«إِنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ، فَحُجُّوا» 18/ 11 / 1446هـ
د عبدالعزيز التويجري
الخطبة الأولى: «إِنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ، فَحُجُّوا» 18/ 11 / 1446هـ
الحمد لله الكريم الوهاب، غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب، ذي الطول لا إله إلا هو إليه أدعو وإليه مآب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبدالله ورسوله ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد:
فاتقوا الله أيها المؤمنون: وتزودوا فإن خير الزاد التقوى. وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ.
صعد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المنبر ، فَقَالَ: « يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ، فَحُجُّوا»، فَقَالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَوْ قُلْتُ: نَعَمْ لَوَجَبَتْ، وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ ، ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ » أخرجه مسلم .
بيتٌ حجه الأنبياء وقصده الحنفاء ، بيتٌ خطته الركائب والركاب ، وحفيت أقدام على تلك الأودية والهضاب .. حج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بموكبٍ مد البصر ما بين راكبٍ وماش، فكان كلما مر على وادٍ قَالَ: «أَيُّ وَادٍ هَذَا؟» قَالُوا: هَذَا وَادِي الْأَزْرَقِ، قَالَ: «كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ هَابِطًا مِنَ الثَّنِيَّةِ، لَهُ جُؤَارٌ إِلَى اللهِ بِالتَّلْبِيَةِ»، ثُمَّ سارَ حَتَّى أَتَى عَلَى ثَنِيَّةٍ، فَقَالَ: «أَيُّ ثَنِيَّةٍ هَذِهِ؟» قَالُوا: هَرْشَى قَالَ: «كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى يُونُسَ عَلَى نَاقَةٍ حَمْرَاءَ، عَلَيْهِ جُبَّةُ صُوفٍ، خِطَامُ نَاقَتِهِ لِيفٌ، مَارًّا بِهَذَا الْوَادِي مُلَبِّيًا»
ياحبذا الحج وأيامُ مِنَى ... ومُصلّانا وتقبيلُ الحجر
الحج أمنيةُ كلِ مسلم ، وأنسُ كلِ مؤمن، وبُلغةُ كلِ منقطع لربه.. تتقطعُ القلوبُ اشتياقً إليه، وتحتفي الأقدامُ مشيا إلى عرصاته ، وتبح الحناجر تلبية لدعوته {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}
أَرى الناسَ أَصنافاً وَمِن كُلِّ بُقعَةٍ ... إِلَيكَ اِنتَهَوا مِن غُربَةٍ وَشَتاتِ
تَساوَوا فَلا الأَنسابُ فيها تَفاوُتٌ ... لَدَيكَ وَلا الأَقدارُ مُختَلِفاتِ
لا تلامُ النفوسُ وهي تتلهفُ أخباره ، وتلهث لبلوغه، وتدفع الغالي والنفيس من أجل الحصول للوصول إليه ..
فكم لذةٍ كم فرحةٍ لطوافهِ فللهِ ما أحلى الطواف وأهناه
فواشوقَنا نحو الطوافِ وطيبهِ فذلك شوقُ لا يُعبر معناه
أي قلب لايتقطع اشتياق لتلك الربوع، وذاك الرضاب، وفضائله تقرع الآذان، وتشق الأسماع من كلام سيد الأنام عليه الصلاة والسلام: «مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» «الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ» متفق عليهما
الحج كم اعتز به من ذليل لاذ بجناب الله، وبورك فيه منكسر انطرح بين يدي مولاه، تآلفت فيه قلوب، وفرجت كروب، وحطت فيه أوزار وغفرت ذنوب ..
الحج فرض وركن من أركان الإسلام لا يسقط على من استطاع إليه سبيلا {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} ..
ومن تمنى بصدق بلوغ تلك المشاعر العظام، وترقرقت محاجره متلهفاً لبيت الله الحرام ولم يستطع لذلك سبيلاً لمرض ألم وبه وأقعده عن المسير، أو لقلة ذات اليد ولم يستطع لغلاء أسعاره ، وخشي من أخطاره لعدم حصول تصريح لأدائه ، فإن الله يعذره ويبلغه بكرمه أجره «إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا، مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا، وَلاَ قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلَّا كَانُوا مَعَكُمْ، حَبَسَهُمُ العُذْرُ» شاركوكم الأجر . متفق عليه.
وفي مسند الإمام أحمد " مَثَلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ مَثَلُ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ: رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالًا وَعِلْمًا، فَهُوَ يَعْمَلُ بِهِ فِي مَالِهِ يُنْفِقُهُ فِي حَقِّهِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ عِلْمًا وَلَمْ يُؤْتِهِ مَالًا، فَهُوَ يَقُولُ: لَوْ كَانَ لِي مِثْلُ مَالِ هَذَا، عَمِلْتُ فِيهِ مِثْلَ الَّذِي يَعْمَلُ " قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: " فَهُمَا فِي الْأَجْرِ سَوَاءٌ " الحديث ..
ولكن الخسران والحرمان أن يُهدر الإنسانُ الأموالَ في تنزهٍ وسياحةٍ وتوسعٍ، ثم يُحجمُ عن الحجِ ويرى نفسَه مع غيرِ المستطيعين ، فحققوا أركان دينكم ، وكل نفقة في الخير فهي مخلوفه، والله لايضيع أجر من احسن عملاً.
اللهم وفقنا لطاعتك وابعدنا عن معصيتك، واصرف عنا غضبك وسخطك ،
ونستغفرك اللهم من ذنوبنا، إنك أنت الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية :
الحمدلله معز من أطاعه واتقاه ومذل من خالف امره وعصاه ، وصلى الله وسلم على خير خلق الله أما بعد
الحج فرصة لمن ناله ووصل لتلك الرحاب الطاهرة الآمنة الوادعة، لاكتمال ركن الإسلام، ومحط لمحي الأوزار ، وبلغة لهدم جاهلية الإنسان وتجديد الإيمان.. وفي صحيح مسلم قال النبي r لعَمْرٍو بْنَ الْعَاصِ t «أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟» وتحقيق ذلك في قوله سبحانه {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} من فرض الحج فاليتعلم مناسكه، واليحج كما حج المصطفى شعاره لعل خفاً يقع على خف، وليحفظ بصره، وليمسك لسانه إلا من ذكر الله وما والاه .
الحج إخلاص وطاعة وإنابة، لا مباهاة ورياءً وتصوير، قال أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ t: حَجَّ النَّبِيُّ r عَلَى رَحْلٍ، رَثٍّ، وَقَطِيفَةٍ لَا تُسَاوِي أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ، ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ حَجَّةٌ لَا رِيَاءَ فِيهَا، وَلَا سُمْعَةَ»
الحج دعاء وإخبات، ورجاء مع حسن اتباع ثم ليبشر بعدها بكرم الله وعطائه وقبوله فالله لا يضيع أجر من أحسن عملا ..
اللهم احفظ علينا أمننا وإيماننا وعقيدتنا وبلادنا ، اللهم من اراد بنا أو بالحجاج والمسلمين سوءا أو فتنة فأشغله في نفسه ورد كيده في نحره وارح المسلمين من شره .
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وارض اللهم عن صحابته اجمعين وعمنا معهم برحمتك يا ارحم الراحمين .
المرفقات
1747307751_«إِنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ، فَحُجُّوا».docx
1747307752_«إِنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ، فَحُجُّوا».pdf