إن الشيطان لكم عدو
عبدالعزيز بن محمد
الحمْدُ للهِ رَبِّ العالَمِين، خَلَقَ فَقَدَّر، ومَلَكَ فَدَبَّر، وشَرَعَ فَيَسَّر، لَهُ الأَمْرُ كُلُّه، {وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} وأَشْهَدُ أَن لا إِله إلا اللهُ وحَدَهُ لا شَرِيْكَ لَه، لا يُسأَلُ عَما يَفْعَلُ وهُمْ يُسْأَلُون. وأَشْهَدُ أَنَّ محمداً عبْدُهُ ورَسُولُه، بَلَّغَ الرِسالَةَ أَكْمَلَ بَلاغْ، ونَصَحَ الأُمَةَ أَتَمَّ نُصْح، فأَقامَها عَلى أَكْمَلِ شَرِيْعَةٍ وأَقْوَمِ دِين {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} صلى اللهُ وسَلَّمَ وبارَكَ عليه وعلى آله وأَصحابِه وعلى مَنْ اسْتَمْسَكَ بِسُنَّتِهِ إِلى يَومِ الدينِ. أَما بعدَ: فاتَّقُوا الله عبادَ اللهِ لعلكم ترحمون.
أيها المسلمون: تُوَالِي النَّفسُ مَنْ يَوالِيْها، وتُعادِيْ مَنْ يَتَرَبَصُ بِها ويُعَادِيْهَا. ولا يَسْتَوِيْ مَنْ يُمْحِضُ النُّصْحَ والوفاءَ بِصِدْقٍ، ومَنْ قَلْبُهُ بالحِقْدِ يُرْغِيْ وُزْبِدُ.
وحِيْنَ يَقُومُ الحَدِيْثُ عَنْ العَدوِّ وعَنْ أَصْنافِ العَداواتِ. وحِيْنَ تُورَدُ في ذلكَ القَصَصُ والمَواقِفُ والحِكايات، فَإِنَّكَ لَنْ تَجِدَ قِصَّةً أَصْدَقَ من قصةٍ قَصَّها اللهُ عَلَيْكَ في القُرآنِ، قِصَةَ عَداوَةِ الشَيْطانِ للإِنْسان. عَداوَةٌ مِنْ أَشْرَسِ العَداواتِ وأَحْقَدِها وأَمَدِّها وأَطوَلِها وأَعْتَاهَا. عَداوَةٌ كانَ ابْتِداؤُها مِنْ خَلْقِ آدَمَ عليه السلامُ، ولَنْ يكونَ لَها مُنْتَهىً قَبلَ أَنْ يَرِثَ اللهُ الأَرْضَ ومَنْ عَليْها في آخِرِ الزَمانِ {قَالَ أَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ * قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ * قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَّدْحُورًا لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ}
عَداوَةُ الشَيْطانِ للإِنْسان لا عَداوَةَ تُماثِلُها، ولا عَدَاوَةَ في الدُّنْيا تُدانِيْها. بَلْ لَيْسَ في الأَرْضِ مِنْ عَدَاوَةٍ إِلا وهِيَ نَاشئَةٌ مِنْ عَمَلِ الشَيْطان. عَداوَةُ الشَيْطانِ للإِنْسان مِنْ أَخطَرِ العداواتِ {فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى} {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ}
عَدُوٌّ لَمْ يُخْفِ عَداوَتَهُ، ولَمْ يَكْتِم أَحْقادَهُ ولَمْ يُسِرَّ فيها، بَلْ قَال: {قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَٰذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا} طَلَبَ مِنْ ربِهِ إِمْهالاً في الحَياةِ، وتأَجِيْلاً للأَجَلِ، وتأَخِيْراً للنِّهايَةِ، طَلَبَ مِنْ رَبِهِ عُمُراً طَويلاً، وسأَلَهُ حَياةً مديدةً، لِيُضاعِفَ فيها مكرَهُ وإِضلالَه، وصَدَّهُ وإِفسَادَهُ، وكيْدَهُ وإِغواءَه، لِيُوقِعَ الإِنْسانَ في قَاعِ الرَدَّى، في قَعْرِ نارٍ حَرُّها يَتَوقَدُ. سأَلَ اللهَ إِمهالاً وجاهَرَهُ رَبَهُ بالعَداءَ.
فَأَجابَهُ اللهُ لِما سأَلَهَ، ليجْعَلَهُ للناسِ فِتْنَةً وابْتِلاءً، فَقَالَ لَهُ اللهُ عَزَّ وَجَل: { اذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَّوْفُورًا *وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا * إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ وَكِيلًا}
أَذِنَ اللهُ للشَّيْطانِ أَنْ يَعْمَلَ عَمَلَهُ، ولَمْ يَذَرِ اللهُ عِبادَهُ سُدَى، ولَمْ يُسْلِمْهُم لِعَدُوِّهِم دُونَ أَنْ يَهَبَهُم وَسائِلَ النَجاةِ، ويُبَيِّنَ لَهُم عِظَمَ الخَطَر. بَلْ أَرْسَلَ إِليهِمُ المُرسَلِيْنَ، وأَنْزَلَ مَعَهُم كُتُباً بِها يَهْتَدُون، فَقاَلَ فيِما أَنْزَل {يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} (إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ) فَما حِيْلةُ إِنْسانٍ يَتَرَبَّصُ بِهِ عدُوٌّ يَراهُ وهُو لا يُرَاه؟! وما حِيْلَةُ إِنسانٍ يوَسوِسُ لَهُ شَيْطانٌ ويَدْعُوه إِلى هَواه؟! كَيْفَ الخَلاصُ من شَيْطانٍ يُوَسْوِسُ في الصَدْرِ، ويَسْرِي في العُرُوقِ كَسَرَيانِ الدَمِ ويَجْرِي، كَيْفَ الخَلاصُ، وكَيفَ مِنْهُ المَهْربُ؟!
لَقْدَ أَبَانَ اللهُ لِعِبَادِهِ أَسْبابَ الوِقايةِ مِنَ الشَيْطانِ، كَما أَبانَ لَهُم أَسْبابَ الوُقُوعِ في حَبائِلِه. أَبانَ لَهُم طُرُقَ النَجاةِ، وأَوْضَحَ لَهُم سُبُلَ الفَكاكِ، وأَرْشَدَهُم إِلى ما بِهِ يَتَحَصَّنُونَ. والمؤْمِنُ لا يَزالُ يَسْعَى في طَلَبِ الوِقَايَةِ من الشَيْطانِ، ويَسْعَى في اجْتِنابِ طَرائِقِه. فَما للشَّيْطانِ قُوَّةٌ يَقْهَرُ بِها الإِنْسانَ، ولَيْسَ لهُ أَمْرٌ يُرْغِمُ بِهِ مَنْ شاءَ على فعلِ ما شاءَ. وإِنما لَهُ مَكْرٌ يَسْتَدْرِجُ بِهِ الإِنسانَ رُويداً رُويداً حَتَى يُوقِعَهُ في أَبْشَعَ الأَفْعالِ، وأَقْبَحَ الأَعْمالِ، وأَرْذَلِ الخِصال. في خُطُواتٍ مُتدَرِّجَةٍ مُتَتَالِيَةٍ، كُلَّما اسْتَجابَ الإِنسانُ لِخُطْوَةٍ مِنْ خُطُواتِهِ، زَيَّنَ لَهُ الشَيْطانُ الخُطْوَةَ التي تَلِيْها.
يُهَوِّنُ عليهِ الشَيْطَانُ صَغائِر الذُنُوبِ ويُزَيِّنُ لَهُ مُقارَبَتَها، فَإِذَا ما وَقَعَ المرءُ فِيْها، فَتَحَ لَهُ الشَيْطَانُ نافِذَةً إِلى ذُنُوبٍ أَكْبَرَ مِنْها، ثُم يُشْرِعُ لَهُ الشَيْطَانُ أَبْواباً إِلى الحَرامِ في أَجْمَلِ صُورَةٍ. وهُنا الشَيْطَانُ يَقْوَى، وهَنا المُسْتَجِيْبُ لَهُ في ضَعْفٍ وانْهِزام.
