أين الراحة
الشيخ نواف بن معيض الحارثي
الخطبة الأولى: أينُ الراحة ؟
إِنَّ الْـحَمْدَ لِلَّـهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللـهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللـهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللـهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً.
أما بعد: فأوصيكم ....
عن أبي قتادةَ t أنَّ رَسولَ اللَّـهِ r مُرَّ عليه بجِنَازَةٍ، فَقالَ: مُسْتَرِيحٌ ومُسْتَرَاحٌ منه. قالوا: يا رَسولَ اللَّـهِ، ما المُسْتَرِيحُ والمُسْتَرَاحُ منه؟ قالَ: العَبْدُ المُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِن نَصَبِ الدُّنْيَا وأَذَاهَا إلى رَحْمَةِ اللَّـهِ، والعَبْدُ الفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ منه العِبَادُ والبِلَادُ، والشَّجَرُ والدَّوَابُّ. خ.
مَطْلَبُ البَشَرِيَّة، وأَجْمَعَتْ عَلَيْهِ الإِنْسَانِيَّة، وَاتَّفَقَتْ عَلَى طَلَبِهِ الأُمَمُ كُلُّهَا: إِنَّهَا الرَّاحَةُ! فأين تكونُ الراحةُ ؟
عباد الله: لَنْ تَجِدَ البَشَرِيَّةُ طَعْمَ الرَّاحَةِ، إِلَّا حِيْنَ تَعُوْدُ إِلى خَالِقِهَا وَمَعْبُوْدِهَا؛ فَهُوَ أَعْلَمُ بِحَاجَتِهِمْ وَرَاحَتِهِمْ (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْـخَبِيرُ) وَمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا أَقْبَلَتْ عَلَيْهِ الرَّاحَةُ مِنْ كُلِّ مَكَان! (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) قالَ ابْنُ كَثِير: "الْـحَيَاةُ الطَّيِّبَةُ: تَشْمَلُ وُجُوْهَ الرَّاحَةِ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ".
وَمَنْ فُتِحَ لَهُ بَابُ الْعِبَادَة وَجَدَ فِيهَا مِنَ اللَّذَّةِ وَالرَّاحَةِ أَضْعَافَ مَا يَجِدُهُ فِي اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ وَالشَّهَوَاتِ! فإِذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ؛ وَدَّ أَلَّا يَخْرُجَ مِنْهَا! فَمَا اسْتُجْلِبَت الرَّاحَةُ بِمِثْلِ الصَّلَاة؛ قالَ r: "يَا بِلَالُ، أَقِمِ الصَّلَاةَ، أرِحْنَا بِهَا" أبو داود
والرَّاحَةُ كُلُّ الرَّاحَةِ فِي ثَلَاثٍ: فِي التَّسَامُحِ وَالتَّفَاؤُلِ وَالتَّغَافُلِ. فَالتَّسَامُحُ عِبَادَةٌ عَظِيمَةٌ، وَقُرْبَةٌ مِنْ الْقُرَبِ كَرِيمَةٌ؛ مَنْ وُفِّقَ لَهَا وُفِّقَ لِلْخَيْرِ (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللـهِ)
فَالتَّسَامُحُ خُلُقٌ يَدُلُّ عَلَى رُوحِ الْـحَيَاةِ فِي نَفْس صَاحِبِهَا، بَلْ هُوَ عُنْوَانُ صَفَائِهَا ، وَبُرْهَانُ نَقَائِهَا .
وَالنَّفْسُ الْـمُتَسَامِحَةُ مِنْ أَصْفَى النُّفُوسِ وَأَسْعَدِهَا، فَهِيَ تَحْمِلُ رُوحًا مُحَبَّةً لِلْخَيْرِ، تَبْذُلُ الْإِحْسَانَ لِلنَّاسِ ، وَتَحْمِلُ قَلْبًا رَحِيمًا يُحِبُّ السَّعَادَةَ لِلْآخَرِينَ ، وَيَرْجُو اَلْخَيْرَ لِكُلِّ الْـمُسْلِمِينَ ؛ يَتَأَلِّمُ لِآلَامِهِمْ ، وَيَفْرَحُ لِفَرَحِهِمْ : وَقَدْ قِيلَ لِرَسُولِ اللـهِ r أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ قَالَ:« كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ صَدُوقِ اللِّسَانِ، قَالُوا : صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ ؟ قَالَ :« هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ لَا إِثـْمَ فِيهِ وَلَا بَغْيَ وَلَا غِلَّ وَلَا حَسَدَ » ابن ماجهْ.
