التعوذ من العجز والكسل ( مشكولة ومختصرة )

صالح عبد الرحمن
1446/11/09 - 2025/05/07 10:43AM

خطبة عن التعوذ من العجز والكسل

الخطبة الأولى:

الحمد لله، الحمد لله حمدًا يستدعي مزيدَ الإنعام، ويقي سوءَ البلاء وشديدَ الانتقام، ويرتقي بقائله إلى أسمى منزلٍ وأسنى مقامٍ، أشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، شهادةَ مَنْ آمَن بالله ثم استقام، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، المبلِّغُ للشرائع والأحكام، والمبَيِّنُ للحلال والحرام، صلى الله وسلم وبارَك عليه، وعلى آله الكرام، وأصحابه الأعلام، والتابعينَ وتابِعِيهم بإحسان إلى يوم البعث والمقام.

أما بعدُ: فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله -رحمكم الله-، فالتقوى ضياء في الظلام، وجلاء في الأفهام ( يا أيها الذين امنوا اتقوا الله وامنوا برسوله ….). 

معاشر الكرام: ثمةَ مَرَضٌ قَلْبِي، وَشَلَلٌ نَفْسِي، وقَيْدٌ مَعْنَوِي، وَهُو َقَرِيْنُ الفَشَلِ، وَمُثَبِّطُ العَزِيْمَةِ والعَمَلِ؛ إِنَّهُ دَاءُ الكَسَل وما أدراك ما الكسل!    

والعَجْزُ وَالكَسَلُ قَرِينَان؛ فَإِنْ تَخَلَّفَ العَبدُ عَنِ الخَيرِ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ؛ فَهُوَ (العَجزُ)، وَإِنْ كَانَ لِعَدَمِ إِرَادَتِهِ؛ فَهُوَ (الكَسَلُ)؛ وَمِنْ دُعَاءِ النبيِّ ﷺ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ العَجْزِ وَالكَسَلِ).

ولِكُلِّ شَيءٍ آفَة، وَآفَةُ العِبَادَةِ الكَسَل. وحُبُّ الكَسَلِ والرَّاحَةِ، يُوْرِثُ الحَسْرَةَ وَالنَّدَامَة، والكَسْلَانُ مُعَرَّضٌ للحِرْمَان! فَقَدْ رَأَى النَّبِيُّ ﷺ قَوْمًا يَتَأَخَّرُونَ في المسجد؛ فقال: (لَا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ؛ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمْ الله). قال ابنُ عثيمين رحمه الله: (يُخْشَى على الإِنسَانِ، إذا عَوَّدَ نَفْسَهُ التَأَخُّرَ في العِبَادَةِ؛ أَنْ يُؤَخِّرَهُ اللهُ في جَمِيعِ مَوَاطِنِ الخَير!).

ومِنْ آفَاتِ الكَسَل: ضَيَاعُ الأَوقَاتِ، وإِهدَارُ الطَّاقَاتِ، والاِشْتِغَالُ بِالتَّفَاهَات!

قال ابنُ الجوزي: (وَاحْذَرْ مِنْ لِصِّ الكَسَلِ؛ فَإِنَّهُ مُحتَالٌ على سَرِقَةِ الزَّمَان، وَاعْلَمْ أَنَّكَ في مَيدَانِ سِبَاق، والأوقاتُ تُنْتَهَب؛ فَمَا فَاتَ مَنْ فاتَ إِلَّا بِالكَسَل، ولا نَال مَنْ نَال إلا بِالجِدِّ وَالعَزْم).  

وأَقْرَبُ مَا يَكُونُ الشَّيْطَان، مِنَ الإنسانِ الكَسْلَانِ؛ حِينَ يَغْفَلُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَن! قال ﷺ: (يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلاَثَ عُقَدٍ، يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ، عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ؛ فإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللهَ: انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ تَوَضَّأَ: انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ صَلَّى: انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ؛ فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ، وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلاَنَ!). قال ابنُ عَبْدِ البَرِّ: (في هذا الحدِيثِ: أَنَّ الشَّيْطَانَ يُنَوِّمُ المَرْءَ، وَيَزِيدُهُ ثِقَلًا وَكَسَلًا).

ولَو لَمْ يَكُنْ لِلْكَسَلِ مِنْ مَذَمَّة؛ إِلَّا أَنَّهُ تَشَبُّهٌ بالمُنَافِقِيْنَ؛ لَكَفَى بِذَلِكَ زَاجِرًا؛ قال عز وجل: ﴿إِنَّ المُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى﴾. 

والكَسَلُ عن أَدَاءِ الفَرِيْضَة، عَاقِبَتُهُ وَخِيْمَة! فَقَدْ أَخْبَرَ نَبِيُّنَا ﷺ عن أَحْوَالِ البَرْزَخِ، وَرَأَى مِنَ المَشَاهِدِ المُرْعِبَةِ، ما تَقْشَعِرُّ مِنْهُ الأَبْدَان! وَمِنْ ذَلِكَ: أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا يَكْسِرُ رَأْسَهُ بِالحَجَر، ثَمَّ يَتَدَحْرَجُ الحَجَرُ، فَيَأْخُذهُ مَرَّةً أُخْرَى، ثُمَّ يَعُودُ رَأْسُهُ كَمَا كان، فَيَفْعَلُ بِه كما فَعَلَ المرَّةَ الأُولَى! فَسَألَ النَبِيُّ ﷺ جِبْرِيلَ عليه السلامُ عن ذلك؛ فقال: (إِنَّهُ الرَّجُلُ يَأْخُذُ القُرْآنَ فَيَرْفُضُهُ، وَيَنَامُ عَنِ الصَّلاَةِ المَكْتُوبَةِ!). 

