( الجَنَّةُ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ.. )

مبارك العشوان 1
1446/12/23 - 2025/06/19 02:55AM

الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ جَلَّ وَعَلَا؛ فِي أَقْوَالِنَا وَأَفْعَالِنَا، وَنِيَّاتِنَا، وَمَا نَأْتِي وَمَا نَذَرُ.

عِبَادَ اللهِ: رَوَى البُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْـدِ اللهِ بنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْجَنَّةُ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ، وَالنَّارُ مِثْلُ ذَلِكَ).

مَوعِظَةٌ بَلِيغَةُ؛ فِي عَشْرِ كَلِمَاتٍ؛ فِيهَا بِشَارَةٌ وَنِذَارَةٌ، فِيهَا وَعْدٌ وَوَعِيدٌ، وتَرْغِيبٌ وَتَرْهِيبٌ.

الجَنَّةُ - أيُّهَا النَّاسُ - وَمَا أعَدَّ اللهُ فِيهَا مِنَ الثَّوَابِ العَظِيمِ وَالنَّعِيمِ المُقِيمِ، مِمَّا لَا عَينٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ؛ لَيْسَتْ عَنْ بَعْضِنَا بِبَعِيدٍ، بَلْ هِيَ أقْرَبُ إلَى أَحْدِنَا مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ، أقْرَبُ إلَيهِ مِنَ السَّيْرِ الذِي يَكُونُ عَلَى ظَهْرِ قَدَمِهِ، أوْ مَا يُدْخِلُ فِيهِ إِصْبَعَ رِجْلِه.

وَالنَّارُ - أيُّهَا النَّاسُ - وَمَا أعَدَّ اللهُ فِيهَا مِنَ العِقَابِ العَظِيمِ وَالعَذَابِ الأَلِيمِ؛ لَيْسَتْ عَنْ بَعْضِنَا بِبَعِيدٍ، بَلْ هِيَ أقْرَبُ إلَيهِ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ.

يَقُولُ ابنُ بَطَّالٍ رَحِمَهُ اللهُ عَنْ هَذَا الحَدِيثِ: [فِيهِ أَنَّ الطَّاعَةَ مُوصِلَةٌ إِلَى الْجَنَّةِ، وَأَنَّ الْمَعْصِيَةَ مُقَرِّبَةٌ إِلَى النَّارِ، وَأَنَّ الطَّاعَةَ وَالْمَعْصِيَةَ قَدْ تَكُونُ فِي أَيْسَرِ الْأَشْيَاءِ... فَيَنْبَغِي لِلْمُؤمنِ أَن لَا يَزْهَدَ فِي قَلِيلٍ مِنَ الْخَيْرِ، وَلَا يَسْتَقلَّ قَلِيلاً مِنَ الشَّرّ، فَيَحْسَبُهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْد اللهِ عَظِيم؛ فَإِنَّ الْمُؤمنَ لَا يعلمُ الْحَسَنَةُ الَّتِي يَرْحَمُهُ اللهُ بهَا، والسَّيِّئةَ الَّتِي يَسْخَطُ اللهُ عَلَيْهِ بهَا]

وَيَقُولُ ابنُ الْجَوْزِيِّ رَحِمَهُ اللهُ: [مَعْنَى الْحَدِيثِ: أَنَّ تَحْصِيلَ الْجَنَّةِ سَهْلٌ بِتَصْحِيحِ الْقَصْدِ وَفِعْلِ الطَّاعَةِ، وَالنَّارُ كَذَلِكَ بِمُوَافَقَةِ الْهَوَى وَفِعْلِ الْمَعْصِيَةِ]

عِبَادَ اللهِ: وَلَقَدْ بَيَّنَ اللهُ جَلَّ وَعَلاَ أَنَّ كُلَّ إِنْسَانٍ سَيَجِدُ أَعْمَالَهُ  خَيْرَهَا وَشَرَّهَا، صَغِيرَهَا وَكَبِيرَهَا؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ}[الأنبياء 47] وَقَالَ تَعَالَى: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف 49]

وَقَالَ تَعَالَى فِي سُوْرَةِ الزَّلْزَلَةِ: {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ، فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}[الزلزلة 6 – 8]

قَالَ الشَّيْخُ السَّعْدِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: [وَهَذِهِ الآيَةُ فِيهَا غَايَةُ التَّرْغِيبِ فِي فِعْلِ الخَيْرِ وَلَوْ قَلِيلًا، والتَّرْهِيبِ مِنْ فَعْلِ الشَّرِّ وَلَوْ حَقِيرًا]

أَلَا فَلْنَجْتَهِدْ - وَفَّقَكُمُ اللهُ - فِي طَاعَةِ اللهِ؛ وَلْنَجْتَنِبْ مَعْصِيَتَهُ  وَلَا نَسْتَهِينُ بِشَيءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلَو أنَّهَا كَلِمَةً؛ فَفِي البُخَارِيِّ  أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا؛ يَرْفَعُهُ اللهُ بِهَا دَرَجَاتٍ    وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللهِ، لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا   يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ)

اللَّهُمَّ إنَّا نَسْألُكَ رِضَاكَ وَالجَنَّةَ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ سَخَطِكَ والنَّار.

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيِ وَالذَّكَرِ الْحَكِيمِ، وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيلَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلُّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الخطبة الثانية:

الحَمْدُ لِلهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَمِنْ فَوَائِدِ هَذَا الحديثِ العَظِيمِ: أنَّ عَلَى المُسْلِمِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الخَوفِ والرَّجَاءِ؛ خَوفٌ وَرَجَاءٌ يَصْحَبُهُمَا عَمَلٌ.  خَوفٌ لَا يُقَنِّطُ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ، وَرَجَاءٌ لَا يُؤَمِّنُ مِنْ عَذَابَ اللهِ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}[الأنبياء 90]

وَقَالَ تَعَالَى: {وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف 56]

أَ لَا فَلْنُعَظِّمْ أَوَامِرَ اللهِ تَعَالَى وَنَمْتَثِلُهَا، وَنَوَاهِيهُ فَنَجْتَنِبُهَا.

وَلْنَحْذَرْ أشَدَّ الحَذَرِ مَعْصِيَةَ اللهِ، وَالتَّفْرِيطَ فِي حُقُوقِهِ تَعَالَى أوْ حُقُوقَ عِبَادِهِ.

وَلْنَذْكُرْ دَومًا قَوْلَهُ جَلَّ وَعَلا: { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ }[آل عمران 30]

ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيهِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

اللَّهُمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ، واجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَدِينَنَا وَبِلَادَنَا بِسُوءٍ فَرُدَّ كَيْدَهُ إِلَيهِ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا عَلَيهِ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.

عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ العَلِيَّ الْعَظِيْمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وتجدون هذه الخطبة وغيرها على قناة التليجرام (احرص على ما ينفعك) https://t.me/benefits11111/2682

 

 

المرفقات

1750290943_1446وقفات مع حديث الجَنَّةُ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ.pdf

1750290953_1446وقفات مع حديث الجَنَّةُ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ.docx

المشاهدات 418 | التعليقات 0