وَأَمَّا التَّفَاؤُلُ فَهُوَ خَصْلَةٌ حَمِيدَةُ ، وَخُلُقٌ نَبِيلٌ يُعَبِّرُ عَنْ حُسْنِ الظَّنِّ بِاللَّـهِ تَعَالَى، وَالثَّقَةِ بِهِ، وَيَجْلُبُ السَّعَادَةَ إِلَى الْفَرْدِ وَالْـمُجْتَمَعِ ؛ وَكَانَ r يُعْجِبُهُ الْفَأْلُ الْحَسَنُ، وَيَكْرَهُ الطِّيَرَةَ؛ وَقَدْ غَمَرَ التَّفَاؤُلُ حَيَاةَ النَّبِيِّ r وَرَبَّى عَلَيْهِ صَحَابَتَهُ الْكِرَامَ ، وَرَسَّخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ وَفِعْلِهِ ، فَكَانَ إِذَا سَمِعَ اسْمًا حَسَنًا أَوْ كَلِمَةً طَيِّبَةً ، أَوْ مَرَّ بِمَكَانِ طَيِّبٍ انْشَرَحَ صَدْرُهُ ، وَاسْتَبْشَرَ بِمَا هُوَ عَازِمٌ عَلَيْهِ تَفَاؤُلاً وَأَمَلاً ! لِأَنَّ فِي ذَلِكَ حُسْنَ الظَّنِّ بِاللَّـهِ تَعَالَى ، وَالثَّقَةَ بِهِ سُبْحَانَهُ ، وَهُوَ دَافِعٌ لِلْعَمَلِ ، بَلْ وَلِإِحْسَانِهِ وَإِتْقَانِهِ .
فَالْـمُتَفَائِلُ ذَكِيُّ الْعَقْلِ ، وَافِرُ الْـحَظِّ ، عَظِيمُ الرِّبْحِ ، وَاسِعُ الْفَرَحِ : يُحْسِنُ الظَّنَّ وَلَا يَتَشَاءَمُ، يَتَمَتَّعُ بِطَاعَةِ رَبِّهِ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ مِنْ لَحَظَاتِ حَيَاتِهِ ، وَيَتَقَلِّبُ بَيْنَ شُكْرٍ وَصَبْرٍ فِي أَقْدَارِ اللَّـهِ عَلَيْهِ .
وَقَدْ قِيِلَ : الْفَأْلُ نُورٌ لِلْفَتَى وَسَعَادَةٌ **فَاهْنَأْ بِدَرْبٍ يَسْتَضِيءُ بِفَالِكَا
مَا الشَّوْمُ إِلَّا ظُلْمَةٌ وَشَقَاوَةٌ **مَنْ نَالَ مِنْهُ الشَّوْمُ أَصْبَحَ هَالِكَا
عباد الله: إنَّ مِنْ رَاحَةِ النَّفْسِ وَانْشِرَاحِهَا: خُلُقَ التَّغَافُلِ، وَهُوَ مِنْ الْأَخْلَاقِ الْفَاضِلَةِ الَّتِي جَاءَ بِهَا الْقُرْآنُ الْكَرِيِمُ، وَزَخَرَتْ بهَا السُّنَّةُ النَّبَوِيَّةٌ تَطبيقاً وَعَمَلاً (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)
وَالتَّغَافُلُ خُلُقُ الْـمُؤْمِنِينَ الصَّادِقِينَ (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا )
وَالتَّغَافُلُ دَلِيلٌ قَوِيٌّ عَلَى حُسْنِ خُلُقٍ صَاحِبِهِ، قَالَ مُعَاوِيَةُ t: الْعَقْلُ مِكْيَالٌ، ثُلُتُهُ الْفِطْنَةُ، وَثُلُثَاهُ التَّغَافُلُ. وقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:" تِسْعَةُ أَعْشَارِ حُسْنِ الْـخُلُقِ فِي التَّغَافُلِ. وقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ: "الْكَيِّسُ الْعَاقِلُ هُوَ الْفَطِنُ الْـمُتَغَافِلُ.
وَقَالَ ابْنُ الْـجَوْزِيِّ: مَا يَزَالُ التَّغَافُلُ عَنِ الزَّلْاتِ مِنْ أَرْقَى شِيَمِ الْكِرَامِ، فَإِنَّ النَّاسَ مَجْبُولُونَ عَلَى الزَّلْاتِ وَالْأَخْطَاءِ، فَإِنِ اهْتِمَّ الْمَرْءُ بِكُلِّ زَلَّةٍ وَخَطِيئَةٍ تَعِبَ وَأَتْعَبَ، وَالْعَاقِلُ الذَّكِيُّ مَنْ لا يُدَقِّقُ فِي كُلِّ صَغِيرَةٍ وَكَبِيرَةٍ ، مَعَ أَهْلِهِ، وَأَحْبَابِهِ، وَأَصْحَابِهِ، وَجِيرَانِهِ، وَزُمَلائِهِ، كَيْ تَحْلُوَ مُجَالَسَتُهُ، وَتَصْفُوَ عِشْرَتُهُ. وإنَّ التَّغَافُلَ وَالْـحَثَّ عَلَيْهِ لا يَعْنِي تَرْكَ النَّصِيحَةِ وَالتَّنْبِيهِ عَلَى الْـمُخَالَفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ، وَإِنْكَارِهَا! لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ وَاجِبٌ لِمَنْ يَسْتَطِيعُهُ؛ فالدِّينُ النصيحةُ .
