الإسراف المدمر!
أسامة بن سعود عبد الله التميمي
الإسراف المدمر!
الخطبة الأولى
الحمدُ لله، الحمدُ لله الذي خلقَ الخلقَ وبرأَ، وأحسنَ كلَّ شيءٍ خلقَه وذرَا، (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى) [طه: 6]، أحمدُه - سبحانه - وأشكُره، وأتوبُ إليهِ وأستغفِرُه، على نعمٍ تتكاثَر، وآلاءٍ تترَى.
وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةَ الحقِّ واليقينِ والإخلاص، بلا شكٍّ ولا امتِراء، وأشهدُ أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه، المبعوثُ من أمِّ القُرىَ، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آلِه الطيبين الطاهرين، وأصحابِه الغُرِّ الميامين، وأزواجِهِ أُمَّهَاتِ المؤمنين، خيرِ القُرون وسادةِ الوَرَى، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا ما صبحٌ أقبلَ، وليلٌ سرى.
أما بعد: فأُوصِيكم - أيُّها الناس - ونفسي بتقوَى الله، فاتَّقوا الله - رحمكم الله -، فالميزانُ عند الله التقوَى، وليس الأغنَى وليس الأقوى.
عباد الله!
إن خُلق الكرم والعطاء من أجمل الأخلاق التي تدخل السرور والبهجة على الجميع وقد جاء به الإسلام بل وأكد عليه ورتب الأجور العظيمة عليه.
ولكن لكل شيء قدرا، ومن زاد عن الميزان عاد على العبد بالخسران، وكم من عطاء ظن وظُن بصاحبه الخير إلا إنه على شر ووزر وإثم.. كيف لا! وهو يعطي خيلاءً وينفق إسرافا ويبحث عن رضا الناس لا عن رب الناس.. ذلك - عباد الله - هو المسرف الذي أشقى نفسه بحثا عن الكمال وهو يزيد نقصا وأرهق نفسه بحثا عن الجمال وهو يزيد قبحا.. ذلك هو المسرف.. كم أسخط ربه وأرضى شيطانه.. كم عاث في الأرض فسادا والله لا يحب المسرفين!
عباد الله!
سنقف مع إحصائية رسمية تم جمعها عبر دراسة عملها البرنامج الوطني للحد من الفقد والهدر التابع للهيئة العامة للأمن الغذائي..
هذه الدراسة التي سأذكرها الآن للأسف لربما كثير منا أو لربما كلنا مشاركين فيها من حيث شعرنا أو لم نشعر..
تقول الدراسة بأن نسبة الفقد والهدر في الغذاء بالمملكة نحو (33%) بما يعادل ( 4 ) ملايين طن سنويًا، فيما تقدر قيمة الهدر بنحو (40) مليار ريال سنويًا.
هذه الأرقام التي يضيق بها الصدر والله.. هي نتيجة عادات سيئة نقع فيها.. هي نتيجة ولائم مبالغ فيها.. نتيجة مبالغة.. نتيجة رياء.. نتيجة ضعف الوازع الديني عند البعض.. نتيجة سوء الإدارة.. نتيجة الخوف من الناس وضعف الخوف من رب الناس..
عباد الله! تأملوا قول المولى عز وجل :
(وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)، وقوله تعالى: (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا)، عن عبدالله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (كُلوا واشرَبوا وتصدَّقوا والبَسوا في غيرِ إسرافٍ ولا مَخِيلةٍ).
هذا واعلموا أن الإسراف والتبذير من أعظم أسباب زوال النعمة وفقدها، يقول الله تعالى:
(وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)،
ويقول سبحانه: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ).
