التحذير من الغيبة والنميمة ونشر الشائعات 16-1-1447هـ

عايد القزلان التميمي
1447/01/15 - 2025/07/10 13:14PM
الْحَمْدُ لِلَّهِ خَلَقَ الْإِنْسَانَ، عَلَّمَهُ الْبَيَانَ، وَنَهَاهُ عَنْ الْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَالْكَذِبِ وَالْبُهْتَانِ، وَأَشْهَدُ أَن لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ شَهَادَةٌ أَرْجُو بِهَا دُخُولُ الْجِنَانِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى الِهِ وَأَصْحَابِهِ، أَهْلَ الصِّدْقِ وَالْإِيمَان، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ، وَكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِى النَّار .
فَاتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ :
وَاحْفَظُوا أَلْسِنَتِكُمْ، وَاحْذَرُوا مِنْ عَوَاقِبِ كَلَامِكُمْ وَزِنُوا كَلَامِكُمْ ، فَإِنَّ الْكَلَامَ يُحْصَى عَلَيْكُمْ، وَيُكْتَبُ فِي صَحَائِفِكُمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ))
أي: ما يَتكلَّمُ الإنسانُ بقَولٍ إلَّا وعِندَه مَلَكٌ حافِظٌ يُراقِبُ كَلامَه لِيَكتُبَه،
كما قال الله تبارك وتعالى (( وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ))
وقال صلى الله عليه وسلم في حديث معاذٍ رضي الله عنه الطويل، وفيه: «فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ فَقَالَ: كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟! قَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ قَالَ: عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟ )).
فَاللِّسَانُ يَسْرِق الْحَسَنَات بِعَمَلِه لِلسَّيِّئَات، مِنْ الْغِيبَةِ، أَوْ النَّمِيمَةِ، أَوْ قَوْلٍ الزُّورِ، أَوْ شَتْمٍ النَّاسِ، وَسَبِّهِمْ، وَالسُّخْرِيَة مِنْهُمْ، وَغَيْر ذَلِكَ.
وَقَدْ يَكُونُ لِسَانَك نَهْرًا يَجْرِي لَك بِالْحَسَنَات الْعَظِيمَةِ فِي أَعْمَالِ يَسِيرِهِ؛ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( لَقِيتُ إِبْرَاهِيمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَقْرِئْ أُمَّتَكَ مِنِّي السَّلَامَ، وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ الْجَنَّةَ طَيِّبَةُ التُّرْبَةِ عَذْبَةُ الْمَاءِ، وَأَنَّهَا قِيعَانٌ، وَأَنَّ غِرَاسَهَا سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ )).
وَاللِّسَانُ - عِبَادَ اللَّهِ - لَهُ افَاتٍ ، يَنْبَغِي التَّحَفُّظ وَالْحَذَر مِنْهَا، أَعْظَمُهَا وَأَخْطَرِهَا الْغَيْبَةِ وَهِيَ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ، وَقَدْ جَاءَ النَّهْيُ عَنْهَا فِي الْقُرْانِ الْكَرِيمِ فِي أَقْبَحِ صُورَة: ﴿ وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ﴾ .
وقد عرَّف النبي صلى الله عليه وسلم الغيبة تعريفًا جامعًا؛ فقال للصّحَابَةِ رضي الله عنهم: ((أَتَدْرُونَ ما الغِيبَةُ؟ قالوا: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ، قالَ: ذِكْرُكَ أخاكَ بما يَكْرَهُ. قيلَ: أفَرَأَيْتَ إنْ كانَ في أخِي ما أقُولُ؟ قالَ: إنْ كانَ فيه ما تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وإنْ لَمْ يَكُنْ فيه فقَدْ بَهَتَّهُ.))؛ [رواه مسلم].
وإنْ لم يَكُنْ فيه ما تقولُ، فقدْ «بَهَتَّهُ»، أي: قُلْتَ عليه الْبُهتانَ، وهو الكَذِبُ العَظيمُ يُبْهَتُ فيه مَن يُقالُ في حَقِّهِ، وذَنْبُه أعظَمُ مِن الغِيبةِ.
والغيبةُ ذَنْبٌ خطير، وجَزَاؤُه وبيل؛
فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : « لَمَّا عُرِجَ بي مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ ، يَخْمُشُونَ وُجُوهَهُمْ وصُدُورَهُمْ ، فقُلْتُ : مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ ؟ قَالَ : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ ، وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ » . [رواه مسلم].
وَقَدْ زَجَرَنَا رَبُّنَا فِي كِتَابِهِ عَنْ هَذِهِ الآفةِ ؛ فقال تعالى: ﴿ وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ﴾ ، وَهُوَ الْمُغْتَاب الَّذِي يَعِيبُ النَّاسَ بِلِسَانِهِ أَوْ إشَارَاتِه، فِي وُجُوهِ الآخَرِينَ أَوْ ظُهُورِهِمْ إِذَا أَدْبَرُوا أَوْ غَابُوا.
عِبادَ اللَّه
