التحذير من الظلم في توزيع الإرث

عايد القزلان التميمي
1446/07/03 - 2025/01/03 07:35AM
إنّ الحمد لله  نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلِ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أن محمدًا عبده ورسوله ،  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.،
 أما بعدُ : فيا أيها المسلمون : فأوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }
عباد الله : إنّ مِنْ أهمِّ شرائع الإسلام التي فرضها الله على عِبَاده  وفصَّلَها في كتابه ، فريضة الميراث بعد موتِ الميت فقد جاءت أحكام الميراث دقيقةً موزعةً بحكمةٍ بالغةٍ وعدلٍ من قبل رب العالمين.
فربُّنا سُبحانه تولى تقسيم التركات ولم يترك ذلك لأحد من البشر  ، وذَكَرَ الفَرَائِض و نَصِيب كُل وارثٍ، بآيات واضحة في كتابه، ومنها قوله تعالى (( لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ ۚ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا ﴾
وقال في آيات المواريث: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ))  وقال تعالى : (فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ) وقال  (وَصِيةً مِنَ الله)  وقال ( يُبِيَنُ اللهُ لَكُمْ أنْ تَضِلُّوا)
وحذَّر- سبحانه وتعالى- من أكل مال الضعفاء واليتامى فقال: (إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأۡكُلُونَ أَمۡوَٰلَ ٱلۡيَتَٰمَىٰ ظُلۡمًا إِنَّمَا يَأۡكُلُونَ فِي بُطُونِهِمۡ نَاراۖ وَسَيَصۡلَوۡنَ سَعِيرا ))
وعن ابن عباسٍ - رضي الله عنهما -، قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «اقسِموا المالَ بين أهل الفرائِض على كتابِ الله، فما تركَت الفرائِضُ فلأولَى رجلٍ ذكَر»؛ أخرجه مسلم.
وقال سبحانه بعد أن ذكر تقسيم الميراث في آيات سورة النساء: ( تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِۚ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ يُدۡخِلۡهُ جَنَّٰتٍ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ وَذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ * وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُۥ يُدۡخِلۡهُ نَارًا خَٰالِداً فِيهَا وَلَهُۥ عَذَابٌ مُّهِين ))
عباد الله إن الواجب على وكيل الورثة أو الوصي المبادرة إلى توزيع تركة الميت بعد إحصائها و حصرِ الورثة، وتسديد الديون التي عليه ،لأن الله  سبحانه يقول -: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ)
ولا تُنَفَّذُ الوّصِيَّةُ لِوَارِثٍ، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَلَا وَصِيَّةَ ‌لِوَارِثٍ"(رواه البخاري).
ولا تُنَفَّذُ الوّصِيَّةُ في أَكْثَرَ مِن ثُلُثِ التَّرِكَةِ، فَقَد أَرَادَ سَعْدُ بنُ أَبي وَقَّاصٍ أنْ يُوصِي فقالَ: "يَا رَسُولَ اللهِ أُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ؟ قَالَ: "لَا"، قُلْتُ: فَالشَّطْرُ؟ قَالَ: "لَا"، قُلْتُ: الثُّلُثُ؟ قَالَ: "فَالثُّلُثُ، ‌وَالثُّلُثُ ‌كَثِيرٌ، إِنَّكَ أَنْ تَدَعَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ فِي أَيْدِيهِمْ"(رواه البخاري واللفظ له ومسلم).
عباد الله: وعلى الوَصِي أو الوكيل أن يتقي الله في الوصية وأَنْ يَحْصَرَ الوَرَثَةُ لِتَرِكَةِ المَيِّتِ، ويقوم بإعطاء كل وارثٍ حقّه سواء أكان ذكراً أو أنثى، وأن يبادر بتنفيذ وصية الميت، وألا يتساهل في مال القُصَّر والضعفاء والأيتام.
أيها المؤمنون / وفي بعض البلدان يحصل ظُلم عند توزيع الميراث ومن ذلك ، حِرمان المرأة من الميراث ،
وقد حدَّدَ الله تعالى مِيراث النساء في كتابه الكريم وتولّى القِسمة سُبحانه بِنَفسه مما لا يجعل لأحدٍ عُذراً بِعَدَم العَدْل فالله تعالى هو أعدل العادلين وأحكم الحاكمين فجعل للأم السدس إن كان لابنها الميت أولاد، والثلث إن لم يكن له أولاد .  
وجعل للبنت النصف إن كانت لوحدها، ونصف حظ الولد أو الاشتراك في الثلث إن كن ّ اثنتين فأكثر إن كان للميت أبناء ذكور فقال سبحانه: ﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ﴾ .
 كما حدد الله سبحانه وتعالى نصيب الأخوات والزوجات، والجدة والأخوات لأم وبنات الأخ وغيرهن من النساء الوارثات بأنصبة محددة لا تزيد ولا تنقص، وهو مِلكٌ لهُنّ لا يُنَازِعُهن فيه أحد .
فَبَادِرُوا -عِبَادَ اللَّهِ- بِقِسْمَةِ الْمِيرَاثِ، وَأَعْطُوا كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، والمِيرَاثُ أَحَقُّ الحُقوقِ،
وَاحْذَرُوا الظُّلْمَ؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة والظالم وقد تَوعَّد الله بالانتقام منه
لقول النبي صلى الله عليه وسلم))  إِنَّ اللَّه لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ فَإِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ )) ثُمَّ قَرَأَ: (( وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
وعند الاختلاف  مع الورثة فيجب عَلَيْنَا جَمِيعًا التَّعَاوُنَ عَلَى مَنْعِ الْمُعْتَدِينَ عَلَى أَمْوَالِ الضُّعَفَاءِ واليتامى مِنَ الْوَرَثَةِ، بِالنُّصْحِ وَالتَّذْكِيرِ، وَإِبْلَاغِ الْجِهَاتِ الْمَعْنِيَّةِ بِشَأْنِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ.
بارك الله لي ولكم ....
الخطبة الثانية :
الحمد لله والخير كله فيما جاء به كتاب الله ، والفوز والفلاح في متابعة السنة وما أمر به رسول الله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيرا .
أما بعد فيا أيها المؤمنون اعلموا أننا في شهر  رَجَب وهو من الأشهر الحُرُم، قال صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ :(السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ )) متفق عليه.
عباد الله وإنّ مِمَّا أَحْدَثَه الناس في هذا الشهر -شهر رجب- تخصِيصِهم هذا الشهر بأنواع من البدع والمحدثات؛ واعلموا -أيها المؤمنون- أنه لم يرِد في فضل شهر رجب -ولا في صيامه ولا في صيام شيء منه معين، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه- حديث صحيح يصلح للحجة، بل كل ما ورد من ذلك فهو ضعيف أو موضوع لا حجة فيه.
واعلموا أنه ليس لرجب فضيلة تُذْكَر سِوى أنه من الأشهر الحرم .
عباد الله صلوا وسلموا على رسول الله .......        
المرفقات

1735878948_التحذير من الظلم في توزيع الإرث.docx

المشاهدات 660 | التعليقات 0