معاشر الإخوة:
تعظُمُ الأمةُ وترقَى في سماء العزَّة والمَنَعَة بخِصالٍ، من أكبرها وأظهرها: حفظُها لمالِها، واقتصادُها في معاشها، وترشيدُها في إنفاقها، لا فضلَ لأمةٍ أن تضعَ على موائِدِها ألوانَ الأطعمة، وصنوفَ المآكل، إنما فضلُها أن يكون لها رجالٌ سليمةٌ أبدانُهُم، قويَّةٌ عزائِمُهم، نيِّرةٌ بصائِرُهم، عالِيةٌ طُمُوحاتهُم، عظيمةٌ قِمَمُهم.
إنَّ الإغراقَ في ملذَّاتِ المطاعِمِ، والتَّكالُبَ على حُطامِ الدُّنيا، أنزَلُ قَدرًا من أن يُتهافَت عليه على نحو ما يظهرُ على بعضِ أبناءِ هذا الزمان.
معاشرَ الأحبة:
الإسراف يُفضي إلى الفقرِ والفاقَة، المُسرِفُ يُطلقُ يدَهُ في الإنفاق إرضاءً لشهواته، واتباعًا لنَزَوَاته، وكم من بيوتٍ أسَّسها آباءُ مُقتدِرُون، وفي إنفاقهم راشِدُون، فورِثَهم أبناءُ مُسرِفون، أطلَقُوا لشهواتهم العَنان، فتَهَدَّمَت بيوُتُهم، وتبدَّدَت ثرواتُهم، وتلك عاقبةُ المسرفين، ومآلاتُ المُترَفين.
التعلُّقُ بلذائذ العيش، ومُشتَهَياتِ النفوس يُقَوِّي الحرصَ على الحياة، ويُقصِي عن مواقِع الفداءِ والعَطاءِ، والعزَّةِ وعُلوِّ الهِمَّة. النفوسُ المُسرِفة يضعُفُ طمُوحُها، تصرفُها لذَّاتُها عن الاهتماماتِ الجادَّة، وتصُدُّها عن طرُقِ الإبداعِ والابتكار.
إن من البيِّن المعلُوم أن النُّبُوغةَ والعبقريَّة، والتطلّعَ إلى المعالي لا تُدرَكُ إلا باحتمالِ المكارِه، وركوب المصاعِب، واقتِحامِ الأخطار، والمُسرِفُ ضعيفُ العزيمة، هزيلُ التطلُّع، ومن ربطَ همَّتَهُ بطمُوحٍ كبيرٍ واشتغلَ لتحصيلِه، انصرفَ عن فنون اللهو، وألوان الملذَّات، ولا يَنالُ المُنَى إلا من هَجَرَ اللذائذ.
إن الذين يُبالِغُون في التّشبُّع والامْتِلاء، وابتكار أفانِين الطهيِ وضُروبِ التلذُّذ، لا يصلُحُون للأعمال الجليلة، ولا تُرشِّحُهم هِمَمُهُم القاعدة لعزَّةٍ وتَضحِيَة.
أيُّها الإخوة في الله:
الإسرافُ يُجَرِّئُ النفوسَ على ارتِكابِ الجَور والمظالم؛ لأن همَّ المُسرِف إشباعُ شهوته، فلا يُبالي أن يأخُذَ ما يأخُذ، من طُرقٍ مشروعةٍ أو غير مشروعة، فيمُدُّ يدَه إلى ما في يدِ غيرِه بطرقٍ مُلتوِية، ووسائل مُرِيبة. الغارِقُ في ملذَّاته تضعُفُ أمانتُه، فاتباعُ الشهواتَ عنده طاغٍ، والميولُ للملذَّاتِ لديه غالِب.
الإسرافُ يدفعُ بصاحبِه إلى الإمساك عن بَذلِ المعروف، وفعلِ الخير، فملذَّاتُه أخذَت عليه مجامِعَ قلبِه، فهمُّه وهمَّتُه، إعطاءُ نفسِهِ مُشتَهَاها، في مطعومِه وملبوسِه ومركوبِه وأثاثِه. المُسرِفُون يقبِضُون أيديَهم، والكرامُ يبسُطُونَها لذوي الحاجاتِ، من الفقراء والمنكوبين والمُشَرَّدين، ابتغاءَ رضوانِ الله، وشعورًا بالمسئولية، واعترافًا بفضلِ الله ونعمائِه، مع ما عندهم من بواعث المروءة، وحقوق الأخوَّة، ونُبل المشاعر.
ولما بلغَ بِشرَ بنَ الحارث أن أسرةً أسرَفَت في الإنفاق من تركةٍ ورِثَتَها، قال لهم: "عليكم بالرِّفقِ والاقتِصادِ في النفقة؛ فلأَن تبيتُوا جِياعًا ولكم مالٌ، أحبُّ إليَّ من أن تبيتُوا شِباعًا لا مالَ لكم".
ويقول أبو الدرداء - رضي الله عنه –: "إن من فِقهِ الرجل: رِفقَه في معيشته".
والإنسانُ يطغَى إذا استغنَى، (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ) [الشورى: 27]، (كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى) [العلق: 6، 7].
معاشر المسلمين:
لقد ظهرَ السَّرَفُ في العصور المتأخرة بشكلٍ مُزرِي، فالواجِدُ يُسرِف، والذي لا يجِد يقترِضُ من أجل أن يُسرِف، ويلبِّي كمالياتٍ هو في غِنىً عنها، وهذا من ماديات هذا العصر، وثقافته في غرائزه وشهواته، وغفلَته.
معاشر الإخوة:
للإسرافِ آثارٌ في الصحةِ وانحرافها، وفي حديث المقداد بن معدِ يكرِب - رضي الله عنه - قال: سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: «ما ملأ ابنُ آدمَ وعاءً شرًّا من بطنِه، بحسْبُ ابنِ آدمَ لقيماتٌ يُقِمْنَ صلبَه، فإن كان لا محالةَ، فثُلثٌ لطعامِه، وثلثٌ لشرابِه، وثلثٌ لنفسِه» (رواه أحمد، والترمذي، والنّسائي، وابن ماجه، وقال الترمذي: "حديثٌ حسَنٌ").
الإفراطُ في المآكل والشِّبَع، وإدخالُ الطعامِ على الطعام، والخضوعُ لمُشتهَيات النفوس، كلُّ ذلك إيذاءٌ للنفس، وانحرافٌ في الصحَّة، وإضاعةٌ للمال، وقعودٌ في الهِمّة، والمؤمنُ يأكلُ بأدبِ الشرع، فيأكُلُ في معِيٍّ واحدٍ، وغيرُ المُؤمن يأكُلُ بمُقتَضَى الشهوةِ والشَّرَهِ والنّهَم، فيأكلُ في سبعةِ أمْعاء. بالحفاظِ على اللُّقمةِ، يكونُ الحِفاظُ على الصحَّة، والحِفاظُ على الثروة.
ومن توجيهاتِ علماءِ الإسلام: ما قاله ابنُ هُبَيرَة - رحمه الله -، يقول: "لا يَنبغي للمُسلم أن يتناوَل فوق حاجتِه؛ لأنه قُوتُه وقوتُ غيره، فالقسمةُ بينَه وبين غيرِه لم يُمكن تقديرُها إلا بالإشارة بحسب الاحتِياج، فإذا أخذَ شيئًا هو مُشاعٌ بينَه وبين غيره أكثرَ من حاجته فقد ظلمَ غيرَه بمقدار التفاوُت".
وقالوا: إن من السَّرَف أن يُلقَى على مائدةٍ من الخبز أضعافُ ما يحتاجُ إليه الآكِلُون، ومن السَّرَف أن يضعَ لنفسِه ألوانَ الطعام.
ويقول الإمام أحمد: "المرءُ يأكلُ بالسُّرورِ مع الإخوان، وبالإيثارِ مع الفقراء، وبالمروءَة مع أبناء الدُّنيا، وبالتعلُّمِ والاتّباعِ والأدبِ مع العلماء".
