البراكين آية

راشد بن عبد الرحمن البداح
1447/06/06 - 2025/11/27 06:50AM
 
المشاهدات 909 | التعليقات 1

البراكينُ آيةٌ (راشد البداح – الزلفي) 7 جمادى الآخر 1447
الحمدُ للهِ الذي جعلَ لكلِّ شيءٍ قَدْراً، وأسبَلَ علينا من رحمتهِ سِتراً.أشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، له الحمدُ في الأُولَى والأُخرَى، وأشهدُ أن نبيَنا محمداً عبدُ اللهِ ورسولُه، خُصَّ بالمعجزاتِ الكبرَى، صلى اللهُ وسلمَ عليه صلاةً تترَى. أما بعدُ: {فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[آل عمران123]

في دقائقَ معدودةٍ أرانا اللهُ وَمضةً من قُدرتِهِ {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا}[فاطر44]

ففي مطلعِ هذا الأسبوعِ ثارَ بركانٌ مَهُولٌ في أثيوبيا، وقبلَه بأربعةِ أيامٍ بركانٌ في أَندونيسيا. أما بركانُ أثيوبيا فمفاجئٌ دونَ أيِّ تحذيراتٍمسبَقةٍ من أيِّ جهةٍ متخصصةٍ، وارتفعَ عمودُ الرمادِ والغازاتِ إلى نحوِأربعةَ عشرَ كيلوْ، وامتدتْ أتربتُهُ الضارةُ إلى اليمنِ.

حقًا ما أضعفَنا وما أعجزَنا برغمِ حضاراتِنا وتقنياتِنا، التي زادتْفي إتلافِنا، وأتى قدرُ اللهِ وما قدِرَتِ الأرصادُ رصدَهُ. وإنها قُدْرَتُهُ وإنهُ قَدَرُهُ {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}[القمر49]{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[البقرة106]

معاشرَ المؤمنينَ: لنتفكرْ في بعضِ ما ذكرَهُ الجيولوجيونَ، فقد قالُوا: من المدهشِ أن قِشرةَ الأرضِ تطفُو فوقَ موادَّ منصهرةٍ محترقةٍ، قد تصِلُ حرارتُها إلى سبعةِ آلافِ درجةٍ مئويةٍ، فتهتزُّ وتنفجرُ. قالَ تعالَى: ‏‏(ءَأَمِنتُم مَّن فِي ٱلسَّمَآءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ ٱلأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ) أي: تموجُ وتضطربُ.

ومن العجائبِ المخيفةِ أنهم قالُوا: إن جزيرةَ العرَبِ تَجْثُمُ فوقَ مئاتِالبراكينِ الخامدةِ منذُ آلافِ السنينِ، فَعَدَدُ البراكينِ في حَرَّةِ خيبرَ فقطَنحوُ أربعِ مئةِ بركانٍ!. وآخِرُ بركانِ انفجرَ في المنطقةِ قبلَ ثمانِ مئةِ سنةٍجنوبَ شرقِ المدينةِ، وقد زحفَتْ حِمَمُهُ للمسجِدِ النبويِّ.

عبادَ اللهِ: يُرِينا اللهُ بهذهِ البراكينِ والزلازلِ مثالاً لآياتِه وصفاتهِ، وَيَتَعَرَّفُ إلَيْنا بِأَنْوَاعِ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ. فإذا رأيتَ آثارَ هذا البركانِعرفتَ شيئًا من معنَى: الْجَبَّارِ، الْقَهَّارِ، الْقَوِيِّ، الْقَادِرِ، الْمُقْتَدِرِ، النَّافِعِالضَّارِّ.

وإذا رأيتَ الناجينَ منهُ تذكرتَ من أسماءِ اللهِ الحسنَى اسمَ: الْبَرِّ،الرَّحِيمِ، السَّلامِ، اللَّطِيفِ، الْحَلِيمِ، الْحَفِيظِ، الْوَدُودِ، الْعَفُوِّ، الرَّءُوفِ، الْمَانِعِ.

وإن في هذهِ البراكينِ لعِبَرًا، وفي أحداثِها لمُعتَبَرًا: فمِنْ منظرِها تفهمُ بعضَ معنَى قولِهِ تعالَى: ‏﴿فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾ وتتفكرُ كيفَ تتفجّرُ البراكينُ حِمَمَاً حارقةً، وتدركُقدرةَ القادرِ على كلِّ شيءٍكيفَ تحترقُ أصلبُ الحجارةِ، وتسيلُ ناراً كالسيل، فهذه نارٌ نَرَاها تُذِيبُ الصخورَ، فكيفَ بنارٍ وَقودُها لحومُ الناسِ والحجارةُ الصلبةُ؟ فاللهُ يُذكِّرُنا بهذهِ النارِ نارَ الآخرةِ، ويُعرِّفُنا بعضَ قدرتِهِ؛ لنرجعَ إليه متضرعِينَ قبلَ أن يأتيَنا ما لا نستطيعُ رَدُّهُ.

