الحج وجوبه وفضله والتقيد بالأنظمة ولاحج إلابتصريح
محمد الهرف
الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْدُ:أيها الناس اتقوا الله وأنيبوا إليه واستجيبوا لأمره فقد قال اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: { وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}[آل عمران7 ]
عباد الله الحَجُّ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلَامِ؛ فَفِي الحَدِيثِ المُتَّفَقِ عَلَيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قال: ( بُنِيَ الإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالحَجِّ وَصَوْمِ رَمَضَانَ )
والحَجُّ المَبْرُورُ مِنْ أَفْضَلِ الأَعْمَالِ وَأَزْكَاهَا، وَأَعْظَمِهَا جَزَاءً؛ فَفِي الحَدِيثِ المُتَّفَقِ عَلَيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلمَ سُئِلَ: أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: ( إِيمَانٌ بِاللهِ وَرَسُولِهِ، قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللهِ، قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: حَجٌّ مَبْرُورٌ ).
وفِي الحَجِّ المَبْرُورِ رِفْعَةٌ لِلدَّرَجَاتِ، وَتَكْفِيرٌ لِلسَّيِّئَاتِ؛ وَهُوَ سَبَبٌ لِدُخُولِ الجَنَّاتِ؛ يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ ) [ مُتَّفَقٌ عَلَيهِ ]
وَقال صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ ) [ مُتَّفَقٌ عَلَيهِ ]
ثُمَّ إِنَّ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ تَعَالَى بِعِبَادِهِ: أَنْ أَوْجَبَ الْحَجَّ مَرَّةً واحدة ًفِي الْعُمْر ؛ وَمَا زَادَ عَلَيْهَا فَهُوَ تَطُوعٌ.
، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ الْحَجَّ، فَحُجُّوا»، فَقَالَ رَجُلٌ: أَكَلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَسَكَتَ، حَتَّى قَالَهَا ثَلاَثًا، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوْ قُلْتُ: نَعَمْ، لَوَجَبَتْ، وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].
وَمِنْ رَحْمَةِ اللهِ أَيْضًا عَلَى عِبَادِهِ: أَنْ جَعَلَهَا لِلْمُسْتَطِيعِ مِنْهُمْ، كَمَا فِي قَوْلِهِ فِي الآيَةِ السَّابِقَةِ: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً﴾ وَقَدْ ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ الاِسْتِطَاعَةَ فِي الْحَجِّ تَكُونُ فِي الْقَادِرِ بِبَدَنِه وَمَالِهِ: فَهَذَا يَلْزَمُهُ الْحَجُّ بِنَفْسِهِ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَمَنْ كَانَ قَادِرًا بِمَالِهِ عَاجِزًا بِبَدَنِهِ عَجْزًا لاَ يُرْجَى زَوَالُهُ؛ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ بِالإِنَابَةِ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمَ جَاءَتْ إلَى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَسْتَفْتِيهِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ فَرِيضَةَ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ، أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: «نَعَمْ» [مُتَّفَقُ عَلَيْهِ].
عباد الله من حبس عن العبادة لعذر مع حرصه عليها وبذل الأسباب لها فإن له أجرها كَمَا قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَمَا رَجَعَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَقَدْ تَخَلَّفَ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا لِعُذْرٍ؛ قَالَ: «إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلاَ قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلاَّ كَانُوا مَعَكُمْ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ؟ قَالَ: «وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ، حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ].
عِبَادَ اللهِ: وَمَعَ كُلِّ هَذِهِ الفَضَائِلِ، وَهَذَا الخَيرِ العظِيمِ، يُوجَدُ مِنَ النَّاسِ مَنْ تَتَوَافَرُ فِيهِ شُرُوطُ الوُجُوبِ وَيَتَهَاوَنُ بِهَذِهِ الفَرِيضَةِ، وَيَتَكَاسَلُ عَنْهَا،بل يُوجَدُ فِي النَّاسِ مَنْ تقدم به العمر؛ وفي كُلِّ عَامٍ يَقُولُ أَحُجُّ العَامَ المُقْبِلَ ،أَلَا فَلْيَتَّقِ اللهَ تَعَالَى ؛ وَلْيُبَادِرْ إِلَى الْحَجِّ وَلْيَحْذَرِ التَّهَاوُنَ وَالتَّسْوِيفَ؛ فَقَدْ يَسْتَطِيعُ هَذَا العَامَ وَلَا يَسْتَطِيعُ العَامَ المُقْبِلَ؛ وَقَدْ يموت قبل أن يحج ؛ ثُمَّ يَلْقَى اللهَ تَعَالَى وَقَدْ فَرَّطَ فِي رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلَامِ.
عِبَادَ اللهِ: الحَجُّ وَغَيرُهُ مِنَ العِبَادَاتِ؛ لَابُدَّ فِيهَا مِنَ الإِخْلَاصِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَالمُوَافَقَةِ لِشَرْعِهِ.
يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: { الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ } [الملك 2]
قَالَ الْفُضَيْلُ رَحِمَهُ اللهُ: { أَحْسَنُ عَمَلًا } أَخْلَصُهُ وَأَصْوَبُهُ. وَالْخَالِصُ إِذَا كَانَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالصَّوَابُ إِذَا كَانَ عَلَى السُّنَّةِ.
وَلِهَذَا؛ فَإِنَّ عَلَى الحَاجِّ أَنْ يُخْلِصَ لِلَّهِ تَعَالَى حَجَّهُ، وَلَا يَلْتَفِتَ فِيهِ لِأَحَدٍ سِوَاهُ؛ وَأَنْ يَحْرِصَ عَلَى مُوَافَقَةِ السُّنَّةِ فِي كُلِّ عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ حَجِّهِ، فَيَتَعَلَّمُ صِفَةَ الحَجِّ ، وَيَسْأَلُ عَمَّا يُشْكِلُ عَلَيْهِ؛ لِيَعْبُدَ اللهَ تَعَالَى عَلَى بَصِيْرَةٍ، وَيُؤَدِيَ هَذَا الــرُّكْنَ العَظِيمَ عَلَى أكمل وَجْهِ ؛ وَحَتَّى لَا يَقَعَ فِي مُخَالَفَاتٍ قَدْ تُفْسِدُ حَجَّهُ، أَوْ تُوقِعُهُ فِي الحَرَجِ
بَارِكَ الله لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ, ونفعني وإياكم بِمَا فِيهِ مِنَ الآيِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ, وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وأَسْتِغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهديه إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ:.
فَيَا مَنْ عَزَمْتَ عَلَى الحَجِّ؛ لم توضع التصاريح إلا لتنظيم شؤون الحج ومراعاة لسلامة الحجاج وإبعادا لكل ما يسبب الضرر أو الأذى لحجاج بيت الله الحرام ، فاِحْرِصْ عَلَى اِسْتِخْرَاجِ تَصْرِيحِ الحَجِّ مِنَ الجِهَاتِ المَسْؤُولَةِ، ؛ وَلْتَعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ صَدَرَ عَنْ هَيئَةِ كِبَارِ العُلَمَاءِ حَفِظَهُمُ اللهَ بَيَانًا فِي هَذَا.
وَمِمَّا جَاءَ فِي البَيَانِ: أَنَّ الإِلْزَامَ بِاسْتِخْرَاجِ تَصْرِيحِ الْحَجِّ مُسْتَنَدٌ إِلَى مَا تُقَرِّرُهُ الشَّرِيعَةُ الْإِسْلَامِيَّةُ مِنَ التَّيْسِيرِ عَلَى الْعِبَادِ فِي الْقِيَامِ بِعِبَادَتِهِمْ، وَشَعَائِرِهِمْ، وَرَفْعِ الْحَرَجِ عَنْهُمْ، وَأَنَّهُ يَتَّفِقُ مَعَ المَصْلَحَةِ المَطْلُوبَةِ شَرْعًا وَأَنَّهُ مِنْ طَاعَةِ وَلِيِّ الْأَمْرِ فِي الْمَعْرُوفِ، وَأَنَّ المَكَلَّفَ إِذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنِ اِسْتِخْرَاجِ تَصْرِيحِ الحَجِّ لِحَجِّ الفَرِيضَةِ؛ فَإِنَّهُ فِي حُكْمِ عَدَمِ المُسْتَطِيعِ.
أيها الحاج تقيدك بالأنظمة والتعليمات الصادرة بتنظيم الحج كما أنها من الذوق الرفيع والخلق الحسن فهي طاعة لولي الأمر الذي أمرنا بطاعته ، وكل حاج متقيد بأنظمة الحج فهو مشارك في تيسير الحج لنفسه وللحجاج وللمسؤولين عن الحج فهو مشارك في الأجر وداخل في تيسير الحج على الحجاج إن شاء الله ،
وَيا من عَزَمَت عَلَى الحَجِّ؛ اَحْرِصْ على تطبيق شروط وأركان وواجبات الحج وسننه واجتناب المحرمات ومحظورات الحج ليكون حجك مبرورا ولتَرْجِعَ نَقِيًّا مِنَ الذُّنُوبِ وتفوزَ بقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ:(وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ )
ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيهِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }[الأحزاب 56 ] اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
اللَّهُمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ، واجْعَلْ عَمَلَهم فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَدِينَنَا وَبِلَادَنَا بِسُوءٍ فَرُدَّ كَيْدَهُ في نحره، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا عَلَيهِ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.
عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ العَلِيَّ الْعَظِيْمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
المرفقات
1747364739_خطبة 18ذي القعدة 1446 الحج ولاحج إلا بتصريح.docx