التقنية ومنهج ذي القرنين
سامي بن محمد العمر
التقنية ومنهج ذي القرنين
أما بعد:
فمع تجدد نعم الله علينا في هذه التقنيات، وتسارع الاختراعات، وتعاقب الاكتشافات، وظهور أمور لم تكن تخطر على البال...
لابد من منهج ذي القرنين
أبناءٌ وبنات.. شبابٌ وشابات ... كبارٌ وصغار ... ينجرفون في دهاليز التقنيات ويسارعون لكل جديد وغريب في وسائل التواصل، دون روية ولا تفكير، ويُقدِمون في كثير من أحوالهم على ما يضرهم ولا ينفعهم ... بلا فهم لما يحاك لهم، ولا عقلٍ يمنعهم من العدول عن سواء السبيل ...
فَهُم لا يكادون يفقهون ... ولا بد من منهج ذي القرنين.
لا بد من قائمٍ بمنهج ذي القرنين وسيرته وطريقته وعدله وحكمته ... في كل أسرة ومجتمع وحيٍّ ومدرسة ومكان عمل.
لا بد من لابس رداء الحكمة والعقل والدين والقوة والحزم والعزم ... يبني سدَّهُ العظيم ... حماية لنفسه ومَنْ حوله من شر الأشرار، وعاتيات الليل والنهار.
ونعيش اليوم ظهور تقنيات الذكاء الاصطناعي وهي سلاح ذو حدين:
فإن فيها معلومات وتسهيلات وأمور نافعات، تحفظ الأوقات وتيسر المعاملات وتطور المهارات، مما يستوجب الشكر لله تعالى على تعليم عباده ما لم يكونوا يعلمون.
لكن أناسًا لا يفقهون شكر النعم بدأوا باستخدامها فيما حرمته الشريعة ونهت عنه من الكذب والبهتان والافتراء والتزوير، ومن ذلك: تزييف الصور والمقاطع الصوتية والمرئية، وانتحال الشخصيات، وذلك بهدف قلب الحقائق ونشر المعلومات المضللة، والمساس بالسمعة والأعراض، والإضرار بالأبرياء، وتلفيق الفتاوى المكذوبة على ألسن العلماء وغير ذلك.
وعلينا أن نذكر هؤلاء بمنهج ذي القرنين في تعامله مع أولئك القوم الذين لا يكادون يفقهون:
أولاً: اعلموا أن لا مفر أبداً من إحاطة الله بنا بصرا وسمعا وعلما وخبرا ... فإنه (الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم) وهو الذي (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم) ...
فكم من سعادة يحصلها من استشعر ذلك... وكم من توفيق يناله من أيقن بذلك (كذلك وقد أحطنا بما لديه خبرا).
وثانيا: أن أسباب السعادة والرقي والتقدم متوفرةٌ ومبذولةٌ ... ومن سنن الله أن علق الحوادث بأسبابها ... فكلُّ من أضاع عمره في استخدام التقنيات على غير وجهها، فقد فوّت من تقدم نفسه ومجتمعه وأمته وبلده بقدر ذلك.
ومن فتح الله له من ذلك سببًا فليبادر بالانتفاع منه.. ولْيتّبع ذلك السبب (وآتيناه من كل شيء سببا فأتبع سببا)(ثم أتبع سببا)(ثم أتبع سببا)! ثلاثُ فرص لدعوة الناس للخير ما كان لذي القرنين أن يفوتها.
وثالثا: أن استخدام التقنية فيما يرضي الله يحقق سعادة الدنيا وثواب الآخرة، وفي استخدامها فيما يغضبه مما حرم على عباده ذلُّ الدنيا وعذابَ الآخرة.
وهو درس المجازاة: فلا عقاب إلا على سبب، ولا مكافأة إلا لسبب، وفضل الله واسع (أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا * وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا).
وهو الهدف الواضح الذي تبناه ذو القرنين، والذي لا يليق بعاقل أن يسير في هذه الحياة إلا بأمثاله من الأهداف الدينية والدنيوية.
ورابعًا: أن من أهم دروس الحياة: إقناع الذين يتجاوزن الحدود قدر المستطاع بالعودة لجادة الصواب، وإشراكَهم في البناء، وتفويضَ ما يُستطاع من الأعمال إليهم، مع الصبر على أخطائهم والثناء على إحسانهم، وحثهم على العمل وترك الخمول والكسل.
فقد كان بمقدور ذي القرنين أن يبني السدَّ لوحدِهِ ولكنه قال: (أعينوني بقوة).
وخامسًا: أن على كل مسؤول أيا كان موقعه ... أن يبني ردمًا من المعارف في عقول من هم تحت يده، ملؤها العلم بالله والمعرفة بشؤون الحياة، مع الحب والإقناع ... فإنهم لما طلبوا منه سداً ... بنى لهم ردما.. وهو نوع من أنواع السدود توضع مواده شئيا فشيئا، بعضها فوق بعض، ويصب عليه ما يتغلل بين المسامات ويغلق جميع الفراغات ... تماما كما تُصَبُّ المعارف في العقول فتبنى شيئا فشيئا ... وذاك غاية الإتقان..
الإتقان الذي لو قام به كل مسؤول ... لسمونا في الدنيا عزا وفلاحا.
وفي الحديث: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه)
بارك الله لي لكم..
الخطبة الثانية:
أما بعد:
ومن دروس خبر ذي القرنين:
سادسا: أن لا هوادة مع أهل الشر والفساد في مواقع التواصل وتقنيات الذكاء الاصطناعي، فإن ضررهم يحيط بهم ومَن حولهم، ولما كان يأجوج ومأجوج مفسدين في الأرض؛ أرسل الله ذا القرنين لتلك البلاد ليمنع شرهم من ذاك الوقت وإلى قيام الساعة، وما ذاك إلا لأنه سبحانه لا يحب الفساد.
وسابعًا: أنه لا بد من الالتجاء الدائم إلى الله في كشف زيغ الزائغين ورد عدوان المعتدين، والتبرؤِ من الحول والقوة أمام حول الله وقوته.
فبعد بناء ردم عظيم ... ما اسطاع الأشرار (أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا) يقول بانيه (هذا رحمة من ربي) وله مطلق التصرف فيه (فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء، وكان وعد ربي حقا).
وختامًا: فإن التثبت والتبيُّن من الأخبار قبل النشر، وعدم الانسياق والتصديق لكل ما ينشر في وسائل التقنيات الحديثة، من مزايا هذه الشريعة الإلهية الكاملة وهذا الدين العظيم:
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6]
اللهم اهدنا فيمن هديت...
المرفقات
1753394846_التقنية ومنهج ذي القرنين.docx