الحمدُ للهِ الذي كفَى ووَقَى، والصلاةُ والسلامُ على النبيِالمصطفَى، أما بعدُ:

أيُّها المسلمونَ: هلْ تعلمونَ أن البراكينَ والزلازلَ ليستْ شرًا محضًا، بل فيها رحمةٌ لو تأمَّلْنا. قَالَ رَسُولُنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أُمَّتِيهَذِهِ أُمَّةٌ مَرْحُومَةٌ؛ لَيْسَ عَلَيْهَا عَذَابٌ فِي الآخِرَةِ، عَذَابُهَا فِيالدُّنْيَا الْفِتَنُ وَالزَّلاَزِلُ وَالْقَتْلُ(). ومعناهُ أنَّ غالبَ أفرادِ هذه الأمّةِمَجزيٌّ بالبلايا والرزايَا التي منها الزلازلُ تكفيرًا وتَطهيرًا، وتوبةً وأوبةً:(وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنْ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) ولعلَّهم يُراجِعونَ أنفسَهم، ويَزدادونَ إيماناً مع إيمانهِمْ، كما يَزدادونَ محاسبةً وإنابةً، ويَوْجَلونَ خوفاً {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا}[الإسراء59]

فأما الغافلونَ المُترَفونَ -أبعدَنا اللهُ منهم- فقد خوَّفهمُ اللهُ بقوله: (حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ).فهُمْ عن النُذُرِ الإلهيةِ غافلونَ، بل هم لها مُعاندونَ: {وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا}[الإسراء60]

فلنُغيِّرْ ليُغَيِّرَ اللهُ ما بِنا، فـ: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} ولنسألْ أنفسَنا: ماذا غيَّرْنا، حتى يُغَيِّرَ اللهُما بِنا؟ هل حافظْنا على صلاةِ الفجرِ؟ هل وَقَيْنَا أنفُسَنا وأهلِيناناراً وَقودُها الناسُ والحجارةُ؟ هل اتقَيْنا ربَّنا وطهَّرْنَا أموالَنا من الحرامِ؟

هل يُخِيْفُنا ما نَرَى من حوادثَ أرضيةٍ وفلكيةٍ؟! أم استولَتْ علينا الغفلةُ، وكأنَّ الأمرَ لا يَعنِينا. هلِ استغفَرْنا ربَّنا؟! أم اكتفَيْنَا بمتابعةِ الأحداثِ دونَ أن يُحدِثَ ذلكَ في علاقَتِنا بربِّنا مزيدَ توبةٍوصالحَ عملٍ؟!

فاللهم أيقظْ قلوبَنا من غفلتِها، وارزُقْنا خوفًا من المعاصيْ يردَعُنا، وإقبالاً للتوبة يدفَعُنا ويرفَعُنا.

اللَّهُمَّ لاَ تَقْتُلْنَا بِغَضَبِكَ، وَلاَ تُهْلِكْنَا بِعَذَابِكَ، وَعَافِنَا قَبْلَ ذَلِكَ().

اللهم إن السماءَ سماؤُكَ، والأرضَ أرضُك، وما بينهُما لكَ. نعُوذُ بِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ، وَكَلِمَاتِكَ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ، وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا().

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَجْعَلَ كُلَّ ‌قَضَاءٍ ‌قَضَيْتَهُ لَنَا خَيْرًا.

اللهم اقبلْ تَوباتِنا، واغسلْ حَوباتِنا، وأجِبْ دَعَواتِنا.

اللهم وارحمْنا ووالدِينا، وهبْ لنا من أزواجِنا وذرياتِنا قرةَ أعينٍ.

اللهم وبارِكْ في عُمُرِ وعمَلِ وليِّ أمرِنا ووليِ عهدِهِ، وزِدْهُم عِزًا لنصرةِ الإسلامِ، ونَجدةِ المسلمينَ، وراحةِ رعيتِهم. اللهم احمِ حِمانا، واخذُلْعِدانا.

نستغفِرُ اللهَ الحيَ القيومَ ونتوبُ إليهِ.

اللَّهُمَّ أَنْتَ اللَّهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، الْغَنِيُّ وَنَحْنُ الْفُقَرَاءُ، أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْثَ، وَاجْعَلْ مَا أَنْزَلْتَ لَنَا قُوَّةً، وَبَلَاغًا إِلَى حِينٍ().

اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا().

اللَّهُمَّ اسْقِنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ، وَأَنْبِتْ لَنَا مِنْ بَرَكَاتِ الْأَرْضِ().

اللهم صلِ وسلّمْ على عبدِك ورسولِكَ محمدٍ.

المرفقات

1764215470_‎⁨البراكين آية⁩.docx

1764215470_‎⁨البراكين آية⁩.pdf