الإِسْرَافِ وَتَصْوِيرِ الطَّعَامِ
محمد البدر
الْخُطْبَةُ الأُولَى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ , وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾.﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾.﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا(70)يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.
عِبَادَ اللَّهِ:قَالَ تَعَالَى﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا(8)إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا﴾وَقَالَﷺ«مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ..الخ الحديث»مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.وَقَالَﷺ«شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ،يُدْعَى لَهَا الأَغْنِيَاءُ وَيُتْرَكُ الْفُقَرَاءُ،وَمَنْ تَرَكَ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللهَ وَرَسُولَهُ»مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ مِنَ النِّعَمِ الَّتِي أَبَاحَهَا اللهُ-عَزَّ وَجَلَّ-لِعِبَادِهِ وَإِطْعَامُ الطَّعَامِ،مِنْ مَكَارِمِ الأَخْلاَقِ الَّتِي حَثَّ عَلَيْهَا دِينُنَا،وَإِقَامَةَ الْوَلَائِمِ،وَإِكْرَامُ الضَّيْفِ مِنْ أَخْلَاقِهِمْ وَدِينِهِمْ،وَدَعْوَةَ النَّاسِ بِدُونِ استِثْنَاءِ أَمْرٌ مَنْدُوبٌ شَرْعًا،وَأَمَّا المُبَاهَاةَ وَالتَّفَاخُر فِيْ الْوَلائِمِ،وَأَصْنَافِ الأطَّعَمِة بِشَتَّى أَنْوَاعِها،وَالَّتِي قَدْ يَكُونُ مَآلُهَا لِلْحَاوِيَاتِ،أَوْ تُلْقَى فِيْ الطُّرُقَاتِ وَعَلَى الأَرْصِفَةِ،مِنَ الظَّوَاهِرِ السَّيِّئَةِ الَّتِي انْتَشَرَتْ فِيْ مُجْتَمَعَاتِنَا،قَالَ تَعَالَى﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾وَقَالَ تَعَالَى﴿إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ﴾وَقَالَﷺ«كُلُوا وَاشْرَبُوا وَتَصَدَّقُوا وَالْبَسُوا مَا لَمْ يُخَالِطْهُ إِسْرَافٌ أَوْ مَخِيلَةٌ»رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانيُّ.
عِبَادَ اللَّهِ:قَالَ تَعَالَى﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾وَقَالَ تَعَالَى﴿وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾وَقَالَﷺ«إِنَّ مِنْ شِرَارِ أُمَّتِي الَّذِينَ غُذُّوا بِالنَّعِيمِ,وَنَبَتَتْ عَلَيْهِ أَجْسَامُهُمْ،الَّذِينَ يَأكُلُونَ أَلْوَانَ الطَّعَامِ،وَيَلْبَسُونَ أَلْوَانَ الثِّيَابِ،وَيَتَشَدَّقُونَ بِالْكَلامِ»صَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.فَالْإِسْرَافُ وَالتَّبْذِيرِ مِنْ أَعْظَمِ أسْبَابِ زَوَالِ النَّعَمَةِ وَفُقْدَانِهَا،وَسببٌ لإِضَاعَةَ الْمَالِ،وَتَجِدُ بَعْضَ النَّاسِ تَحَمَّلُوا الدُّيُونَ الْعَظِيمَةَ،وَأَرْهَقُوا ذِمِمَهُمْ،لِيَكُونُوا كُرمَاءُ وَيَسْمَعُ بِكَرَمِهِمْ القَاصِي وَالدَّانِي،بَلْ هَذَا مِنَ الْإِسْرَافُ وَالتَّبْذِيرِ قَالَﷺ«إِنَّ اللهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلاثًا؛قِيلَ وَقَالَ،وَإضَاعَةَ الْمَالِ،وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ»رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. فَاتَّقُواْ اللَّهَ-عِبَادَ اللهِ-وَاحْذَرُوا مِنَ المُبَاهَاةَ وَالبَطَرَ وَالتَّفَاخُر وَهدْر النِّعم،وَيَنْبَغِي التَّعَاوُن مَعَ جَمْعِيَّاتِ حِفْظِ النِّعْمَةِ.أَقُولُ مَا سَمِعْتُمْ،وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ؛إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا وَإِمَامِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
عِبَادَ اللهِ:قَالَ تَعَالَى﴿وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّـهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾اِعْلَمُوا أَنَّ تَصْوِيرِ الطَّعَامِ وَالْوَلائِمِ،وَالتَّعَالِي عَلَى الآخَرِيْنَ،وَنَشْرِهِ عَبْرَ وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيّ مِنَ الظَّوَاهِرِ السَّيِّئَةِ الَّتِي انْتَشَرَتْ فِيْ مُجْتَمَعَاتِنَا،وَقَدْ يُؤَدِّيَ إِلَى الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ وَالْمَنَّ وَالْأَذَى،وَقَدْ يُؤَدِّيَ إِلَى شُعُورِ الآخَرِيْنَ بِالْحَرَجِ،وَقَدْ يَجْرَحُ مَشَاعِرَ مَنْ يُقَدَّمُ لَهُمُ الطَّعَام،وَتَتَأَلُّمُ قُلُوبِ الْبُسَطَاءِ وَالمُحْتَاجِيْنَ.
فَاتَّقُواْ اللَّهَ-عِبَادَ اللهِ-وَاحْذَرُوا مِنَ تَصْوِيرِ الطَّعَامِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ مَاسَّةٍ وَلَا ضَرُورَةٍ مُلِحَّةٍ.
عِبَادَ اللهِ:إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ أَمَرَنَا بِأَمْرٍ بَدَأَ فِيهِ بِنَفْسِهِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد،وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ ، وَعَنِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَعَنِ التَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَاحْفَظْ اللّهمّ ولاةَ أمورنا، وَأَيِّدْ بِالْحَقِّ إِمَامَنَا وَوَلِيَّ أَمْرِنَا،اللّهمّ وَهيِّئْ لَهُ الْبِطَانَةَ
الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَالَّتِي تَدُلُّهُ عَلَى الْخَيرِ وَتُعِينُهُ عَلَيْهِ ،واصرِفْ عَنه بِطانةَ السُّوءِ يَا رَبَّ العَالمينَ،وَاللّهمّ وَفِّقْ جَميعَ ولاةِ أَمرِ الْمُسْلِمِينَ لما تُحبهُ وَتَرضَاهُ لمَا فِيهِ صَلَاحُ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ يَا ذَا الجَلَالِ والإِكْرَامِ ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾.
عِبَادَ اللَّهِ:فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ،وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ
يَزِدْكُمْ ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾.