الْحَجّ والالتزام بِالتَّصْرِيح
سعود المغيص
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً.
أَمَّا بَعْدَ فيا عبادَ اللهِ :
اتَّقُوا اللهَ تَعالَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْحَج رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ الْخَمْسَةِ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "بُنِيَ الإسلامُ على خمسٍ شَهادةِ أن لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأنَّ محمَّدًا رسولُ اللَّهِ، وإقامِ الصَّلاةِ وإيتاءِ الزَّكاةِ وصَومِ رمضانَ، وحجِّ البيتِ لمنِ استطاعَ إليهِ سبيلاً"(متفق عليه).
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : وَمَنْ رَحِمَة اللَّهُ أَن أَوْجَبَ الْحَجَّ عَلَى عِبَادِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي الْعُمْرِ حَتَّى لَا يَشُقّ عَلَيْهِمْ . ؛ فعن ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أَنَّ الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ سَأَلَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْحَجُّ فِي كُلِّ سَنَةٍ أَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً؟ قَالَ: "بَلْ مَرَّةً وَاحِدَةً، فَمَنْ زَادَ فَهُوَ تَطَوُّعٌ"
والنَّبِيَّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَحْجُ بَعْدَ هِجْرَتِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ إِلَّا حَجَّةَ وَاحِدَةَ.
وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْحَجَّ لَا يَجِبُ عَلَى المستطيع إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةٍ.
عِبَاد اللهِ : وَلَا يَخْفَى عَلَى الْمُسْلِمِ أَنَّ نَافِلَةَ الْحَجِّ لَهَا أَجْرٌ عَظِيمٌ . وَإذا كَانَ فِي أَدَاءِ نَافِلَةِ الْحَجِّ تَضْيِيقٌ عَلَى الْحُجَّاجِ الَّذِينَ يُؤَدُّونَ فَرِيضَةَ الْحَجِّ، يَنْبَغِي تَرْكُهَا، و إِنَّ تَرْكَكَ لِحَجَّ النَّافِلَةِ مِنْ أَجَلِ عَدَمِ التَّضْيِيقِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ؛ سَيَكْتُبُ اللهُ لَكَ أَجْرَ الْحَجِّ وَأَنْتَ فِي بَيْتِكَ، وَتَأَمَّل مَعْي حَديثَ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يَقُولُ لِأَصْحَابِهِ - رَضِّيَّ اللهُ عَنْهُمْ- فِي إحْدَى الْغَزْوَاتِ: "إنَّ بِالْمَدِينَةِ لَرِجَالاً مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا، وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا، إِلَّا كَانُوا مَعَكُمْ، حَبَسَهُمُ الْمَرَضُ"، وفي رواية: "إِلَّا شَركُوكُمْ فِي الْأَجْرِ"
ومن أراد الحج وعزم على ذلك فعليه معرفة أحكامه وواجباته وأركانه , والالتزام بالأنظمة والتعليمات المتعلقة بالحج .
عباد اللَّه وَاعْلَمُوا أَنَّ بِلَادنَا حَفِظَهَا اللَّهُ ، نَظّمَت شُؤُون الْحَجّ، وَوَضَعَتْ الأَنْظِمَة وَالْإِجْرَاءَات لِتَنْظِيم الْحَجِّ مِنْ أَجْلِ مَصْلَحَة الْحجاج وَسَلَامَتِهِمْ وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهَا أَلْزَمْت بِاسْتِخْرَاج تَصْرِيحٍ لِلْحَجِّ؛ وَقَدْ صَدَرَ بَيَانَ هَيْئَةِ كِبَار الْعُلَمَاءِ
بِأَنَّ الِالْتِزَامَ بِاسْتِخْرَاج تَصْرِيح الْحَجّ مُسْتَنِدٌ إلَى مَا تَقَرُّرُهُ الشَّرِيعَة الْإِسْلَامِيَّةِ مِنْ التَّيْسِيرِ عَلَى الْعِبَادِ فِي الْقِيَامِ بِعِبَادَاتِهِمْ وَشَعَائِرِهِمْ، وَرَفْعِ الْحَرَجِ عَنْهُمْ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}،
وَالْإِلْزَامُ بِاسْتِخْرَاج تَصْرِيح الْحَجِّ إنَّمَا جَاءَ بِقَصْد تَنْظِيم عَدَد الْحُجَّاجِ بِمَا يُمْكِنُ هَذِه الْجُمُوع الْكَبِيرَةِ مِنْ أَدَاءِ هَذِهِ الشَّعِيرَةِ بِسَكِينَةٍ وَسَلَام.
فَالْتِزَام مُرِيدِي الْحَجّ بِالتَّصْرِيح يُحَقِّقُ مَصَالِحَ كَثِيرَة مِنْ جَوْدَةِ الْخِدْمَات الْمُقَدِّمَة لِلْحَجَّاج فِي أَمْنِهِمْ وَسَلَامَتِهِمْ وَسَكنهم وَإِعَاشَتِهم، وَيَدْفَعُ مَفَاسِدَ عَظِيمَة مِنْ الِافْتِرَاشِ فِي الطُّرُقَاتِ الَّذِي يُعِيق تَنَقُّلَاتِهِمْ وَتَفْوِيجِهِمْ، وَتَقْلِيل مَخَاطِر الِازْدِحَام وَالتَّدَافُع الْمُؤَدِّيَةِ إلَى التَّهْلُكَة.
عِبَاد اللَّهِ إِنَّ الِالْتِزَام بِاسْتِخْرَاجِ التَّصْرِيح لِلْحَجِّ هُوَ مِنْ طَاعَةِ وَلِيِّ الْأَمْرِ فِي الْمَعْرُوفِ قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ }. وقال صلى الله عليه وسلم : ( مَن أطَاعَنِي فقَدْ أطَاعَ اللَّهَ، ومَن عَصَانِي فقَدْ عَصَى اللَّهَ، ومَن يُطِعِ الأمِيرَ فقَدْ أطَاعَنِي، ومَن يَعْصِ الأمِيرَ فقَدْ عَصَانِي،).
وَالنُّصُوصُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ، وَكُلُّهَا تُؤَكِّد وُجُوب طَاعَةِ وَلِيِّ الْأَمْرِ فِي الْمَعْرُوفِ، وَحُرْمَة مُخَالَفَة أَمْرِهِ. وَالِالْتِزَام بِاسْتِخْرَاج التَّصْرِيحِ مِنْ الطَّاعَةِ فِي الْمَعْرُوفِ، يُثَابُ مِنْ الْتَزَمَ بِهِ، وَيَأْثَمُ مَنْ خَالَفَهُ؛ وَيَسْتَحِقّ الْعُقُوبَة الْمُقَرَّرَةِ مِنْ وَلِيٍّ الْأَمْرِ.
وَذكرت هيئة كبار العُلماء أنّهُ بِنَاءً عَلَى مَا سَبَقَ إيضَاحُهُ فَإِنَّه : لا يَجُوزُ الذْهَابُ إلى الحَجِ دونَ أخذِ تصريحٍ، ويأثمُ فاعِلُهُ لمَا فِيهِ مِنْ مُخَالفةِ أمرِ وليِ الأمرِ، ولمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الإضرارِ بِعُمومِ الحَجَاجِ، وإنْ كَانَ الحَجُ فَرِيضَةً وَلمْ يتمكنِ المُكلفُ مِنْ استخراجِ التصريحِ؛ فإنَّهُ فِي حُكمِ عَدَمِ المُستطيعِ؛ لقولِهِ تَعَالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾. وقولِهِ ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية :
الْحَمْدُ للهِ عَلى إِحسانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوفِيقِهِ وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأشهدُ أنَّ مُحمّداً عَبدُهُ وَرسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً .
أَمّا بَعدُ فيا عباد الله:
اتَّقُوا اللهَ تَعالَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْحَجَّ بِتَصْرِيحٍ يُجَسِّد الْحِرْصَ عَلَى سَلَامَةِ حُجَّاج بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ وَرِعَايَةً لِمَصَالِحِهِمْ، وَحِرْصًا عَلَى سَلَامَتِهِمْ.
وَأَنَّ هَذَا البيان يَأْتِي مُتَوَافِقًا مَعَ الدَّيْنِ الْإِسْلَامِيّ الْحَنِيف الَّذِي جَاءَ بِحِفْظ الضَّرُورَات الْخَمْسَةِ؛ وَهِيَ: الدِّينُ وَالنَّفْسُ وَالْعَقْل وَالْعِرْض وَالْمَال.
وكذلك يأتي هذا البيان اسْتِنَادًا لِلْقَاعِدَةِ الْفِقْهِيَّةِ "دَرْءَ الْمَفَاسِدِ مُقَدَّمٌ عَلَى جَلْبِ الْمَصَالِحِ".
وَالِامْتِثَال لِأنظمة وتعليمات الدولة مِنْ طَاعَةِ وَلِيِّ الْأَمْرِ، وَالِاسْتِجَابَةِ لَها دَلِيلٌ الْعَقْلِ وَالْحِكْمَةِ وَالْأَمَانَة وَالْمَسْؤُولِيَّة.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَ الدِّينَ، وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا، وَسَائِرَ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ.
اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَانْصُرْ جُنُودَنَا، وَأَيِّدْ بِالْحَقِّ إِمَامَنَا وَوَلِيَّ أَمْرِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْهُ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ إِلَى مَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَوَاصِيهِمْا لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَجَمِيعَ وُلاَةِ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ يَا رَبَّ الْعِالَمِينَ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا وَإِخْوِانِنَا وَأَخَواتِنَا أَمْوَاتًا وَأَحْيَاءً، اللَّهُمَّ اجْزِهِمْ عَنِ الإِحْسَانِ إِحْسَانًا، وَعَنِ الإِسَاءَةِ عَفْوًا وَغُفْرَانًا، يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ
وَصَلَّى اللهُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.