اصْمُت لِتَسْلَم وتكَلَّمْ لِتَغنَم 16 / 1 / 1447ه (موافق للتعميم)
أحمد بن ناصر الطيار
الحمد لله الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم, وأنعم عليه بإنزال القرآن الكريم, وهدى من شاء إلى صراطه المستقيم.
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين.
وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله، وخليلُه من عباده, وأمِيْنُه على وحْيِه، صلى الله وسلم عليه وعلى آلِه وأصحابه إلى يوم الدين، أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله, واعلموا أنّ أعظمَ مشكلات الناس الاجتماعية والدينية والنفسيّة: بسبب كلام ضارّ تُكلّم به, وكلام نافع سُكت عنه.
فلو أمسك الناس عن الكلام الضار وتكلّموا بالكلام النافع: لقلّت البدع, والمشكلات, والخلافات, والفتن, والغلّ, والحسد، والهموم.
ومن أمثلة الكلام الضار: الكلام في الدين بلا علم, الكذب, الغيبة, النميمة, السبّ, التذمّر, الانتقاد الجارح, اللوم والعتاب القاسي, سؤال الناس عن خصوصياتهم فلا مصلحة.
ومن أمثلة الكلام النافع: نشر العلم النافع, السلام, التحفيز, الكلمة الطيبة, النصيحة, شُكر المحسن.
فيا أخي المسلم: قبل أن تتكلّم ارجع إلى عقلك بتجرّد:
- فإن رأى عقلُك أن الكلام يضرّ وجب عليك السكوت.
- وإنّ رأى أنه لا يضرّ جاز لك الكلام.
- وإنّ رأى أنه ينفع شرعًا بلا ضرّر حَسُن أو وجب عليك الكلام.
وتحكّمك في الكلام والسكوت مهارةٌ تحتاج منك إلى الاستعانة بالله أولا، ثم إلى الدُّرْبة والْمِرَان.
فاعْزم من اليوم على اكتسابِها والتحلّي بها, فسترى لذلك ثمرةً عظيمة, ومنفعةً معجّلة, وصلاحًا في دينك, وسعادةً في دنياك.
واعلم أنّ الأصل والأنفع والأسلم: السكوت, فالْزمه, ولا تتكلّم إلا إذا تيقّنت أنّه لا يضرّ.
وقد أكّد هذا المعنى الصادق المصدوق صلَّى الله عليه وسلَّمَ فقال: "مَنْ كانَ يُؤْمنُ بالله والْيوْمِ الْآخرِ فَلْيقُلْ خيرًا أو لِيصمُت".
فهذا هو المنهج في الكلام: إما أن تقول ما فيه نفع وفائدة في دينك ودنياك, وإلا فالتزم الصمت فهو خير لك في دينك ودنياك.
وقد قال الله تعالى : {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}.
وقد قيل لبعض العلماء: ألا تتكلم؟ قال: لساني سَبُعٌ من السباع, أخاف أن أدعه فيقتلني.
وصدق رحمه الله، فكم من إنسان تساهل بكلمة، فكانت سببَ سجنه، أو مرضه، أو موته، أو كفره.
وقد سأل معاذ رضي الله عنه النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن العمل الذي يُدخله الجنّة، ويباعده من النار، فأخبره برأسه وعموده وذروة سنامه ثم قال: "ألا أخبرك بملاك ذلك؟" قال: بلى يا رسول الله، فأخذ بلسان نفسه ثم قال: "كُفَّ عليك هذا"، فقال: وإنّا لمؤاخَذون بما نتكلّم به؟ فقال: "ثكلتك أمّك يا معاذًا وهل يَكُبّ الناسَ في النار على وجوههم -أو على مناخرهم- إلا حصائدُ ألسنتهم؟".
وإذا أردت أن تعرف خطر اللسان، وضرر الاستهانةِ بالكلام: فتأمل قولَ النبي صلى الله عليه وسلم: «إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله، لا يلقي لها بالًا، يهوي بها في جهنم»، وقولَه: «إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها في النار أبعد مما بين المشرق».
