إجازة الخريف
تركي المطيري
الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ الأَيَّامَ وِعَاءَ الْأَعْمَالِ وَوَدَائِعَهَا، وَجَعَلَ السَّاعَاتِ شَاهِدَاتٍ عَلَى سَعْيِ الإِنْسَانِ وَآثَارِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ جَعَلَ تَعَاقُبَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ آيَتَيْنِ عَلَى حِكْمَةٍ بَالِغَةٍ وَتَدْبِيرٍ مُحْكَمٍ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ رَفَعَ اللَّهُ بِهِ مِنَارَ الْهِدَايَةِ، وَجَعَلَهُ قُدْوَةً لِلسَّالِكِينَ فِي ضَبْطِ الْأَوْقَاتِ وَحِرَاسَةِ الْأَعْمَارِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْمُرُوا أَوْقَاتَكُمْ بِمَا يُرْضِيهِ، فَإِنَّ الْأَعْمَارَ تَمْضِي، وَالْآجَالَ تَقْتَرِبُ، وَالْأَعْمَالَ تُدَوَّنُ فِي كِتَابٍ ﴿لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: تَبْدُو الأَيَّامُ فِي حَيَاةِ الْمُؤْمِنِ أَبْوَابًا تُفْتَحُ عَلَى فُرَصٍ لَا تَنْقَضِي، وَيَظَلُّ الْعَاقِلُ يَقِيسُ النِّعَمَ بِقَدْرِ مَا يَغْتَنِمُ مِنْهَا، فَإِنَّ الْأَوْقَاتَ مَوَاسِمُ تُنْبِتُ فِيهَا بُذُورُ التَّوْفِيقِ، وَلَا يَزَالُ الْمَرْءُ فِي رِبْحٍ مَا دَامَ يَسْتَزِيدُ مِنَ الْخَيْرِ، وَيُعَالِجُ قُصُورَهُ، وَيَعْمُرُ أَوْقَاتَهُ بِمَا يَنْفَعُهُ فِي دُنْيَاهُ وَأُخْرَاهُ. وَإِنَّ مِنْ أَرْغَدِ مَوَاسِمِ الرَّاحَةِ الَّتِي تَتَخَلَّلُ الْعَامَ إِجَازَةُ الْخَرِيفِ الأُسْبُوعِيَّةُ؛ تِلْكَ الْمُهْلَةُ الْقَصِيرَةُ الَّتِي يَسْتَرِيحُ النَّاسُ فِيهَا مِنْ وَعْثَاءِ الْعَمَلِ وَالدِّرَاسَةِ، وَيُجَدِّدُونَ قِوَاهُمْ، وَيَجْمَعُونَ شَتَاتَ فِكْرِهِمْ، وَيُعِيدُونَ تَرْتِيبَ أَوْلَوِيَّاتِهِمْ.
وَلَمْ تَكُنِ الإِجَازَاتُ فِي مِيزَانِ الْمُسْلِمِ فُسْحَةَ بَطَالَةٍ، وَلَا مَسَارِحَ لَهْوٍ يَذُوبُ فِيهَا الْوَقْتُ، وَإِنَّمَا كَانَتْ رِئَةً يَتَنَفَّسُ مِنْهَا الْجَسَدُ وَالرُّوحُ، وَفُرْصَةً لِانْتِقَالٍ رَشِيدٍ مِنْ تَعَبٍ إِلَى سَكِينَةٍ، وَمِنْ ازْدِحَامٍ إِلَى تَأَمُّلٍ، وَمِنْ انْشِغَالٍ إِلَى نَوْعٍ مِنَ الْخَلْوَةِ الَّتِي تُعِيدُ لِلرُّوحِ صَفَاءَهَا. وَبِقَدْرِ مَا يُنْفِقُ الْمَرْءُ فِيهَا مِنَ الْمُتَعِ الْمُبَاحَةِ، يَبْقَى مِيزَانُ الْفَضْلِ مَعْقُودًا عَلَى مَا يَعُودُ بِالنَّفْعِ عَلَيْهِ وَعَلَى أَهْلِهِ وَمُجْتَمَعِهِ.
وَقَدْ جَرَتْ سُنَّةُ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ أَنَّ النُّفُوسَ تُجَدِّدُ عَزَائِمَهَا حِينَ تُغَيِّرُ عَادَاتِهَا، وَتَنْتَقِلُ مِنْ نَمَطٍ إِلَى آخَرَ، فَتَمْضِي الْأَيَّامُ الْمُتَشَابِهَةُ بِتَثَاقُلٍ، فَإِذَا جَاءَتْ إِجَازَةٌ قَصِيرَةٌ، بَثَّتْ فِي النُّفُوسِ رُوحًا جَدِيدَةً، إِلَّا أَنَّ الْعَاقِلَ هُوَ مَنْ يُلْبِسُ هَذِهِ الْمُهْلَةَ الْقَصِيرَةَ ثَوْبًا مِنَ الرُّشْدِ، فَيَجْعَلَهَا جِسْرًا إِلَى الطَّاعَةِ، لَا قَنْطَرَةً إِلَى الْغَفْلَةِ، وَيَجْعَلَهَا مُورِدًا لِلرَّاحَةِ، لَا مُنْحَدَرًا إِلَى الْفُتُورِ.
