الحفيظ
طلال بن فواز الحسان
الخطبة الأولى
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾،
أَمَّا بَعْد: هل شعرتَ أن حياتك في خطر؟ أو أن المرض يهدد صحّتك؟ أو كان ابنُك بعيداً عنك وخشيت عليه من الضياع ؟ أو أن مالك الذي جمعته قد بات قاب قوسين أو أدنى من التبدد والتلف؟ إذن أنت بحاجة إلى أن تتعرف إلى ربّك أكثر، وتعلمَ أن من أسماءه سبحانه "الحفيظ" وأنّه ينبغي عليك أن تجدد إيمانك بهذا الاسم العظيم، وتتفكر فيه وتتأمّل..
فهَلْ حَدِيثٌ أَحْسَنُ مِنَ الْحَدِيثِ عَنِ اللَّهِ جَلَّ جَلَالُهُ ؟ وَهَلْ مَجْلِسٌ أزكى مِنْ مَجْلِسٍ يُعَظَّمُ فِيهِ الْخَالِقُ سُبْحَانَهُ؟ وسنقفُ إِخْوَةَ الْإِيمَانِ- مَعَ اسم الله الحفيظ نَتَفَهَّمُ مَعَانِيَهُ وَنَتَأَمَّلُ أَسْرَارَهُ وَنَتَطَلَّبُ آثَارَهُ.
الحفيظ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى تَضَمَّنَ صِفَةَ الْحِفْظِ، وَمَعْنَاهُ يَدُورُ عَلَى الْعِلْمِ وَالْإِحَاطَةِ وَالصِّيَانَةِ وَالرِّعَايَةِ. سَمَّى نَفْسَهُ سُبْحَانَهُ بِهَذَا الِاسْمِ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ، قَالَ تَعَالَى: (وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) وَقَالَ سُبْحَانَهُ: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ)
ــــ حَفِظَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ خَلْقَهُ بِعِنَايَتِهِ وَصَانَهُمْ بِرِعَايَتِهِ (قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ) ومِنْ حِفظه لِعبادِه: أنْ وكَّل بهم ملائكةً مُعَقِّباتٍ من بين أيديهم ومن خلفهم، يحفظونهم من المضَارِّ والآفَات بأمر اللَّه، ﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ﴾، قال مجاهد رحمه اللَّه: «مَا مِنْ عَبْدٍ إِلَّا لَهُ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ، يَحْفَظُهُ فِي نَوْمِهِ وَيَقَظَتِهِ مِنَ الجِنِّ وَالإِنْسِ وَالهَوَامِّ، فَمَا مِنْهَا شَيْءٌ يَأْتِيهِ يُرِيدُهُ إِلَّا قَالَ: وَرَاءَكَ! إِلَّا شَيْئاً يَأْذَنُ اللَّهُ فِيهِ فَيُصِيبُهُ" .
في هذه اللحظة التي تسمع فيها الخطبة حفظ قلبك من التوقّف، وشرايينك من الانسداد، وعقلك من الجنون، وكليتك من الفشل، وأعصابك من التلف، ورأسك من الصداع، ومعدتَك من القرحة، وأمعاءك من التهاب القولون، وأعضاءك من الشلل، وعينيك من العمى، وسمعك من الصمم، ولسانك من الخرس، كل هذا وأكثر حفظه في هذه اللحظة، ثم يستمر هذا الحفظ في اللحظة التي تليها، وهكذا..