وَمَنْ افَاتِ اللِّسَانِ النَّمِيمَةُ؛ وَهِيَ نَقْلُ الْكَلَامِ عَلَى وَجْهِ الْإِفْسَادِ، فَالنَّمَام يُفْسِدُ فِي سَاعَةٍ مَا لَا يُفْسِدُهُ السَّاحِرُ فِي سَنَةٍ، وَقَدْ جَاءَ ذَمُّهُ فِي الْقُرْانِ الْكَرِيمِ ؛ قال تعالى: ﴿ وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ ﴾ وقال صلى الله عليه وسلم: ((لا يدخل الجنة نمَّام))؛ [متفق عليه].
وَأَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ النَّمِيمَةَ مِنْ أَسْبَابِ عَذَابِ الْقَبْرِ فَقَدْ مَرَّ بِقَبْرٍ يُعَذَّبُ صَاحِبُهُ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ كَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ.
وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمِ (( مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ، أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ (( ، أخرجه البخاري.
أيها المؤمنون :وإنّ مِنْ الْأُمُورِ الْخَطِيرَةِ عَلَى الْأَفْرَادِ وَالمُجْتَمَعَات، نَشْر الْإِشَاعَات وَالْأَخْبَار ، دُون بُرْهَانٍ عَلَى صِحَّتِهَا، وَلَا دَلِيلَ عَلَى صِدْقِهَا .
وَقَدْ أَرْشَدَ الْإِسْلَام إلَى الْمَوْقِفِ الصَّحِيحِ فِي التَّعَامُلِ مَعَ الْإِشَاعَات بِالْوَعْي وَالْيَقَظَة، وَرَدَّ الْأَمْرَ إلَى أَهْلِهِ، يقول تعالى: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا﴾،
وَلَقَدْ أَمَرَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي كِتَابِهِ فِي التَّثَبُّتِ مِنَ الأَخْبَارِ الَّتِي تَأْتِيَنَا قَالَ تَعَالَى ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا ) أَيْ تَثَبَّتُوا فِي خَبَرِهِ ثُمَّ ذَكَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بَعْضَ الْمَفَاسِدِ الَّتِي تَتَرَتَّبُ عَلَى قَبُولِ خَبَرِ الْفَاسِقِ بِدُون تَثَبُت ( أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)
فَالْوَاجِبُ عَلَيْنَا عِبادَ اللَّه التَّثَبُّتُ فِيمَا نَنْشُرُهُ خَاصَّةً أنَّ الْخَبَرَ مَعَ وُجُودِ وَسَائِل التَّوَاصُل يَنْتَشِر بِسُرْعَة كَبِيرَة .
وَاعْلَمُوا أَنَّ مَنْ يَنْشُر الأَخْبَار الَّتِي تَأْتِيهِ بِدُون تَثَبُتٍ فَهُوَ أَحَد الْكَذَّابِينَ وَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ الَّذِي أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ جَاءَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ رَأَى رُؤْيَا وَرُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ حَقٌّ وَجَاءَ فِيهَا (( وأَمَّا الرَّجُلُ الذي أتَيْتَ عليه، يُشَرْشَرُ شِدْقُهُ إلى قَفَاهُ، ومَنْخِرُهُ إلى قَفَاهُ، وعَيْنُهُ إلى قَفَاهُ، فإنَّه الرَّجُلُ يَغْدُو مِن بَيْتِهِ، فَيَكْذِبُ الكَذْبَةَ تَبْلُغُ الآفَاقَ)).
بارك الله لي ولكم ....
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رب العالمين ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ ، وَعَلَى أَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا أَمَّا بَعْدُ
فَيَا عباد الله
يجبُ على الْمُسْلِمُ الَّذِي يُرِيدُ اللهَ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ أَنْ يَحْفَظَ لِسَانَهُ مِنَ الْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ والكذبِ ، لأنّ لها آثاراً سيئة على الأفراد والمجتمعات فهي تُوغِرُ الصُّدُور، وتَشْحَن النُّفُوس، وتُذْهِب الأُلْفَة والموَدَّة، وتَزْرَعَ الضَّغَينَةَ بين المسلمين .
واعلموا أنَّ الْمُسْتِمِعَ للغِيبة أو النميمةِ والإشاعاتِ مُشاركٌ في المعصيةِ ولو لم يَتَكَلَّم؛ قال تعالى: ﴿ وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ ﴾ قال القرطبي: فَكُلُّ مَنْ جَلَسَ في مَجْلِسِ مَعْصِيَةٍ ولم يُنكِر عليهم يكونُ معهم في الوِزْر، فإنْ لم يَقْدِر على الإنْكَارِ عَليهِم، فينبغي أن يقوم عنهم؛ حتى لا يكون من أهلِ هذه الآية.
ومَن ردَّ عن أخيه الغِيبة وذبَّ عن عرضه، فله أجرٌ عظيمٌ، قال صلى الله عليه وسلم قال: ((مَنْ رَدَّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ رَدَّ اللَّهُ عَنْ وَجْهِهِ النَّارَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) أخرجه الترمذي وصححه الألباني .
عباد الله صلوا وسلموا على رسول الله ......
المرفقات

1752142588_التحذير من الغيبة والنميمة ونشر الشائعات 16-1-1447هـ.docx

المشاهدات 382 | التعليقات 0