فَوَقْتُ الإِنْسَانِ هُوَ رَأْسُ مَالِهِ، وَعَمَلُهُ فِيهِ هُوَ حَيَاتُهُ؛ فَإِنَّ الزَّمَنَ يَمْضِي، وَيَبْقَى الْعَمَلُ ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ﴾.
وَلِلإِجَازَةِ الْخَفِيفَةِ آثَارٌ مُبَارَكَةٌ إِذَا اسْتَثْمَرَهَا الْمُؤْمِنُ فِيمَا يَرْفَعُ مَقَامَهُ عِنْدَ اللَّهِ؛ وَمِنْ وُجُوهِ الِاسْتِغْلَالِ الرَّشِيدِ أَنْ يَجْعَلَ الْمَرْءُ سَفَرَهُ – إِنْ كَانَ يَنْوِي السَّفَرَ – بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الطَّاعَةِ، وَيَرْبِطَ نَشَاطَهُ وَرِحْلَتَهُ بِمَا يَزِيدُهُ مِنَ اللَّهِ قُرْبًا، وَمِنَ النَّاسِ خَيْرًا، وَمِنْ دُنْيَاهُ نَفْعًا. فَإِذَا قَصَدَ الْمُسَافِرُ صِلَةَ رَحِمٍ فَقَدِ امْتَثَلَ أَمْرَ اللَّهِ فِي وَصْلِ الْأَرْحَامِ؛ وَإِنْ جَعَلَ طَرِيقَهُ إِلَى مَكَّةَ لِأَدَاءِ الْعُمْرَةِ فَقَدْ تَوَجَّهَ إِلَى بَيْتٍ عَظَّمَ اللَّهُ شَأْنَهُ، وَشَرَّفَ مَكَانَهُ؛ وَإِنْ خَرَجَ لِطَلَبِ رِزْقٍ حَلَالٍ فَقَدْ سَعَى فِي أَبْوَابِ الْبَرَكَةِ؛ وَإِنْ تَوَجَّهَ لِطَلَبِ عِلْمٍ نَافِعٍ فَقَدِ ارْتَقَى فِي مَرَاقِي الْفَضِيلَةِ. وَيُدْرِكُ الْمُسَافِرُ خَيْرَ سَفَرِهِ؛ إِذَا اقْتَرَنَ سَفَرُهُ بِصُحْبَةٍ مُؤْمِنَةٍ تَقِيَّةٍ، تُعِينُهُ عَلَى الذِّكْرِ، وَتُذَكِّرُهُ إِنْ نَسِيَ، وَتَنْهَاهُ إِنْ غَفَلَ؛ فَقَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ: «لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا، وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ». وَالْمَرْءُ – عِبَادَ اللَّهِ – بِصَاحِبِهِ؛ إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ.
وَكَذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ مَا تُسْتَثْمَرُ فِيهِ الإِجَازَاتُ الْقَصِيرَةُ أَنْ يُرَاجِعَ الْمُؤْمِنُ حِسَابَهُ مَعَ اللَّهِ، فَيَعْتَدِلَ مِيزَانُهُ بَيْنَ عَمَلٍ وَدِرَاسَةٍ وَانْشِغَالٍ، ثُمَّ عِبَادَةٍ تَحْمِيهِ مِنَ الْقَسْوَةِ وَالْغَفْلَةِ. «فَمَنْ أَمْضَى يَوْمَهُ فِي غَيْرِ حَقٍّ قَضَاهُ، أَوْ فَرْضٍ أَدَّاهُ، أَوْ مَجْدٍ أَثَّلَهُ، أَوْ حَمْدٍ حَصَّلَهُ، أَوْ خَيْرٍ أَسَّسَهُ، أَوْ عِلْمٍ اقْتَبَسَهُ؛ فَقَدْ عَقَّ يَوْمَهُ وَظَلَمَ نَفْسَهُ«
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: ﴿فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ﴾؛ فَكُلُّ فُسْحَةٍ تُقَرِّبُ مِنَ اللَّهِ هِيَ فِرَارٌ إِلَيْهِ، وَكُلُّ رَاحَةٍ تُعِينُ عَلَى الطَّاعَةِ هِيَ نِعْمَةٌ مِنْهُ سُبْحَانَهُ.
