الأمطار أحكام وآداب
يوسف العوض
الخُطْبَةُ الأُولَى
الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا، فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا، وَأَجْرَى بِهِ الْأَنْهَارَ، وَفَتَحَ بِهِ أَبْوَابَ الْأَرْزَاقِ، نَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، وَنَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، يُنَزِّلُ الْغَيْثَ بِقَدَرٍ، وَيَصْرِفُهُ بِحِكْمَةٍ، وَيَبْتَلِي وَيَرْحَمُ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، بَلَّغَ الرِّسَالَةَ، وَأَدَّى الْأَمَانَةَ، وَنَصَحَ الْأُمَّةَ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ سَارَ عَلَى هَدْيِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ؛ فَإِنَّهَا زَادُ الْقُلُوبِ، وَمِفْتَاحُ الْبَرَكَاتِ، وَسَبَبُ نُزُولِ الْغَيْثِ، قَالَ تَعَالَى:
﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾.
عِبَادَ اللَّهِ : إِنَّ نُزُولَ الْأَمْطَارِ آيَةٌ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ الْعُظْمَى، وَرَحْمَةٌ يَسُوقُهَا إِلَى عِبَادِهِ، وَتَذْكِرَةٌ لِلْقُلُوبِ الْغَافِلَةِ، قَالَ سُبْحَانَهُ:
﴿وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ﴾
وَقَالَ جَلَّ وَعَلَا:
﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً﴾.
وَلِهَذِهِ النِّعْمَةِ أَحْكَامٌ شَرْعِيَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِالتَّوْحِيدِ وَالْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ، فَمِنْ أَوَّلِهَا: حُكْمُ نِسْبَةِ الْمَطَرِ؛ فَيَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَنْسِبَ النِّعْمَةَ إِلَى اللَّهِ وَحْدَهُ، فَيَقُولُ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُنْسَبَ الْمَطَرُ إِلَى النُّجُومِ أَوِ الْأَسْبَابِ عَلَى وَجْهِ الِاعْتِقَادِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُنَاقِضُ كَمَالَ التَّوْحِيدِ.
وَمِنْ أَحْكَامِ الْمَطَرِ: أَنَّ مَاءَ السَّمَاءِ طَاهِرٌ مُطَهِّرٌ، يَجُوزُ التَّطَهُّرُ بِهِ مِنَ الْحَدَثِ وَإِزَالَةُ النَّجَاسَةِ، قَالَ تَعَالَى:
﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾، فَإِذَا نَزَلَ الْمَطَرُ فَهُوَ طَاهِرٌ فِي أَصْلِهِ، لَا يَضُرُّهُ مُجَرَّدُ مُلَامَسَةِ الطُّرُقَاتِ إِلَّا إِذَا تَغَيَّرَ بِنَجَاسَةٍ ظَاهِرَةٍ.
وَمِنْ أَحْكَامِهِ أَيْضًا: الرُّخَصُ فِي الصَّلَاةِ، فَيُشْرَعُ الْجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، إِذَا وُجِدَتِ الْمَشَقَّةُ بِسَبَبِ الْمَطَرِ، رَفْعًا لِلْحَرَجِ عَنِ النَّاسِ، وَمِنْ رَحْمَةِ الشَّرِيعَةِ أَنَّهَا لَا تُكَلِّفُ النَّفْسَ إِلَّا وُسْعَهَا.
وَمِنْهَا: جَوَازُ الصَّلَاةِ فِي الرِّحَالِ عِنْدَ شِدَّةِ الْمَطَرِ وَالْوَحَلِ، فَيُنَادِي الْمُؤَذِّنُ: صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ، حِفْظًا لِلْأَبْدَانِ وَدَفْعًا لِلْمَشَقَّةِ، وَهَذَا مِنْ كَمَالِ يُسْرِ هَذَا الدِّينِ.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، إِنَّ الْمَطَرَ يُذَكِّرُنَا بِحَقِيقَةِ الضَّعْفِ، وَبِأَنَّ الْقُلُوبَ تَحْتَاجُ إِلَى غَيْثِ الْوَحْيِ كَمَا تَحْتَاجُ الْأَرْضُ إِلَى غَيْثِ السَّمَاءِ، فَإِذَا أَحْيَا اللَّهُ الْأَرْضَ بِالْمَاءِ، فَأَحْيُوا قُلُوبَكُمْ بِالطَّاعَةِ وَالْإِنَابَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَة
الحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
عِبَادَ اللَّهِ : إِنَّ لِنُزُولِ الْمَطَرِ آدَابًا شَرْعِيَّةً تَزِيدُ الْعَبْدَ إِيمَانًا، وَتُظْهِرُ حُسْنَ أَدَبِهِ مَعَ رَبِّهِ.فَمِنْ أَعْظَمِ آدَابِهِ: الإِكْثَارُ مِنَ الدُّعَاءِ؛ فَإِنَّهُ وَقْتُ إِجَابَةٍ، فَيَسْأَلُ الْعَبْدُ رَبَّهُ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَيَدْعُو لِلْمُسْلِمِينَ، وَيَقُولُ إِذَا نَزَلَ الْمَطَرُ: اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا.
وَمِنْ آدَابِهِ: التَّعَرُّضُ لِلْمَطَرِ أَوَّلَ نُزُولِهِ، تَبَرُّكًا بِرَحْمَةِ اللَّهِ، مَعَ اسْتِحْضَارِ الْخُضُوعِ وَالشُّكْرِ، لَا عَلَى سَبِيلِ اللَّعِبِ وَالْعَبَثِ.
وَمِنْ آدَابِهِ أَيْضًا: الِاحْتِرَازُ مِنَ الضَّرَرِ، فَلَا يُلْقِي الْمُسْلِمُ نَفْسَهُ فِي مَوَاضِعِ السُّيُولِ، وَلَا يُؤْذِي النَّاسَ بِسُوءِ قِيَادَتِهِ، فَإِنَّ حِفْظَ النَّفْسِ مِنْ مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ.
وَمِنَ الْأَحْكَامِ الْمُهِمَّةِ: أَنَّ الْمَطَرَ قَدْ يَكُونُ رَحْمَةً وَقَدْ يَكُونُ ابْتِلَاءً، فَإِنْ كَانَ رَحْمَةً شُكِرَ اللَّهُ، وَإِنْ كَانَ ابْتِلَاءً صُبِرَ وَرُجِعَ إِلَى اللَّهِ بِالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ، قَالَ تَعَالَى:
﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : مَا أَحْوَجَنَا إِلَى أَنْ نَجْعَلَ الْمَطَرَ مَوْسِمًا لِمُرَاجَعَةِ النُّفُوسِ، وَتَطْهِيرِ الْقُلُوبِ، وَإِصْلَاحِ الْعَلَاقَةِ مَعَ اللَّهِ، فَإِذَا نَزَلَ الْغَيْثُ عَلَى الْأَرْضِ، فَلْيَنْزِلِ الْإِيمَانُ عَلَى الْقُلُوبِ.
اللَّهُمَّ اجْعَلْ مَا أَنْزَلْتَهُ عَلَيْنَا غَيْثَ رَحْمَةٍ لَا غَيْثَ عَذَابٍ، وَسَقْيًا نَافِعًا لَا ضَارًّا.
اللَّهُمَّ أَحْيِ بِهِ الْبِلَادَ، وَأَصْلِحْ بِهِ الْعِبَادَ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الشَّاكِرِينَ لِنِعَمِكَ، التَّائِبِينَ إِلَيْكَ.
المرفقات
1765948758_الامطار.docx