التحذير من الإسراف والتبذير في الولائم وفق التعميم
خالد الكناني
التحذير من الإسراف والتبذير في الولائم وفق التعميم
إن الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلِ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أن محمدًا عبده ورسوله ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.، أما بعدُ ، أيها المسلمون : فأوصيكم ونفسي بتقوى الله ، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }
عباد الله : لقد امتن الله علينا في هذه البلاد المباركة بنعم كثيرة ، وعطايا جزيلة ، يتقلب فيها الناس ليلا ونهارا ، رغد في العيش وسعة في الرزق ، كل ذلك بفضل من الله تبارك وتعالى .
وهذه النعم تحتاج منا إلى شكر المنعم جل وعلا، وكذلك بالمحافظة عليها والبعد كل البعد عن الإسراف أو التبذير في تصرفاتنا مع هذه النعم .
عباد الله : إن من الأمور الخطيرة التي تفشت مع ما أعطانا الله من تيسير الحصول على المال وتنوع الأرزاق من مأكول ومشروب ، أقول إن من الأمور الخطيرة ظاهرة الإسراف والتبذير في الولائم وذلك بالمبالغة في كثرة الطعام وتنوع وتعدد الاصناف فوق الحاجة والاحتياج ، وهي ظاهرة أمرها خطير وشرها مستطير ، نهى الله ورسوله عنهما وأمرنا بالتوسط وعدم الإسراف والتبذيرقال تعالى : { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ } ، وقال تعالى : { إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً } وقال تعالى { وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا } ، وقال صلى الله عليه وسلم :"كُلُوا وَاشْرَبُوا وَالْبَسُوا وَتَصَدَّقُوا فِى غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلاَ مَخِيلَةٍ".
أيها المسلمون : إن من المشاهدات في المناسبات وفي غيرها الإسراف في المآكل والمشارب وإنك لترى من أصناف الأطعمة والأشربة ما يكفي أضعافا أضعاف من قُدمت لهم ، والمصيبة العظمى إذا أُلقيت هذه النعم في الحاويات والنفايات وهي في حالة جيدة ، أيها المسلمون : الإسراف والتبذير من أعظم أسباب زوال النعم وفقدها ، قال الله تعالى : { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ }
فلنحذر كل الحذر أن نكون سببا لتبديل أمننا خوفا ورزقنا جوعا بسبب تلك التصرفات التي نهينا عنها فإن كفر النعمة يقود إلى زولها ، قال تعالى { وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ }
أيها المسلمون : اعلموا أن للإسراف والتبذير في الولائم والمفاخرة بذلك أضرار كبيرة دينية واقتصادية واجتماعية ، فهو معصية لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، وهدر للمال والاقتصاد والثروة الحيوانية وانواع الطعام بغير حاجة أو منفعة ،وسبب لشغل الذّمم بالديون في غير حاجة ، وكسر لقلوب الفقراء والمساكين ، وقد نهنا صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال
فقال ( إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ: عُقُوقَ الأُمَّهَاتِ، وَوَأْدَ البَنَاتِ، وَمَنَعَ وَهَاتِ، وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ المَالِ )) ، أيها المسلمون : وإن من المشاهدات في وقتنا المعاصر تصوير هذه الولائم الكبيرة والكثيرة ونشرها في وسائل التواصل الاجتماعي والتي أخرجت الولائم من الكرم إلى الرياء والمباهاة والمفاخرة وطلب المدح والتعالي ، ولنعلم أن التباهي بالإسراف والتبذير من كبائر الذنوب لما فيه من الآفات الكثيرة ، ففي ذلك كسر لقلوب الفقراء والمحتاجين الذين حرموا من هذه النعمة التي يشاهدونها عبر هذه الوسائل ، فإنهم إذا رأوا ذلك حقدوا على الأغنياء وامتلأت قلوبهم غيظا وكمدا ، وكذلك يعرضون أنفسهم بهذا التصوير والنشر للحسد والعين ، وفي ذلك التصوير إشاعة ونشر لما نهي عنه وهو الاسراف والتبذير في الولائم ولربما أهتدى واقتدى بذلك بعض من الناس فيلحقك وزرهم ،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ )
أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد ألا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى أله وصحبه وسلَّم تسليما كثيرا ... أما بعد ، أيها المسلمون : اتقوا الله تعالى حق التقوى، ومن التقوى أن نحافظ على ما أنعم الله به علينا من النعم والخيرات الكثيرة وأن نتصرف فيها وفق ما شرع الله تعالى لنا وبينه لنا رسول الله صلى الله عليه
والهدي في ذلك التوسط والاعتدال والبعد كل البعد عن البخل والإسراف والتبذير ، ففي ذلك النجاة والاتباع ، قال تعالى : { وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا }
أيها المسلمون : أشكروا الله تعالى على ما أنعم به عليكم ، وأحسنوا الثناء عليه ، ، وأكثروا من حمده ، اللهم ارزقنا شكر نعمائك وزدنا من فضللك وكرمك وإحسانك اللهم إنا نسالك الهدى والتقى والعفاف والغنى .هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال جل من قائل: ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ))