الحَجُّ المَبْرُورُ

مبارك العشوان 1
1446/11/17 - 2025/05/15 03:00AM

الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

أَمَّا بَعْدُ: فَيَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [ آل عمران97 ]   

الحَجُّ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلَامِ؛ وَهُوَ مِنْ أَفْضَلِ الأَعْمَالِ وَأَزْكَاهَا وَأَعْظَمِهَا جَزَاءً؛ فَفِي الحَدِيثِ المُتَّفَقِ عَلَيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلمَ سُئِلَ: أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: (إِيمَانٌ بِاللهِ وَرَسُولِهِ، قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللهِ، قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: حَجٌّ مَبْرُورٌ).

فِي الحَجِّ المَبْرُورِ رِفْعَةٌ لِلدَّرَجَاتِ، وَتَكْفِيرٌ لِلسَّيِّئَاتِ، وَهُوَ سَبَبٌ لِدُخُولِ الجَنَّاتِ؛ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: (الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ) [مُتَّفَقٌ عَلَيهِ]

وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ) [مُتَّفَقٌ عَلَيهِ]

عِبَادَ اللهِ: وَمَعَ كُلِّ هَذِهِ الفَضَائِلِ، وَهَذَا الخَيرِ العَمِيمِ، مَعَ كُلِّ هَذَا يُوجَدُ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَسْتَطِيعُ الحَجَّ؛ ثُمَّ يَتَهَاوَنُ بِهِ وَيَتَكَاسَلُ عَنْهُ، وكُلُّ عَامٍ يُؤَجِّلُهُ؛ وَلَوْ كَانَ يُرِيدُ تِجَارَةً أَوْ نُزْهَةً؛ دَاخِلَ البِلَادِ أَوْ خَارِجَهَا لَمَا تَرَدَّدَ.

أَلَا فَلْيَتَّقِ اللهَ تَعَالَى مَنْ هَذِهِ حَالُهُ؛ وَلْيُبَادِرْ إِلَى الْحَجِّ؛ فَقَدْ يَسْتَطِيعُ هَذَا العَامَ وَلَا يَسْتَطِيعُ العَامَ المُقْبِلَ؛ وَقَدْ يَفْجَؤُهُ وَيَتَخَطَّفَهُ هَاذِمُ اللَّذِاتِ؛ ثُمَّ يَلْقَى اللهَ عَزَّ وَجَلَّ بِهَذَا التَّفْرِيطِ فِي رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلَامِ.

ثُمَّ إِنَّ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ تَعَالَى بِعِبَادِهِ: أَنْ أَوْجَبَ هَذِهِ الفَرِيضَةَ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي العُمُرِ؛ وَمَا زَادَ عَلَيْهَا فَهُوَ تَطُوعٌ.

عِبَادَ اللهِ: الحَجُّ وَغَيرُهُ مِنَ العِبَادَاتِ؛ لَابُدَّ فِيهَا مِنَ الإِخْلَاصِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَالمُوَافَقَةِ لِشَرْعِهِ.

وَلِهَذَا؛ فَإِنَّ عَلَى الحَاجِّ أَنْ يُخْلِصَ لِلَّهِ تَعَالَى حَجَّهُ، وَلَا يَلْتَفِتَ فِيهِ لِأَحَدٍ سِوَاهُ.

وَعَلَيهِ أَنْ يَتَحَرَّى مُوَافَقَةَ السُّنَّةِ فِي كُلِّ عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ حَجِّهِ، فَيَتَعَلَّمُ صِفَةَ الحَجِّ، وَيَقْرَأُ فِي كُتُبِ الْمَنَاسِكِ، وَيَسْأَلُ عَمَّا يُشْكِلُ عَلَيْهِ؛ لِيَعْبُدَ اللهَ عَلَى بَصِيرَةٍ، وَيُؤَدِيَ هَذَا الرُّكْنَ العَظِيمَ عَلَى وَجْهِهِ الْأَتَمِّ؛ وَحَتَّى لَا يَقَعَ فِي مُخَالَفَاتٍ قَدْ تُفْسِدُ حَجَّهُ، أَوْ تُوقِعُهُ فِي الحَرَجِ وَالمَشَقَّةِ، أَوْ تُو جِبُ عَلَيهِ الفِدْيَةَ. عِبَادَ اللهِ: وَمَنْ عَزَمَ عَلَى الحَجِّ؛ فَلْيَتَذَكَّرْ أَنَّهُ سَيُؤَدِّي رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِ دِينِهِ؛ فَيَحْرِصَ غَايَةَ الحِرْصِ أَنْ يَكُونَ حَجًّا مَبْرُورًا؛ يَرْجِعُ مِنْهُ نَقِيًّا مِنَ الذُّنُوبِ كَيَومِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ.

يَا مَنْ عَزَمْتَ عَلَى الحَجِّ؛ إَذَا شَرَعْتَ فِي السَّفَرِ؛ فَتَأَدَّبْ بِآدَابِهِ، وَتَعَلَّمْ مَا تَحْتَاجُ مِنْ أَحْكَامِهِ.

أَدِّ مَا افْتَرَضَ اللهُ عَلَيْكَ؛ مِنْ: تَوحِيدِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِخْلَاصِ العِبَادَةِ لَهُ، وَالحَذَرِ مِنَ الشِّرْكِ صَغِيرِهِ وَكَبِيرِهِ.

حَافِظْ عَلَى الصَّلَواتِ الخَمْسِ، وَأَقِمْهَا كَمَا أَمَرَ اللهُ.

اِحْفَظْ لِسَانَكَ عَنِ القِيلِ وَالقَالِ، وَالكَلَامِ فِيمَا لَا يَعْنِي، وَأَكْثِرْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ تَعَالَى وَدُعَائِهِ وَاسْتِغْفَارِهِ.

تَخَلَّقْ بِالخُلُقِ الحَسَنِ؛ الْزَمِ الصَّبْرَ الجَمِيلَ، وَاصْفَحِ الصَّفْحَ الجَمِيلِ، وَاجْتَهِدْ أنْ تَرْجِعَ مِنْ حَجِّكَ وَلَمْ تُصِبْ مُسْلِمًا بِأَذَىً.

وَعَلَيكَ بِالسَّكِينَةِ وَالرِّفْقِ بِنَفْسِكَ وَبِغَيْرِكَ.

اِحْفَظْ سَمْعَكَ وَبَصَرَكَ وَجَوَارِحَكَ عَمَّا لَا يَحِلُّ لَكَ.

قُمْ بِشَعَائِرِ الحَجِّ عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ وَالإِجْلَالِ وَالْمَحَبَّةِ وَالخُضُوعِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

رَزَقَنَا اللهُ العِلْمَ النَّافِعَ، وَالعَمَلَ الصَّالِحَ، وَبَارَكَ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ، وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الآيِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ.

أَسْتِغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الخطبة الثانية:

الحَمْدُ لِلهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ جَلَّ وَعَلَا؛ فِي أَقْوَالِنَا وَأَفْعَالِنَا وَمَا نَأْتِي وَمَا نَذَرُ.

‏يَا مَنْ عَزَمْتَ عَلَى الحَجِّ؛ عَظِّمْ هَذِهِ الشَّعِيرَةَ؛ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى القُلُوبِ.

تَقَيَّدْ - وَفَّقَكَ اللهُ - بِالتَّعْلِيمَاتِ، وَالْتَزِمْ بِالْأَنْظِمَةِ الَّتِي وُضِعَتْ لِخِدْمَةِ الْحُجَاجِ وَحِمَايَتِهِمْ وَتَيْسِيرِ هَذِهِ العِبَادَةِ لَهُمْ.

وَمِنْ أَهَمِّ ذَلِكَ: الحُصُولُ عَلَى تَصْرِيحِ الحَجِّ؛ وَهُوَ مِنَ الأَنْظِمَةِ الَّتِي أَلْزَمَ بِهَا وَلِيُّ الأَمْرِ؛ وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء  59]

وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: (وَمَنْ يُطِعِ الأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ يَعْصِ الأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي) [مُتَّفَقٌ عَلَيهِ]

وَفِي الحَجِّ بِلَا تَصْرِيحٍ، وَالتَّحَايُلِ عَلَى الأَنْظِمَةِ؛ مَعْصِيَةٌ لِوَلِي الأَمْرِ، وَمُخَالَفَةٌ لَهُ.

وَفِيهَا مَحَاذِيرُ كَثِيرَةٌ؛ لَيْسَ عَلَى المُخَالِفِ فَحَسْبُ؛ بَلْ عَلَيهِ وَعَلَى غَيْرِهِ مِنَ الحُجَّاجِ؛ كَمَا أَنَّ ذَلِكَ يُؤَثِّرُ عَلَى جَوْدَةِ الخِدْمَاتِ، وَجُهُودِ الجِهَاتِ الأَمْنِيَّةِ وَالصِّحِّيَّةِ وَغَيْرِهَا.

وَفَّقَ اللهُ الجَمِيعَ لِمَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ.

ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيهِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}[الأحزاب 56 ] اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ  وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

اللَّهُمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ، واجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَدِينَنَا وَبِلَادَنَا بِسُوءٍ فَرُدَّ كَيْدَهُ إِلَيهِ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا عَلَيهِ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.

عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ العَلِيَّ الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

 

 

https://t.me/benefits11111لمتابعة الخطب على التليجرام؛ قناة ( احرص على ما ينفعك ) 

 

 

المرفقات

1747266995_الحَجُّ المَبْرُورُ.pdf

1747267005_الحَجُّ المَبْرُورُ.docx

المشاهدات 378 | التعليقات 0