الجشع والإضرار بالمستأجرين (موافقة للتعميم + مختصرة ومشكولة)
صالح عبد الرحمن
خطبة عن الجشع والإضرار بالمستأجرين (موافقة للتعميم + مختصرة ومشكولة) 1447/4/18هـ
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ الذي أقامَ العدلَ في الأرضِ، وشرعَ لعبادِهِ ما فيهِ صلاحُ دينِهم ودنياهم، نحمدُهُ - سبحانهُ - على نعمِهِ الظاهرةِ والباطنةِ، ونشكرُهُ على توفيقِهِ وإحسانِهِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُهُ ورسولُهُ، صلى اللهُ وسلَّمَ وباركَ عليهِ، وعلى آلهِ وصحبِهِ، ومَن تبعَهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.
أمَّا بعدُ: فاتَّقوا اللهَ - أيُّها المؤمنون - حقَّ تقاتِهِ، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
أيُّها المباركون: في خضمِّ التحدياتِ، وطغيان المادة في جميع شؤون الحياة، تبرزُ لنا التوجيهات المباركة التي أمر بها ولي الأمر، والتي تُؤكِّدُ القيم الإسلاميةِ الأصيلةِ في بناءِ المجتمعِ وتحقيقِ التوازنِ والرحمةِ.
إنَّ هذهِ التوجيهاتِ تُلامسُ احتياجاتِ المواطنينَ والمقيمينَ، وتُعالجُ قضاياهم الحياتيةَ، وتُعزِّزُ من استقرارِهم النفسيِّ والاجتماعيِّ.
ومن أبرزِها، ما صدرَ بشأنِ تحقيقِ التوازنِ في القطاعِ العقاريِّ، وتهدفُ إلى تسهيلِ تأمينِ السكنِ للمواطنينَ والمقيمينَ. وهذا يُبرزُ جانباً عظيماً من جوانبِ الرحمةِ والعدلِ في دينِنا الحنيفِ، فالإسلامُ يدعو إلى تيسيرِ الأمورِ على الناسِ، ورفعِ المشقةِ عنهم.
قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: «اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ» [رواهُ مسلمٌ].
وقول المصطفى عليه الصلاة والسلام: (من ضار أضر الله به، ومن شاق شاق الله عليه).
وهذا الحديثُ الشريفُ يُجسِّدُ مبدأَ الرفقِ والتيسيرِ، فالسكنُ حاجةٌ أساسيةٌ، وتوفيرُهُ بأسعارٍ معقولةٍ يُسهمُ في استقرارِ الأسرِ، ويُعزِّزُ من تماسكِ المجتمعِ.
إنَّ التوازنَ في القطاعِ العقاريِّ ليسَ مجردَ هدفٍ اقتصاديٍّ، بل هو ضرورةٌ اجتماعيةٌ ونفسيةٌ. فاستقرارُ السكنِ يُؤثِّرُ إيجاباً على حياةِ الأفرادِ والأسرِ، ويُقلِّلُ من الضغوطِ الحياتيةِ، ويُتيحُ لهم فرصةً أكبرَ للتركيزِ على بناءِ مستقبلِهم. وهذا يتوافقُ مع مقاصدِ الشريعةِ الإسلاميةِ التي جاءتْ لحفظِ الضرورياتِ الخمسِ.
فيا أيُّها المسلمون: لنتأملْ في هذهِ التوجيهاتِ بعينِ التقديرِ والامتنانِ، ولنكنْ عوناً في تحقيقِ هذهِ الأهدافِ النبيلةِ، بالالتزامِ بالأنظمةِ، والتعاونِ مع الجهاتِ المختصةِ، والسعيِ لما فيهِ خيرُ الجميعِ.
باركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيم، ونفعني وإيَّاكم بما فيهِ من الآياتِ والذِّكرِ الحكيم، أقولُ ما سمعتم، وأستغفرُ اللهَ لي ولكم، فاستغفروه؛ إنَّهُ هو الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ على إحسانِه، والشكرُ لهُ على توفيقِهِ وامتنانِه، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُ اللهِ ورسولُه، صلى اللهُ وسلَّمَ وباركَ عليهِ، وعلى آلهِ وصحبِهِ، ومَن اقتفى أثرَهُ إلى يومِ الدين.
أمَّا بعدُ: فاتَّقوا اللهَ أيُّها المؤمنون، واعلموا أنَّ من كمالِ الإيمانِ، أن يكونَ المسلمُ رحيماً بأخيهِ، حريصاً على مصالحِهِ، بعيداً عن الطمعِ والجشعِ الذي يُفسدُ العلاقاتِ.
أيُّها المسلمون: لقد تضمنتْ التوجيهاتُ التحذير من الطمعِ والجشعِ المذمومِ شرعاً، ومن المبالغةِ في رفعِ الإيجاراتِ طلباً للربحِ الزائدِ، ومما في ذلكَ من التضييقِ على الناسِ. وهذا التوجيهُ يُؤكِّدُ على مبدأٍ إسلاميٍّ أصيلٍ، وهو نهيُ الإسلامِ عن الإضرارِ بالمسلمينَ. قالَ النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم: «مَنْ ضَارَّ أَضَرَّ اللَّهُ بِهِ، وَمَنْ شَاقَّ شَقَّ اللَّهُ عَلَيْهِ» [رواهُ الترمذيُّ وأبو داودَ]. فالمسلمُ لا يضرُّ أخاهُ، ولا يُضيِّقُ عليهِ في رزقِهِ.
إنَّ العلاقاتِ بينَ الناسِ يجبُ أن تقومَ على الأخوةِ والمحبةِ والرحمةِ، مصداقاً لقولِهِ تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ [الحجرات: 10]، وقولِ النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم: «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ» [رواهُ الترمذيُّ].
وقد أكدتْ التوجيهاتُ على أهميةِ مراقبةِ اللهِ تعالى في جميعِ المعاملاتِ، والقناعةِ بالكسبِ المعقولِ، ومراعاةِ أحوالِ المستأجرينَ بالتيسيرِ عليهم، واحتسابِ الأجرِ في التخفيفِ عنهم، والتحليِ بالمسامحةِ، عملاً بقولِ النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم: «رَحِمَ اللَّهُ رَجُلاً سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى» [رواهُ البخاريُّ].
فيا أيُّها المسلمون: لنتعاونْ جميعاً على تحقيقِ هذهِ الأهدافِ المنشودة، ولنكنْ قدوةً حسنةً في تعاملاتِنا، ولنحرصْ على أن تكونَ قلوبُنا مليئةً بالرحمةِ والمحبةِ لإخوانِنا. فبذلكَ نُرضي ربَّنا، ونُسهمُ في بناءِ مجتمعٍ قويٍّ متماسكٍ، ينعمُ بالعدلِ والرخاءِ.
اللهُمَّ أصلحْ لنا دينَنا الذي هو عصمةُ أمرِنا، وأصلحْ لنا دنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلحْ لنا آخرتَنا التي إليها معادُنا، واجعلِ الحياةَ زيادةً لنا في كلِّ خيرٍ، واجعلِ الموتَ راحةً لنا من كلِّ شرٍّ.
هذا وصلُّوا وسلِّموا على الهادي البشير، والسراجِ المنير، نبيِّنا محمدٍ وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين.