التغيير في رمضان

بسم الله الرحمن الرحيم

التغيير في رمضان

خطبة 28/8/1432هـ

الخطبة الأولى:

 

إنَّ الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله مِن شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضِلّ له، ومَن يُضْلِل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

 

إنَّ أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هديُ محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71]؛ أما بعد:

 

معاشر المسلمين: فقد قرب شهر رمضان وأوشكت أن تتعطر أيامنا بنفحاته، وأصحب رحيقه يفوح في أجوائنا، نسأل الله -تعالى- أن يبلغناه ويجعلنا من صوامه وقوامه، وفي هذا الوقت بالذات في أواخر شعبان نحتاج إلى التفكير في التغيير، كيف نغيِّر حياتنا في رمضان؟ كيف نتغير إلى الأفضل؟ كيف نغيّر واقعنا المقصّر؟ كيف أغيّر برنامجي واهتماماتي؟

أولاً: لا بد أن أعلم أن الله -تعالى- قادر على كل شيء، ولا مستحيل في قانون الله -تعالى- في تدبير الكون ونحن جزء منه، والله -تعالى- ضرب لنا المثل في أناس تغيرت حياتهم في لحظات سريعة من اليسار إلى اليمين؛ فسحرة فرعون -رضي الله عنهم- الذين انقلبوا 180 درجة من الكفر إلى الإيمان في لحظات، كانوا يفكرون في الملذات والشهوات فقط؛ (فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ)؛ فلما آمنوا وهددهم فرعون قالوا (فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى).

ثم أصبحوا من جند موسى -عليه السلام- وعبروا معه البحر، من كان يظن أنهم يصلون إلى هذه المنزلة؟ وأصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- الذين كان بعضهم يستبعد أن يؤمن، ولكن الله -سبحانه- قذف في قلبه الإيمان، حتى قيل: لو آمن حمار ابن الخطاب ما آمن عمر، ولكن لا مستحيل، والخنساء -رضي الله عنها- التي جزعت على أخيها صخر في الجاهلية، وقالت:

قذى بعينك أم بالعين عوار*** أم ذرفت إذ خلت من أهلها الدارُ

وقالت: ألا ياصخرُ إن أبكيتَ عيني*** فقد أضحكتني زمناً طويلا

إذا قَبُحَ البكاءُ على قتيلٍ *** رأيتُ بكاءَكَ الحسنَ الجميلا

 

وبكت حتى عميت من حزنها عليه، ثم لما أسلمت ورسخ في قلبها الإيمان توفي أبناؤها في القادسية؛ فقالت: الحمد لله الذي شرفني بقلتهم وأرجو أن يجمعني الله بهم في مستقر رحمته، كل هذا يعطي الأمل للإنسان أن يتغير.

 

وثانياً: ألا نيأس من التغيير؛ فالتغيير ينفع إلى آخر لحظة؛ قال صلى الله عليه وسلم: "تقبل توبة العبد ما لم يغرغر"، ولما زار صلى الله عليه وسلم عمه عند الموت قال له: "يا عم، قل لا إله إلا الله، كلمة أشهد لك بها عند الله"، ولو كانت لا تنفعه لم يدعوه؛ قال البخاري في صحيحه: باب إذا قال المشرك عند موته لا إله إلا الله.

ولكن الشيطان يوسوس للإنسان؛ فات القطار، ولا أمل، والتغيير صعب ويحتاج لجهاد لا تقوى عليه، وإن أردت التغيير فكيف تجد الأعوان؟ وظروف البيت لا تساعدك، الخ.

 

عباد الله: كل هذه نزغات ووساوس يجب مقاومتها، والحياة تشهد بإمكانية التغيير؛ بل وحتى تحقق التغيير وتقاوم الشيطان، وعلاج ذلك في الآتي:

أولاً: استبق الزمان ولا التسويف، لا تقل أغير رمضان القادم، لا تقل في العشر الأواخر، لا تقل إن حصلت المال، أو إن وجدت المعين، لا تربط التغيير بوقت مستقبلي؛ فالوقت يمضي، والعمر قصير، ولا ضمان لبقائك للمستقبل؛ فاستعن بالله واعزم وتوكل على الله؛ فكم من أناسٍ ندموا على التفريط ولات ساعة مندم؛ (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ)، (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ)، لا تجعل عكاشة يسبقك، وكن من يحمل الراية ويقود الجمع؛ (وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا).

 

إذا هممت بخير فبادر لئلا تغلب، وإذا هممت بشر فسوف هواك لعلك تغلب، لولا سخط نفس أبي بكر عليه لمفارقة هواها ما نال مرتبة: أنا عنك راض، لولا عري أويس ما لبس حلة، يشفع مثل ربيعة ومضر، كلما حركنا إلى الجد الجد سوفنا، إذا كانا لا تعرف الدواء فالطبيب قد عرفنا.

 

ثانياً: العزيمة القوية وعدم التردد؛ فإن التفكير الكثير في الظروف المادية والاجتماعية يعيق الإنسان، وعلاج هذا تقوية القلب، والشجاعة والحذر من العاطفة، أما ماذا يقول الناس؟ وماذا أرد عليهم؟ وكيف أغير حياتي بسرعة؟ وأخاف أن لا أستمر، ونحو ذلك فهي معوقات لا قيمة لها، الشجاعة تعني التضحية بكل شيء في سبيل الهدف، هدفك أن تصحح حياتك وتستقيم وتلجأ إلى الله وتستغل وقت رمضان، وتحفظ القرآن وتطهر مالك فلا قيمة لغير ذلك، وإلا ما معنى الشجاعة؟ صحيح أن الفطرة تختلف من شخص لآخر، ولكن الإنسان يهذب نفسه ليعدل فطرتها لا لتقوده هي.

 

ثالثاً: إذا كان الشيطان يصعب موضوع التغيير والتصحيح، فسهله أنت؛ فالسهولة والصعوبة في تصورنا لا في ذات الشيء؛ فكم من شيء سهل صعبته الأفكار! وكم من شيء صعب سهلته الأفكار!

 

وتعظم في عين الصغير صغارها وتصغر في عين العظيم العظائمُ، والله -تعالى- يقول: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)؛ فالله -تعالى- يغيّرك إن غيرت ما بنفسك.

 

رابعاً: اقرأ سير السلف الصالح والعلماء الربانيين الذين تجاوزوا العقبات، وحققوا التغيير في أنفسهم أولاً ثم في محيطهم، بلاد كاملة تغيرت بسبب رجل، عمر بن عبدالعزيز -رحمه الله- الذي كان همه العطور والزينة والأبهة غير نفسه إلى الزهد والورع فغير الله بلاد المسلمين كلها.

 

وهذا الإمام أحمد -رحمه الله- غير نفسه وقاوم الإغراء وتشجع، فغير الله حال أهل السنة كلهم.

 

أفريقيا اليوم كثير منها تغير إلى الإسلام بسبب الدكتور السميط -رحمه الله-، اقرأ كلام فقهاء القلوب كالمحاسبي والغزالي والنووي وابن الجوزي وابن القيم -رحمهم الله-، تعرف على مداخل الشيطان، ومدارج السالكين، وأحوال السائرين.

 

قلت ما سمعتم ولي ولكم فاستغفروا الله ...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب، ذي الطول لا إلا هو إليه المصير، كل شيء هالك إلا وجهه، له الحكم وإليه ترجعون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه.

 

معشر المسلمين: وخامس علاج لمقاومة الشيطان في رمضان أن تستعين بالله -سبحانه- فهو المعين وحده، والجأ إليه -تعالى- في الخلوات بقلب صادق وتضرع: يا رب، اكفني بحلالك عن حرامك وبطاعتك عن معصيتك، يا رب، أصلحني وأصلح بي، يا رب اجعل مستقبل أيامي خيراً من ماضيها. يا رب ادفع عني نزغات الشياطين وأعني على تغيير نفسي وإصلاحها وهيء لي كل حياتي للقرب منك.

 

سادساً: استعن بالمؤمنين؛ فالله -تعالى- أيد رسوله بهم؛ (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ)، واطلب لك أخاً معيناً؛ فأبو هريرة -رضي الله عنه- يقول لصاحبه: اجلس بنا نؤمن ساعة.

 

سابعاً: إبعاد المثبطين من الزملاء والأصحاب والأهل من عملية التغيير وطريق التغيير وإن تظاهروا بالنصح؛ (فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ)، (وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ)، وبدل أن تكون سماعاً كن مسمعاً مبلغاً.

 

عباد الله: (إنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، وقال صلى الله عليه وسلم؛ "إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة" وقال صلى الله عليه وسلم: "إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة؛ فأكثروا علي من الصلاة فيه؛ فإن صلاتكم معروضة علي"، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه.

 

اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي، وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ.

 

اللهم أمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل هذا البلد آمناً مباركاً وجميع بلاد المسلمين.

 

اللَّهُمَّ إنَّا نَسْألُكَ مُوجِباتِ رَحْمَتِكَ، وَعَزائِمَ مَغْفِرَتِكَ، والسَّلامَةَ مِنْ كُلِّ إثمٍ، والغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ، والفَوْزَ بالجَنَّةِ، والنَّجاةَ مِنَ النَّارِ.

 

اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، واجعل بلادنا آمنةً مطمئنة وسائر بلاد المسلمين.

المشاهدات 389 | التعليقات 0