اغتنام العمر ومخالفات نهاية العام (مختصرة)
صالح عبد الرحمن
خطبة عن اغتنام العمر ومخالفات نهاية العام 24-12-1446هـ
الخطبة الأولى:
الحمد لله الولي الحميد يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وأشهد أن لا إله إلا الله ذو العرش المجيد وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد..
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}
إنا لنفرح بالأيام نقطعهــــــــــــــــــــــــــــــــــــا ** وكل يوم مضى يدني من الأجل
فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهدا ** فإنما الربح والخسران في العمل
تتصرم الأعوام سراعا، وتمضي السنون تباعاً «ولَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَكُونَ السَّنَةُ كَالشَّهْرِ، وَالشَّهْرُ كَالْجُمُعَةِ، وَالْجُمُعَةُ كَالْيَوْمِ، وَالْيَوْمُ كَالسَّاعَةِ، وَالسَّاعَةُ كَاحْتِرَاقِ السَّعَفَةِ»
ومن دعاء النبي r «وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ»
والدنيا مراحل، والإنسان فيها يمضي بعمره يتخطى تلك المراحلَ مرحلةً مرحلةً.. {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ، ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً، ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً]
«وقال رسول الهدى ﷺ: خَيْرُكم، مَنْ طَالَ عُمُرُهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ»، فمن الناسِ من لا تزيدُه الأعوام إلا رفعةً في إيمانه، وثباتا في دينه، ورقيا في خلقه، وشموخا في همته، ومنهم من يُضيعُ نفائسَ عُمُرِه، وجوهرةَ شبابه، خلف شهوات النفس، وأماني الأحلام، يسبح في غير ماء، ويطير من غير جناح.. فما تزيده الأعوام إلا تذبذبا في المنهج، وضعفا في الإيمان.. فتزلُ القدمُ عند أولِ عاصفة، وتتعثرُ الخطى عند أول فتنة، ويحتارُ العقلُ عند أي شبهه، فلا يقينَ يثبته، ولا علم يهديه..
يحتاج الفطن في هذه الأيام تعاهدُ الإيمان، والاستزادةَ من الباقيات الصالحات، وتحصيلَ العلمِ النافع .
قَالَ عُمَر ابنُ الخطاب رضي الله عنه ُ: «تَفَقَّهُوا قَبْلَ أَنْ تُسَوَّدُوا» وقَالَ البخاري: «وَقَدْ تَعَلَّمَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ r فِي كِبَرِ سِنِّهِمْ» ومن لنفسه قيمةٌ عندَه لا يُضيعُ نفائسَ عمره، وقيمةُ كلُ امرئ ما يحسنه..
وخيرُ الأعمال ما بلّغ المجد وحصّل الحمد، وشرُّ الأعمال ما كان عناؤه طويلا وغناؤه قليلا، فَإِن مَا فَاتَ الْيَوْم من الرزق يُرْجَى غَدا زِيَادَتُه، وَمَا فَاتَ أمسُ من الْعُمر لم يرج الْيَوْم رجعتُه.
أخرج الطبرانيُ في الكبيرِ عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: «إِنِّي لَأَمْقُتُ أَنْ أَرَى الرَّجُلَ فَارِغًا لَا فِي عَمِلِ دُنْيَا، وَلَا آخِرَةٍ».
قال ابنُ وهبٍ وهو أحد السلف: لا يكونُ البطال من الحكماء.
لا تُطلبُ السِلعةُ الغاليةُ بالثمن التافه، والمجدُ لا يُشترى بقولٍ كاذبِ {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا} فلا تَكُن ممن يَرْجُو الآخرةَ بغير عمل، ويؤخّرُ التوبةَ لطولِ الأمَل {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
ثم استغفروا ربكم وتوبوا إليه فاستغفروه إن ربكم لغفور شكور..
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه والتابعين أما بعد.
المسلمُ لا يقنعُ حتى يبلُغَ من أعمالِه غايتَها وأعلاها: فإن كان طالباً لم يقنعُ إلا بالتفوق، وإن كان أباً لم يُقصّر في أن يبلُغَ أبنائه وبناته، أن يكونوا قدواتٍ في الخير {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً}، وكان عليه الصلاة والسلام يربي الأمةَ طلب المعالي (إِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ فإنه أوسطُ الجنة وأعلى الجنة أراهُ فوقهُ عرش الرحمن ومنه تَفجّرُ أنهارُ الجنة) أخرجه البخاري
المسلم لو كان صانعاً لا يرضى بمنزلةٍ دون الإتقان، فلا قيمة لمن اتكل على غيره، وانظر إلى الأسفل على الدوام لئلا تحتقر نعمة الله عليك.
وإذا باركَ الله في حياة الإنسان نفع نفسَه وانتفع منه أهلُه والناس..
قلةُ البركة في الأعمار يا كرام تظهرُ حينما تمرُ السنةُ والسنتانِ والعشر، والواحد منا لم يتجاوز مكانَه، في عبادته، في علمه، في حفظه لكتاب الله، في تفقُهِهِ في دينه، في نفعه للآخرين. لا يستشرف علواً، ولا يتطلع سموا.
واغتنام الصالحات يزيدُ من الحسنات، (وأفضلُ الصيامِ بعد رمضان شهرُ اللهِ المحرم، وأفضلُ الصلاةِ بعد الفريضةِ صلاةُ الليل) أخرجه مسلم.
وإنه لينبغي أيها الكرام أن ننبه ونحن في نهاية العام الهجري أن ليس في شريعتنا مناسبةٌ اسمها توديع عام أو استقبال عام، أو احتفالٌ بهجرةٍ أو غيرها فتلك بِدع محدثة لا أصل لها في شريعتنا.
وليس لتوديعِ عام واستقبال آخر عمل يختص به فهو كسائر الأيام، وليس استقبالُ العام عيداً فيباركُ بعضُ الناس لبعض، ولا بأس أن ترد على من هنأك متعودا لا متعبدا ، وإنما المحذورُ أن تبادر بالتهنئة ، والعبرة في الأزمان بالعمل بها لا ببلوغها
ومن البِدع ما تَشِيعُه وسائل التواصل والتراسل من أن الأعمالَ ترفع والصُحفُ تطوى في نهاية العام، ويَتبعُها دعوات بالاستغفار والمسامحة، فهذا مما لا أصل له ولا تطوى الصحف إلا إذا طويتْ صفحةُ العمر والصفحُ والعفوُ والاستغفار مما يحمد في كل حين وآن والله المستعان
اللهم زدنا علما وعملا ورزقا وتوفيقا.. اللهم بارك لنا في أعمارنا وأعمالنا وفي أرزاقنا وذرياتنا.. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد ...