الشتاء غنيمة الأبرار ورخص لأصحاب الأعذار

سعد النمشان
1447/05/27 - 2025/11/18 19:25PM

(الشتاء غنيمة الأبرار ورخص لأصحاب الأعذار)
الخطبة الأولى:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَزَّ شَأْنُهُ وَجَلَّ ثَنَاؤُهُ يَتَنَزَّهُ الْعِبَادُ فِي كَوْنِهِ وَيَتَنَعَّمُونَ فِي فُصُولِ أَزْمِنَتِهِ الَّتِي تَتَعَاقَبُ، وَتَتَقَلَّبُ بَيْنَ شِتَاءٍ وَصَيْفٍ وَبَيْنَ رَبِيعٍ وَخَرِيفٍ وَأَشْهَدُ انْ لَاإِلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَاشْرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إلَى رِضْوَانِهِ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ وَسَلِّمْ تَسْلِيمًا كَثِيرًا. أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ، فَتَقْوَى اللَّهِ وَصِيَّةُ اللَّهِ لِلْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، فَالْمَسِيرُ عَلَى دُرُوبِ التَّقْوَى دَأْبُ الصَّالِحِينَ وَمِنْهَاجُ الْمُتَّقِينَ وَهَوْسَبِيلُ النَّجَاةِ فِي الدُّنْيَا وَيَوْمِ الدِّينِ.
أَيُّهَا الـمُسْلِمُونَ: إِنَّ مِنْ حِكْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَمِنْ فَضْلِهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ صَرَّفَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالأَيَّامَ، وَقَلَّبَ الشُّهُورَ وَالفُصُولَ وَالأَعْوَامَ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ مَصَالِحَ عَظِيمَةٍ كَثِيرَةٍ، وَحِكَمٍ بَالِغَةٍ كَبِيرَةٍ، وَلَوْ كَانَ الزَّمَانُ كُلُّهُ فَصْلًا وَاحِدًا لَفَاتَتْ عَلَى الخَلْقِ مَصَالِحُ الفُصُولِ البَاقِيَةِ، وَلَحُرِمُوا مَنَافِعَ التَّفَاوُتِ وَالاِخْتِلَافِ فِيهَا، قَالَ رَبُّنَا جَلَّ جَلَالُهُ:[ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ]وَهَذِهِ مِنْ آيَاتِ اللهِ الكَوْنِيَّةِ العُظْمَى الَّتِي تَشْهَدُ بِرُبُوبِيَّتِهِ، وَتَدُلُّ عَلَى عَظِيمِ قُدْرَتِهِ وَأُلُوهِيَّتِهِ، وَفِي فَصْلِ الشِّتَاءِ يَتَحَوَّلُ الجَوُّ مَنْ حَارٍّ إِلَى بَارِدٍ، وَتَتَقَلَّبُ فِيهِ الرِّيَاحُ مَنْ هَادِئَةٍ إِلَى عَاصِفَةٍ، وَشِدَّةُ البَـرْدِ فِي هَذَا الفَصْلِ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ الَّذِي أَعَدَّهُ اللَّهُ تَعَالَى عَذَابًا لِلكُفَّارِ فِي جَهَنَّمَ؛ كَمَا ثَبَتَ فِي الحَدِيثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: «اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ: رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ: نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الحَرِّ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ»وَالزَّمْهَرِيرُ: شِدَّةُ البَـرْدِ.
أَيُّهَا الْأُخُوَّةُ الْمُؤْمِنُونَ سَيَكُونُ عُنْوَانُ خُطْبَتِنَا لِهَذَا الْيَوْمِ {الشِّتَاءُ غَنِيمَةُ الْأَبْرَارِ وَرُخَصٌ لِأَصْحَابِ الْأَعْذَارِ} وَسَيَنْتَظِمُ كَلَامُنَا فِي ثَلَاثَةِ عَنَاصِرَ.
الْعُنْصُرُ الْأَوَّلُ: فَضْلُ فَصْلِ الشِّتَاءِ:
لَقَدْ كَانَ سَلَفُكُمُ الصَّالِحُ يَفْرَحُونَ بِالشِّتَاءِ إِذَا أَقْبَلَ؛ فَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه يَقُولُ:"مَرْحَبًا بِالشِّتَاءِ، فِيهِ تَنْزِلُ الرَّحْمَةُ، أَمَّا لَيْلُهُ فَطَوِيلٌ لِلْقَائِمِ، وَأَمَّا نَهَارُهُ فَقَصِيرٌ لِلصَّائِمِ". وَسَمَّى النَّبِيُّ صَلى اللهُ عَليهِ وَسلمَ الصِّيَامَ فِي الشِّتَاءِ بِالغَنِيمَةِ البَارِدَةِ عَنْ عَامِرِ بْنِ مَسْعُودٍ الجُمَحِيِّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"الصَّوْمُ فِي الشِّتَاءِ الْغَنِيمَةُ الْبَارِدَةُ". وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ
وَالغَنِيمَةُ البَارِدَةُ هِيَ الَّتِي يَتَحَصَّلُ عَلَيْهَا الجَيْشُ مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ وَتَعَبٍ، فَكَذَلِكَ الصَّوْمُ فِي الشِّتَاءِ. فَالشِّتَاءُ هُوَ رَبِيعُ المُؤْمِنِ، يَرْتَعُ فِيهِ فِي بَسَاتِينِ العِبَادَاتِ وَيَسْرَحُ فِيهِ فِي مَيَادِينِ الطَّاعَاتِ وَالقُرُبَاتِ..
اَلْعُنْصُرُ اَلثَّانِي: أَحْكَامُ فَصْلِ اَلشِّتَاءِ:
لَمَّا كَانَ فَصْلُ الشِّتَاءِ مَعْرُوفًا بِشِدَّةِ الْبَرْدِ وَهُبُوبِ الرِّيَاحِ الْقَارِسَةِ فِي غَالِبِ وَقْتِهِ، وَمَوْسِماً لِنُزُولِ الأَمْطارِ وَانْخِفاضِ دَرَجَاتِ الْحَرَارَةِ، وَلَا يَخْفَى مَا يَحصُلُ مِنْ مَشَقَّةٍ فِي مِثْلِ هَذِهِ الظُّرُوفِ وَالأَحْوَالِ؛ فَقَدْ شُرِعَ مِنَ الأَحْكَامِ مَا يَتَناسَبُ معَ هَذِهِ الْمَشَاقَّ.
وَهَذِهِ جُمْلَةٌ مِنَ الأَحْكامِ المُتَعَلِّقةِ بالشِّتَاءِ، فَمِنْهَا:
أَوْلًا : الْمَسْحُ عَلَى الْجَورَبَينِ ، فَمِنْ تَيْسِيرِ اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ أَجَازَ الْمَسْحَ بَدَلًا مِنَ الْغَسْلِ ،
لِمَا رَوَاهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: «تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ»وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ
وَلِلْمَسْحِ عَلَى الجَورَبينِ شُرُوطٌ:
أَنْ يَلْبَسَهُمَا عَلَى طَهارَةٍ، أَيْ بَعْدَ الوُضُوءِ.وأَنْ يَكُونَ طاهِرًا ساتِرًا لِمَحَلِّ الفَرْضِ، أَيْ: مُغَطِّيًا لِلْقَدَمِ إلَى الكَعْبَيْنِ. وَقَدْ شاعَ لُبْسُ الشُّرَّابِ القَصِيرِ، فَإِنْ كانَ يُغَطِّي الكَعْبَيْنِ، فَإِنَّه يُمْسَحُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كانَ تَحْتَ الكَعْبَيْنِ، فَإِنَّه لا يَصِحُّ المَسْحُ عَلَيْهِ.وأَنْ يَكُونَ الْمَسْحُ فِي الحَدَثِ الأَصْغَرِ، وَأَمَّا مَنْ أَصابَتْهُ جَنابَةٌ، فَلَابُدَّ مِنْ خَلْعِهِمَا، لِأَنَّ غُسْلَ الجَنَابَةِ لَا يَصِحُّ إِلَّا بِتَعْمِيمِ البَدَنِ بِالمَاءِ.وأن يَكُونَ الْمَسْحُ فِي المُدَّةِ الْمُقَدَّرَةِ شَرْعًا، وَهِيَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ لِلْمُقِيمِ، وَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بِلَيَالِيهَا لِلْمُسافِرِ، وَتَبْدَأُ الْمُدَّةُ مِنْ الْمَسْحَةِ الأُولَى، لَا بِمُجَرَّدِ اللُّبْسِ.فَمَنْ تَوَضَّأَ، ثُمَّ لَبِسَ خُفَّيْه، فَإِنَّ مُدَّةَ الْمَسْحِ تَبْدَأُ مِنْ أَوَّلِ مَسْحَةٍ، فَلَوْ لَبِسَ المُؤْمِنُ خُفَّيْهِ لِصلَاةِ الفَجْرِ، وَلَمْ يَبْدَأْ المَسْحَ إلَّا لِصَلاةِ الظُّهْرِ، فَإِنَّ ابْتِداءَ الْمُدَّةِ يَكُونُ مِنْ وقْتِ الظُّهْرِ.
وَمَنْ مَسَحَ فِي بَلَدِهِ ثُمَّ سافَرَ، فَإِنَّهُ يَمْسَحُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِلَيالِيهَا، وَمَنْ مَسَحَ فِي السَّفَرِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى بَلَدِهِ، فَإِنَّه يَمْسَحُ مَسْحَ مُقِيمٍ، وَهُوَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ.
وَيَجُوزُ المَسْحُ عَلَى الجَواربِ المُخُرَّقةِ خُرُوقاً يَسِيرةً وأما الجَواربَ الشَّفَّافةُ فلايَجوزُ المسحُ عليها،والجَواربَ الخَفيفةَ هِيَ التي يَظهرُ مِن خِلالِها لونُ البَشرةِ. وَيَجُوزُ لِلْمسلِمِ أَنْ يَلْبَسَ خُفَّينِ فَأَكْثَرَ إذا احْتاجَ إلَى ذَلِكَ. وَمَنْ لَبِسَ خُفَّه فِي وَقْتٍ، ثُمَّ بَدَا لَهْ فِي وَقْتٍ آخَرَ أَنْ يَلْبَسَ خُفًّا آخَرَ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ وَلَكِنَّ المُدَّةَ هِيَ مُدَّةُ الخُفِّ الأَوَّلُ.
وَكَذَا يُشْرَعُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى عِمَامَتِهِ وَالْمَرْأَةِ عَلَى خِمَارِهَا لِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ (أَنَّ النَّبِيَّ مَسَحَ عَلَى عِمَامَتِهِ، وَعَلَى النَّاصِيَةِ وَالْخُفَّيْنِ) وَفِي لَفْظٍ (مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْخِمَارِ)
ثَانِيًا : تَهَاوُنُ بَعْضِ النَّاسِ فِي قَضِيةِ الْوُضُوءِ ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ إِسْبَاغَ الْوُضُوءِ فِي الْبَرْدِ مِنْ كَفَّارَاتِ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا ، يَقُولُ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلِيهِ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : " أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ : إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ "
ثالثاً:الجَمْعُ بَيْنَ الصلاتَيْنِ فِي الحَرَجِ رَخْصَةٌ مِن اللهِ، قالَ ابنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: ( جَمَعَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ وَالمَغْرِبِ وَالعِشاءِ بِالْمَدِينَةِ فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ، قَالُوا: مَا أَرادَ بِذَلِكَ؟ قَالَ: أَرادَ أَنْ لَا يُحَرِّجَ أُمَّتَه ). وَالناسُ قَدْ يَحْتاجُونَ إِلَى الجَمْعِ فِي فَصْلِ الشِّتاءِ، بِسَبَبِ الْمَطَرِ أَوْ البَرْدِ الشَّدِيدِ. وَلَيْسَ كُلُّ مَطَرٍ أَوْ بَرْدٍ يُجْمَعُ فِيهِ.
وَالضَّابِطُ فِي ذلك: هُوَ الحَرَجُ. لِلْحَدِيثِ السابِقِ: ( أَرادَ أَنْ لَا يُحَرِّجَ أُمَّتَه ). فَإِذا حَصَلَ الحَرَجُ بِسَبَبِ الْمَطَرِ، شُرِعَ الجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ، أَوْ المَغْرِبِ والعِشاءِ.وَكَذَلِكَ إذا وَجَدَ الناسُ الحَرَجَ بِسَبَبِ البَرْدِ الشَّدِيدِ،المصحوبِ بالرياحِ فَإِنَّه يُشْرَعُ الجَمْعُ.
وَكَذَلِكَ تُشْرَعُ الصلاةُ فِي الرِّحالِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ المُؤَذِّنُ بَدَلاً مِنْ الحَيْعَلَتَيْنِ، أَوْ بَعْدَهُمَا: ( صَلُّوا في رِحالِكُمْ، أَوْ صَلُّوا في بُيُوتِكُمْ ).
رَابعَاً: جَوَازُ التَّيَمُّمِ بدلاًمن الْوَضُوءَ عِنْدَ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى إستعمال الْمَاءَ وَاِنْقِطَاعَ السَّبَلِ لِتَسْخِينَ الْمَاءِ أَوِ الْحُصُولُ عَلَى وَسَائِلِ تَسْخِينِهِ كَمَا فَعَلًّ عَمَّرُو بْن الْعَاص عِنْدَمَا اِحْتَلَمَ فِي الصَّحْرَاءِ فِي غَزْوَةٍ مِنَ الْغَزْوَاتِ وَقَالَ لاتقتلوا أَنَفْسُكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمَا.
خَامِسًا: يُكره التَّلَثُّمِ فِي الصَّلَاَةِ: صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ أَنَّهُ نُهَى أَْنْ يُغَطِّيَ الرَّجُلُ فَاهُ.
سَادِسَاً:يَكْثُرُ فِي الشِّتَاءِ وَضْعَ الْمَدَافِئِ فِي الْمَسَاجِدِ أَوْ فِي الْبُيُوتِ وَتَكَوُّنٍ أَحَيَّانَا فِي قِبَلَةِ الْمَصْلَيْنِ.
وَهَذَا مِمَّا نَصَّ أهْلُ الْعِلْمِ عَلَى كَرَاهَتِهِ لِأَنَّ فِيهِ تُشْبِهَا بِالْمَجُوسِ وَإِنَّ كَانَ الْمَصْلِيُّ لَا يَقْصِدُ ذَلِكَ وَلَكِنَّ سَدًّا لِكُلُّ طَرِيقٍ يُؤَدِّي لِلشَّرَكِ وَمُشَابِهَةِ الْمُشْرِكِينَ.
نَفَعَنِي اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ بِالْقُرْآنِ الْـمُبِينِ، وَبِحَدِيثِ سَيِّدِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَـمِينَ.
الخطبة الثانية:
الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا، وَجَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا، وأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، تَعَالَى عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيُّهُ مِنْ خَلْقِهِ وَخَلِيلُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: الْعُنْصُرُ الثَّالِثُ: آدَابُ فَصْلِ الشِّتَاءِ:
ومِنْ تِلْكَ الآدَابِ: الدُّعَاءُ عِنْدَ نُزُولِ الْمَكَانِ؛ فإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا ثُمَّ قَالَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ: لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ، حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ»
وَيُسَنُّ لِمَنْ كَانَ فِي الْبَرِّ أَنْ يُؤَذِّنَ لِلصَّلَاةِ؛ لِمَا رَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: «إِنِّي أَرَاكَ تُحِبُّ الغَنَمَ وَالبَادِيَةَ، فَإِذَا كُنْتَ فِي غَنَمِكَ أَوْ بَادِيَتِكَ فَأَذَّنْتَ لِلصَّلَاةِ، فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ، فَإِنَّهُ: لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ المُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلَا إِنْسٌ، وَلَا شَيْءٌ؛ إِلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ» . وَكَذَا تَنْبَغِي الْمُحَافَظَةُ عَلَى الصَّلَاةِ فِي جَمَاعَةٍ مَا أَمْكَنَ؛ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: «الصَّلَاةُ فِي جَمَاعَةٍ تَعْدِلُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ صَلَاةً، فَإِذَا صَلَّاهَا فِي فَلَاةٍ فَأَتَمَّ رُكُوعَهَا وَسُجُودَهَا بَلَغَتْ خَمْسِينَ صَلَاةً» وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ. وَعَلَى مَنْ أَرَادَ الصَّلَاةَ فِي الْبَرِّ أَنْ يَتَحَرَّى الْقِبْلَةَ؛ لِمَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَأَسْبِغِ الوُضُوءَ، ثُمَّ اسْتَقْبِلِ القِبْلَةَ فَكَبِّرْ» وَمِنَ الآدَابِ أَيْضاً: مُرَاعَاةُ النَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ فِي مَبَارِكِ الإِبِلِ، فَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَأَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ؟ قَالَ: «إِنْ شِئْتَ فَتَوَضَّأْ، وَإِنْ شِئْتَ فَلَا تَوَضَّأْ» قَالَ أَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ؟ قَالَ: «نَعَمْ فَتَوَضَّأْ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ» قَالَ: أُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ؟ قَالَ: «نَعَمْ» قَالَ: أُصَلِّي فِي مَبَارِكِ الْإِبِلِ؟ قَالَ: «لَا» . وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ كَانَ فِي الْفَضَاءِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ أَوْ يَسْتَدْبِرَهَا عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ؛ فإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا أَتَيْتُمُ الغَائِطَ فَلَا تَسْتَقْبِلُوا القِبْلَةَ وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا، وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا» وَمِنَ الآدَابِ: إِخْرَاجُ الْفَحْمِ الْمُشْتَعِلِ مِنَ الأَمَاكِنِ الْمُغْلَقَةِ عِنْدَ النَّوْمِ؛ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إِلَى الاِخْتِنَاقِ؛احْتَرَقَ بَيْتٌ عَلَى أَهْلِهِ بِالْمَدِينَةِ مِنَ اللَّيْلِ، فَلَمَّا حُدِّثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِشَأْنِهِمْ، قَالَ: «إِنَّ هَذِهِ النَّارَ إِنَّمَا هِيَ عَدُوٌّ لَكُمْ، فَإِذَا نِمْتُمْ فَأَطْفِئُوهَا عَنْكُمْ»
أَيُّهَا الْأُخُوَّةُ اَلْمُؤْمِنُونَ إِنَّ أَبْرَزَ طُرُقِ مُسَانَدَةِ كُبَّارِ السِّنِّ فِي الشِّتَاءِ يَتَمَثَّلُ فِي الْمُحَافَظَةِ عَلَى النَّظَافَةِ الشَّخْصِيَّةِ وَغَسْلِ الْيَدَيْنِ، وَالْاِهْتِمَامَ بِمَوَاعِيدِ أَدْوِيَةِ السُّكَّرِيِّ وَالضَّغْطِ وَحَرَارَةِ الْجِسْمِ، وَالْاِلْتِزَامَ بِتَقْديمِ نِظَامِ غِذَائِيِّ صِحِّيِّ مُفِيدٍ وَمُتَوَازِنٍ وَالْمُدَاوَمَةِ عَلَى شُرْبِ الْمَاءِ وَالسَّوَائِلِ السَّاخِنَةِ، وَتَجْهِيزَ الْمَلَاَبِسِ الشَّتْوِيَّةِ الْكَثِيفَةِ وَأَدَوَاتِ التَّدْفِئَةِ، وَالزِّيَارَاتِ الْأُسْرِيَّةِ لِمُكَافَحَةِ مَرْحَلَةِ اِكْتِئَابِ الشِّتَاءِ، وَالْحِمَايَةَمِنَ الْاِنْزِلَاقِ فِي الْأَرْضِيَّاتِ وَالْمَمَرَّاتِ الرَّطْبَةَ وَغَيْرَ الْآمِنَةِ، وَالْحِرْصَ عَلَى أَخَذَ التَّطْعِيمَاتُ الْمَوْسِمِيَّةُ وَزِيَارَةُ الطَّبِيبِ.والْأَطْفَالُ وَالْخَدَمُ يَحْتَاجُونَ لِمَزِيدٍ مِنَ الاِهْتِمَامِ ، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلٌّ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ .كانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ـ رَضِيَ اَللهُ عَنْهُ ـ يَقُولُ عَنْهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ : إِذَا حَضَرَ الشِّتَاءُ كَتَبَ ـ رَضِيَ اَللهُ عَنْهُ ـ لِمَنْ فِي الشَّامِ مِنَ الصَّحَابَةِ : "إِنَّ الشِّتَاءَ قَدْ حَضَرَ وَهُوَ عَدُوٌّ ، فَتَأَهَّبُوا لَهُ أُهْبَتَهُ مِنَ الصُّوفِ وَالْخِفَافِ وَالْجَوَارِبِ ، وَاتَّخِذُوا الصُّوفَ شِعَارًا وَدِثَارًا ، فَإِنَّ الْبَرْدَ عَدُوٌّ ، سَرِيعٌ دُخُولُهُ ، بَعِيدٌ خُرُوجُهُ".