فكم من الحمد يجب أن نلهج به في اللحظة الواحدة؟
وَمِنْ حِفْظِهِ لِخَلْقِهِ أَنْ أَمْسَكَ سَمَاءَهُ أَنْ تَقَعَ عَلَى أَرْضِهِ، وَثَبَّتَ بَعْدَ ذَلِكَ هَذِهِ الْأَرْضَ بِالْجِبَالِ الرَّاسِيَاتِ أَنْ تَمِيدَ بِأَهْلِهَا، حَفِظَ هَذَا كُلَّهُ بِلَا مَشَقَّةٍ وَلَا كُلْفَةٍ قال الله (وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) وقال سبحانه (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا)
ـــ وَمِنْ حِفْظِ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ حَفِظَ وَحْيَهُ وَأَمْرَهُ فِي سَمَائِهِ مِنْ كُلِّ مُسْتَرِقٍ وَشَيْطَانٍ (إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ * وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ) وَحَفِظَ الْمَوْلَى سُبْحَانَهُ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا (وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ). وحَفِظَ عَلَى الْعِبَادِ أَعْمَالَهُمْ وَأَقْوَالَهُمْ فِي كِتَابٍ أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا). أَوْكَلَ هَذَا الْحِفْظَ إِلَى مَلَائِكَةٍ كِرَامٍ (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ) وهي محفوظةٌ في صُحُف الملائكة كذلك، (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ)
ــــ والقرآنُ العظيمُ آخر الكتب وأكملُها، تكفَّل اللَّه بِحِفْظِه فقال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}، فلا تَناله الأَيْدِي بالتَّغْيِير والتَّبْدِيل، فألفاظُه ومعانيه محفوظة، قال جلَّ شأنه: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ). وَحَفِظَ الْحَفِيظُ دِينَهُ وَرِسَالَةَ نَبِيِّهِ الْكَرِيمِ وَجَعَلَهَا بَاقِيَةً إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ).
وأنبياءُ اللَّه تعالى أَدَّوا رسالات ربِّهم، وأقامُوا الدِّين الذي ارتضاهُ اللَّهُ لعباده، ولاقَوْا في سبيل ذلك الشَّدائد والصِّعاب، وكان مفزعُهم عندها هو الحفيظُ سبحانه. أُلقي إبراهيمُ عليه السَّلامُ في النار فتعلَّق بالحفيظِ سبحانه، وقال: {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}؛ فنجَّاهُ اللَّه منها وصارتِ بَرْداً وسلاماً عليه. ودعا هودٌ عليه السَّلام قومَه، فلمَّا أعرضوا عنه وتوعَّدوه بالأذى؛ فزِع إلى ربِّه الحفيظِ، وقال: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ} أي: يحفظني من شرِّكم وكيدكم.
وحِفْظُ اللَّه أكْمَل مِنْ حفظ البَشر؛ إخوةُ يوسف نسبُوا حِفظ يوسفَ لأنفسهم وقالوا لأبيهم: {أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}؛ فأضاعوه، ولمَّا نسب يعقوبُ عليه السَّلام حفظَ يوسف وأخيهِ للَّه وقال: ﴿فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾؛ حَفِظَهُما اللَّهُ وردَّهما إليه وكانت لهما العاقبة، ولمّا رَاوَدَتْهُ زَوْجَةُ الْمَلِكِ فَهَمَّ بِهَا حَفِظَ اللَّهُ لَهُ دِينَهُ وعصمه (كذلك لنصَرَفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إنه من عبادنا المخلصين). وأمُّ موسى عليه السَّلام ألقته رضيعاً في اليمِّ ثقةً بحفظِ اللَّه، فحفِظَه ربُّه، وصنَعَه على عينه في بيت عدوه، وجعله نبيّاً عظيم الشأنِ مِنْ أولي العَزْم من الرُّسل. ويونُس عليه السَّلام الْتقمَه الحوتُ وتراكمت عليه الظلمات، فنادى ربَّهُ الحفيظ: (أَن لَّآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنتَ سُبۡحَٰنَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ 87ﵞ. قال سبحانه: ﵟفَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُۥ وَنَجَّيۡنَٰهُ مِنَ ٱلۡغَمِّۚ وَكَذَٰلِكَ نُـۨجِي ٱلۡمُؤۡمِنِينَ 88 ﵞ
وَتَجَلَّتْ هَذِهِ الْعِنَايَةُ مَعَ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَآوَاهُ رَبُّهُ يَتِيمًا، وَأَعْلَى ذِكْرَهُ كَبِيرًا، وَحَفِظَهُ مِنْ كَيْدِ الْفُجَّارِ وَتَآمُرِ الْأَشْرَارِ حَتَّى بَلَّغَ دَعْوَةَ رَبِّهِ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ فِيمَا أَنْزَلَ (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ) (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ). أي: يحفظك مِنْ كيدهم ومكرهم، ويحفظ رسالتك وما جئتَ به، قال جابر رضي اللَّه عنه: «أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِذَاتِ الرِّقَاعِ، أَتَيْنَا عَلَى شَجَرَةٍ ظَلِيلَةٍ تَرَكْنَاهَا لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ المُشْرِكِينَ وَسَيْفُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مُعَلَّقٌ بِشَجَرَةٍ، فَأَخَذَ سَيْفَ نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ فَاخْتَرَطَهُ – أَيْ: سَلَّهُ مِنْ غِمْدِهِ -، فَقَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ: أَتَخَافُنِي؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَمَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ: اللَّهُ يَمْنَعُنِي مِنْكَ، فَأَغْمَدَ السَّيْفَ وَعَلَّقَهُ» ولأتباع النَّبي ﷺ نصيبٌ مِنْ حِفْظ اللَّه لهم على قَدْر متابعتهم له، قال ابنُ القيِّم رحمه اللَّه: «لِأَتْبَاعِ النَّبِيِّ ﷺ نَصِيبٌ مِنْ حِفْظِ اللَّهِ لَهُمْ وَعِصْمَتِهُ إِيَّاهُمْ وَدِفَاعِهِ عَنْهُمْ وَإِعْزَازِهِ لَهُمْ وَنَصْرِهِ لَهَمُ، بِحَسَبِ نَصِيبِهِمْ مِنَ المُتَابَعَةِ؛ فَمُسْتَقِلٌّ وُمُسْتَكْثِرٌ".
وَإِذَا حَفِظَ الْمَوْلَى سُبْحَانَهُ عَبْدَهُ فَهِيَ السَّعَادَةُ الَّتِي لَيْسَ فَوْقَهَا شَيْءٌ، وَأَعْظَمُ الْحِفْظِ وَأَكْرَمُهُ وَأَشْرَفُهُ أَنْ يَحْفَظَ الْمَوْلَى عَلَى عَبْدِهِ قَلْبَهُ مِنَ الزَّيَغَانِ وَيَحْرُسُ عَلَيْهِ دِينَهُ مِنَ الْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ وَالطُّغْيَانِ (فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ وَكَفَى، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نبيه الْمُصْطَفَى أما بعد .
يَا أَهْلَ الْإِيمَانِ: حِفْظُ اللَّهِ وَعِنَايَتُهُ سَبِيلٌ مَيْسُورٌ، فَإِنْ رَامَ الْعَبْدُ حِفْظَ اللَّهِ فَلْيَحْفَظْ حَقَّ اللَّهِ وَلْيَحْفَظْ أَوَامِرَ اللَّهِ، وَلْيَحْفَظْ حُدُودَ اللَّهِ.. يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: " احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ "، وَأَعْظَمُ مَا يَحْفَظُ الْعَبْدُ مِنْ حَقِّ رَبِّهِ هُوَ تَجْرِيدُ التَّوْحِيدِ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ فَلَا يُشْرِكُ مَعَ رَبِّهِ أَحَدًا، وَلَا يَصْرِفُ شَيْئًا مِنْ أَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ لِغَيْرِهِ سُبْحَانَهُ.. قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ: "حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ".
احْفَظِ اللَّهَ يَا عَبْدَ اللَّهِ.. بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى مَا أَمَرَكَ اللَّهُ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهِ، وَأَخَصُّهَا هَذِهِ الصَّلَاةُ (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ).
وَاحْفَظِ اللَّهَ يَا عَبْدَ اللَّهِ فِي لِسَانِكَ وَسَمْعِكَ وَبَصَرِكَ، فَلَا تُسَخِّرْهَا فِي الْحَرَامِ، قال الله: (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا).
وَاحْفَظِ اللَّهَ يَا عَبْدَ اللَّهِ فِي فَرجِكَ فَصُنْهُ عَنِ الْآثَامِ فَقَدْ أَمَرَكَ بِهِ رَبُّكَ وَخَاطَبَ فِيكَ إِيمَانَكَ (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) .
وَاحْفَظِ اللَّهَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بِالتَّقَرُّبِ إِلَى اللَّهِ بِأَنْوَاعِ النَّوَافِلِ وَسَائِرِ الْمُسْتَحِبَّاتِ، فَفِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ يَقُولُ رَبُّكَ جَلَّ جَلَالُهُ: “ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا “.
وَالْمَعْنَى : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَحْفَظُ لِعَبْدِهِ جَوَارِحَهُ فَلَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ إِلَّا فِي الْحَلَالِ وَلَا تَمْتَدُّ يَدُهُ وَلَا تَسْعَى رِجْلُهُ إِلَّا فِيمَا يُرْضِي اللَّهَ.
وَاحْفَظِ اللَّهَ يَا عَبْدَ اللَّهِ فِي خَلَوَاتِكَ وَجَلَوَاتِكَ فَلَا تَجْعَلِ اللَّهَ أَهْوَنَ النَّاظِرِينَ وَتَذَكَّرْ دَائِمًا (ألم يعلم بأن الله يرى).
وَيَتَأَكَّدُ حِفْظُ اللَّهِ يَا عَبْدَ اللَّهِ إِذَا ضَرَبَتِ الشُّبُهَاتُ وَالشَّهَوَاتُ أَطْنَابَهَا وَصَلُبَ عُودُهَا وَكَثُرَ سُوقُهَا، هُنَا يَمِّمْ وَجْهَكَ شَطْرَ السَّمَاءِ، وَأَلْحِحْ مَسْأَلَتَكَ لِرَبِّ الْبَشَرِ أَنْ يَحْفَظَ عَلَيْكَ دِينَكَ، فَقَدْ كَانَ مِنْ دَعَوَاتِ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللَّهُمَّ احْفَظْنِي بِالْإِسْلَامِ قَائِمًا وَاحْفَظْنِي بِالْإِسْلَامِ قَاعِدًا، وَاحْفَظْنِي بِالْإِسْلَامِ رَاقِدًا ". فلا غِنى للعبدِ عن سؤال اللَّه الحِفْظ، كان النَّبي ﷺ يدعو ربَّه في طرفَي النَّهار بدعاءٍ جامع لأركان الحِفْظ، فيقول: "اللَّهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي وَمِنْ فَوْقِي، وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي".
والعبدُ حالَ نومِهِ عُرْضَة لأذية الجنِّ وغيرِهم له، ومَنْ قرأ آية الكرسي عند نومه لم يَزَلْ عليه من اللَّه حافظٌ، ولم يَقْرُبْه شيطانٌ حتى يُصْبِحَ.
إِخْوَةَ الْإِسْلَامِ: وَإِذَا حَفِظَتِ الْأُمَّةُ دِينَ رَبِّهَا وَعَظَّمَتْ شَرْعَهُ وَحَكَّمَتْ شَرِيعَتَهُ حَفِظَ اللَّهُ لَهَا عِزَّهَا وَقُوَّتَهَا وَمَكَّنَهَا فِي أَرْضِهِ (إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) هَذَا وَعْدٌ مِنَ اللَّهِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ، قَالَ تَعَالَى (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا) وَبِقَدْرِ تَضْيِيعِ الْأُمَّةِ لِأَوَامِرِ اللَّهِ وَدِينِهِ وَشَرْعِهِ وَشَرِيعَتِهِ تَتَخَلَّى عَنْهُمْ عِنَايَةُ اللَّهِ وَمَدَدُ السَّمَاءِ.
عِبَادَ اللَّهِ: صَلُّوا بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى خَيْرِ الْبَرِيَّةِ وَأَزكى الْبَشَرِيَّةِ.. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ..
المرفقات
1751547075_��الحفيظ�.docx
1751547076_��الحفيظ�.pdf