السُّنَن الرَّوَاتِب- فَضْلُهَا، وَالْحَثّ عَلَى المُوَاظَبَة عَلَيْهَا.

أ.د عبدالله الطيار
1446/10/28 - 2025/04/26 10:33AM

 

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، اصْطَفَانَا مِنْ خَلْقِهِ مُوَحِّدِينَ، وَاجْتَبَانَا وَجَعَلَنَا مُسْلِمِينَ، وَخَصَّنَا بِأَكْمَلِ الشَّرَائِعِ، فَأَتَمَّ عَلَيْنَا النِّعْمَةَ، وَأَكْمَلَ لَنَا الدِّينَ، وَشَرَّفَنَا بِخَيْرِ الْبَشَرِ أَجْمَعِينَ، فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عليْهِ وعَلَى آلِهِ وأَصْحَابِهِ أجمعين أمّا بعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ مَن اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَمَنْ حَفِظَ حُدُودَهُ حَفِظَهُ وَرَعَاهُ (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) الطلاق: [4].

أَيُّهَا المؤْمِنُونَ: جَاءَ في السُّنَنِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ المؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: (مَنْ ثَابَرَ عَلَى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً في الْيَوْمِ وَاللَّيلَةِ دَخَلَ الْجَنَّةَ أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهرِ، ورَكعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ المغْرِبِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ) أخرجه النسائي (1794) وصححه الألباني.

عِبَادَ اللهِ: وَفِي الْحَدِيثِ عِبَادَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ آَكَدِ الْعِبَادَاتِ، وَأَجَلِّ الْقُرُبَاتِ، وَهِيَ السُّنَن الرَّوَاتِب المقيدة بالْفَرَائِضِ، فَكَمَا أَنَّهَا سَبَبٌ لِمَحَبَّةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَوِلايَتِهِ، فَهِيَ سَبَبٌ لِدُخُولِ الْجَنَّةِ، قَالَ ﷺ: (مَنْ حَافَظَ عَلَى أَرْبَع رَكْعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَأَرْبَع بَعْدَهَا، حَرُمَ عَلَى النَّارِ)، وَقَالَ أَيْضًا: (مَنْ صَلَّى في يَومٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَجْدَةً تَطَوُّعًا، بُنِيَ له بَيْتٌ في الجَنَّةِ) أخرجه مسلم (728).

عِبَادَ اللهِ: وَآَكَدُ السُّنَن الرَّوَاتِب هِيَ سُنَّةُ الْفَجْرِ، تَقُولُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: (لَمْ يكُنِ النبيُّ ﷺ عَلَى شَيْءٍ مِنَ النَّوَافلِ أَشَدَّ تَعَاهُدًا مِنْهُ عَلَى رَكْعَتَي الْفَجْرِ) أخرجه البخاري (1169)، ومسلم (724) بَلْ كَانَ ﷺ لا يَدَعُ سُنَّةَ الْفَجْرِ في حَضَرٍ وَلا سَفَرٍ، فَلَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ ﷺ أَنَّهُ صَلَّى في السَّفَرِ غَيرهَا، قَالَ ﷺ: (رَكعتَا الفجرِ خيرٌ من الدُّنيا وما فيها) وقال أيضًا: (لهُما أحبُّ إليَّ من الدُّنيا جميعًا) أخرجه مسلم (725) فَأَيّ فَضْلٍ ظَفِرَ بِهِ المتَّقُونَ الصَّادِقُونَ؟ وَأَيّ خَسَارَةٍ بَاءَ بِهَا المفَرِّطُونَ والمُقَصِّرُونَ؟!

أيُّهَا المؤْمِنُونَ: والسُّنَّةُ في رَاتِبَةِ الْفَجْرِ: التَّخْفِيف، تَقُولُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُخفِّفُ الرَّكْعَتَينِ اللَّتينِ قَبلَ صَلاةِ الصُّبحِ، حتى إنِّي لأقولُ: هل قرأَ بأمِّ الكتابِ؟) أخرجه البخاري (1171) ومسلم (724).

