الله كان عليما حكيما) النساء11 ، أي: فرضها الله الذي قد أحاط بكل شيء علمًا، وأحكم ما شرعه وقدَّر ما قدَّره على أحسن تقدير لا تستطيع العقولُ أن تقترح مثل أحكامه الصالحةِ الموافقةِ لكل زمان ومكان وحال.
عباد الله : و علمُ الفرائض من أعظم العلوم و تَعَلُّمُه فرضٌ كِفائي على الأمة ، إذا قام به البعضُ سقط الإثمُ عن الباقين ، و إن تركوه جميعا أثموا جميعا ، لأن توزيع التركاتِ حسبَ الفريضة الشرعية التي وردت في الكتاب والسنة واجبٌ و لا يتأتى ذلك إلا بتعلم هذا العلمِ ،و ما لا يَتِمُّ الواجبُ إلا به فهو واجب . وقد ذكر أهلُ العلم أن الحقوقَ المتعلقة بالتركة خمسةُ حقوق، أولُها : مُؤَنُ التجهيز من كفنٍ وأجرةِ مُغَسِّلٍ وحمَّالٍ حفارٍ و نحوِ ذلك ، هذا إذا لم يوجدْ متطوعون يقومون بهذا العملِ احتساباً. الحق الثاني : الحقوق المتعلقة بعين التركة مثلُ الدينِ المُوَثَّقِ بِرَهْن ، الحق الثالث : الديون المُرسَلةُ المتعلقة بذمة الميت ، وليس لها علاقة بشيءٍ من أعيان التركة ، الحق الرابع : الوصية بالثلث فأقلِّ لغيرِ وارث ، الحق الخامس : حق الورثة الذين يرثون ذلك الميت ، فهذه الحقوق مُرَتَّبة ، ولما بين الله تعالى الفرائضَ والأنصبةَ في سورة النساء قال تعالى : ( من بعد وصية يوصِي بها أو دين ). وكذلك لما ذكر ميراثَ الأزواج من زوجاتهم قال تعالى : ( من بعد وصية يوصين بها أو دين ) ،ولما ذكر ميراث الزوجات من أزواجهن قال تعالى:( من بعد وصية توصون بها أو دين ). و لما ذكر ما يتعلق بالكلالة قال تعالى : ( من بعد وصية يُوصَى بها أو دينٍ غير مضار وصية من الله والله عليمٌ حليم ) النساء11-12 . قال الشيخ ابن باز رحمه الله في مقدمة كتابه : الفوائد الجلية في المباحث الفرضية :
[اعلم رحمك الله أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم حثَّ على علم الفرائض ورغَّب فيه في أحاديثَ كثيرة، منها:
ما رواه أبو داود عن عبدالله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (العلم ثلاث: آية مُحكمة، أو سنة قائمة، أو فريضة عادلة، وما كان سوى ذلك فهو فضل). وروى ابن ماجه والدَّارقطني عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم :[ تعلَّموا الفرائض وعلِّموها الناس، فإنه نصف العلم، وهو يُنسَى، وهو أول شيءٍ يُنزع من أمَّتي]. قال سفيان بن عيينة رحمه الله:[معنى كونه نصف العلم أنه يُبتلَى به الناسُ كلُّهم].
وقال الحافظ ابن رجبٍ رحمه الله: [وَجْهُ كونه نصفَ العلم أنَّ أحكام المُكلَّفين نوعان: نوعٌ يتعلق بالحياة، ونوع يتعلق بما بعد الموت، وهذا الثاني هو الفرائض]. اهـ.
عباد الله : يتضح لنا من خلال هذه الآياتِ الكريمة والأحاديثِ الشريفة المُبَيِّنةِ لأحكامِ المواريث ، وكذلك اهتمامِ الصحابة
رضي الله عنهم وغيرِهم من أهل العلم بهذا الشأن أنَّ مِنْ أعظم الواجبات وأعظمِ القربات امتثالَ أوامرِ الله جل شأنه وأوامرِ رسولِه صلى الله عليه وسلم ، وذلك بتوزيعِ التركاتِ وِفْقَ ما جاء في الكتاب والسنة ، وأنه يجب إعطاءُ كلِّ ذي حق حقه سواءً كان ذكراً أم أنثى ، صغيراً أم كبيراً ، فَقِسْمةُ الله تعالى و قسمةُ رسوله صلى الله عليه وسلم هي القسمة العادلة الحكيمة المحكمة ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ألْحِقُوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجلٍ ذكر).رواه البخاري 6723و مسلم1615، وصدق الله تعالى القائل : ( آباؤكم و أبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا فريضة من الله إن الله كان عليما حكيما).النساء 11
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم و نفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع ....
