احذروا مرض الايد
شادي باجبير
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة: احذروا مرض الايدز ، أ.د. صالح دعكيك، مسجد آل ياسر، حضرموت، المكلا،9/5/2025م
· الحمد لله رب العالمين.
نريد أن نقف اليوم مع إحدى معضلات العصر، وأخطر الأمراض التي تواجه البشر، إنها الأمراض التي تسببها الفيروسات، التي تهدد البشرية بالفناء.
ومن تلك الفيروسات الخبيثة فيروس مرض الإيدز، ذلك الكائن المتناهي في الصغر، الذي لا يرى إلا بأدق المجاهير الطبية، لقد حصد هذا الفيروس منذ ظهوره ما يزيد على 42 مليون شخص في العالم حتى سنة 2023م.
وتظهر التقارير الأممية أن الإصابات الجديدة بفيروس نقص المناعة البشرية آخذة في الارتفاع في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كما تؤكد أن الأرقام المعلن عنها في بعض البلاد ينبغي أن تضرب في عشرين !!.
ومع وصل إليه العلم اليوم من تقدم هائل، وتقنية عالية، ومحاولات مستميته لإيقاف هذا النزيف المميت، الذي يتجرع غصصه وأوجاعه الملايين! إلا أنه لم يفلح في إيقاف على هذا الفيروس، ولا إيجاد مصل للقضاء عليه، وما هي إلا محاولات لمحاصرته والتخفيف من آثاره وآلامه.
إن الأمراض الجنسية تظل حتى الآن من أكثر الأمراض المعدية انتشارا في العالم وصعوبةً في العلاج، كما جاء في مرجع " مرك " الطبي : " إن الأمراض الجنسية هي أكثر الأمراض المعدية انتشارا في العالم".
إنه فيروس خلقه الله متخصصا لمن حاد عن الفضيلة، وارتمى في حضن الرذيلة، وانغمس في العلاقات الجنسية المحرمة، من الزنا واللواط والسحاق، فهو عقاب من الله تعالى للبشرية حين تحيد عن منهج الله، وتتمرد على الفطرة السليمة، وتضرب عرض الحائط بالقيم النبيلة.
إنها عقوبات معجلة لأمم استبدلت بالعفة والطهارة الفواحش المحرمة، ما ظهر منها وما بطن، بل وعملوا على إصدار قوانين للزنا واللواط والمثلية، في تحد صارخ لشرائع السماء!!
يقول أحد كبار علماء الميكروبولوجيا: بأن هذا المرض سوف يقضي على مجتمعات ودول كاملة. نسأل الله السلامة والعافية.
إن الفواحش من الزنا واللواط والسحاق محرم في جميع رسالات الأنبياء، قال تعالى: ] وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً(. [الإسراء:32]، وفي الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا ظهر الزنا والربا في قوم فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله). رواه الحاكم (2261) وصححه، ووافقه الذهبي.
أيها المومنون: أليس ما نراه اليوم من انتشار لهذا المرض الفتاك، والشبح المخيف، الذي عقدت له آلاف الندوات والمؤامرات، وبذل لمحاربته المليارات، أليس هو ما أخبر به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم من أن البشرية حين تخرج عن أحكام الله، تنحر القيم، وتستبيح الفواحش، وتظهرها للعلن، تصيبها أدواء لا علم لهم بها، قال عليه الصلاة والسلام : (لم تظهر الفاحشة في قوم قط، حتى يعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون، والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا). ابن ماجة (4019) والحاكم (8623) وصححه ووافقه الذهبي.
لقد أبان هذا الفيروس الإفلاس الحضاري ، وكشف الوجه القبيح للحضارة المعاصرة، التي انحرفت منهج الله، وتمردت على الفطرة السليمة، وانتهكت كل فضيلة، وفعلت كل قبيح ، ولم يعد عندها معنى للشرف والعفة، والطهر والنقاء ، ووصل القوم إلى البهيمية في أخلاقهم، في حدائقهم ومتنزهاتهم وشواطئهم وأفلامهم وقنواتهم، فأراد الله أن يبعث هذا المرض في هذا العصر لينتبه الناس، ويستيقظوا ولا ينخدعوا بزيف الحضارة وبريقها ، وليكون وصمة عار على أولئك الذين عزفوا عن الطريق السوي ، واتخذوا الفاحشة والشذوذ وسيلة لتصريف شهواتهم.
