ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ

مبارك العشوان 1
1446/10/26 - 2025/04/24 14:19PM

الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ  وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

أَمَّا بَعْدُ: فَقَدْ رَوَى البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ المَسْجِدَ، فَدَخَلَ رَجُلٌ، فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ، فَرَدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلمَ   عَلَيْهِ السَّلَامَ، فَقَالَ: ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ، فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ، فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ فَقَالَ: ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ، ثَلَاثًا، فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ، فَمَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ، فَعَلِّمْنِي، قَالَ: إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ، فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا )

عِبَادَ اللهِ: الطُّمَأْنِينَةُ فِي الصَّلَاةِ؛ هِيَ التَّأَنِّي فِيهَا، وَإِعْطَاءُ كُلِّ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِهَا حَقَّةُ، بِأَنْ تَسْكُنَ الأَعْضَاءُ وَتَسْتَقِرَّ فِيهِ؛ وَهِيَ مُصَاحِبَةٌ لِجَمِيعِ الأَرْكَانِ؛ طُمَأنِينَةٌ فِي القِيَامِ وَطُمَأْنِينَةٌ فِي الرُّكُوعِ، وَطُمَأْنِينَةٌ فِي الِاعْتِدَالِ مِنْهُ  وَطُمَأْنِينَةٌ فِي السُّجُودِ وَفِي الجُلُوسِ بَينَ السَّجْدَتَينِ، وَفِي التَّشَهُّدِ؛ وَفِي الصَّلَاةِ كُلِّهَا.

تَقُولُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْها فِي وَصْفِ صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( وَكَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَائِمًا، وَكَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السَّجْدَةِ  لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَسْتَوِيَ جَالِسًا...) الخ [رَوَاهُ مُسْلِمٌ]

وَيَقُولُ أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: ( رَأَيْتُهُ إِذَا كَبَّرَ جَعَلَ يَدَيْهِ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ، وَإِذَا رَكَعَ أَمْكَنَ يَدَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ  ثُمَّ هَصَرَ ظَهْرَهُ، فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ اسْتَوَى حَتَّى يَعُودَ كُلُّ فَقَارٍ مَكَانَهُ... ) الخ [رَوَاهُ البُخَارِيُّ]

وَيَقُولُ أَنَسٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: ( وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ  قَامَ حَتَّى نَقُولَ: قَدْ نَسِيَ ) وَيَقُولُ ثَابِتٌ البُنَانِيُّ، كَانَ أَنَسٌ يَصْنَعُ شَيْئًا لَمْ أَرَكُمْ تَصْنَعُونَهُ، كَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ قَامَ، حَتَّى يَقُولَ القَائِلُ: قَدْ نَسِيَ، وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ حَتَّى يَقُولَ القَائِلُ: قَدْ نَسِيَ.

وَيَقُولُ البَرَاءُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: ( كَانَ رُكُوعُ النَّبِيِّ صَلى الله عَلَيهِ وسَلمَ، وَسُجُودُهُ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ  وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، قَرِيبًا مِنَ السَّوَاءِ )  [رَوَاهُ البُخَارِيُّ]

الطُّمَأْنِينَةُ - رَحِمَكُمُ اللهُ -  رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ؛ فِي حَقِّ كُلِّ مُصَلٍّ؛ سَوَاءً كَانَ إِمَامًا، أَوْ مَأْمُومًا، أَوْ مُنْفَرِدًا، أَوْ مَسْبُوقًا؛ وَمَنْ لَمْ يَطْمَئِنَّ فِي صَلَاتِهِ؛ فَإِنَّهَا لَا تَصِحُّ؛ وَقَدْ سَمِعْتُمْ فِي هَذَا الحَدِيثِ: ( ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ ).

وَرَأَى حُذَيْفَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ رَجُلاً لاَ يُتِمُّ رُكُوعَهُ، وَلَا سُجُودَهُ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ، قَالَ لَهُ: مَا صَلَّيْتَ؟  وقَالَ: وَلَوْ مُتَّ، مُتَّ عَلَى غَيْرِ سُنَّةِ مُحَمَّدٍ صَلى الله عَلَيهِ وسَلمَ.

وَيَقُولُ شَيخُ الإِسْلَامِ ابنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ: [ وَإِذَا كَانَ الْخُشُوعُ فِي الصَّلَاةِ وَاجِبًا وَهُوَ مُتَضَمِّنٌ لِلسُّكُونِ وَالْخُشُوعِ؛ فَمَنْ نَقَرَ نَقْرَ الْغُرَابِ لَمْ يَخْشَعْ فِي سُجُودِهِ. وَكَذَلِكَ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ وَيَسْتَقِرَّ قَبْلَ أَنْ يَنْخَفِضَ لَمْ يَسْكُنْ؛ لِأَنَّ السُّكُونَ هُوَ الطُّمَأْنِينَةُ بِعَيْنِهَا؛ فَمَنْ لَمْ يَطْمَئِنَّ لَمْ يَسْكُنْ؛ وَمَنْ لَمْ يَسْكُنْ لَمْ يَخْشَعْ فِي رُكُوعِهِ وَلَا فِي سُجُودِهِ؛ وَمَنْ لَمْ يَخْشَعْ كَانَ آثِمًا عَاصِيًا ] اهـ

رَزَقَنَا اللهُ الطُّمَأْنِينَةَ وَالخُشُوعَ فِي صَلَاتِنَا.

