الحياة الطيبة… سرّ السعادة وراحة القلوب ( خطبة مختصرة)
فهد فالح الشاكر
الخُطْبَةُ الأُولَى
الحمدُ للهِ الَّذي وَعَدَ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالْحَيَاةِ الطَّيِّبَةِ وَالْجَزَاءِ الْحَسَنِ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ:
﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾
وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلٰهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَأُوصِيكُمْ ـ عِبَادَ اللهِ ـ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ، فَهِيَ وَصِيَّةُ اللهِ لِلْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ.
أَيُّهَا الْأَحِبَّةُ فِي اللهِ:
الْحَيَاةُ الطَّيِّبَةُ هِيَ مَطْلَبُ كُلِّ مُؤْمِنٍ، وَسَعْيُ كُلِّ إِنْسَانٍ، وَلٰكِنَّهَا لا تُنَالُ إِلَّا بِالِاتِّصَالِ بِاللهِ جَلَّ وَعَلَا، وَالثِّقَةِ بِهِ، وَالِاطْمِئْنَانِ إِلَى رِعَايَتِهِ وَسِتْرِهِ وَرِضَاهُ. فَمَنْ اسْتَشْعَرَ مَعِيَّةَ اللهِ عَاشَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا، وَمَنْ وَثِقَ بِرِعَايَةِ رَبِّهِ لَمْ يُقْلِقْهُ خَوْفٌ، وَلَمْ يُحَطِّمْهُ هَمٌّ.
إِنَّ حَقِيقَةَ الْحَيَاةِ الطَّيِّبَةِ لا تُقَاسُ بِالْمَظَاهِرِ الْفَانِيَةِ، وَلَا تُخْتَصَرُ فِي كَثْرَةِ الْأَمْوَالِ وَالْمَنَاصِبِ، وَإِنَّمَا قِوَامُهَا أَنْ يَمْلِكَ الْعَبْدُ قَلْبًا رَاضِيًا، وَنَفْسًا مُطْمَئِنَّةً، وَصِحَّةً يَعْبُدُ اللهَ بِهَا، وَهُدُوءًا يَعِيشُ بِهِ بَيْنَ أَهْلِهِ وَأَحْبَابِهِ. وَمَنْ رَزَقَهُ اللهُ الْقَنَاعَةَ وَالرِّضَا فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا، كَمَا قَالَ ﷺ:
«لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ، وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُسْلِمُونَ:
الْحَيَاةُ الطَّيِّبَةُ هِيَ فِي الصِّحَّةِ وَالْهُدُوءِ وَالرِّضَا وَالْبَرَكَةِ، هِيَ فِي بُيُوتٍ يُظَلِّلُهَا السَّكَنُ وَالْمَوَدَّةُ وَالرَّحْمَةُ، وَقُلُوبٍ عَامِرَةٍ بِالْمَحَبَّةِ وَالْإِيمَانِ، مُطْمَئِنَّةٍ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ:
﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾
فَمَنْ أَرَادَ الْحَيَاةَ الطَّيِّبَةَ فَلْيُكْثِرْ مِنْ ذِكْرِ رَبِّهِ، وَلْيَجْعَلْ صَلَاتَهُ وَصِيَامَهُ وَصَدَقَتَهُ وَبِرَّهُ وَصِلَاتَهُ زَادًا إِلَى لِقَاءِ اللهِ. وَلَا تَنْسَوْا ـ عِبَادَ اللهِ ـ أَنَّ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ الْحَيَاةِ الطَّيِّبَةِ الْعَمَلَ الصَّالِحَ، لِأَنَّهُ يُثْمِرُ سَعَادَةً فِي الدُّنْيَا قَبْلَ الْآخِرَةِ، فَيَجِدُ الْعَبْدُ أَثَرَهُ نُورًا فِي قَلْبِهِ، وَسَعَةً فِي صَدْرِهِ، وَبَرَكَةً فِي وَقْتِهِ وَرِزْقِهِ، وَبُشْرَى عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ. قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ:
«مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ، وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ، فَذَلِكَ الْمُؤْمِنُ» [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ].
