الإسراف والتبذير 20/10/1446

خالد الشايع
1446/10/19 - 2025/04/17 17:31PM

الخطبة الأولى :

 

أما بعد فيا أيها الناس : فاتقوا الله جل وعلا واشكروه على ما أولاكم من نعمه التي لا تحصى ، واستعملوها في طاعته ، فالنعم إذا شكرت قرت وإذا كفرت فرت ، يقول جل في علاه ( ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء ) ويقول ( كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى ) فالله جل في علاه يمنع الرزق عن الخلق رحمة بهم ، حتى لا يبغوا في الأرض ، لأن الإنسان بطبعه إذا أحس أنه استغنى طغى وتجبر على ربه .

 

عباد الله : هذه حال الإنسان في حياته إلا من رحم الله ، ووالله إنه ليبلغني ويبلغكم ما يتفطر له القلب ، ويقشعر له البدن خوفا من العقوبة مما يراه من المفاخرة والمباهات بمعصية الله تعالى ، فأحدهم يغسل يدي ضيوفه بالسمن والآخر بدهن العود ، وثالث بنثر الهيل على الأرض ، والآخر بذبح الأباعر والغنم والدجاج ويضعهن على صحن يحمل بالرافعات ، كل ذلك فخر وخيلاء ومباهات ، ولو دعى أحدهم للإنفاق في سبيل الله لبخل بماله ، أفلا يتقون الله ويخافون عقابه ، أفلا يرون ما حل بالديار من حولنا ، فقر وجوع وتشرد ، وحروب وقتل وإعاقات .؟

 

عباد الله : الإسراف والتبذير خلقان ذميمان سقط فيهما من فتن بالدنيا وشهواتها ، وكثير منا يقع فيهما وهو لا يعلم ، لجهله بمعنى الإسراف والتبذير ، وقد عرفهما أهل العلم

 

قال الجرجاني: (الإسراف: هو إنفاق المال الكثير في الغرض الخسيس. وقيل تجاوز الحدِّ في النفقة، وقيل: أن يأكل الرجل ما لا يحلُّ له، أو يأكل مما يحل له فوق الاعتدال، ومقدار الحاجة. وقيل: الإسراف تجاوز في الكمية، فهو جهل بمقادير الحقوق))

قال الشافعي: (التبذير إنفاق

المال في غير حقِّه

وقال بعض العلماء : الاسراف في المباحات ، والتبذير انفاق المال في المعاصي )

 

فالاسراف يكون بالقول والفعل ، وهو فيما اباح الله لنا ، في المأكل والمشرب والملبس الحلال ، بالانفاق فيه زائدا على الحاجة ، فالمرأة التي تشتري شنطة بالألوف ، أو نعلا بالألوف هي من المسرفين بلا شك

وأما من يدخن ، ويشرب المسكر ، ويشتري المجلات الساقطة ، ويركب القنوات الهابطة فهو من المبذرين ، وليس هذا حصرا على ماذكر ولكنه مثال يتضح به المقال .

 

قال سفيان الثوري رضي الله عنه: "ما أنفقت في غير طاعة الله فهو سرف، وإن كان قليلاً"، وكذا قال ابن عباس رضي الله عنه: "من أنفق درهماً في غير حقه فهو سرف".

معاشر المؤمنين : لقد من الله علينا بالأمن والأمان ورغد العيش ، وفتح الله علينا من خزائنه ، ما يبكي كبار السن الذين عايشوا الفقر والجوع قبل قرابة نصف قرن فقط ، فليس الجوع عنا ببعيد .

 

واليوم نرى من يكفر هذه النعم فصرفها فيما لا يحل ، ولقد أخبر المولى جل وعلا كيف حال من كفر بنعم الله

 

فقال جل شأنه ( وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الخوف والجوع بما كانوا يصنعون ) فها هيا نعم الله علينا تتهافت من كل بلد تملأ أسواقنا ولله الحمد ، لا تنقطع طول السنة ، أفلا نخشى حرمانها عندما نكفرها بالإسراف فيها وتبذيرها .

 

أخرج أبو داود والترمذي والنسائي في سننهم من حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال يا أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية { يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم } وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه .

 

فلا يسلم من رأى المنكر وسكت ،ولا يكفى القول ( ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا ) ونحن نستطيع الانكار باللسان أو اليد .

فلقد لعن الله بني إسرائيل لعدم نهيهم عن المنكر فقال ( لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ، كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبس ما كانوا يفعلون )قيل كانوا يرونهم على المنكر فيقولون يافلان اتق الله ودع ما أنت فيه ، ثم لا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وجليسه من الغد .

 

وقال سبحانه : ﴿ وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ﴾[الإسراء: 16].

 

قال العلاَّمة الشنقيطي في "أضواء البيان" (3/ 159) ما مُختصره:

﴿ أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا ﴾ بطاعة الله وتوحيده، وتصديق رُسله وأتْباعهم فيما جاؤوا به، ﴿ فَفَسَقُوا ﴾؛ أي: خرَجوا عن طاعة أمر ربِّهم، وعَصَوه وكذَّبوا رُسله، ﴿ فَحَقَّ عَلَيْهَا القول ﴾؛ أي: وجَب عليها الوعيد، ﴿ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ﴾؛ أي: أهْلَكناها إهلاكًا مستأصلاً، وأكَّد فِعل التدمير بمصدره ؛ للمبالغة في شِدَّة الهلاك الواقع بهم"؛ ا.هـ.

 

اللهم أعذنا من غضبك وأليم عقابك يارب العالمين أقول قولي هذا ....