خُطُواتُ الشَيْطَانِ ماكِرَةٌ، يَسْتَدْرِجُ بِها الإِنْسانَ حَتَى يُوقِعَهُ في تَلَفِهِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ} {وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} أَغْلِقْ نافِذَةَ الحَرامِ مِنْ أَوَّلِ مَرَّةٍ، وجاهِدْ نَفْسَكَ في الخَلاصِ مِنْها مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ، وتَدَارَكْ نَفْسَكَ في أَقْرَبِ وَقْتٍ. فإِنكَ إِن خَطَوْتَ واحِدَةً، فَلَسَوفَ تَخْطُو أُخْرَى، وأَخْرَى بَعْدَها. وكَيْفَ يَرْضَى عاقِلٌ أَنْ يَمْضِيْ على خُطَى العَدُوِّ بانْقِيادٍ واسْتِجابَةٍ وإِذْعان؟! لا تَظُنَّنَ أَنَّ دَاعِيْ الهَوى في نَفْسِكَ لَيْسَ مِنْ وَسْوَسةِ الشَيْطانِ، فَإِنَّ عَدُوَّكَ خَفِيٌّ ولَنْ تَراه {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ} يُوَسْوِسُ في صَدْرِ الإِنْسانِ، ويُزَيِّنُ لَهُ الإِثْمَ والفَوَاحِشَ والعِصْيان، ولا عِصْمَةَ إِلا لِمَنْ اسْتَعاذَ مِنْهُ بِالرَّحْمَنِ {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}
اسْتَعْذْ باللهِ من شَيْطانِ يَتربَّصُ بِكَ، فإِنَ من اسْتعاذَ باللهِ أَعاذَه، وفي القُرآنِ سُورَةٌ كامِلَةٌ بِها للمُسْتَعَيْذِ مَعَاذٌ، وبِها للمُسْتِجِيْرِ أَمَان. سُورَةٌ شَرَعَ اللهُ للعَبْدِ أَنْ يَسْتَعِيذَ بها من الشَيْطانِ، شُرِعَتْ في أَذْكارِ الصَباحِ، وفي أَذْكارِ المَساءِ، وفي الأَذْكارِ قَبْلَ المَنام {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَٰهِ النَّاسِ * مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ}
وذِكْرُ اللهِ حِصْنٌ حصيِنٌ من الشَّيْطانِ الرَّجِيْم، وكُلَّما كانَ العَبْدُ أَكْثَرَ ذِكْراً للهِ في يَومِهِ ولَيْلَتِهِ، كانَ أَقْوَى حَصانَةً ومَنَعَةً وأَماناً. وكُلَّما كَانَ العَبْدُ في غَفْلَةٍ وبُعْدٍ وصُدُودٍ، كانَ الشَيْطانُ أَقْدَرُ عليهِ وأَقْوَى {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَـٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} {وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا} بارك الله لي ولكم..
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأَشْهَدُ أَن لا إِله إلا اللهُ ولي الصالحين، وأَشهدُ أَن محمداً عبدهُ ورسولُهُ النبي الأَمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آلِهِ وأَصحابِه أجمعين. أَما بعد: فاتقوا الله عباد الله لعلكم ترحمون.
أَيُّهَا المُسْلِمُوْن: مَنْ عَرَفَ عَدُوَّهُ تَحَرَّزَ مِنْهُ، وكَانَ مِنْ مَكْرِهٍ على تَخَوُّفٍ وتَوَقٍّ وحذَر. وعَلى قَدْرِ العَدَاوَةِ يَكُونُ البُعْدُ، وعلى قَدْرِ المَكْرِ يَكُونُ الحَذَر. وما أَفْلَحَ مَنْ مَنَحَ العَدُوَّ مِفْتاحَ دارِهِ، وما نَجا مَنْ وهَبَ العَدُوَّ أَسْبابَ الظَفَر،
وأَعدى الأَعداءِ شَيْطانٌ رَجِيْم. ويَكْمُنُ خَطَرُ الشَيْطَانِ أَنْ كَانَ خَلْقاً خَفِياً لا يُرَى {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ} وحَرِيٌّ بِمَكَنَ هذا عَداؤُهُ وهذا خَفاؤُهُ، أَنْ تُضَاعِفَ العَبْدُ حَذَرَهُ مِنْه.
وكَما أَنَّ العَبْدَ مأَمُورٌ أَنْ يُحَصِّنَ نَفْسَهُ مِنْ الشَيْطانِ، فإِنَّهُ مأَمُورٌ بأَنْ يُحَصِّنَ أَهْلَهُ وبَيْتَهُ وولَدَهُ مِنْهُ. فَلِشَّيْطانِ مُشَارَكَةٌ للإِنْسانِ في أَموالِهِ وأَولادِه ما لَمْ يَعْتَصِمَ مِنْه، قَالَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا}
ومُشارَكَةُ الشَّيْطانِ للإِنْسانِ في أَمْوالِهِ تَتَحققُ في الاسْتِجابَةِ لَهُ في كُلِّ مَعْصِيةٍ مُقْتَرِنَةٍ بالمَالِ، من مَنْعٍ للزَكاةِ، وبُخْلٍ في النَفَقِةٍ، وكَسْبٍ للحرام، وظُلمٍ للخَلقِ، ونَحْوها.
ومُشارَكَتُهُ للإِنْسانِ في أَولادِهِ، تَتَحققُ في ُكُلِّ مَعْصِيةٍ مُقْتَرِنَةٍ بالوَلَدِ، حِيْنَ يُزَيِّنُ لَهُ الشَيْطانُ تَقْدِيْمَ الهَوى على تأَدِيَةِ الأَمانَةِ، حِيْنَ يَهَبُ المرءُ أَولادَهُ أَسْبابَ الرَفَاهِيَةِ ويَتَخَلَّى عَنْ مَنْحِهِم أَسْبابَ النَجاةِ. وحِيْنَ يُحْجِمُ الإِنْسانُ عَنْ تأَدِيْبِ أَولادِهِ، وعَنْ تَرْبِيَتِهِم على شَرائِعِ الدِيْنِ. فَيَتَولَّى الشَيْطانُ اقْتِيادَهُم.
وتكونُ مُشارَكَةُ الشَّيْطانِ للإِنْسانِ في أَمْوالِهِ وأَولادِهِ، حِيْنَ يَغْفَلُ المرءُ عَنْ التَسْمِيَةِ عِنْدَ الطَّعَامِ والشَّرَابِ والجِمَاعِ. فَيَكُونُ للشَيْطانِ نَصِيْبُ في ذَلِك، عَنْ جَابِرِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: «إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ، فَذَكَرَ اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ الشَّيْطَانُ ــ أَي قَال لأَصْحابِهِ مِنَ الشَياطِيْن ــ: لَا مَبِيتَ لَكُمْ، وَلَا عَشَاءَ، وَإِذَا دَخَلَ، فَلَمْ يَذْكُرِ اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ، قَالَ الشَّيْطَانُ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ، وَإِذَا لَمْ يَذْكُرِ اللهَ عِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ وَالْعَشَاءَ» رواه مسلم
فَعَلى المُسْلِمِ أَنْ يلْزَمَ الذَّكْرَ والتَسْمِيَةَ، عِندَ دَخُولِهِ لِبَيْتِهِ وبُسْتانِهِ وكُلِّ مَكانٍ يَأَوِيْ إِليهِ، وأَنْ يَلْزَمَ التَسْمِيَةَ قَبْلَ بِدئِهِ بالطَعامِ والشَّرَابِ، وأَنْ يَلْزَم الذِكْرَ الوَارِدَ قَبْلِ الجِماعِ. فَمَا أَكْثَرَ مَنْ يَغْفَلُ عَن هذا الذِّكْرِ مَعِ عَظِيْمِ أَثَرِه. وما أَكْثَرَ مَنْ يَجْهَلُهُ، أَو لا يَتَفَطَنُ إِليهِ في مَوْضِعِه. عَنْ ابنْ عَبَّاسٍ رضي الله عَنْهُما أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، فَإِنَّهُ إِنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فِي ذَلِكَ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْطَانٌ أَبَدًا» متفق عليه
* ومما يَنْبَغِيْ للوالِدِين والمعَلِمِيْنَ والمُرَبِيْنَ أَنْ يُرَبِو النَّاشِئَةَ على الحذَرِ مِنْ الشَيْطانِ، وعلى الحذَرِ مِن اتِّباعِ خُطُواتِه، وأَنْ يُرَبُّوهُم على مُلازَمَةِ الاسْتِعاذَةِ باللهِ مِنْ الشَيْطانِ، وعلى مُلازَمَةِ ذِكْرِ اللهِ والتَسْمِيَةِ عِنْدَ الدُخُولِ والطَعامِ والشَّرَاب. فَكَمْ اسْتَحَلَّ الشَيْطانُ مِنْ طَعامٍ بسَببِ غُلامٍ أَكَلَ لَمْ يُسَمِ اللهِ قَبْلَه. عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا إِذَا حَضَرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا لَمْ نَضَعْ أَيْدِيَنَا حَتَّى يَبْدَأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَضَعَ يَدَهُ، وَإِنَّا حَضَرْنَا مَعَهُ مَرَّةً طَعَامًا، فَجَاءَتْ جَارِيَةٌ كَأَنَّهَا تُدْفَعُ، فَذَهَبَتْ لِتَضَعَ يَدَهَا فِي الطَّعَامِ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهَا، ثُمَّ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ كَأَنَّمَا يُدْفَعُ فَأَخَذَ بِيَدِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَسْتَحِلُّ الطَّعَامَ أَنْ لَا يُذْكَرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ، وَإِنَّهُ جَاءَ بِهَذِهِ الْجَارِيَةِ لِيَسْتَحِلَّ بِهَا، فَأَخَذْتُ بِيَدِهَا، فَجَاءَ بِهَذَا الْأَعْرَابِيِّ لِيَسْتَحِلَّ بِهِ، فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ يَدَهُ فِي يَدِي مَعَ يَدِهَا» رواه مسلم أَلا إِنَّ السَّعِيْدَ مَنْ عُصِمَ منَ الشَيْطانِ وَوُقِيَ مَنْ شِراكِهِ {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ وَكِيلًا}
اللهم أَعذنا من الشَّيْطانِ الرجيم، واجْعَلنا من عِبادِكَ المُخْلَصِيْن..
المرفقات
1764226194_إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ 7ـ 6 ـ 1447هـ.docx