أَيُّهَا الْأَحِبَّةُ:
الْحَيَاةُ الطَّيِّبَةُ هِيَ أَنْ تَنَامَ وَقَلْبُكَ رَاضٍ عَنْ رَبِّكَ، وَأَنْ تَسْتَيْقِظَ وَلِسَانُكَ رَطْبٌ مِنْ ذِكْرِهِ، وَأَنْ تَجِدَ لَذَّةً فِي طَاعَتِكَ، وَأَنْ تَرَى ثَمَرَةَ ذٰلِكَ فِي نَفْسِكَ وَأَهْلِكَ وَوَلَدِكَ وَمُجْتَمَعِكَ. هِيَ أَنْ تَرَى الْبَرَكَةَ فِي الْقَلِيلِ، وَأَنْ تُسَاقَ إِلَيْكَ الْخَيْرَاتُ مِنْ حَيْثُ لا تَحْتَسِبُ، وَأَنْ تَحْيَا بِنُورٍ دَاخِلِيٍّ يَمْلَأُ رُوحَكَ أَمْنًا وَسَكِينَةً.
فَلْيَكُنْ نَصِيبُنَا ـ عِبَادَ اللهِ ـ أَنْ نُعَمِّرَ أَيَّامَنَا بِذِكْرِ اللهِ، وَنُغَذِّيَ بُيُوتَنَا بِالْمَوَدَّةِ، وَنَقْنَعَ بِمَا رَزَقَنَا اللهُ، وَنَجْعَلَ صَلَاحَ الْعَمَلِ زَادًا وَرَفِيقًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
أَقُولُ قَوْلِي هٰذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الحمدُ للهِ الَّذِي جَعَلَ فِي طَاعَتِهِ سَعَادَةً، وَفِي ذِكْرِهِ رَاحَةً، وَفِي الْقُرْبِ مِنْهُ حَيَاةً طَيِّبَةً، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلٰهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُؤْمِنُونَ:
الْحَيَاةُ الطَّيِّبَةُ تَتَحَقَّقُ حِينَ يَرْضَى الْعَبْدُ بِمَا قَسَمَ اللهُ لَهُ، وَيَطْمَئِنَّ قَلْبُهُ بِذِكْرِهِ، وَيَرْجُو رَحْمَتَهُ، وَيَخَافَ عَذَابَهُ. هِيَ حَيَاةٌ تَجْمَعُ بَيْنَ رَاحَةِ الْجَسَدِ وَصِحَّةِ الْبَدَنِ، وَبَيْنَ طُمَأْنِينَةِ الْقَلْبِ وَرَاحَةِ الضَّمِيرِ.
فَفِيهَا السَّكِينَةُ فِي الْبُيُوتِ، وَالْمَوَدَّةُ بَيْنَ الْأَزْوَاجِ، وَالْبَرَكَةُ فِي الْأَعْمَارِ وَالْأَرْزَاقِ، وَهِيَ أَيْضًا فِي ثَمَرَاتِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ؛ صَلَاةً تُشْرِحُ الصَّدْرَ، وَصَدَقَةً تَمْحُو الْخَطَايَا، وَبِرًّا يَرْفَعُ الدَّرَجَاتِ، وَصِلَةً تُقَوِّي الرَّوَابِطَ، وَدُعَاءً يَفْتَحُ أَبْوَابَ السَّمَاءِ.
فَلْنَحْرِصْ ـ عِبَادَ اللهِ ـ أَنْ نَعِيشَ هٰذِهِ الْحَيَاةَ الطَّيِّبَةَ فِي الدُّنْيَا، حَتَّى نُسَاقَ بِهَا إِلَى الْجَنَّةِ فِي الْآخِرَةِ، دَارِ السَّلَامِ، وَمَوْطِنِ السَّعَادَةِ الْأَبَدِيَّةِ.
﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا﴾
هٰذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى خَيْرِ الْأَنَامِ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِذٰلِكَ فَقَالَ:
﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.
اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْ أَهْلِ الْحَيَاةِ الطَّيِّبَةِ، وَارْضَ عَنَّا، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِينَا وَلِلْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ
المرفقات
1759421461_الحياة الطيبة .pdf