إنهما حضن وحصن في 21-2-1447
أحمد عبدالعزيز الشاوي
الحمد لله البر الرحيم، العلي العظيم، يعلم ما في السموات وما في الأرض وهو بكل شيء عليم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك القدوس الحليم، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ذو الحلق العظيم، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا ،
أما بعد: فيا أيها الذين آمنوا اتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا.
ماأقسى الحياة بدونهم .. ماأجمل العيش بوجودهم .. إنهم ولو كانوا أجسادا على الأسرة لاتتكلم فلاتطيب البيوت إلا بعبير أنفاسهم .. فكيف لو كانوا ملء أسماعنا وابصارنا بحديثهم ..بابتسامتهم .. بنصحهم .. بطيب كلامهم .. برؤيتهم يتغشانا الأمن وبقربهم نتذوق معنى الحنان .. قربهم رحمة ومسهم نعيم وحديثهم تفكه وأمرهم كرامة وخدمتهم رفعة .. لاتبصر الحياة كل الحياة إلا حيث هم
لانعرف قدرهم إلا حين نفقدهم وتخلو حياتنا من بهائها حينما تخلو البيوت من أركانها وأنوارها ومصدر من مصادر سعادتها وأنسها
إنهم الآباء والأمهات .. إنهم من أبواب الجنات فآخذ لهذا الباب وتارك له ..
إنهم آباؤنا وأمهاتنا والسبب بعد الله في وجودنا ,, إنهم الذين يضحكون إذا ضحكنا ويحزنون إذا حزنا ويتألمون إذا توجعنا ويسهرون إذا مرضنا ويتبسمون إذا أكلنا أو شربنا
إنهم الآباء والأمهات الذين انحنت ظهورهم لتستقيم ظهورنا .. واخشوشنت أيديهم وتجعدت وجوههم لكي تتنعم أيدينا وأجسامنا
إنهما الوالدان ، فالأب حصن والأم حضن ، فماأهنأنا بين حصن منيع وحضن حنون
إنها الأم التي تذبل لذبول وليدها وتغيب بسمتها إن غابت ضحكته، وتذرف دموعها إن اشتد توعكه وتحرم نفسها الطعام والشراب إن صام عن لبنها وتلقي نفسها في النار لتنقذ وليدها وتتحمل من الذل والشقاء أمثال الجبال كي يحيا ويسعد .. إنها الأم التي يرقص قلبها إذا ضحك الوليد ولا تسعها الدنيا نشوة إذا حبا أو مشى وتسمع نغم الدنيا في كلمته وترى الحياة كلها نورا وجمالا وهي تراه مع الصبيان يلعب أو إلى المدرسة يذهب
إنه الأب الذي من أجلك يكد ويشقى، ولراحتك يروح ويسعى ويدفع عنك صنوف الأذى يتنقل في الأسفار يجوب الفيافي والقفار ويتحمل الأخطار بحثا عن لقمة العيش ليشبعك
إنهم الآباء والأمهات وجودهم جمال وروعة وفراقهم أحزان ولوعة ،
يامعشر الأبناء والبنات : إن وجود الوالدين في حياتكم نعمة من الله مؤقتة فلاتكدروا صفوها بالعقوق وإنكار الحقوق
أقسم برب البيت والحرم ومن برأ الكون من عدم أنه مامن فاقد لوالديه إلا سيندم ، إن كان أحسن ندم ألا يكون قد ازداد وإن كان أساء ندم ألا يكون قد استعتب
يكفي في البر أنه يهدي إلى الجنة .. يكفي في حقهم أن الله قرن شكرهما بشكره وأتبع الإحسان إليهما بالأمر بعبادته .. يكفي أن من أرضى الوالدين فقد أرضى الله ومن أسخطهما فقد أسخطه ومن برهما وأحسن إليهما فقد شكر ربه ومن أساء إليهما فقد كفر بنعمته وهما الباب الموصل إلى الجنة فمن بر بهما وصل ومن عقهما منع فهل يبقى بعد ذلك عذر لمعتذر