وَبَارَكَ لَنَا فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيِ وَالذَّكَرِ الْحَكِيمِ وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيلَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلُّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ.

أمَّا بَعْدُ: وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ الطُّمَأْنِينَةُ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ  فِي حَقِّ كُلِّ مُصَلٍّ؛ وَأَنَّهَا تَبْطُلُ صَلَاةُ مَنْ لَا يَطْمَئِنُّ فِيهَا  فَلْنَعْلَمْ أَنَّ مَسْؤُولِيَّةَ الإِمَامِ فِي هَذَا عَظِيمَةٌ جِدًّا؛ وَأَنَّ عَلَيهِ أَنْ يَتَّقِيَ اللهَ فِي صَلَاتِهِ وَصَلَاةِ مَنْ خَلْفَهُ؛ وَأَنْ يَحْرِصَ عَلَى إِحْسَانِهَا، وَإِتْمَامِهَا، وَمُوَافَقَتِهَا لِصَلَاةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ لِتَكُونَ مَقْبُولَةً عِنْدَ اللهِ جَلَّ وَعَلَا.

أَمَّا مَنْ يَؤُمُ النَّاسَ، وَيَسْتَعْجِلُ بِهِمْ؛ وَلَا يُتِمُّ رُكُوعًا وَلَا سُجُودًا وَلَا جُلُوسًا؛ فَهُوَ مُخْطِيءٌ، وَآثِمٌ؛ وَالوَاجِبُ نُصْحُهُ حَتَّى لَا يُفْسِدَ صَلَاتَهُ وَصَلَاتَهُمْ؛ فَإِنَّ اسْتَقَامَ؛ وَإِلَّا فَلْيَتْرُكِ الإِمَامَةَ لِمَنْ يُحْسِنُهَا.

وَقَدْ جَاءَ فِي فَتَاوَى الشَّيْخِ ابنِ بَازٍ رَحِمَهُ اللهُ:

[ فَالإِمَامُ الَّذِي يُسْرِعُ فِي الصَّلَاةِ وَلَا يَطْمَئِنُّ؛ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ، بَلْ تَكُونُ بَاطِلَةً، فَالوَاجِبُ أَنْ يُنَبَّهَ، فَإِنِ اسْتَقَامَ وَإِلَّا يَجِبُ عَزْلُهُ، وَلَا يُصَلَّى خَلْفَهُ ]

وَسُئِلَ الشَّيْخُ ابنُ عُثَيمِينَ رَحِمَهُ اللهُ: عَنِ الصَّلَاةِ خَلْفَ إِمَامٍ لَا يَطْمَئِنُّ فِي رُكُوعٍ وَلَا سُجُودٍ.

فَقَالَ: [ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ؛ فَإِنَّ هَذَا الإِمَامَ الَّذِي لَا يَطْمَئِنُّ فِي صَلَاتِهِ؛ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ، وَلَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ، وَعَلَيهِ أَنْ يَتَّقِيَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي نَفْسِهِ، وَفِي مَنْ خَلْفَهَ مِنَ المُسْلِمِينَ حَتَّى لَا يُوقِعَهُمْ فِي صَلَاةٍ لَا تَنْفَعُهُمْ، وَإِذَا دَخَلْتَ مَعَ الإِمَامِ ثُمَّ رَأَيْتَهُ لَا يَطْمَئِنُّ؛ فَإِنَّ الوَاجِبَ عَلَيْكَ أَنْ تَنْفَرِدَ عَنْهُ وَتُتِمَّ الصَّلَاةَ لِنَفْسِكَ بِطُمَأْنِينَةٍ؛ حَتَّى تَكُونَ صَلَاتُكَ صَحِيحَةً ] الخ

أَلَا فَلْنُعَظِّمْ - رَحِمَكُمُ اللهُ - صَلَاتَنَا، لِنُحْسِنْهَا، وَلْنَطْمَئِنَّ فِيهَا

وَلْنَتَحَرَّ مُوَافَقَتَهَا لِصَلَاةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ فَقَدْ قَالَ: ( صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي ) [رَوَاهُ البُخَارِيُّ]

ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيهِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }[الأحزاب 56 ]

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإسْلَامَ وَالمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ وَانْصُرْ عِبَادَكَ المُوَحِّدِينَ، اللَّهُمَّ وَعَلَيكَ بِأَعْدَئِكَ يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.

اللَّهُمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ، واجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَدِينَنَا وَبِلَادَنَا بِسُوءٍ فَرُدَّ كَيْدَهُ إِلَيهِ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا عَلَيهِ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.  عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ العَلِيَّ الْعَظِيْمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

 

 

تجدون هذه الخطبة وغيرها على قناة ( احرص على ما ينفعك ) في التليجرام على الرابط التالي 

https://t.me/benefits11111/2609

المشاهدات 723 | التعليقات 0