قال العلماء: (جُعِلَتِ العُقُوْبَةُ في رَأْسِهِ؛ لِنَوْمِهِ عَنِ الصَّلَاةِ، والنَّوْمُ مَوْضِعُهُ الرَّأْس).

ومَنْ لم يَعْرِفْ ثَوَابَ الأَعْمَال؛ ثَقُلَتْ عَلَيهِ في جَمِيعِ الأَحوَالِ، ومَنْ تَخَيَّلَ الأَجْر؛ خَفَّ علَيه العَمَل، وزالَ عنه الكَسَل. قال ﷺ: (لَيْسَ صَلاَةٌ أَثقَلَ على المُنَافِقِينَ مِنَ الفَجرِ والعِشَاءِ، ولَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا؛ لَأَتَوهُمَا وَلَو حَبْوًا!).

ومِنْ أَدْوِيَةِ الكَسَل: تَرْكُ التَّسْوِيف؛ فَإِنَّهُ أَكْبَرُ جُنُوْدِ إِبليس! قال ﷺ: (العَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا، وَتَمَنَّى عَلَى اللهِ الأَمَانِي).

وَمِنْ عِلاجِ الكَسَل: أَنْ تَصْحَبَ مَنْ هُوَ أَنْشَطُ مِنْكَ، فَإِنَّ الكَسُولَ يُعْدِي صَاحِبَه!

قال تعالى: ﴿وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ﴾. 

والمَعْنَى: أَنَّهُ يَتَبَاطَأُ في نَفْسِه، ويُبَطِّئُ غيرَه، ويُثَبِّطُهُ عن الخَير. قال ابنُ الجَوْزِي: (ما رَأَيْتُ أَكْثَرَ أَذَىً لِلْمُؤْمِنِ مِنْ مُخَالَطَةِ مَنْ لا يَصْلُح، فَإِنَّ الطَّبْعَ يَسْرِقُ؛ فَإِنْ لم يَتَشَبَّهْ بِهِم؛ فَتَرَ عن عَمَلِهِ، وإِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ تَقَعَ المُخَالَطَةُ لِلْأَرفَعِ في العِلمِ والعَمَل؛ لِيُسْتَفَادَ مِنْه) .

لا تَصْحَبِ الكَسْلانَ فِي حَالاتِهِ

كَمْ صَالِحٍ بِفَسَادِ آخَرَ يَفْسُدُ

عَدْوَى البَلِيدِ إلَى الجَلِيدِ سَرِيعَةٌ

كَالجَمْرِ يُوضَعُ فِي الرَّمَادِ فَيَخْمُدُ

والنَّفْسُ جَاهِلَةٌ ظَالِمَة، طَبْعُهَا الكَسَلُ والمَهَانَة، وَإِيثَارُ البَطَالَة؛ فلا تستقيم إِلَّا بالجِدِّ والصَّرَامَة! قال ﷺ: (اِحْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ، وَلَا تَعْجِز).

أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا، وَأسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الحمد لله كما أمَر، والشكر له وقد تأذن بالزيادة لمن شكر، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان، ما توالت الآصال والبكر.

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ اسْتِحْضَارَ الأَجَلِ، يَنْفُضُ غُبَارَ الكَسَل، ويَبْعَثُ على النَّشَاطِ والعَمَل! وَلِذَا حَثَّ النَبِيُّ ﷺ على اسْتِحْضَارِ الموتِ؛ لِئَلَّا نَكْسَل! فَفِي الحديث: (أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَادمِ اللَّذَّاتِ) .

قال الحَسَن: (مَا أَكْثَرَ عَبْدٌ ذِكْرَ المَوْتِ؛ إِلَّا رَأَى ذَلِكَ فِيعَمَلِه).

والمُؤْمِنُ العَاقِلُ: جَادٌّ مُتَفَائِل؛ فَهُوَ يُحَدِّدُ هَدَفَه، وَيُخَطِّطُ لِوَقْتِه، ويَعْمَلُ لِدُنْيَاه، ويَسْتَعِدُّ لِآخِرَتِه؛ ليسَ عِندَهُ فرَاغٌ أومَلَل، ولَا إِحبَاطٌ أو كَسَل، وشِعَارُهُ في الحَيَاة: ﴿إِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا* فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ* وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ﴾.

*******

اللَّهُمَّ إِنِّا نَعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمِّ وَالحَزَنِ، والعَجْزِ والكَسَلِ، والجُبْنِ وَالبُخْلِ، وغَلَبَةِ الدَّيْنِ وَقَهْرِ الرِّجَال.

 

المشاهدات 280 | التعليقات 0