عباد الله: الرِّضَا والقَنَاعَةُ مِنْ أَسْبَابِ الرَّاحَة: قالَ ابْنُ حِبَّان: "لَيْسَ شَيءٌ أَرْوَحَ لِلْبَدَنِ: مِنَ الرِّضَا بِالقَضَاءِ، وَالثِّقَةِ بِالقَسْمِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ في القَنَاعَةِ إِلَّا الرَّاحَة؛ لَكَانَ الوَاجِبُ عَلَى العَاقِلِ أَلَّا يُفَارِقَ القَنَاعَة!".
وَمَنْ طَهَّرَ قَلْبَهُ مِنَ الغِلِّ والحَسَد؛ فَقَدْ تَعَجَّلَ الرَّاحَةَ لِنَفْسِه، وَتَفَرَّغَ لِمَصَالِحِه، وَاسْتَرَاحَ مِنْ كُلِّ مَا يَهْتَمُّ بِهِ سَائِرُ النَّاسِ مِنْ فُضُوْلِ الدُّنْيَا وَعَلائِقِهَا!
لَمَّا عَفَوْتُ وَلَمْ أَحْقِدْ عَلَى أَحَدٍ ** أرَحْتُ نَفْسِي مِنْ هَمِّ الْعَدَاوَاتِ
عباد الله: إنَّ جِمَاعَ رَاحَةِ الْبَالِ فِي أَرْبَعَةٍ؛ فِي الْبَدَنِ، بِعَدَمِ إِرْهَاقِهِ بِكَثْرَةِ الْعَمَلِ، وَعَدَمِ إِكْسَالِهِ بِالدَّعَةِ وَقِلَّةِ الْعَمَلِ، وَفِي النَّفْسِ بِقِلَّةِ الْمَعَاصِي وَالذُّنُوبِ، وَفِي الْقَلْبِ بِقِلَّةِ الِاكْتِرَاثِ بِهُمُومِ الدُّنْيَا، وَفِي اللِّسَانِ بِحِفْظِهِ مِمَّا يَسْفُلُ بِهِ، وَزَمِّهِ عَنْ مَزَالِقِ الْقَوْلِ وَفُحْشِهِ.
وَمَنْ تَعَوَّدَ الكَسَل، ومَالَ إِلَى الرَّاحَة فَقَدَ الرَّاحَة. وَقَدْ قِيْلَ: "إِنْ أَرَدَّتَ أَلَّا تَتْعَب: فَاتْعَبْ؛ لِئَلَّا تَتْعَب، وَلَا رَاحَةَ لِمَنْ لَا تَعَبَ لَه".
والسِّيَادَةُ فِي الدُّنْيَا، والسَّعَادَةُ فِي الأُخْرَى لَا يُوْصَلُ إِلَيْهَا إِلَّا على جِسْرٍ مِنَ التَّعَب، قالَ بَعْضُ السَّلَف: "لَا يُسْتَطَاعُ الْعِلْمُ بِرَاحَةِ الْجِسْمِ!" م.
يا خادِمَ الجِسم كمْ تشقى بخِدْمَتهِ:: أتطلبُ الرَّبحَ في ما فيه خُسْرانُ
أقبِلْ على النَّفسِ فاستكمِلْ فضائلَها:: فأنتَ بالنَّفسِ لا بالجِسمِ إنسانُ
وَكُلَّمَا كَانَتِ النُّفُوسُ أَشْرَف، والهِمَّةُ أَعْلى كانَ تَعَبُ الْبَدَنِ أَوْفَر، وَحَظُّهُ مِنَ الرَّاحَةِ أَقَل.
وَإِذا كَانَت النُّفُوسُ كِبَارًا ** تَعِبَتْ فِي مُرَادِهَا الْأَجْسَامُ!
بارك الله لي...
الخُطْبَةُ الثَّانِيَة
الْـحَمْدُ للـه...أما بعد:
فيا عِبَادَ الله: رُوْحُ المُؤْمِن تَتَنَفَّسُ الرَّاحَةَ مِنْ سَاعَةِ المَوْت؛ لِخَلَاصِهَا مِنْ سِجْنِ الدُّنْيَا وَتَعَبِهَا، إلى سَعَةِ الآخِرَةِ وَفَضَائِهَا (فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْـمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ) قالَ ابْنُ كَثِير: "مَنْ مَاتَ مُقَرَّبًا حَصَلَ لَهُ مِنَ الرَّحْمَةِ وَالرَّاحَةِ وَالِاسْتِرَاحَةِ".
