الرفق بالناس وعدل القيادة... ضمان الاستقرار والبركة في الأرزاق

الحمدُ للهِ الغَنِيِّ الحَمِيدِ، الوَاسِعِ المَجِيدِ، الَّذِي أَمَرَ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ، وَنَهَى عَنِ الظُّلْمِ وَالطُّغْيَانِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلٰهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، المَبْعُوثَ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

فَأُوصِيكُمْ أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى؛ فَهِيَ زَادُ الْمُتَّقِينَ، وَسَبِيلُ السَّعَادَةِ فِي الدُّنْيَا وَالدِّينِ.

يَا عِبَادَ اللهِ.. تَدَبَّرُوا قَوْلَ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ]وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ[ إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ صُوَرِ الْبَخْسِ فِي زَمَانِنَا هٰذَا: أَنْ يُبَالِغَ بَعْضُ النَّاسِ فِي رَفْعِ الإِيجَارَاتِ أَوِ الأَسْعَارِ الْعَقَارِيَّةِ طَلَبًا لِلرِّبْحِ الزَّائِدِ، دُونَ نَظَرٍ فِي أَحْوَالِ الْمُسْتَأْجِرِينَ، أَوْ تَقْدِيرٍ لِظُرُوفِ الأُسَرِ الْمَكْرُوبَةِ، فَيُضَيِّقُونَ عَلَى النَّاسِ مَعَاشَهُمْ، وَيَجْعَلُونَ الدُّنْيَا هَمَّهُمْ الأَكْبَرَ.

أَيُّهَا الأَحِبَّةُ.. إِنَّ الإِسْلَامَ جَاءَ لِيَغْرِسَ فِي النُّفُوسِ رُوحَ الرَّحْمَةِ وَالسَّمَاحَةِ وَالتَّيْسِيرِ، وَلَا يَرْضَى بِالطَّمَعِ وَالْجَشَعِ وَالتَّعْسِيرِ، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ (مَن ضَارَّ أَضَرَّ اللهُ بِهِ، وَمَن شَاقَّ شَقَّ اللهُ عَلَيْهِ) وَقَدْ ضَرَبَ نَبِيُّنَا ﷺ أَرْوَعَ الأَمْثِلَةِ فِي السَّمَاحَةِ وَالرَّحْمَةِ بِالنَّاسِ.

قَالَ ﷺ (رَحِمَ اللهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى) وَجَاءَهُ ﷺ رَجُلٌ يُطَالِبُهُ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ فَأَغْلَظَ لَهُ، فَهَمَّ أَصْحَابُهُ أَنْ يَزْجُرُوهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ (دَعُوهُ، فَإِنَّ لِصَاحِبِ الحَقِّ مَقَالًا) ثُمَّ قَضَاهُ وَزَادَهُ، وَقَالَ (خَيْرُكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً) فَهٰكَذَا كَانَ سَيِّدُ الْخَلْقِ ﷺ، يَعْدِلُ وَيَرْفُقُ، لَا يَغْتَنِمُ ضَعْفَ الْمُحْتَاجِ وَلَا يَسْتَغِلُّ الْمُضْطَرَّ.

عِبَادَ اللهِ.. إِنَّ مِنْ نِعَمِ اللهِ عَلَيْنَا مَا نَرَاهُ فِي زَمَانِنَا مِنْ سَعْيِ قِيَادَتِنَا الرَّشِيدَةِ فِي تَحْقِيقِ التَّوَازُنِ فِي القِطَاعِ الْعَقَارِيِّ، وَتَسْهِيلِ تَأْمِينِ السَّكَنِ لِلْمُواطِنِينَ وَالْمُقِيمِينَ، تَحْقِيقًا لِرُؤْيَةٍ مُبَارَكَةٍ تُرَاعِي حَاجَةَ الإِنْسَانِ وَتَضْمَنُ لَهُ الاِسْتِقْرَارَ وَالْكَرَامَةَ.

وَمَا تِلْكَ السِّيَاسَةُ الرَّاشِدَةُ إِلَّا تَجْسِيدٌ لِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ (اللَّهُمَّ مَن وَلِيَ مِن أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَن وَلِيَ مِن أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ).