عِبَادَ اللهِ: وَمِنَ السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ: سُنَّةُ الظُّهْرِ، يَقُولُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُصلِّي قبلَ الظهر أربعًا، وبعدَها ركعتينِ) أخرجه الترمذي (424) وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (424).
وَلَمْ يَكُن النَّبِيُّ ﷺ يَدَعُ رَاتِبَةَ الظُّهْرِ إلا في سَفَرِهِ، تَقُولُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: (كَانَ النَّبِيُّ ﷺ لا يَدَعُ أرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ، ورَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الغَدَاةِ) أخرجه البخاري (1182).

أيُّهَا المؤْمِنُونَ: وَمِنَ السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ: رَكْعَتانِ بَعْدَ المَغْرِبِ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَلَيْسَ لِلْعَصْرِ سُنَّةٌ رَاتِبَةٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَإِنْ كَانَ يُستَحَبُّ الصَّلاةُ قَبْلَهَا، قَالَ ﷺ: (بَينَ كُلِّ أذانينِ صَلاةٌ) (ثُمَّ قَالَ في الثَّالِثَةِ: لِمَنْ شاءَ) أخرجه البخاري (627)، ومسلم (838) وكَذَا قَبْلَ المغْرِبِ قَالَ ﷺ: (صَلُّوا قبلَ صَلاةِ المغربِ، ثم قال في الثالثة: لِمَن شاء؛ كراهية أن يتَّخذها الناسُ سُنَّةً) رواه البخاري (1183). وَمِنَ الأَحْكَامِ الَّتِي يَحْسُنُ التَّنْبِيه عَلَيْهَا مَا يَلِي:

أولًا: يُشرَعُ قَضَاءُ السُّننِ الرَّواتبِ في غيرِ وقتِ النَّهي، لِمَنْ كَانَ مُحَافِظًا عَلَيْهَا؛ فَفِي الْحَدِيثِ: اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللهِ ﷺ والشَّمْسُ في ظَهْرِهِ... ثُمَّ أذَّنَ بلالٌ بِالصَّلاةِ، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ ﷺ رَكْعَتَينِ، ثُمَّ صَلَّى الْغَدَاةَ، فَصَنَعَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ كلَّ يومٍ) أخرجه البخاري (595) ومسلم (681)؛ وَلِعُمُومِ قَوْلِهِ ﷺ: (مَنْ نَسِيَ صَلاةً، أَوْ نَامَ عَنْهَا، فَكَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيهَا إِذَا ذَكَرَها) رواه البخاري (597)، ومسلم (684).

ثَانيًا: لَيْسَ لِصَلاةِ الْجُمُعَةِ سُنَّةٌ رَاتِبَةٌ قَبْلِيَّةٌ؛ لكن إذا دخل المسجد، فيصلي تحية المسجد، وما شاء غيرها نفلًا مطلقًا؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ سَجْدَتَينِ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَسَجْدَتَينِ بَعْدَ المغْرِبِ، وَسَجْدَتَينِ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَسَجْدَتَينِ بَعْدَ الجُمُعةِ) أخرجه البخاري (1172)، ومسلم (729) أَمَّا السنةُ بَعْدَ الْجُمُعَةِ، فَإِنْ صَلَّى في المَسْجِدِ صَلَّى أَرْبعًا، وَإِنْ صَلَّى في بَيْتِهِ صَلَّى رَكْعَتَينِ.

عِبَادَ اللهِ: اعْلَمُوا أَنّّ السُّنَنَ الرَّوَاتِبَ حِصْنٌ لِلْفَرَائِضِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا كَانَ مُوَاظِبًا عَلَى الرَّاتِبَةِ، اجْتَمَعَ لَهُ فَضَائِلُ عَدِيدَةٌ مِنْهَا: أَجْرُ الرَّاتِبَةِ، والتَّبْكِيرُ لِلصَّلاةِ، وَفَضِيلَةُ انْتِظَارِ الصَّلاةِ، واللِّحَاقُ بِالصَّفِّ الأَوَّل، وَإِدْرَاكُ تَكْبِيرَةِ الإِحْرَامِ مَعَ الإِمَامِ أَمَّا مَن اسْتَهَانَ بِالرَّاتِبَةِ، وَاعْتَادَ التَّأَخُّرَ عَنْهَا، فَهُوَ لِلتَّأَخُّرِ عَنِ الصَّلاةِ أَقْرَب، وَعَن الصَّفِّ الأَوَّل أَبْعَدُ، وَرُبَّمَا تَفُوتُهُ تَكْبِيرَةُ الإِحْرَامِ، فَيَجْمَعُ بَينَ الْحِرْمَانِ مِنَ الأَجْرِ وَالْوُقُوعِ في الْحَرَجِ وَالإِثْمِ، وَهَذَا مِنَ الْغَبَنِ وَالْحِرْمَانِ، وَتَسَلُّطِ الشَّيْطَانِ، نَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الْخُذْلانِ.

أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) الحج (77).

 بَارَكَ اللهُ لي ولكم فِي الْوَحْيَيْنِ، وَنَفَعَنَي وَإِيَّاكُم بِهَدْيِ خَيْرِ الثَّقَلَيْنِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي ولَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الْحَمْدُ للهِ وَلِيُّ الصَّالِحِينَ، وَالصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى خَاتَمِ الأَنْبِيَاءِ والمُرْسَلِينَ، نَبِيّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، أمَّا بَعْدُ فاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ: وَاعْلَمُوا أنَّ السُّنَنَ الرَّوَاتِبَ جَبْرٌ لِمَا يَحْصُلُ في الْفَرَائِضِ مِنْ نَقْصٍ وَسَهْوٍ، جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْقُدُسِيِّ: (انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فيُكمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنَ الْفَرِيضَةِ)  أخرجه الترمذي (413).
وَمِنْ أَعْظَمِ فَضَائِلِ السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ أَنَّهَا سَبَبٌ لمحَبَّةِ اللهِ عزَّ وجلَّ، جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْقُدُسِيّ: (وَمَا يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتّى أُحِبَّهُ) أخرجه البخاري (6502) وَهَذِهِ هِيَ أَسْمَى مَنْزِلٍ، وَأَشْرَفُ مَقْصِدٍ، وَأَرْقَى دَرَجَةٍ يَرْجُوهَا الْعَبْدُ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ، وَمَتَى ظَفِرَ الْعَبْدُ بِمَحَبَّةِ اللهِ، فَقَدْ حَازَ السَّبْقَ، وفَارَقَ الرَّكْبَ، وَكَيْفَ يُعَذِّبُ اللهُ عَبْدًا أَحَبَّهُ؟ قَالَ ﷺ: (واللهِ لا يُلقي اللهُ حبيبَه في النّارِ) أخرجه أحمد (13467) وصححه الألباني السلسلة الصحيحة (2407)

اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الإِيمَانَ، وَزَيِّنْهُ في قُلُوبِنَا، وَكَرِّهْ إِلَيْنَا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَان وَاجْعَلْنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ. اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمسْلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمشْرِكِينَ، وانْصُرْ عِبَادَكَ الموَحِّدِينَ، اَللَّهُمَّ أمِّنا فِي أَوْطَانِنَا وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللهم وَفِّق وَلِيَّ أَمْرِنَا خادمَ الْحَرَمَيْنِ الشريفينِ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ وِإِخْوَانَهُ وَأَعْوَانَهُ إِلَى كُلِّ خَيْرٍ، وَسَلِّمْهُمْ مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ وَشَرٍّ. اللَّهُمَّ احْفَظْ رِجَالَ الأَمْنِ، والمُرَابِطِينَ عَلَى الثُّغُورِ. اللَّهُمَّ ارْحَمْ هذَا الْجَمْعَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ والمؤْمِنَاتِ، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِهِمْ، وآَمِنْ رَوْعَاتِهِمْ وارْفَعْ دَرَجَاتِهِمْ في الجناتِ واغْفِرْ لَهُمْ ولآبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ، واجْمَعْنَا وإيَّاهُمْ ووالدِينَا وإِخْوَانَنَا وذُرِّيَّاتِنَا وَأَزْوَاجَنَا وجِيرَانَنَا ومشايخنا وَمَنْ لَهُ حَقٌّ عَلَيْنَا في جَنَّاتِ النَّعِيمِ. وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّد، وَعَلَى آَلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.    

الجمعة 27 /10 /1446هـ

المشاهدات 288 | التعليقات 0