زن نفقاتك، واضبط تصرفاتك، وأحسن إدارة مالك، وحاسب نفسك قبل أن تحاسب واعلم أن المال مال الله وهو أمانة عندك فعنه تسأل وعليه تجزى..
وهل غايةُ الإسراف إلا الحسرةُ والندامة؟! (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا) [الإسراء: 29].
نفعَني الله وإياكم بكتابِه، وبسنةِ نبيِّه محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وأقولُ قولي هذا، وأستغفِرُ الله لي ولكم، ولسائرِ المسلمين من كلِّ ذنبٍ وخَطيئةٍ، فاستغفِرُوه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية.
الحمد لله الذي دبَّرَ عباده في كُلِّ أمورهم أحسنَ تدبير، ويسَّر لهم أحوال المعيشة وأمرهم بالاقتصاد ونهاهم عن الإسراف والتقتير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه البشيرُ النذير، اللهم صل وسلم وبارك على محمد، وعلى آله وأصحابه الذين سلكوا طرق الاعتدال والتيسير.
أما بعد: فيا عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى، ولنعلمْ أنَّ المسلمَ معتدلٌ متوسّطٌ مقتصدٌ في أموره كلِّها، لا إِفْرَاطَ ولا تَفْرِيطَ، لا غُلُوَّ ولا مُجَافَاةَ، لا إسرافَ ولا تَقْتِيرَ؛ لأنه ينطلق في ذلك من تعاليم الإسلام التي تأمرُه بالاعتدال والتوازن والاقتصاد في جميع الأمور، وتنهاه عن الإسراف والتبذير ومجاوزةِ الحَد.
عباد الله: إنَّ حِفْظَ المال فيه حِفْظُ الدين والعِرْض والشرف، وإنَّ الشريعة لم تحرِّمْ اكتسابَ الأموالِ ونماءَها والتزودَ منها، بل حثَّتْ على ذلك، ولكنَّها نهتْ عن الطُّرقِ المُحرَّمةِ في كَسْبِ المال وإنفاقِه، ومن الطُّرقِ المُحرَّمة في إنفاق المال: الإسرافُ، وإهدارُ المال بغير حقٍّ، ورد في الحديث: ((إنَّ اللهَ يرضى لكم ثلاثًا ويسخَطُ ثلاثًا: يرضى لكم أنْ تعبُدوه ولا تُشرِكوا به شيئًا، وأنْ تعتصموا بحبلِ اللهِ جميعًا، وأنْ تُناصِحوا مَن ولَّاه اللهُ أمرَكم، ويسخَطُ لكم: قيل وقال، وإضاعةَ المالِ، وكثرةَ السُّؤالِ))؛ صحيح ابن حبان.
عباد الله:
فدينُكم يُربِّي على الاستِغناءِ عن الأشياء، وليس الاستغناءَ بها، حتى لا يكونَ الناسُ عبيدَ الدِّرهَمِ والدِّينار، والاستهانة بالقليل تجُرُّ إلى الاستهانةِ بالكثير، ومن ضيَّعَ القليلَ أضاعَ الكثيرَ، يكسَبُ في الدُّنيا ذمًّا، وفي الآخرة إثمًا.
أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم: (فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ)
والملاذّ من الإسراف المدمر هو العودة للاعْتِدَال المطلوب ، المدلولِ عليه في قوله - سبحانه -: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)
وسلوكُ الوسَط هو مَسْلكُ عبادِ الرحمن، المدلولُ عليه في قوله - عزَّ شأنه -: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) [الفرقان: 67].
والمذمومُ ما أُخِذَ من غيرِ حِلِّهِ، أو وُضِعَ في غيرِ محلِّه، واستعبَدَ صاحبَه، وملَكَ عليه قلبَه، وشغَلَه عن اللهِ والدار الآخرة، وعن حقوقِ أهلِهِ وإخوانه.