أَيُّهَا الْأُخُوَّةُ الْمُؤْمِنُونَ لَايُنْسِينِكُمْ بَرْدُ الشِّتَاءِ شُرْبَ احْتِيَاجِكُمْ مِنْ الْمَاءِ. إِذْ يُسْهِمُ شُرْبُ الْمَاءِ فِي سُيُولَةِ الدَّمِ. وَتَفاديْ لُزُوجَةِ الدَّمِ الَّتِي تُؤَدِّي لِحُدُوثِ الْجَلْطَاتِ لَاقَدَّرَ اللَّهُ.
لِتَفَادِي اكْتِئَابِ وَقَلَقِ الشِّتَاءِ احْصُلُوا عَلَى أَكْبَرِ قَدْرٍ مُمْكِنٍ مِنْ ضَوْءِ الشَّمْسِ الطَّبِيعِيِّ خِلَالَ النَّهَارِ وَابْعِدُوا عَنْ الْإِنْطِوَاءِ وَالْعُزْلَةِ.
أَلَا فَصَلُّواْ وَسَلِّمُواْ - عِبَادَ اللَّهِ كَمَا أَمَرَكُمْ رَبُّكُمْ - عَلَى هَذَا النَّبِيِّ الْأَمِينِ وَالسِّرَاجِ الْـمُنِيرِ؛ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ ﷺ، فَاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَيْهِ صَلَاةً وَسَلَامًا تَامَّيْنِ دَائِمَيْنِ بِلَا انْقِطَاعٍ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ الْـمُتَّبِعِينَ لِسُنَّتِهِ وَهَدْيِهِ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، خُصُوصًا مِنْهُمُ الْـمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ، وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
وَانْصُرِ اللَّهُمَّ مَنْ وَلَّيْتَهُ أَمْرَ عِبَادِكَ الْـمُؤْمِنِينَ؛ وَلِيَّ أَمَرْنَا خَادِمَ الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ، نَصْرًا عَزِيزًا تُعِزُّ بِهِ الدِّينَ، وَتَرْفَعُ بِهِ رَايَةَ الْإِسْلَامِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، مَحْفُوظًا بِحِفْظِ كِتَابِكَ، مَكْلُوءاً بِعَيْنِكَ الَّتِي لَا تَنَامُ، وَفِي جَنْبِكَ الَّذِي لَا يُضَامُ، مَوْفُورَ الصِّحَّةِ وَالْعَافِيَةِ، قَرِيرَ الْعَيْنِ بِوَلِيّ عَهْدِهِ. اَللَّهُمَّ ارْحَمْنَا وَارْحَمْ وَالِدِينَا، وَارْحَمْ مَنْ سَبَقَنَا بِالْإِيمَانِ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيِّينَ، عَلَى سَنَنِ الرَّسُولِ ﷺ وَصَحْبِهِ الْكِرَامِ، اَللَّهُمَّ أَحْيِنَا عَلَى سُنَّتِهِ وَأَمِتْنَا عَلَى مِلَّتِهِ، وَاحْشُرْنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي زُمْرَتِهِ، اللَّهُمَّ أَرْزِقْ الْحَاضِرِينَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ الْبَرَكَةَ فِي كُلِّ مَا يَمْلِكُونَ، فِي أَجْسَادِهِمْ وَرَوَاحِهِمْ وَقُلُوبِهِمْ وَحَيَاتِهِمْ وَعَائِلَتِهِمْ وَمَسْكَنِهِمْ وَأَرْضِهِمْ وَسَمَائِهِمْ وَكُلِّ مَايُحِيطُ بِهِمْ، اللَّهُمَّ افْتَحْ لَهُمْ أَبْوَابَ الْخَيْرِ وَالتَّيْسِيرِ وَصُدَّ عَنْهُمْ أَبْوَابَ الشَّرِّ وَالتَّعْسِيرِ، يَارِبَ الْعَالَمِينَ.رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْـمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَـمِينَ.

 

 

 

المرفقات

1763479448_الشتاء غنيمة الأبرار ورخص لأصحاب الأعذار (1).pdf

المشاهدات 37 | التعليقات 0