الشباب في الاجازة

فهد السعيد
1447/01/01 - 2025/06/26 20:01PM
الْحَمد لله الأول القدير، الْوَاحِد الْجَلِيل الَّذِي لَيْسَ لَهُ شَبيه وَلَا نَظِير أَحْمَده حمدا يوافي نعمه ويبلغ مدى نعمائه وهو على كل شيء قدير 
وَأشْهد أَن لَا إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ شَهَادَة عَالم بربوبيته عَارِف بوحدانيته وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله اصطفاه لوحيه وَختم بِهِ أنبياءه وَجعله حجَّة على جَمِيع خلقه (وينجي الله الذين اتقوا بمافزتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون) أما بعد: 
من تأمل الدنيا أدرك سرعة نقصانها، وزوال أيامها، وانصرامَ أوقاتها،   
إن للهِ عِباداً فُطَنا ... طَلَّقوا الدنيا وخَافوا الفِتَنَا 
نَظروا فيها فَلَّما عَلِموا ... أَنها لَيسَتْ لِحَيٍّ سَكَنَا 
جَعَلُوها لُجَّةً واتَّخذوا ... صالحَ الأعمالِ فيها سُفُنا 
وما بين مد الأيام وجزر الليالي، تتعاقب مواسم وتتولد فصول 
وفي هذه الأيام نستقبل أياماً جميلة، طال انتظارها؛ فبعد أشهر من الاستيقاظ المبكر، والضغوط النفسية، تنبثق أيام الإجازة الصيفية، فما أجملها من أيام وما أحلاها من ليال لمن أدرك أهميتها، واستشعر معناها ومغزاها! 
فيا معاشر الاباء ويا معاشر الشباب من الطلاب: سأوجه إليكم حديثاً من الروح إلى الروح وحديث الأرواح للأرواح يسري فتقبله القلوب بلا عناء! 
ماذا تفهمون من الإجازة؟ وما مدى إدراكِكم لقيمة الوقت، ونفاسة الزمن الذي تتقلبون فيه؛ والإجازة جزء من ذلك الزمن؟ ماذا تعني لكم أيام الإجازة، وفيها: آلاف الساعات ومئات الالاف من الدقائق التي يُصنع فيها الإنجازات والمهارات. 
وكم في هذه الدقائق الضائعة من كنوز وأجور؟ وكم يُمكن تحصيله من أعمال ومشاريع؟ 
حرامٌ والله أن تمضي الإجازة ولم نستفد منها شيئاً ذا بال! 
أيُّ جنايةٍ وأيُّ جُرْمٍ نَجنيه على أُنفسنا وعلى أبنائنا حين تَتَبَدَّدُ أَنْفسُ أيام العمر، وأَثمنُ أوقاته. 
أيها المسلم: أيُّ خسارة أعظمُ من أَنْ تَمضي عليك ثلاثةُ أَشْهرٍ أو تزيد ولم تَزْدَدْ فيها علماً أو تقوى أو خيراً، ولم تُحدِّث نفسك بتوبة؟ 
مَغْبونٌ ذلك الشاب المغرور بشبابه وصحته، تَبَدَّدتْ أَيامه وانْصَرَمتْ أعوامه ولم يَبْنِ لنفسه مستقبلاً، ولم يَضَع قَدَمه في طريق النجاح، وسيندم حين لا ينفع الندم 
فمَنْ زَرَع الحبوبَ وما سَقاها ... تأَّوه نَادِماً يومَ الحصاد. 
هل نَسِيتم يا شبابَ الإسلام أَنَّ مَنْ أَمْضَى عُمُرَه في غير حَقٍّ قَضَاه أَو فرضٍ أَدَّاهُ أو مَجْدٍ أَثَّلَهُ أو حَمْدٍ حَصّلَه أو خيرٍ أَسّسَه أو عِلمٍ اقْتبسه فقد عَقَ يَومَه وظَلَم نفسه. 
هل غاب عنكم حديث رسولكم: ( نعمتانِ مغبونٌ فيهما كثيرٌ منَ النَّاسِ الصِّحَّةُ والفراغُ) (رواه البخاري)  
أين أنتم عن وَصيةِ رسولكم e لكم: فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: " اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هِرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاءَكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ «أخرجه الحاكم، وقال:هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ» 
إلى أين تَسِيرُ؟ وما هو هَدَفُكَ في هذه الحياة؟ سُؤالٌ يَنْبغي أَنْ يَسْألَ كُلٌ منا نَفْسَه، أم أَنَا بلا هَدفٍ، وأَسِيرُ إلى غير وِجْهةٍ مُحدَدةٍ! وتلك واللهِ بوابةُ الفشل في هذه الحياة. 