وَمِنْ عَدْلِ الإِسْلَامِ وَرَحْمَتِهِ أَيْضًا، مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ t أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ بَعْضَ وُلَاتِهِ يُغَالِي فِي الأُجْرَةِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: إِنَّ اللهَ اسْتَخْلَفَنَا عَلَى عِبَادِهِ لِنَسُدَّ جَوْعَتَهُمْ، وَنَسْتُرَ عَوْرَتَهُمْ، وَنُوَفِّرَ لَهُمْ أَمْنَهُمْ، فَإِنْ نَحْنُ فَعَلْنَا ذٰلِكَ تَقَاضَيْنَا رِزْقَنَا، وَإِنْ نَحْنُ لَمْ نَفْعَلْ ذٰلِكَ سَلَبَنَا اللهُ هٰذَا الأَمْرَ.

فَكَيْفَ بِمَنْ يَتَّخِذُ مِنْ حَاجَةِ النَّاسِ مَطِيَّةً لِلْجَشَعِ وَالطَّمَعِ!!

فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَكُونُوا رُحَمَاءَ مُتَسَامِحِينَ، يَسْهُلُ عَلَى أَيْدِيكُمُ الْخَيْرُ، فَإِنَّ فِي الرِّفْقِ بَرَكَةً وَفِي الجَشَعِ مَحْقًا.

 

 

 

الحمدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلٰهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ الطَّمَعَ فِي الدُّنْيَا دَاءٌ يُفْسِدُ الْقَلْبَ، وَيُضَيِّعُ الْبَرَكَةَ، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ (لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ لَابْتَغَى لَهُمَا ثَالِثًا، وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ) وَفِي الْمُقَابِلِ، قَالَ ﷺ (ارْضَ بِمَا قَسَمَ اللهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ).

يَا أَصْحَابَ الْعَقَارَاتِ.. رَاقِبُوا اللهَ فِي بَيْعِكُمْ وَتَأْجِيرِكُمْ، وَاحْتَسِبُوا الأَجْرَ فِي التَّيْسِيرِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِينَ، فَرُبَّ عَائِلَةٍ مُحْتَاجَةٍ يُيَسِّرُ اللهُ لَهَا سَكَنًا بِسَبَبِكُمْ فَيَكُونُ لَكُمْ أَجْرٌ دَائِمٌ.

أَلَا تَرَوْنَ إِلَى مَا فَعَلَهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ t حِينَ اشْتَدَّ الْغَلَاءُ بِالنَّاسِ؟ كَانَتْ لَهُ بِئْرٌ يَمْلِكُهَا يَهُودِيٌّ يُسْقِي بِهَا النَّاسَ بِثَمَنٍ غَالٍ، فَاشْتَرَاهَا عُثْمَانُ وَتَصَدَّقَ بِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَجَعَلَ مَاءَهَا مَبَاحًا لِكُلِّ مُحْتَاجٍ، فَبَارَكَ اللهُ فِي مَالِهِ وَعُمُرِهِ، وَجَعَلَهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ.

فَكَيْفَ لَا يَرْحَمُ اللهُ رَحِيمًا؟ وَكَيْفَ لَا يُبَارِكُ لِمَنْ سَهَّلَ عَلَى عِبَادِهِ؟ قَالَ اللهُ تَعَالَى ]إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ[ وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ (الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ).

فَكُونُوا رُحَمَاءَ فِي تَعَامُلِكُمْ، سَمْحَاءَ فِي مَكَاسِبِكُمْ، مُبَارَكِينَ فِي أَرْزَاقِكُمْ، يَسْتَقِيمْ بِذٰلِكَ الْمُجْتَمَعُ، وَيَعُمَّ فِيهِ الأَمْنُ وَالطُّمَأْنِينَةُ.

اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِنَا فِي أَرْزَاقِهَا، وَأَلْهِمْ مَلَّاكَ الْعَقَارَاتِ الرُّشْدَ وَالاعْتِدَالَ، وَوَفِّقْ وُلَاةَ أَمْرِنَا لِمَا فِيهِ صَلَاحُ الْبِلَادِ وَالْعِبَادِ، وَاحْفَظْ خَادِمَ الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ وَسُمُوَّ وَلِيِّ عَهْدِهِ الأَمِينِ، وَسَدِّدْ خُطَاهُمَا لِكُلِّ خَيْرٍ وَفَضْلٍ.

اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَحْوَالَ الْمُسْلِمِينَ، وَفَرِّجْ كُرُوبَهُم، وَارْزُقْنَا وَإِيَّاهُمُ الْقَنَاعَةَ وَالرِّضَا، وَاجْعَلْنَا مِنَ الرُّحَمَاءِ الْمُتَسَامِحِينَ.

المرفقات

1760023429_الرفق بالناس وعدل القيادة.pdf

1760023438_الرفق بالناس وعدل القيادة.docx

المشاهدات 470 | التعليقات 0