هذا رجلٌ تكلم بكلمة واحدة لا يلقي لها بالًا، وما يتبين فيها، ولم يظنّ أنها كلمة تضرّ به في دينه، لكنه كثيرَ الكلام، قليلَ التحفّظ والاحتراز، فكان جزاءُه على تلك الكلمة: أن دخل نار جهنم، وهوى في أسفلها.
فكم من كلمة قلتَها لم تُلْقِ لها بالًا ولم تتبيّن فيها: نكّدت خاطر مسلم موحّد، أو فرقت بين اثنين؟
وكم من كلمة قلتَها كان فيها اعتراضٌ على قضاء الله وحِكْمَتِه؟
وكم من كلمة قلتها كان فيها اعتراضٌ على شرع الله وحُكمِه؟
وكم من كلمة قلتها كان فيها استهزاءٌ بدين الله أو أوليائه؟
فحاسب نفسك اليوم وتب إلى الله من كل ذنب، لعل الله يغفرُ لك جميع ذنوبك، واعزم على ألا تتكلم إلا بحقّ وصواب.
والصبر عن معاصي اللسان من أصعب أنواع الصبر، أتدري لماذا؟
لأمرين:
الأمر الأول: لشدة شهوة النفس على محبّة الكلام.
الأمر الثاني: لسهولة الكلام ويُسره.
فإن معاصي اللسان فاكهةُ الإنسان؛ كالنميمة، والغيبة، والكذب، والجدال، والثناء على النفس تعريضًا وتصريحًا، وحكاية كلام الناس، والطعن على من يبغضه، والغلوّ في مدح من يحبّه، ونحو ذلك.
نسأل الله تعالى أن يعيننا على حفظ ألسنتنا, وأن يقيَنا شرّ أنفسنا, إنه على كل شيء قدير.
***************
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على المبعوثِ رحمةً للعالمين, وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: معاشر المسلمين: إنّ الواجب على كل مسلم أنْ يحفظ لسانَه من الوقوع في أعراض الناس بما يكرهون، ومن نشر الشائعات أو السماع لها وتصديقها، ومن الغيبة والنميمة؛ لِمَا فيها من الآثار السيئة على الفرد والمجتمع، ومن ذلك أنها توغر الصدور، وتشحن النفوس، وتُذهب الألفة والمودة، وتزرع الضغينة بين المسلمين، وهي من كبائر الذنوب والمعاصي، وقد ثبن أن رسول الله ﷺ قال: "لما عُرِجَ بي مررتُ بقومٍ لهم أظفارٌ من نُحاسٍ يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس، ويقعون في أعراضهم"، وقال ﷺ: "لا يدخل الجنة نمّام".
واحذر من السماع لأهل الإشاعات والغيبة والنميمة، ويجب عليك الإنكارُ عليهم ونصحُهم وتذكيرهم بالله تعالى, فإنك إذا استمعت لهم ولم تُنْكر كنتَ شريكًا لهم في الإثم.
نسأل الله تعالى أن يرزقنا خشيته في الغيب والشهادة, وأنْ يعمر أوقاتنا بالطاعة والعبادة، إنه سميع قريب مجيب.
عباد الله: أكثروا من الصلاة والسلام على نبي الهدى, وإمام الورى, فقد أمركم بذلك جل وعلا فقال: (إن الله وملائكته يصلون على النبي.. يا أيها الذين أمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما).
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين, وعنا معهم بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والربا والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات, وخُصَّ منهم الحاضرين والحاضرات, اللهم فرِّج همومهم, واقض ديونهم, وأنزل عليهم رحمتك ورضوانك يا رب العالمين.
عباد الله: إنَّ اللَّه يأْمُرُ بالْعدْل والْإحْسانِ وإيتاءِ ذي الْقُرْبى ويَنْهى عن الْفحْشاءِ والمنْكرِ والبغْيِ يعِظُكُم لَعلَّكُم تذكَّرُون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
المرفقات
1751941844_اصْمُت لِتَسْلَم وتكَلَّمْ لِتَغنَم.pdf