ألا يكفيكم رضى الوالدين وبرهما سبب في حلول الفرج إذا بلغت الشدة غايتها وتسهيل العسير إذا استحكمت عقدها وقصة أصحاب الغار على ذلك شاهدة
يامعشر الأبناء والبنات : إن ديننا أمر بالبر بلا تحديد ولا تفصيل ولاتقسيم فإن ذلك أمر لا يخضع للتفصيل والتعيين إنما يخضع للظروف والأحوال والحاجة والقدرة والذوق الإنساني والعرف الاجتماعي والشعور الحي لدى الأبناء
ياأبناء الإسلام : إن البر بالوالدين والإحسان إليهما عام مطلق ينضوي تحته ما يرضي الابن وما لا يرضيه من غير احتجاج ولا جدل ولا مناقشة ولا ضجر ذلك أن كثيرا من الأبناء يحسبون أن البر فيما يروق لهم ويحقق رغباتهم وما تهواه نفوسهم والحق أن البر لا يكون إلا فيما يخالف أهواءهم وميولهم ولو كان فيما يوافقها لما سمي برا
يامعشر الأبناء والبنات : سطروا أروع صور البر بالوالدين ، وارسموا أجملها ، وأعظم البر صلاحكم واستقامتكم وأن تجتنبوا كبائر الإثم والفواحش فما سعد والد بشيء أعظم
من صلاح أولاده وتذكروا حرقة نبي الله نوح عليه السلام وهو ينادي ابنه ( يابني اركب معنا .. ) ويلتمس من ربه أن يكون من الناجين ( رب إن ابني من أهلي .. ) فاحذروا أن تكون مصدر قلق ومعاناة لآبائكم وأمهاتكم بعانون مع كل صلاة ، ويتعبون مع كل انحراف
يامعشر الأبناء والبنات : عبروا عن بركم بمراعاة المشاعر النفسية وتحسس رغبات والديكم واهتماماتهم ، وقيل لعلي بن الحسين رضي الله عنهما : أنت من أبر الناس ولا نراك تأكل مع أمك فقال : أخاف أن تسبق يدي إلى ما قد سبقت إليه عينها فأكون قد عققتها ... وهكذا . فإن البر لا يكون في الكلام وإنما هو اطمئنان في النفس واعتراف بالفضل ونكران للذات.. عرف رحمه الله أن البر بالأم أن يشعر الولد بشعورها ويدرك بحدسه ما يجول في نفسها ويفهم من نظراتها مرادها فإذا فقد هذه المعاني فقد حقيقة البر. فاقضوا حوائج والديكم من قبل أن يطلبوها
قدروا مجالس والديكم ، واحذروا من الحديث بماليس تدركه أفهامهم أو ليس من اهتمامهم فيشعروا بالنقص أمامكم
انشغلوا بالنظر إليهم والحديث معهم وإليهم ودعوا كل مايشغلكم عنهم من أجهزة وبرامج تواصل فوالله يوم أن تفقدوهم لن تندموا على مقطع لم تشاهدوه أو كلام لم تقرأوه لكنكم ستندمون على لحظات جمعتكم بوالديكم لم تتذوقوا حلاوتها وطعمها
يامعشر الأبناء والبنات : إنكم لاتدرون كم بقي في أعمارهم فاستمتعوا بما تقدرون عليه من أوقاتكم بالجلوس مع والديكم فوالله الذي لارب غيره إن أجمل نزهة تقضيها هي في مواطيء أقدامهم والزم أرجلهم فثم الجنة
يامعشر الأبناء والبنات : عبروا عن بركم بالتقدير والاحترام لمطالب والديكم ولو كانت في نظركم تافهة ، ولا يمنعنكم منصب أو ثقافة أو مكانة من أن تذلوا أنفسكم لوالديكم فهذا حيوة بن شريح وهو أحد أئمة المسلمين يقعد في حلقته يعلم الناس فتقول له أمه : قم يا حيوة فألق الشعير للدجاج فيقوم ويترك التعليم
إنها نفوس عرفت معنى البر فلله درها
أقول هذا القول ....
الخطبة الثانية ... أما بعد :
يأمعشر الأبناء والبنات : عبروا عن بركم بالهدية لوالديكم مهما كبرت أو غلت وعلى قدر الكرام تأتي المكارم .. بلغت النخلة في عهد عثمان رضي الله عنه ألف درهم فعمد أسامة بن زيد إلى نخلة ففرقها فأخرج جمارها فأطعمه أمه فقالوا: ما يحملك على هذا وأنت ترى النخلة قد بلغت ألف درهم والحمار لا يساوي درهمين، قال: إن أمي سألتنيه ولا تسألني شيئا أقدر عليه إلا أعطيتها.
يامعشر الأبناء والبنات : عبروا عن بركم باحترام مشاعرهم وعواطفهم وحساسيتهم .. لاتجعلوا مجالسهم مكبات نفاية مشاكلكم وهمومكم ، بل أسعدوهم بأجمل تفاصيل حياتكم.. إنكم لاتشعرون بالحساسية المرهفة للوالدين تجاه أبنائهم فارحموا ضعفهم يرحمكم الله
يامعشر الأبناء والبنات : اغتنموا وجود الوالدين قبل أن تستيقظوا يوما لتجدوهم في عالم الأموات فوالله إن الشوق بعد الممات قاتل ،
يا ليت أهل العقوق يقفون على أحوال من سبقهم ممن بضاعته كبضاعتهم وعمله كعملهم ومنهجه كمنهجهم ليطلعوا على النكال الذي حل بهم والعذاب الذي نزل بهم والضيق الذي ألم بهم فيجدوا في ذلك ردعا لهم ووقاية لهم وإيقاظا لغفلتهم
ياأيها المسلمون والمسلمات : نه في خضم هذا الزمن الذي قست فيه القلوب وطغت فيه المادة وضعف فيه الوازع الديني وتلاشت فيه معاني المروءة ومكارم الأخلاق فإننا نخشى من نشوء جيل القطيعة الذي لا يعرف لوالد حقا ولا يحفظ لهم معروفا ولا يقدر لهم جهدا وما لم نتدارك ذلك بالتربية الحسنة وزرع بذرة الدين في قلوب أبنائنا، وتنشئتهم على معالي الأمور وما لم تقم محاضن التربية بدورها في ذلك فإن جيل القطيعة قادم لا محالة
وأنتم أيها الأبناء من كان له أبوان فليهنأ بهما وليحرص عليهما وليسع جهده في إرضائهما لأنه أوتي سعادة الدنيا والآخرة والوالدان تاج لا يراه إلا الأيتام ومن فقد أحدهما فقد خسر نصف السعادة فليحرص على نصفها الآخر قبل أن يزول ومن فجعه الدهر بهما فلا ينسهما من صلاته ودعواته ومن أصبح منكم أبا يدرك هذا ومن لم يصبح فعما قريب، وبروا أباء كم تبركم أبناؤكم والحياة دين ووفاء ونعوذ بالله من العقوق والجفاء، ويوم تبلى السرائر ويبعث ما في القبور ويحصل ما في الصدور حينها سيجد أهل العقوق غب عقوقهم وسيرى أهل البر حسن العاقبة وطوبى لمن لقي الله ووالداه عنه راضيان
ماتت أم إياس بن معاوية جعل يبكي فقيل : ما يبكيك؟ قال : كان لي بابان مفتوحان إلى الجنة وأغلق أحدهما
وهذا أحد العباد يبطىء يوما على إخوانه وهم ينتظرونه وكان من عادته أن يقبل كل يوم قدم أمه فلما سألوه عن سبب تأخره، أجاب : كنت أتمرغ في رياض الجنة ، فقد بلغني أن الجنة تحت أقدام الأمهات فيامعشر الأبناء والبنات : دونكم رياض الجنة فتمرغوا فيها قبل أن تصبح هشيما تذروه الرياح
فيارب اغفر لكل والد وما ولد ، ويارب ارحم والدينا كما ربونا صغارا...
هذا وصلوا وسلموا على الرحمة المهداة ....
المرفقات
1755168267_إنهما حضن وحصن.doc