الثانية:
الحمد لله على إحسانه و الشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه ، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد :
فإنَّ من المعلوم أنه مِن لَحْظَةِ موتِ المورِّثِ تنتقلُ ملكيةُ تركتِه إلى ورثته ، فمِنَ الواجبِ على الورثة المبادرةُ في أسرع وقتٍ إلى تنفيذِ الحقوقِ المتعلقة بالتركة ، ومنها الديونُ الحالَّةُ والوصايا إنْ وُجِدت ، ثم بعد ذلك يُوزع الباقي على الورثة توزيعاً شرعياً ، فيُعطَى كُلُّ وارثٍ حقه الذي قسمه الله له ، و لا يجوز بحالٍ من الأحوال التسويفُ والتماطلُ في قسمة التركة ، لأن في ذلك حرماناً وظلماً للمستحقين ، وقد يكون فيهم الضعفاءُ من الأطفالُ والنساءُ وكبارُ السن ونحوهم ، فيُحرمون من حقهم ، وقد يموت بعضُ الورثة ولم يستطعِ الحصولَ على حقه ، وقد يُلْجأُ بعضُ الورثة الضعفاءِ إلى التنازلِ عن حقه أو بعض حقه ، إما عجزاً أو خوفاً من المشاكلِ والعداواتِ والقطيعة ، وهذا لا شك ظلمٌ عظيمٌ و أكلٌ للأموال بالباطل ، نسأل العافية ، وقد قال الله تعالى : ( ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل و تدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون).البقرة188 ، وقال تعالى : ( إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيرا). النساء10 ، وقال تعالى : ( ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار). إبراهيم 42، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اللهم إني أُحَرِّجُ حق الضعيفينِ : اليتيمِ والمرأة ). رواه ابن ماجه 3678 وحسنه الألباني .
ومعنى أُحَرِّجُ : أي: أُضَيِّقُ على النَّاسِ في تَضييعِ حَقِّهم، وأشَدِّدُ عليهم في ذلك، وأحَذِّرُهم من الوُقوعِ في ظُلمِهم، لأن هذين الصنفين لا حَولَ لهما ولا قُوَّةَ، ولا ينْتَصِرانِ لأنْفُسِهما، وقد وَصَفَهُما بالضَّعفِ اسْتِعْطافًا وزيادةً في التَّحذيرِ؛ فإنَّ الإنْسانَ كُلَّما كان أضْعَفَ كانتْ عِنايةُ اللهِ به أَتَمَّ، وانتِقامُه من ظالِمِه أشَدَّ، والخِطابُ هنا للأوْلياءِ و للأزواج.وفي هذا الحديث: عِنايةُ الإسلامِ بِحُقوقِ الضُّعفاءِ عُمومًا، واعتناؤُه بحُقوقِ اليَتيمِ والمَرأةِ خصوصًا. ومن صُوَرِ الظلم : أن يؤجلَ توزيعُ التركة لأن بعض الورثة ينتفعون بشيءٍ منها ، فيؤخِّرون القسمة لأجل مصلحتِهم الخاصة ، والواجبُ المسارعة ببراءة الذمة ، والتعاونُ على البر والتقوى والتناصحُ بين المسلمين ، لقول الله تعالى : ( وتعاونوا على البر والتقوى و لا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب). المائدة2 ، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً ) الحديث رواه البخاري 6952
عباد الله : ( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما).
المرفقات
1735850171_أهمية المواريث والتحذير من الظلم في توزيعها 3.docx
1735850171_أهمية المواريث والتحذير من الظلم في توزيعها 3.pdf