وَلَيْسَ فِي الدُّنْيَا رَاحَةٌ مُطْلَقَةٌ؛ لِأَنَّهَا طُبِعَتْ على كَدَر (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ) والتَّعَبُ فِيْهَا يَشْتَرِكُ فِيْهِ البَشَر؛ أَمَّا العَاقِبَةُ فَمُخْتَلِفَةٌ، لِكَنَّ الخَاسِرَ مَنْ يُعَانِي كَبَدَ الدُّنْيَا؛ لِيَنْتَهِيَ إِلَى كَبَدِ الآخِرَة! وَالسَّعِيْدُ: مَنْ يَكْدَحُ إِلَى رَبِّهِ؛ لِيَنْتَهِيَ إِلى الرَّاحَةِ الكُبْرَى!
قالَ ابْنُ القَيِّم: "وَأَمَّا الرَّاحَةُ وَالْبَهْجَةُ فِي جِوَارِ رَبِّ الْأَرْبَابِ؛ فَمِمَّا لَا يَخْطُرُ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ".
وَاسْتَقَرَّتْ حِكْمَةُ اللـهِ أَنَّ السَّعَادَةَ وَالرَّاحَة لا يُوْصَلُ إِلَيْهَا إِلَّا عَلَى جِسْرِ المَشَقَّةِ والتَّعَب، وَلا يُدْخَلُ إِلَيْهَا إِلَّا مِنْ بَابِ الصَّبْرِ عَلَى المَكَارِه، قال r "حُفَّتِ الْـجَنَّةُ بِالْـمَكَارِهِ، وحُفَّتِ النَّارُ بالشَّهَوَات" م.
جَاءَ رَجُلٌ إِلَى الإِمَامِ أَحَمَد؛ فقال: "يَا أَبَا عَبْدِ الله، قَصَدتُّكَ مِنْ خُرَاسَانَ، أَسْأَلُكَ عَن مَسْأَلَة"، فقالَ لَهُ: "سَلْ"، قال: "مَتى يَجِدُ العَبْدُ طَعْمَ الرَّاحَة؟"، قال: "عِنْدَ أَوَّلِ قَدَمٍ يَضَعُهَا فِي الْـجَنَّة!".
أيها المؤمنون: يخطئُ بعضُ الناسِ فيظنُّ أنَّ الراحةَ في تركِ الواجباتِ وفعلِ المحرماتِ ، فمن ظنَّ ذلك فَقَدْ أَخْطَأَ الطَّرِيْقَ، وأبعدَ النجعةَ ، وَتَعَجَّلَ الشَّقَاء، وَقَدَّمَ رَاحَةً رَخِيْصَةً قَصِيْرَةً، عَلى الرَّاحَةِ الأَبَدِيَّةِ التَّامَّة، قالَ شَيْخُ الإِسْلَام: "وَلَا يَزِيدُهُ ذَلِكَ إلَّا تَعَبًا وَغَمًّا؛ وَإِنْ كَانَتْ تُفِيدُهُ مِقْدَارًا مِنْ السُّرُورِ: فَمَا يَعْقُبُهُ مِنْ الْمَضَارِّ، وَيَفُوتُهُ مِنْ المَسَار، أَضْعَافُ ذَلِكَ!"، وصدقَ اللـهُ(وَمَنْ أعْرِضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيْشَةً ضَنْكًا)
ألا فاتقوا اللـهَ عبادَ اللـهِ: والتمسوا الراحةَ فِي طَاعَةِ اللـهِ وَذِكْرِهِ، الْتَمِسُوهَا فِي قَلْبٍ سَلِيمٍ وَخُلُقٍ حَسَنٍ، وَكَفِّ الْأَذَى عَنِ النَّاسِ، وَكَفْكَفَةِ دَمْعِ مَكْلُومٍ، وَمَسْحِ رَأْسِ يَتِيمٍ، الْتَمِسُوهَا فِي الصِّدْقِ وَالْأَمَانَةِ، وَالتَّوَاضُعِ وَالرِّضَا، الْتَمِسُوهَا فِي تَجَاهُلِ السُّفَهَاءِ، وَمُجَادَلَةِ الْـحُمْقَى، وَالتَّغَافُلِ؛ فَهُوَ تِسْعَةُ أَعْشَارِ رَاحَةِ الْبَالِ، إِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ رَاحَةَ الْبَالِ كُلَّهَا
ثم صلوا ...
المرفقات
1738229215_أين الراحة.docx
1738229216_أين الراحة.pdf
الشيخ نواف بن معيض الحارثي
عضو نشط.
تعديل التعليق