 

 

الخطبة الثانية

أما بعد فيا أيها الناس : لقد نهى الله نبيه صلى الله عليه وسلم فقال ( ولا تبذر تبذيرا ) و لقد ذم الله المبذرين فقال سبحانه (إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا )

 

قال الطبري في تفسيره ما مختصره:

"وأمَّا قوله: ﴿ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ﴾، فإنه يعني: إنَّ المفرِّقين أموالَهم في معاصي الله المنفقيها في غير طاعته - أولياءُ الشياطين، وكذلك تقول العرب لكلِّ ملازم سُنة قومٍ وتابعٍ أثَرهم: هو أخوهم.

 

﴿ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ﴾، يقول: وكان الشيطان لنعمة ربِّه - التي أنعمَها عليه - جحودًا، لا يَشكره عليه، ولكنه يَكفرها بتَرْكه طاعةَ الله، وركوبه معصيتَه، فكذلك إخوانه من بني آدم، المبذِّرون أموالَهم في معاصي الله، لا يشكرون الله على نِعمه عليهم، ولكنهم يخالفون أمره ويعصونه"؛ ا .هـ.

 

وأخبر سبحانه أنه لا يحب المسرفين فقال ( وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين )

 

معاشر المسلمين : كيف يطيب للإنسان عيش وإخوانه يموتون جوعا في مشارق الأرض ومغاربها ، في اليمن والسودان ، وهذه بلاد الشام تئن تحت وطأة الظلم والبلاء ، فلقد اجتمع عليهم الظلم والقهر ، والقتل والتشريد ، والفقر والجوع ، والبرد والمرض ، بعد أن كانت بلدة تصدر الخيرات لسائر البلاد ، فلا حول ولا قوة إلا بالله .

 

الكل سمع بما يحصل بفلسطين وغزة على الأخص ورفح وما يحصل فيها ، وكيف يعيش إخواننا هناك ، حتى مات الناس فيها جوعا وبردا ، وعمر بن الخطاب لما أصاب الناس جوع وجدب ، حلف أن لا يذوق غير الزيت والملح حتى يشبع المسلمون ، والسلطان نور الدين محمود لما حاصر الفرنج بلدة دمياط حلف أن لا يغتسل لجنابة ولا يضحك حتى يفك الحصار عنهم ، هؤلاء هم من يعيش هم المسلمين ويعرفون معنى الأخوة في الدين

فمن يبذر ماله ويسرف فيه هل انقطعت في قلبه مشاعر الأخوة أم هي معدومة .

 

عباد الله : المواساة المواساة لإخوانك في بلاد الشام وغيرها ، انفقوا حتى يبارك لكم الله فيما رزقكم ، وألحوا في الدعاء أن يرفع الله البلاء عن إخوانكم ، فلقد عظم الخطب وطال ليل الظلم ، ونحن بالله واثقون ولحكمه راضون ، غير أنا نخشى العقوبة في تقصيرنا في حق إخواننا المستضعفين

 

أيها الناس : خذوا على يد السفيه ، وأطروه على الحق أطرا ، واستعملوا نعم الله في طاعته ومحابه ، لتدوم النعم ، ولنسلم عند حدوث النقم ، عافانا الله وإياكم

 

وإن مما يزيد الطين بله ، ما يقوم به سفهاء العقول من تصوير لإسرافهم ونشره عبر مواقع التواصل ، فهل وصلت بك الدناءة أن تصور طعامك وضيفك وهو يأكل لتتباها به أمام الناس ، أين الكرم والإحسان إلى الضيف ، ألا فلنفق من سكرة شهوة الدنيا ، ولنتفهم سبب خلقنا على هذه الأرض ، ولنعمل لأجلها .

 

بلدة دمياط حلف أن لا يغتسل لجنابة ولا يضحك حتى يفك الحصار عنهم ، هؤلاء هم من يعيش هم المسلمين ويعرفون معنى الأخوة في الدين فمن يبذر ماله ويسرف فيه هل انقطعت في قلبه مشاعر الأخوة أم هي معدومة .

 

عباد الله : المواساة المواساة لإخوانك في بلاد الشام وغيرها ، انفقوا حتى يبارك لكم الله فيما رزقكم ، وألحوا في الدعاء أن يرفع الله البلاء عن إخوانكم ، فلقد عظم الخطب وطال ليل الظلم ، ونحن بالله واثقون ولحكمه راضون ، غير أنا نخشى العقوبة في تقصيرنا في حق إخواننا المستضعفين

 

أيها الناس : خذوا على يد السفيه ، وأطروه على الحق أطرا ، واستعملوا نعم الله في طاعته ومحابه ، لتدوم النعم ، ولنسلم عند حدوث النقم ، عافانا الله وإياكم

 

وإن مما يزيد الطين بله ، ما يقوم به سفهاء العقول من تصوير لإسرافهم ونشره عبر مواقع التواصل ، فهل وصلت بك الدناءة أن تصور طعامك وضيفك وهو يأكل لتتباها به أمام الناس ، أين الكرم والإحسان إلى الضيف ، ألا فلنفق من سكرة شهوة الدنيا ، ولنتفهم سبب خلقنا على هذه الأرض ، ولنعمل لأجلها .

 

اللهم إنا نعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع ، ونعوذ بك من غلبة الدين قهر الرجال

 

اللهم اغفر للمسلمين ...

 

المرفقات

1744900811_الإسراف والتبذير.docx

1744900812_الإسراف والتبذير.pdf

المشاهدات 783 | التعليقات 0