وحينما قالوا: "لا خيرَ في الإسراف"، قالوا: "لا إسرافَ في الخير".
ويقولُ سفيانُ بن عُيينة - رضي الله عنه -: "ما أنفَقتَ في غير ِطاعةِ اللهِ إسرافٌ، وإن كان قليلاً".
ويقول شيخُ الإسلام ابنُ تيميّة - رحمه الله -: "الإسرافُ في المُباحَات هو مُجاوزةُ الحدِّ، وهو من العُدوان المُحرَّم، وتركُ فُضُولها من الزُّهد المباح".
بل قالوا: "إن ما صُرِف فيما ينبغي زائدًا على ما ينبغي، فهو إسرافٌ مذمُوم".
وويلٌ لمن أبطَرَته النعمةُ وسَعَةُ العيش، فطغَى واستغرقَ عُمرَه في الشهوات.
ومن المصائب المشهودة هذه الأزمنة افتتان الكثير بالتصوير والتصاوير فذاك يجهز أفضل الطعام لا ليأكله ولكن ليصوره وذاك ينادي الكثير لا لأجل أن يكرمهم بل لأجل أن يصورهم ليباهي بهم! .. وذاك ما دخل مناسبة ولا مطعم ولا محل أكل أو شرب إلا هو يصور ليباهي ويفخر على غيره.. مسكين والله من يكسر أعين المساكين.. وفقير والله من آلم الفقراء.. تصور وما علمت أن غيرك محروم! تصور وما علمت أنك تعرض نفسك للعين والحسد! تصور وما علمت أنك بهذا تباهي وترائي وتفاخر على غيرك.. ليته كان يصوره لقرابته وخاصته لا والله بل كان يصور أكله للجميع ويضعه في حالاته العامة ونسي أن كل ذي نعمة محسود.. ولاشك أن هذه التصرفات عين الإسراف... ومن العيب والله أن تصور ضيفك بغير إذنه وأن تباهي غيره بما قدمت له..
لا تبذر وإن ملكت كثيرًا..
فزوال الكثير بالتبذير
قليل المال تصلحه فيبقى..
ولا يبقى الكثير مع الفسادِ
ألا فاتَّقُوا الله - رحمكم الله -، وخذوا بأيدي سفهاءكم ولا تقرونهم على إسرافهم أنكروا عليهم ولا تشاركوهم مناسباتهم إذا أصروا على إسرافهم فيها حتى لا تعمكم عقوبتهم في الدنيا والآخرة.. نسأل الله العافية والسلامة. هذا، وصلُّوا وسلِّموا على الرحمة المُهداة، والنِّعمة المُسداة: نبيِّكم محمدٍ رسولِ الله؛ فقد أمرَكم بذلك ربُّكم، فقال - عزّ قائلاً عليمًا -: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك نبيِّنا محمدٍ، النبيِّ الأميِّ الحبيبِ المُصطفى، والنبيِّ المُجتَبَى، وعلى آله الطيِّبين وصحابته الطاهرين، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوِك وجُودك وكرمِك وإحسانِك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعذنا من الإسراف وما أوصل إليه من قول أو عمل اللهم ارزقنا القصد في الفقر والغنى اللهم اعتدالا في نفقاتنا وعافيةً في ديننا وأبداننا ومغفرةً لذنوبنا وخطايانا اللهم سعة في أرزاقنا وانشراحا لصدورنا ورحمةً لنا ولوالدينا اللهم سدادا في جميع أمورنا اللهم وأصلح أحوال المسلمين وأعزهم بالكتاب والسنة يا ربنا يا رب العالمين اللهم دمر اعداء الدين وأصلح ولاة أمر المسلمين ووفق ولي أمرنا وولي عده لكل خير وأعنهم وقوهم وسددهم يا أرحم الراحمين، سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.
المرفقات
1744892879_الإسراف المدمر!.doc