وَمِمَّا يَحْسُنُ بِالْمُؤْمِنِ أَيْضًا أَنْ يَجْعَلَ لِهَذِهِ الإِجَازَةِ نَصِيبًا مِنَ التَّعَلُّمِ؛ فَالْعِلْمُ عِبَادَةٌ جَلِيلَةُ الشَّأْنِ، وَمَسَالِكُهُ رَحْبَةٌ لَا يَطْرُقُهَا ضِيقٌ؛ فَلَرُبَّمَا فَتَحَتِ الإِجَازَةُ أَبْوَابًا لِمُرَاجَعَةِ مُتْنٍ مِنْ مُتُونِ الْعِلْمِ أَوْ مُرَاجَعَةِ مَحْفُوظٍ فِي أَجْزَاءِ الْقُرْآنِ أَوْ مَنْظُومَةٍ عِلْمِيَّةٍ، أَوْ قِرَاءَةِ كِتَابٍ نَافِعٍ يُثْرِي الْفِكْرَ، أَوْ سَمَاعِ دَرْسٍ يَبْعَثُ فِي النَّفْسِ حَيَاةً جَدِيدَةً. وَلَا يَزَالُ الْعِلْمُ شَجَرَةً مُبَارَكَةً تُثْمِرُ كُلَّمَا سُقِيَتْ بِوَقْتٍ هَادِئٍ بَعِيدٍ عَنْ صَخَبِ الْمَهَامِّ.
وَمَعَ مَا تَحْمِلُهُ الإِجَازَاتُ مِنْ فُسْحَةٍ لِلتَّرْوِيحِ، فَإِنَّ ضَبْطَهَا ضَرُورَةٌ حَتَّى لَا تَنْقَلِبَ إِلَى مَفْسَدَةٍ. فَالإِفْرَاطُ فِي السَّهَرِ يُضْعِفُ الْجَسَدَ وَيُشَتِّتُ الذِّهْنَ، وَالإِغْرَاقُ فِي اللَّهْوِ يُمَزِّقُ صِلَةَ الْقَلْبِ بِاللَّهِ، وَالسَّفَرُ غَيْرُ الْمَحْسُوبِ قَدْ يَجْلِبُ مَشَقَّةً فَوْقَ طَاقَةِ الْمُسَافِرِ. وَالْمَقْصُودُ مِنَ الإِجَازَةِ أَنْ تُعِيدَ التَّوَازُنَ لَا أَنْ تُخِلَّ بِهِ. وَرُبَّ سَاعَةِ لَهْوٍ مُبَاحٍ تُحَرِّكُ الرُّوحَ، وَرُبَّ لَهْوٍ مُنْفَلِتٍ يُبَعْثِرُ الْعُمْرَ فِي غَفْلَةٍ لَا يَشْعُرُ صَاحِبُهَا إِلَّا وَقَدْ ضَاعَ مِنْهُ مَا لَا يُعَوَّضُ.
وَفِي خِتَامِ هَذِهِ الْمَعَانِي تَبْقَى حَقِيقَةٌ كُبْرَى: أَنَّ الزَّمَنَ رَأْسُ مَالِ الْإِنْسَانِ، وَأَنَّ كُلَّ مَوْسِمٍ يَمُرُّ إِنَّمَا هُوَ وَرَقَةٌ تُطْوَى مِنْ كِتَابِ الْعُمْرِ. وَالسَّعِيدُ مَنْ كَتَبَ فِي الصَّحَائِفِ مَا يُرْضِي اللَّهَ، وَاسْتَثْمَرَ أَيَّامَهُ فِي طَاعَةٍ وَبِرٍّ وَصِنَاعَةِ أَثَرٍ، وَجَعَلَ مِنَ الإِجَازَاتِ مَهْمَا قَصُرَتْ رَوَاحًا لِرُوحِهِ، وَزَادًا لِقَلْبِهِ، وَعَوْنًا لَهُ عَلَى مَسِيرَةِ الْأَيَّامِ.
وَمَا مِنْ يَوْمٍ يَنْشَقُّ فَجْرُهُ إِلَّا وَيُنَادِي: يَا ابْنَ آدَمَ، أَنَا خَلْقٌ جَدِيدٌ، وَعَلَى عَمَلِكَ شَهِيدٌ، فَتَزَوَّدْ مِنِّي فَإِنِّي لَا أَعُودُ.اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي أَوْقَاتِنَا، وَأَعِنَّا عَلَى حُسْنِ اسْتِثْمَارِهَا، وَاجْعَلْ أَيَّامَنَا شَوَاهِدَ لَنَا لَا عَلَيْنَا، وَأَمِدَّنَا مِنْ فَضْلِكَ بِتَوْفِيقٍ لَا يَنْقَطِعُ، وَهِدَايَةٍ لَا تَزُولُ.
بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبةُ الثانيةُ
الحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا فَتَحَ لِعِبَادِهِ مِنْ طُرُقِ الْأَسْفَارِ، وَيَسَّرَ لَهُمْ مِنْ أَسْبَابِ الْحِفْظِ وَالسَّلَامَةِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ يَكْلَأُ عِبَادَهُ فِي ظَعْنِهِمْ وَإِقَامَتِهِمْ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ عَلَّمَ الْأُمَّةَ آدَابَ الْأَسْفَارِ، وَبَيَّنَ لَهُمْ مَا يُعِينُهُمْ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ فِي كُلِّ حَالٍ. صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ مِنْ أَهَمِّ مَا يَجِبُ عَلَى الْمُسَافِرِ تَعَلُّمُهُ أَحْكَامُ الصَّلَاةِ؛ فَالسَّفَرُ مَظِنَّةُ الرُّخَصِ الَّتِي شَرَعَهَا اللَّهُ تَيْسِيرًا، وَمِنْ فَضْلِهِ سُبْحَانَهُ أَنْ جَعَلَ الصَّلَاةَ فِي السَّفَرِ تُقْصَرُ فَتَصِيرُ الرُّبَاعِيَّةُ رَكْعَتَيْنِ، رَحْمَةً بِعِبَادِهِ. وَيَتَأَكَّدُ لِلْمُسَافِرِ تَعَلُّمُ أَحْكَامِ الْجَمْعِ وَالْقَصْرِ؛ فَإِنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي وَقْتِ إِحْدَاهُمَا مِمَّا شَرَعَهُ اللَّهُ تَخْفِيفًا فِي الْأَسْفَارِ الَّتِي يَشِقُّ فِيهَا التَّوَقُّفُ أَوْ يَضِيقُ فِيهَا الْوَقْتُ. وَالْمَقْصُودُ أَنْ تَبْقَى الصَّلَاةُ عَلَى رَأْسِ الْمَقَاصِدِ، فَلَا يَشْغَلَ السَّفَرُ عَنْهَا، وَلَا تَضِيعَ بَيْنَ مَرَاحِلِ الطَّرِيقِ.
وَتَبْقَى وَصِيَّةُ النَّبِيِّ ﷺ جَامِعَةً فِي شَأْنِ السَّفَرِ، إِذْ قَالَ: «الرَّاكِبُ شَيْطَانٌ، وَالرَّاكِبَانِ شَيْطَانَانِ، وَالثَّلَاثَةُ رَكْبٌ». وَالْمَقْصُودُ اجْتِمَاعُ الْقُلُوبِ عَلَى نُصْحٍ وَمَعُونَةٍ، وَتَأْمِينُ الْمُسَافِرِ مِنْ آفَاتِ الطَّرِيقِ وَوَحْشَتِهِ. فَإِذَا اجْتَمَعَتِ الرِّفْقَةُ عَلَى ذِكْرٍ وَطَاعَةٍ، تَحَوَّلَ السَّفَرُ مِنْ انْتِقَالٍ فِي الْمَكَانِ إِلَى ارْتِقَاءٍ فِي الْإِيمَانِ.
اللَّهُمَّ احْفَظْ عِبَادَكَ فِي أَسْفَارِهِمْ، وَيَسِّرْ لَهُمْ طُرُقَ الْخَيْرِ، وَاكْتُبْ لَهُمْ حُسْنَ الأَدَبِ، وَصَلَاحَ الرِّفْقَةِ، وَسَدَادَ الْعَمَلِ. اللَّهُمَّ اجْعَلْ سَفَرَهُمْ مَحْفُوفًا بِرِعَايَتِكَ، وَعَوْدَتَهُمْ مَقْرُونَةً بِعَفْوِكَ وَبَرَكَتِكَ.
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِينَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَزْوَاجِهِ الطَّيِّبِينَ وَصَحَابَتِهِ الْغُرِّ الْمَيَامِينِ وَتَابِعِيَّهِمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ. اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ. اللَّهُمَّ وَفِّقْ خَادِمَ الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ، وَوَلِّيَ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، يَا ذَا الْجَلَالِ وَالإِكْرَامِ. اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِطِينَ. اللَّهُمَّ سُقْيَا رَحْمَةٍ، لَا سُقْيَا عَذَابٍ، وَلَا بَلَاءٍ وَلَا هَدْمٍ وَلَا غَرَقٍ.
عِبَادَ اللَّهِ: اذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيلَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ
المرفقات
1763628797_إجازة الخريف.docx
1763628799_إجازة الخريف.pdf