أَوَّلُ مَنَازِلِ الْآخِرَة

خالد الكناني
1446/08/20 - 2025/02/19 17:23PM

أَوَّلُ مَنَازِلِ الْآخِرَة

الحمد لله ربّ العالمين .... نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلِ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أن محمدًا عبده ورسوله ،  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.، أما بعدُ : أيها المسلمون : أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى في السر والعلن ، قال تعالى : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }

أيها المسلمون : ما أن نفتح وسائل التواصل الاجتماعي إلا ونفاجئ بإعلان عن  وفاة رجل أو امرأة أو طفل ، رحمه الله وغفر له وأسكنه فسيح جناته ، إنا لله وإنا إليه راجعون ، الموت حقيقة مؤكدة لابد لكل نفس أن تموت ، قال تعالى : { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ }

الْمَوْتُ بَابٌ وَكُلُّ النَّاسِ دَاخِلُهُ ... فَلَيْتَ شَعْرِي بَعْدَ الْبَابِ مَا الدَّارُ

فَأَجَابَهُ بِقَوْلِهِ:

الدَّارُ جَنَّاتُ عَدْنٍ إنْ عَمِلْت بِمَا ... يُرْضِي الْإِلَهَ وَإِنْ خَالَفْت فَالنَّارُ

هُمَا مَحَلَّانِ مَا لِلنَّاسِ غَيْرُهُمَا ... فَانْظُرْ لِنَفْسِك مَاذَا أَنْتَ مُخْتَارُ

أيها المسلمون : اعلموا أن القبر أول منازل الآخرة .

 كَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ إِذَا وَقَفَ عَلَى قَبْرٍ يَبْكِي حَتَّى يَبُلَّ لِحْيَتَهُ، فَقِيلَ لَهُ: تَذْكُرُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ، وَلَا تَبْكِي، وَتَبْكِي مِنْ هَذَا؟ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ، فَإِنْ نَجَا مِنْهُ، فَمَا بَعْدَهُ أَيْسَرُ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ، فَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ مِنْهُ» قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا رَأَيْتُ مَنْظَرًا قَطُّ إِلَّا وَالْقَبْرُ أَفْظَعُ مِنْهُ» سنن ابن ماجه (2/ 1426)

أيها المسلمون : تم دفن صاحبنا الذي توفي وتركناه وحيدا فريدا ، وهكذا سنُدفن يوما من الأيام ويترك الواحد منا وحيدا فريدا مرتهن بعملة ورحمة ربه تبارك وتعالى ، فهل اعددنا لسؤال القبر من إجابة تبيض وجوهنا، نسأل الله تعالى لنا ولكم ذلك .

عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (( إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ، إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ، يُقَالُ: هَذَا مَقْعَدُكَ، حَتَّى يَبْعَثَكَ اللهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )) صحيح مسلم (4/ 2199)

فهل أعددنا لهذا المقعد ولأول منازل الآخرة عملا صالحا؟ وتوبة نصوحا، وجاهدنا أنفسنا، وتزودنا من الطاعات.

أيها المسلمون: القبر أول منازل الآخرة ، وعذاب القبر ونعيمه يجب الإيمان به والاستعداد له ، وهذه أحوال الناس عند الاحتضار ، تبشرهم الملائكة بذلك .

قال تعالى : {  فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ (89) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94) إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95) سورة الواقعة

أيها المسلمون : عذاب القبر حق يقين وواقع لا محالة لا يعافى منه إلا من عافاه الله وسلمه منه ، قال تعالى : {  النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46) سورة غافر ،  فَإِنَّ أَرْوَاحَهُمْ تُعْرَضُ عَلَى النَّارِ صَبَاحًا وَمَسَاءً إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ اجْتَمَعَتْ أَرْوَاحُهُمْ وَأَجْسَادُهُمْ فِي النَّارِ وَلِهَذَا قَالَ: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ أَيْ أَشَدَّهُ أَلَمًا وَأَعْظَمَهُ نَكَالًا، وَهَذِهِ الْآيَةُ أَصْلٌ كَبِيرٌ فِي اسْتِدْلَالِ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى عَذَابِ الْبَرْزَخِ في القبور وهي قوله تعالى: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا )

تفسير ابن كثير ط العلمية (7/ 132)

وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ يَهُودِيَّةً دَخَلَتْ عَلَيْهَا، فَذَكَرَتْ عَذَابَ القَبْرِ، فَقَالَتْ لَهَا: أَعَاذَكِ اللَّهُ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، فَسَأَلَتْ عَائِشَةُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَذَابِ القَبْرِ، فَقَالَ: «نَعَمْ، عَذَابُ القَبْرِ» قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدُ صَلَّى صَلاَةً إِلَّا تَعَوَّذَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ زَادَ غُنْدَرٌ: «عَذَابُ القَبْرِ حَقٌّ»

أيها المسلمون : لقد بين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أحوال العباد في أول منازل الآخرة كيف هم وأنهم قسمان سعيد يرى مقعده في الجنة ، وشقي يرى مقعده من النار : فعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: العَبْدُ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ، وَتُوُلِّيَ وَذَهَبَ أَصْحَابُهُ حَتَّى إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ، أَتَاهُ مَلَكَانِ، فَأَقْعَدَاهُ، فَيَقُولاَنِ لَهُ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، فَيُقَالُ: انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنَ النَّارِ أَبْدَلَكَ اللَّهُ بِهِ مَقْعَدًا مِنَ الجَنَّةِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَيَرَاهُمَا جَمِيعًا، وَأَمَّا الكَافِرُ - أَوِ المُنَافِقُ - فَيَقُولُ: لاَ أَدْرِي، كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ، فَيُقَالُ: لاَ دَرَيْتَ وَلاَ تَلَيْتَ، ثُمَّ يُضْرَبُ بِمِطْرَقَةٍ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً بَيْنَ أُذُنَيْهِ، فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ ))

وعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " {يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} [إبراهيم: 27] " قَالَ: " نَزَلَتْ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ، فَيُقَالُ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: رَبِّيَ اللهُ، وَنَبِيِّي مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَفِي الْآخِرَةِ} ، قال تعالى : { { يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ } إبراهيم 27 ، اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ، ونعوذ بالله من الضلال والظلم .

أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم

 الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد ألا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى أله وصحبه وسلَّم تسليما كثيرا ، أما بعد :

أيها المسلمون : لقد حثنا النبي صلى الله عليه وسلم ، بعد الفراغ من الدفن ، أن نستغفر للميت ونسأل الله تعالى له الثبات .

عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ وَقَفَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: «اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ، وَسَلُوا لَهُ بِالتَّثْبِيتِ، فَإِنَّهُ الْآنَ يُسْأَلُ )) ، سنن أبي داود (3/ 215)

أيها المسلمون : هل أعددنا لهذا القبر والذي هو أل منازل الآخرة ، العدة والاستعداد ، أولا بتحقيق التوحيد الخالص لله تعالى ، وبالمحافظة على الفرائض التي فرضها الله علينا ، هل حافظنا على الصلوات الخمس مع جماعة المسلمين ، وهل أمرنا بها أهلنا لنحميهم من عذاب القبر ، وهل تزودنا من الطاعات فرضها ونفلها ، وهل قمنا بحق الوالدين وحق المسلمين ، وهل تجنبنا الظلم ، والاعتداء على المسلمين في أموالهم وأعراضهم ، هل ابتعدنا عن الغيبة والنميمة والمسكرات والمخدرات والزنا والفواحش ما ظهر منها وما بطن ، نسأل الله تعالى أن نكون كذلك ، وأن لا تشغلنا الدنيا والغفلة عن الاستعداد لأول منازل الآخرة ، ونتذكر دائما :

يَا من بدنياه اشْتغل ... وغره طول الأمل

الْمَوْت يَأْتِي بَغْتَة ... والقبر صندوق الْعَمَل

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَتْبَعُ الْمَيِّتَ ثَلَاثَةٌ، فَيَرْجِعُ اثْنَانِ وَيَبْقَى وَاحِدٌ، يَتْبَعُهُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَعَمَلُهُ، فَيَرْجِعُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَيَبْقَى عَمَلُهُ

هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه ، قال تعالى :{ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }

 

 

 

 

 

 

 

المشاهدات 449 | التعليقات 0