الثناء الصادق- ومات المفتي
راشد بن عبد الرحمن البداح
3
الثناء الصادق – ومات المفتي ( راشد البداح – الزلفي ) 4 ربيع الآخر 1447هـ
الحمدُ للهِ على نعمةِ الإسلامِ وكفَى بها نعمةً، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ، ولا معبودَ حقٌ سواهُ، وأشهدُ أن محمداً عبدُهُ ورسولُهُ ومصطفاهُ، صلى اللهُ وسلمَ عليهِ ومن اهتدَى بهُداهُ، أما بعدُ: فاتقُوا اللهَ وأصلِحُوا ذاتَبينِكم، واعلمُوا أن ثمتَ كلمةً طيبةً هيَ من أعظمِ الصدقاتِ، كلمةً كلُّنا نقدِرُ عليها، لكنَّ أكثرَنا يبخَلُ بها أو يتكاسَلُ عن قولِها في مَقامِها. أتدرُونَ ما هيَ؟
لنكتشِفْها من خلالِ هذه القصةِ الجميلةِ، ففيالصحيحينِ أنه لما عادَ مهاجِرُو الْحَبَشَةِ دَخَلَ عُمَرُ ذاتَ يومٍعَلَى حَفْصَةَ ابنتهِ، وعِنْدَهَا أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ -رضيَ اللهُعنهم أجمعينَ- فَقَالَ عُمَرُ لأَسْمَاءَ: سَبَقْنَاكُمْ بِالْهِجْرَةِ؛ فَنَحْنُ أَحَقُّ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْكُمْ. فَغَضِبَتْ وَقَالَتْ: وَايْمُ اللَّهِ لاَ أَطْعَمُ طَعَامًا وَلاَ أَشْرَبُ شَرَابًا حَتَّى أَذْكُرَ مَا قُلْتَ لِرَسُولِ اللَّهِ. فأخبرتْهُ الخبرَ، فقَالَ عندئذٍ: لَيْسَ بِأَحَقَّ بِي مِنْكُمْ، وَلَهُ وَلأَصْحَابِهِ هِجْرَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَكُمْ أَنْتُمْ أَهْلَ السَّفِينَةِ هِجْرَتَانِ().
فلا تسَلْ عن فرحِ مهاجِرِي الحبشةِ ببُشرَى رسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأنهم أهلُ هجرتينِ، وأنهم سابقونَ وليسُوا بمسبوقينَ، حتى قَالَتْأسماءُ: مَا مِنَ الدُّنْيَا شَيْءٌ هُمْ بِهِ أَفْرَحُ وَلاَ أَعْظَمُ فِي أَنْفُسِهِمْ مِمَّا قَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
أيُّها المؤمنونَ: إنه الثناءُ الصادقُ المعتدلُ ما أجملَهُ وما أجلَّهُ! لأنهدليلٌ على كرمِ سجيةِ المُثْنِي، وعلى بُعدِهِ عن الأثَرةِ والشحِ، ولأنهُيَنهضُ بالهِممِ، ويَحفظُ للناسِ أقدارَهم، ويقودُهم إلى مزيدِ من الخيرِ، ويَصُدُّ عنهم سهامَ المخذِّلِينَ، والمبالِغينَ في النقدِ.
وانظرُوا إلى الصحابيِ العالِمِ عبدِ اللهِ بنِ عمرَ -رضيَ اللهُ عنهما- كيفَ أن مَدْحةً واحدةً من النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زادتهُ تقدُّمًا إلى الخيرِ. فَقد قَالَ له: نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ. وبسببِ كلمةِ (نِعْمَ) يقولُ الراوي: فكَانَ عَبْدُ اللَّهِ لاَ يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إِلاَّ قَلِيلاً().
والذي يُلحَظُ في أحوالِ بعضِنا إننا مستعدونَ للتنقيبِ عن الأخطاءِوالمبادرةِ بالنقدِ أكثرَ من مبادرتِنا للشكرِ والثناءِ الصادقِ، مع أن الثناءَالصادقَ عدلٌ، بل هو إحسانٌ.
• فما الذي يَضِيرُنا إذا رأينا محافِظاً على صلاتِهِ، أو بَرَّاً بوالديهِ، أو واصلاً لأرحامهِ أو لجيرانهِ، أن نشكرَهُ على عملهِ، ونبُثَّ خبرَهُليُقتدَى بهِ؟!
• وما الذي يَمنعُنا إذا رأينا من أحدِ شبابِنا وطلابِنا دأبًا وأدَباً أن نُحفِّزَهُ ونُثنيَ عليهِ وندعوَ لهُ؟!
• وما الذي يَحبِسُ ألسنَتَنا إذا رأينا موظفاً متفانياً أو معلماً حريصاً على طلابهِ أن نَشُدَّ على يدهِ، وأن نشكُرَهُ بدلاً من أن نُخَذِّلَهُ؟!
• وما الذي يُلْجِمُ أفواهَنا أو أقلامَنا أن نشكرَ كاتباً أو شاعراً على حُبِّهِللفضيلةِ، ودفاعِهِ عنها؟
• ولماذا لا نُزجِي الشكرَ والثناءَ لمسؤولٍ أصدرَ قراراً فيه فتحٌ لبابِ خيرٍ، أو إغلاقٌ لبابِ شرٍ؟!
• بل لماذا لا نعتادُ تقديمَ الثناءِ، والشكرِ والدعاءِ لمن أسدَى إلينا أقلَّ معروفٍ؟!
قالَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ().
ومن أعظمِ وأسهلِ الكلماتِ التي تُقالُ ما أرشدَ إليهِ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقولهِ: مَنْ صُنِعَ إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ فَقَالَ لِفَاعِلِهِ: جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا فَقَدْ أَبْلَغَ فِي الثَّنَاءِ. صححهُ الترمذيُّ().
الحمدُ للهِ وكفَى، وصلاةً وسلاماً على النبيِّ المصطفَى، أما بعدُ: فقد فُجِعَ المسلمونَ ضُحى الثلاثاءِ الماضي بحَدَثٍ جَلَلٍ، ألا وهوَ وفاةُسماحةِ مفتي عامِّ المملكةِ الشيخِ عبدِ العزيزِ آلِ الشيخِ -رحمهُ اللهُوخلَفَ على الأمةِ خيراً-
وإليكم قطوفاً زاخرةً من سيرتهِ الفواحةِ العطرةِ، إليكمُوها بِلُغةِالأرقامِ:
• حفظَ القرآنَ الكريمَ بعُمُرِ عشرةِ أعوامٍ.
• خطبَ الجمعةَ وعُمُرُهُ ثمانيَ عشرةَ سنةً.
• تولَّى منصبَ المفتي العامِّ سبعاً وعشرينَ سنةً.
• خطبَ بعرفةَ خمساً وثلاثينَ سنةً، ولا يُعرَفُ على مرِّ التاريخِ من بلغَمبلَغَهُ.
• حجَّ خمسَ حِجَّاتٍ عن خمسةٍ من علماءِ المسلمينَ السابقينَ، وهمُ: ابنُعبدِ البرِّ وابنُ حزمٍ والمنذريُّ والنوويُّ وابنُ رجبٍ.
• كانَ يختمُ القرآنَ كلَّ ثلاثٍ، ويصلي بعدَ العشاءِ مباشرةً قرابةَ الساعةِ.
• توفيَ عن خمسٍ وثمانينَ سنةً -فاللهم ارحمْ عبدَك عبدَ العزيزِ رحمةًواسعةً، واجزِهِ عن المسلمينَ خيراً.
معاشِرَ طلابِ العلمِ والدعاةِ: كونُوا على سِيرةِ كبارِالعلماءِ عِلماً وتعليماً، وبذلاً وفضلاً، ومنهجاً وأخلاقاً، وسِيرُوا على ماسارُوا عليهِ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}.
أيُّها الجيلُ رجالاً ونساءً وشباناً: ليَقُمْ كلٌ منكم على ثغرةٍ من ثغورِهذا الدينِ في نفسِهِ وأمتِهِ ووطنِهِ، ودعُوا الكسلَ والتسويفَ والبطالةَوالترَفَ ومتابعةَ التافهينَ وضياعَ الأوقاتِ:
وَكُن رَجُلاً إِن أَتَوا بَعدَهُ يَقولونَ مَرَّ وَهَذا الأَثَرْ
• فاللهم أرشِدْنا إلى استدراكِ الهفواتِ من قبلِ الفواتِ. وألهِمنا أخذَالعُدةِ للوَفاةِ قبل الموافاةِ.
• اللَّهُمَّ إِنّا نَسْأَلُكَ النَّعِيمَ الْمُقِيمَ الَّذِي لَا يَحُولُ وَلَا يَزُولُ.
• اللهم اكفِنا شرَ طوارقِ الليلِ والنهارِ، إلا طارقًا يطرقُ بخيرٍ يا رحمنُ.
• اللّهم كنْ لأهلِ غزةَ نصيراً، وعلى أعدائِنا وأعدائِهم ظهيراً.
• اللهم احفظْ دينَنا وبلادَنا، ونفوسَنا، وحدودَنا وجنودَنا، وقادَتَنا، وعلماءَنا.
• اللهم وفقْ وسدِّدْ وليَ أمرِنا ووليَ عهدِه لهُداكَ. واجعلْ عمَلَهما فيرضاكَ.
• اَللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمَ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ.
المرفقات
1758767070_الثناء الصادق - ومات المفتي.docx
1758767070_الثناء الصادق - ومات المفتي.pdf