الحث على الصدقات
محمد المطري
خطبة في الحث على الصدقات
الحمد لله العلي الأعلى، الذي خلق فسوَّى، والذي قدَّر فهدى، أحاط بكل شيء علمًا، وأحصى كل شيء عددًا، {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ}، سبحانه هو أحكم الحاكمين، وهو أرحم الراحمين، ورحمته قريب من المحسنين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو حيٌ لا يموت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، يبسط الرزق لمن يشاء، ويضيقه على من يشاء، يدبر الأمر كيف يشاء، ويختبر عباده بما يشاء، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أرسله الله رحمة للعالمين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين، الذين إذا أصابتهم السراء شكروا، وإذا أصابتهم الضراء صبروا، فأرضوا الله في حال غناهم وفقرهم، وتصدقوا مما رزقهم، أما بعد:
فالله خلقنا في هذه الدنيا للابتلاء، يبتلي من شاء بالغنى، ويبتلي من شاء بالفقر، {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك: 2]، {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء: 35]، {فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ * كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ * وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا * وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا} [الفجر: 15 - 20]، والله يحب الغني الشاكر، ويحب الفقير الصابر، والدنيا أيامٌ معدودة، وإلى الله المستقر، {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى} [النجم: 42]، {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} [الفرقان: 62]، فعلى من أعطاه الله وأغناه أن يغتنم غناه قبل فقره، ويغتنم حياته قبل موته، ويغتنم صحته قبل مرضه، ويشكر الله على ما رزقه، فالمالُ كالعُمُرِ عارية، لا يستمر مع أحد، ومهما عِشت فإنك ميت، وتاركٌ ما جمعت وراءك، فطوبى لمن قدَّم لآخرته، وأحسن كما أحسن الله إليه، {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [القصص: 60].
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج: 77]، افعلوا الخير ما دمتم قادرين على فعل الخير، أطعِموا الطعام، وأحسِنوا إلى العباد، وكلُّ معروفٍ صدقة، {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 195]، تركُ الزكاةِ الواجبة، وتركُ الصدقاتِ النافلة؛ هلَكةٌ في الدين والدنيا، {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}، أمرنا الله أن ننفق في سبيله بإخلاص، وأمرنا بالإحسان إلى جميع الناس، والله يحب المحسنين، ورحمة الله قريب من المحسنين، ومن لا يَرحم لا يُرحم، والراحمون يرحمهم الرحمن، فارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، وقد ذم الله الذين يطغون بأموالهم، ولا يشكرون الله على ما رزقهم، وذكَّرهم بأنهم سيلقونه ويحاسبهم، {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى * إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى} [العلق: 6 - 8]، {وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى} [الليل: 11]، ومدح الله الذين يشكرونه على ما أعطاهم، ويتصدقون مما رزقهم، ووعدهم بأنه سيرضيهم وينجيهم من عذاب النار، {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى} [الليل: 17 - 21]، {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 262].
عباد الله، دعانا الله إلى الصدقة على المساكين، وجعل ذلك كالقرضة لله رب العالمين، قال الله سبحانه: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [البقرة: 245]، فالله يدعونا إلى الصدقة على المساكين، والصدقةُ أمرها عجيب، إن تصدقت فالله يُعطيك أكثر مما أعطيتَ، والله هو الذي رزقك المال، ووعدك إن تصَدَّقت منه على عباده أن يُعطيك أكثر مما أنفقت، {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ: 39]، فأنفقوا ولا تبالوا، فالله هو الرزاق، يُضيق الرزق على من يشاء من عباده، ويوسعه على من يشاء، وله الحكمة البالغة في ذلك، وكلنا سنموت، ونترك ما كان معنا في الدنيا من قليل أو كثير، فأنفقوا مما رزقكم الله، والله الكريم يعِدُكم من فضله العظيم في الدنيا والآخرة، {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ * الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} [البقرة: 267 - 269]، وإن من الحكمة أن تخرج زكاة مالِك، وأن تتصدق مما أعطاك ربُّك، ولا تُبذِّر أموالك فيما لا يرضي اللهُ الذي يسر لك رزقك، قال الله تعالى: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} [الإسراء: 26، 27]، وقال سبحانه: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الروم: 37، 38] أي الفائزون، فالفلاح للمتصدقين، ومن أعظم صفات المتقين أنهم يتصدقون مما رزقهم الله، كما قال الله سبحانه في أول المصحف: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [البقرة: 2، 3]، ينفقون فعلٌ مضارعٌ يفيد التكرار والتجدد، فالمتقون يداومون على الصدقات، يخرجون الزكاة الواجبة المعلومة، ويتصدقون بالصدقات النافلة، {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج: 24، 25]، والله يجزي المتصدقين.
أيها المسلمون، يظن بعض الصالحين من الأغنياء أنه إذا أخرج زكاة أمواله مرة في السنة فقد برئت ذمَّتُه من كل حقٍّ مالي، ولم يَعُدْ مطالبًا بإخراج الصدقات، ولا التعاون على البر والتقوى، وهذا خطأٌ عظيم، ففي المال حقٌّ سوى الزكاة، وظاهرُ كثيرٍ من الآيات مشروعيةُ الاستمرار في فعل الصدقات، كقوله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً} [البقرة: 274]، وتأملوا قول الله تبارك وتعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ} [البقرة: 177]، فذكر الله في أول هذه الآية إيتاء المال لذوي القربى واليتامى والمساكينِ وابنِ السبيل والسائلين وفي الرقاب، ثم ذكر في آخرها الزكاة، فدل على أنَّ في المال حقًا سوى الزكاة، وفي الصحيحين عن أبي ذرٍّ الغفاري رضي الله عنه قال: قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((هُمُ الْأَخْسَرُونَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ!))، قلت: مَن هم يا رسول الله؟! قال: ((هُمُ الْأَكْثَرُونَ أَمْوَالًا، إِلَّا مَنْ قَالَ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا، وَقَلِيلٌ مَا هُمْ)).
عباد الله، المال فتنة، والله يختبر عباده بما أعطاهم، وينظر كيف يعملون فيما رزقهم، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المنافقون: 9 - 11]، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ} [البقرة: 254]، فتصدقوا مما رزقكم الله، ومن تصدَّق فإنه يُحسن إلى نفسه أولًا قبل أن يُحسن إلى غيره، {وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ} [فاطر: 18]، فلا تبخلوا على أنفسكم، يقول ربنا تبارك وتعالى: {وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 280]، ويقول سبحانه: {هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد: 38]، {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المزمل: 20].
أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم وجميع المسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
أيها المسلمون، تُستحب صدقة التطوع في كل وقتٍ ليلًا ونهارًا، سرًا وعلانية، لا سيما في وقت الغلاء والشدائد والنوازل، وعند التوبة من المعاصي، قال الله سبحانه: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 274]، وقال عز وجل: {قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً} [إبراهيم: 31]، وفي الحديث الصحيح: ((وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ المَاءُ النَّارَ)).
والأفضل إظهارُ الزكاةِ المفروضة، وإخفاءُ الصدقةِ النافلة، والأمر واسع، بحسب المصلحة والحال، قال تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [البقرة: 271].
وتُستحب الصدقة بما فضُل عن الحاجة من الطعام واللباس والأثاث وغيرِ ذلك كما قال الله سبحانه: {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} [البقرة: 219]، والعفو ما يفضل عن حاجة الإنسان وحاجةِ أهلِه ولو كان يسيرًا.
وكلُّ معروفٍ صدقةٌ ولو على كافرٍ أو فاسقٍ أو حيوان، فتجوز صدقة التطوع حتى على الكفار لعموم قول الله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8]، وقولِه سبحانه: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} [الإنسان: 8]، وقال عليه الصلاة والسلام: ((فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ))، ويُشترط أن لا يعطي الكافر والفاسق صدقة تعينه على محرم، وتجوز صدقة التطوع على الأغنياء بلا خلاف، ويُكرَه للغني أن يتعرض لأخذها، والصدقة على المحتاجين أفضل وأكثر أجرًا.
أيها المسلمون، تتأكد الصدقة على الأقارب واليتامى والمساكين والمحتاجين من المسافرين والمرضى والمنكوبين ونحوهم، قال الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} [البقرة: 215].
ومن أفضل الصدقة: إطعام الطعام وسقي الماء والمواساة بالمال والصدقات الجارية.
ويُشرع التعاون على البر والتقوى، وبذلُ الماعون - وهو كل ما يُنتفع به مما يستعيره الناس من بعضهم بعضًا - وإعانةُ المتزوجين وطلابِ العلم، والإهداءُ للأقاربِ والأصحابِ والأصهار، وإكرامُ اليتامى والضعفاءِ والجيرانِ وإن كانوا أغنياء.
ويحرم المنَّ بالصدقة، ويبطل ثوابُها بالمنِّ والأذى والرياء، والتهاون بالصدقات حسرةٌ وندامةٌ عند الموت، وقد حذر الله المؤمنين من ذلك بقوله: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} [المنافقون: 10].
ويُستحب للفقير أن يتصدق ولو باليسير، كما قال الله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ} [آل عمران: 134]، والصدقة سببٌ لتيسير الأمور، كما قال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} [الليل: 5 - 7]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ))، ولا يتصدق المسكينُ بمالٍ كثيرٍ يَضرُّ بمن تلزمه نفقتهم، قال النبي عليه الصلاة والسلام: ((كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضِيعَ مَنْ يَقُوتُ))، ((وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ)).
ويستحب للمرأة أن تتصدق من بيت زوجها بما أذن فيه صريحًا، وبالشيء اليسير الذي لم يأذن فيه ولم ينه عنه إذا علمت رضاه، مما جرت به العادة من الإهداء للجيران ورد السائلين، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إِذَا أَنْفَقَتِ المَرْأَةُ مِنْ طَعَامِ بَيْتِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ، كَانَ لَهَا أَجْرُهَا بِمَا أَنْفَقَتْ، وَلِزَوْجِهَا أَجْرُهُ بِمَا كَسَبَ)).
أيها المسلمون، من كان عليه دَينٌ فليحرص على قضائه، وفي ذلك أجر عظيم، فالله يأمر بأداء الأمانات إلى أهلها، قال العلماء: يجب أن يُقدِّم الإنسانُ قضاء الدَّين والغرامات الواجبة على صدقة التطوع، فصدقة التطوع نافلة، وقضاءُ الدَّين ودفعُ الغرامات الواجبة فرض، والفرض أكثر أجرًا من النافلة.
أيها المسلمون، تصدَّقوا عن أنفسكم وأهليكم، وداووا مرضاكم بالصدقات، وتصدقوا عن موتاكم، لا سيما الوالدين وغيرهما من الأقارب، فالصدقة يصل ثوابها إلى الموتى بإجماع العلماء، فلنحرص على الصدقات ولو باليسير، فهي خير لنا أجمعين، والله يخلف على المتصدقين، قال الله تعالى: {وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 280]، {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ: 39]، {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ} [الحديد: 7]، {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ} [الحديد: 18].
أيها المسلمون، يجب أن نتواصى بالحق والصبر والرحمة، ولنتواصى بالزكاة، والصدقات، وصلة الأرحام، وإكرام الضيوف، وإطعام الجائعين، وإغاثة الملهوفين، ومواساة المحتاجين، كلٌّ بقدر ما يستطيع، {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} [الطلاق: 7].
اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، واجعلنا من المؤمنين الذين تنفعهم الذكرى، ونعوذ بك أن نكون ممن إذا ذُكِّروا لا يذكرون، اللهم انفعنا بما علَّمتنا، وعلِّمنا ما ينفعنا، وزِدنا عِلمًا، واغفِرْ لنا وارحمنا، اللهم ألِّف بين قلوبنا، وأصلِح ذاتَ بيننا، واهدِنا سبل السلام، وأخرجنا من الظلمات إلى النور، اللهم اهدنا لأحسن الأعمال والأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، وألِّف بين قلوبهم، وأصلح أحوالَهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم، وهيء الأسباب لتحرير المسجد الأقصى، فإنك تفعل ما تشاء.
عباد الله، {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90]، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت: 45].
المرفقات
1739351793_خطبة في الحث على الصدقة.docx
1739351799_خطبة في الحث على الصدقة.pdf