إن البشرية كلها ستكون في تيه واضح، وضلال بيِّن، ما لم تهتد بنور الوحي، ويعودوا إلى تعاليم الإسلام، ورسالته العظيمة للبشرية، ولا طريق لسعادتها إلا بالرسالة المحمدية الخاتمة، قال تعالى: ]قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(. المائدة (16، 17).
أيها الأخوة: في يمننا الميمون، وفي محافظتنا حضرموت المباركة، لم يكن لنا عهد بهذا المرض الخبيث، بل كانت هناك حالات فردية كلها من الوافدين إلى بلادنا، ثم وجد الفيروس إلى أبنائنا سبيلا، وبدأ بغزو محافظتنا، عبر من لا يرجوا لله وقارا، حتى تجاوزت الحالات المكتشفة المسجلة في مستشفى ابن سيناء بالمكلا ما يزيد عن 400 حالة!! أكثرها حالات لفعل فاحشة اللواط، أعاذنا الله وإياكم منها.
ويعترف أحدهم أنه فعل الفاحشة ذلك مع شاب، ثم مارس مع زوجته، فنقل إلى تلك المسكينة هذا البلاء، وسينتقل ذلك إلى أولادها!!
ما ذا يفعل هذا المجرم بزوجته وأسرته؟ ما هو ذنب تلك المسكينة، وما ذنب أولادها أن يصيبهم هذا المرض القاتل؟ وربما يضلون العمر كله يعانون من آلامه وآثاره، وهجر الناس لهم ، وهناك عشرات حالات الولادة تكتشف بمرض الإيدز في المستشفيات، ربما لا تدري الأمهات من أين دخل عليهن هذا الفيروس المخيف؟!
كما أن هناك حالات عكسية من فعل بعض المجرمات من الزوجات اللاتي يمارسن الرذيلة، ثم تنقله لزوجها ولأوده من بعده!!
ما هذه الجرائم الفظيعة، والبلاوي القبيحة، التي تجري في بلادنا ، وتغزو دورنا ومجتمعاتنا، والتي يرتكبها هؤلاء السفهاء الآثمون؟ إنهم يجنون على أسرهم بهذه الأمراض الخطيرة، والله لئن يموت أحدهم، أو يهيم على وجهه في الأرض، خير له من أن يجلب العار والشنار على أهله وأولاده.
ربما كانت تلك المصيبة بسبب نزوة عابرة، من شاب أو زوج، فيجني على نفسه وعلى أسرته، إنها نزوة عابرة لم يتق الله تعالى فيها، فابتلاه الله عزوجل بهذه البلية المهلكة.
إن الأمر لا يقتصر فقط على الشباب، بل هناك أعداد من اللئام، من الرجال والنساء الذين منَّ الله عليهم بالزواج والستر، فهتكوا ستر الله، وذهبوا لخارج عش الزوجية لقضاء الوطر، والله إن هؤلاء لمستحقون أن يبتلوا بمرض الإيدز، بتركهم الحلال، واختيارهم طريق الحرام!
ويخبر أحدهم - ولعله في بلد آخر - أنه تعرف على فتاة، واستغرب من سرعة استجابتها له، واندفاعها للشهوة، فشك في أمرها، وأنها قد تكون مصابة بالإيدز، فأراد أن يتخلص منها، فأخبرها كذبا أنه مصاب بمرض الإيدز، وأنه لا يريد أن ينقله إليها، فكشفت عن نفسها أنها مصابة بمرض الإيدز، وأظهرت له بطاقة المرض الرسمية!!
إنه أثر من آثار النكوص عن القيم، وممارسة الفاحشة المستقذرة، والاستجابة لدواعي الشهوة، التي تُهتك بها أستار الحلال، ويُستمرأ بها الحرام؛ تُجلب بها النقم خراباً في البلاد، وفساداً وأمراضاً مستعصية في العباد.
فاتقوا الله أيها الشباب والرجال وأيتها الفتيات والنساء من الطريق المؤدي للفواحش والرذائل، وتجنبوا كل ما يثير الشهوات، واقطعوا كل العلاقات المحرمة، فإن عاقبة ذلك في الدنيا المرض والعار، وفي الآخرة النكال والنار.
واعلموا معاشر الأحبة: أن الشيطان يتدرج في الدعوة إلى الفواحش والحرمات، بخطوات وإثارات، حتى يوقع بفريسته، قال تعالى: ) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(.النور (21).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وعصمني وإياكم من الشيطان الرجيم، وأجارني وإياكم من عذابه الأليم.
أقول ما تسمعون ....
((الخطبة الثانية))
حرص الإسلام كل الحرص على إقامة مجتمع عفيف طاهر، لا تثار فيه الشهوات، ولا تنتهك فيه المحرمات ، وذلك حفاظاً على الأعراض من التدنيس ، والأنساب من الاختلاط ، فسن التشريعات التي تكفل المحافظة على هذا الهدف السامي ، فأمر بالحجاب وغض البصر ، ورغب في الزواج ، وشرع الحدود ، وأمر بتعميق الإيمان وتقوى الله ومراقبته في السر والعلن، والبعد عن المثيرات، بغض البصر عن المحرمات، وبمنع الاختلاط بالنساء، وبحفظ النساء لأنفسهن من التبرج ومن الاختلاط بالرجال، وتجنب الخضوع بالقول، والبعد عن أماكن اللهو والإثارات، قال تعالى: )قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها الآية(. النور (30، 31).
إن من المهمات أن تتظافر جهود الأسرة والمدرسة والمنظمات الخيرية والمجتمع في تبني التربية الجادة للشباب والفتيات، وتوفير المحاضن الصالحة، وابتكار البرامج المفيدة، كلُّ ذلك يُسهم في إصلاح الجيل، وإشغالهم بالنافع والمفيد في دنياهم وأخراهم.
كما يجب السعي الحثيث في تجنيب الناشئة ما يعرض عليهم من الفتن ليل نهار، من أساليب الإثارة والإغراء، عبر الشاشة الكبيرة أو الصغيرة، وما يعرض فيها من الزبالات والنتن، مما يثير الغرائز، ويخاطب الشهوات، وتجنيبهم أصدقاء السوء، ومجالس الريبة للجنسين، فكل ذلك يؤدي في منتهاه إلى طريق موحش مظلم.
إن الهاء الشباب بالأفلام والمقاطع المسلسلات الفاتنة القائمة أساساً على إثارة الغرائز، هو انتحار للقيم، وخطوات في طريق سقوط المجتمعات في وحل الرذيلة، والأمراض الفتاكة، ومن يرضى لفلذات الأكباد أن يكونوا ضحايا للفساد، أو يكونوا ناقلين للأمراض لأسرهم ومجتمعاتهم؟!
أنه يجب توقظ الوالدين والإخوة الكبار والانتباه لما يحاول من المفسدين لجر لأبناء والبنات إلى مستنقع الفجور والرذيلة، كما ينبغي القرب منهم، ومعرفة ما يشاهدونه في الجوال، بل ومراقبة القنوات والجوالات، فذلك حق مشروع لأولياء الأمور، للنظر لما فيه، قبل أن يقع الفأس بالرأس، ويقال: ياريت وياليت!
وأنه ليتوجب على السلطة المحلية -وفقهم الله- تفعيل شرطة الآداب، والجدية في محاربة الجريمة، من انتشار المخدرات، وبيوت الدعارة، ومحاربة أوكار مجالس الخنا والزنا واللواط، والقضاء على منابعها، وإقامة حكم الله تعالى على اقترفها، ومن يروجها ويحميها.
أسأل الله تعالى أن يحمينا، ويحمى أسرنا وبلادنا من الرذائل، وأن يجنبنا الفواحش والمنكرات، ويهدينا سواء السبيل ويخرجنا من الظلمات إلى النور.
والحمد لله رب العالمين.