أَمْسِكْ ورقةً وقَلَمَاً، ودوِّن فيها كلَّ ما تَتَمَنّى تحقيقَه في حياتك من أمور دينك ودنياك. 
دَوِّنْها ورَتِبْها حَسب أهميتها، وقسِّمها إلى مشاريع طويلةِ المدى أو قصيرةِ المدى، وضَعْ أَمامَ كلِّ فكرةٍ ومشروعٍ الوسائلَ المجديةَ في تحقيقها، والحلولَ الناجعة التي تعينك على تحقيق ما تصبوا إليه. 
دوِّنْهَا وتذكرْ أنّ غايةَ الأمنيات، وأغْلى المشروعات= رِضا رب العالمين وتحقيق العبودية له وحده سبحانه فإذا حققت هذه الغايةَ النبيلة فما بعدها أيسرُ منها، وهو مفتاح نيلها. 
معاشر الآباء: ما لذي يدور في أذهانكم تجاه ما تستقبلون من أيام؟ أمْ هي الراحة من عناء الأبناء ومتابعتهم؟ وكأننا ما خلقنا لهدف نبيل ومقصد كريم.  
أين الاهتمامُ الجادُّ الذي كنا نَبْذُلُه لأولادنا فترةَ أَيامِ الاختبارات فإنّ هذه الأيامَ أشدُّ أهميةً وأجْدَرُ بالحرص لأنها مُفترقُ طُرقٍ، فإما أنْ يَسْتفيدَ الأبناءُ منها وتكونَ لهم زاداً وذُخْراً، وإما أَنْ تكونَ عليهم حَسْرةً ووَبَالاً 
أيها المسلمون: الإجازةُ الصيفية مَليئةٌ بالبرامج الهادفة ومُتْرَعةٌ بالأفكار الجادَّة فَمَا عليك أَيها الأَبُ المباركُ إلا أَنْ تَخْتَارَ لأبنائك ما يناسبهم من بَرامج ومشاريع. وما يناسب مراحلهم العمرية. 
ولْيَكُنْ كتابُ اللهِ وسنةِ رسولِه e أَوّلَ ما يُعَوَّلُ عليه ويُحْرَصُ عليه حِفْظاً وقراءةً وتَدَبراً؛ فَمَنْ حفظَ السورةَ الفُلانية فَلَهُ كذا وكذا، ومن حفظ هذه الأحاديث فله كذا؛ إنه لا بُدّ من التشجيع والبذل لتَحْيَى رُوحُ المنافسةِ بين الأبناء كما لا بد من متابعتهم والصبر عليهم  
إخوة الإسلام: لتكنِ الإجازةُ سَاَحةً لطلب العلم الشرعي والتنافس فيه، والقراءةِ المثمرة التي تُغَذَّي الأرواحَ والأفكارَ، وليكن اختيارُ الكتبِ النافعة والقَصَصِ الهادفة بعد مُشَاورة مَنْ يُوثَقُ بعلمه، فكم من شابٍ انحرفَ في أفكاره بسببِ كتابٍ أو قصةٍ أو رواية! ومن الكتب النافعة: ما يتعلق بتفسير القرآن الكريم، والقراءة في صفة الصلاة والظهارة، والقراءة في كتب الأخلاق والآداب والمواعظ، وحبذا أن تيسر قراءتها في البيت بحضور الأسرة أو بعضهم، وإن لم يتيسر فقراءتها في بمفردك. 
أيها المباركون: وصِلةُ الرحمِ وبِرُّ الوالدين والإحسانُ للناس خاصةً المحتاجين وتفقدُهم مشروعٌ مباركٌ وفكرةٌ رائعةٌ فما أَجْمَلَ أَنْ نُطَبقها بمشاركة أبناءنا حتى يَتعلموا الأخلاقَ الكريمة ويكتسبوا المعاني العظيمة. 
برامج المهارات وتطوير الذات وإجادة التقنية من أجل استخدامها في أمور الخير عمل جبار وجُهْدٌ مٌثْمرٌ ما دَام في بيئة محافظةٍ ومَراكز مأمونة. 
أيها المسلمون، ويا أيها المسؤولون: إنّ من المناظرِ المؤلمةِ أَنْ نَرَى أبنائنا –بعد انْقضاءِ دراستهم- قد أُهملوا إهمال البهائم السائبة –إلا من رحم الله- حتى امتلأت بهم الشوارع والطرقات، وغَصّتْ بهم الملاعبُ والحدائقُ وأماكنُ التجمعات التي يَرْتَادها الصالحون والطالحون، وفيهم أصحاب النفوس المريضة والنوايا السيئة، فيوقعونهم في براثن المخدرات أو أفخاخ الرذيلة! وصِنفٌ آخرُ من الأبناء لا يَبْرَحُون الشاشاتِ والألعابَ الألكترونيةَ، فَيُمْضُون أَمامها الساعاتِ الطويلةَ بغير فائدةٍ تُذْكَرُ، ناهيكم عن الأضرار الصحية الناتجة عن إدمان هذه الألعاب! والأدهى والأخطر هي ما تسببه من فساد في العقيدة أو تلوث في الأفكار والقيم، وهذا واقع مشاهد، والإحصاءات تنذر بخطر. 
 
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) 
 
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما قلت من الآيات والذكر الحكيم 
أقول ما سمعتم وأستغفر الله العظيم فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم. 
 
 
 
الحمد لله المتفضل على عباده بالنوال قبل السؤال، ذي الفضل والجلال والكمال، وأصلي وأسلم على نبينا كريم الخصال وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. 
أما بعد: 
أيها المسلمون: إنّ الملاحظَ في مثل هذه الأَيامِ نُشُوءُ حالةٍ من الفراغِ القاتل الذي يُدَمِّرُ المَلَكَاتِ ويُبَدِّدُ الطاقاتِ، حتى يَعِيشَ الناسُ حَالَةً من الفَوْضَى في أوقاتهم وفي سلوكهم وفي أخلاقهم وتعاملهم نتيجةَ الفراغ المقيت! ويتبدل حال كثير من الأُسر فيصبح الليل نهارا والنار ليلا. بل تَنْزِعُ بعضُ الأُسرِ إلى قَضاءِ الليل في الأسواق والمطاعم والاستراحات والحدائق، وما دَام أن هذ الأمرَ لم يَصِلْ إلى حَدّ تَضْييع الصلوات، أو الولوجِ إلى المحرمات ففي الأمر سَعَةٌ بحمد الله. 
يا مسلمون: الوقت أَغلى ما عُني الإنسانُ بحفظه، وإذا كان هذا الوقتُ هو رَيْحَانةُ العُمُر، ورَيعَانُ الشباب فيا تُرى كيف ستكون هذه الخسارةُ عند تضييعه!  
عَجيبٌ وغَريبٌ أنْ نَسْمَعَ كلماتٍ مُتبادلةً بين الناس تَحٌضُّ على قَتْلِ الأَوقات، وتضييعها! وكأننا أُمةٌ بلا رسالة، وشعب بلا هدف.    
وإنَّ مما يَنفعُ الإنسان في آخرته شَغْلُه فَرَاغَه في الدنيا بما يُرضي الله؛ وعلى ذلك فللإجازة أمور تشغل بها.   
أيها الشاب المسلم تأمل في نفسك وفيمن حولَك من زملائك وأَقرانك، تأمل وستجد أَننا غارقون في جُملةٍ من الأخطاء وسلسلةٍ عريضةٍ من المخالفاتِ إلا مَنْ رَحِمَ اللهُ منا! والعجيبُ أَنّ الكثيرَ لا يَزالُ مُستمراً عليها مع أَنْ تَغْييرها سَهْلٌ ومُمكن: 
أَلَسْتَ تَرَى التكاسلَ عن الطاعات، والشُّعورَ بالضعفِ والثِقلِ أثناءَ أَدائها، والغفلةَ عن الذكر، وقراءةِ القرآن! 
ألا تَرَى الشُّعورَ بقسوةِ القلب الذي يَجتاحُنَا، وضَعْفَ تَأثرنا بالقرآن والمواعظ. وضياعَ الوقت، وعدمَ الإفادة منه. 
تَرَى كثيراً من الشباب رَكِبوا أَمْواجَ التساهلِ في ارتكاب المعاصي وإلْفِهَا، والاهتمامِ بالدنيا، والانشغالِ بها عن فعل الخير. 
هل خَفي عليك أنّ كثيراً من الشباب قد تجاوزوا سن البلوغ ولا يزالون يعيشون جواً من عدم استشعار المسؤولية والأمانة، فهم على هَامشِ الحياة لا يَعِيشون إلا لأنفسهم وأهوائهم ورغباتهم الشخصيةِ فقط، مع عدم الاستعداد للالتزام بشيء، والتهربِ من كل عَمَلٍ جِديٍّ، أو أمنيات تافهة، ورغبات دنيئة لا تتجاوز امتلاك سيارة أو سفرة خارجية! هذا هو حال الكثير من الشباب، لكن في هذه الإجازة فرصةٌ سانحة للتغير وإلى الأفضل، ولقد أقسم الله تعالى في كتابه أن الناسَ خاسرون إلى من جمع بين خصلتين وهما الإيمان بالله والعمل الصالح، فقال تعالى: (والعصر* إن الإنسان لفي خسر* إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات* وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر)   
إنها أمراض متفشية ومشكلات مع أن علاجها سهل وميسور فهل فكرت أيها الشاب في علاجها وإصلاحها مستفيداً من أيام إجازتك 
فلا تُسَوِّف ولا تُؤَجِّل فالمؤملُ غَيْبٌ وَلَكَ الساعةُ التي أَنتَ فيها! 
هل تَأْمَنُ فَجْأَةَ الموتِ الذي رُبما يَطرُقُ بابَك في ساعةٍ لم تَخْطُرْ مِنَك على بَال! 
تَذكر! كَم أَنْ اللهَ أَمْهَلَك سَنةً بعد سنةٍ لتُرَاجعَ نَفْسَكَ وتُحاسَبَ ضَميرك! 
تأمل في ماضي أَيامك، كم إجازةً قد مَرَّتْ بِك وكَمْ فُرصةٍ قد ضَيّعتها، فَقَدْ آن الأوان لِتَدَراك ما فات، واللهُ يَغفرُ الذنب ويتجاوز عن المستغفر. 
معاشر الآباء: إن فرص الاستفادة من الإجازة سلوك أنتم من يصنعه فلا تتنظروا الآخرين يصنعون إجازتكم، وكونوا مؤثرين وبالخير متأثرين. 
ولو أن تصنعوا فكرة بسيطة، أو مشروعاً تربوياً ميسرا في بيوتكم وأماكنكم لرأيتم ثمرة ذلك عاجلا (فأما الزبد فيذهب جفاء، وأما ينفع الناس فيمكث في الأرض) 
(ومثل كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها) فابذلوا من وقتكم يسيرا لتجنوا كثيرا. 
واعلموا أن خير وأعظم ما تلقنونه أولادكم هو المحافظ على الفرائض، بجدر بكم أن تعلموهم وتغرسوا في أنفسهم تعظيم الصلاة والمحافظة عليها حضرا وسفرا وفي الإجازات وفي كل وقت، وأن الصلاة عمود الدين الذي لا يصح الإيمان إلا به. 
أصلح الله أبنائكم وبارك في أوقاتكم.  
 
 
اللهم وفقنا للصالح من الإعمال قبل الممات 
اللهم أصلحنا شبابنا من بنين وبنات 
اللهم اجعل هذه الإجازة خيرا وبركة وسعادة، علينا وعلى إخواننا المسلمين 
اللهم اجعلها أياما خالية من كل هم أو حزن أوفراق أو مرض 
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الكفر والكافرين، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين 
 
المرفقات

1750957283_الشباب في الإجازة.pdf

1750957288_الشباب في الإجازة.docx

المشاهدات 278 | التعليقات 0