الصَّيفِـــــــــيةُ
يوسف العوض
الخُطْبَةُ الأُولَى
عِبَادَ اللَّهِ : نَقِفُ الْيَوْمَ مَعَ وَقَفَاتٍ صَادِقَةٍ فِي زَمَنٍ يَغْفُلُ فِيهِ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، نَقِفُ مَعَ الصَّيْفِيَّةِ الَّتِي يَطُولُ فِيهَا النَّهَارُ، وَيَكْثُرُ فِيهَا الفَرَاغُ، وَتَتَعَدَّدُ فِيهَا السَّفَرَاتُ وَالأَنْشِطَةُ، وَيُفْتَتَنُ فِيهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَتَكُونُ أَيَّامُ الصَّيْفِ إِمَّا شَاهِدَةً لَكَ، أَوْ شَاهِدَةً عَلَيْكَ.
الوَقْفَةُ الأُولَى: فِي الصَّيْفِ تُكْتَشَفُ حَقِيقَةُ الْعُبُودِيَّةِ: إِنَّ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ فِي كُلِّ حَالٍ، سِرًّا وَجَهْرًا، فِي الزِّحَامِ وَفِي السَّفَرِ، فِي أَيَّامِ الدِّرَاسَةِ، وَفِي أَيَّامِ الصَّيْفِ، ذَلِكَ هُوَ الصَّادِقُ فِي عُبُودِيَّتِهِ.
أَمَّا مَنْ إِذَا انْفَرَدَ وَغَابَتِ العُيُونُ، وَاتَّسَعَ الوَقْتُ، وَكَثُرَ السُّفْرُ، تَغَيَّرَ وَتَفَلَّتَ، فَلْيُرَاجِعْ نَفْسَهُ.
قَالَ تَعَالَى:﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾
الوَقْفَةُ الثَّانِيَةُ: الصَّيْفُ مِحْنَةُ البَصَرِ وَالفِكْرِ: فِي أَيَّامِ الصَّيْفِ تَكْثُرُ الْمَشَاهِدُ الْمُحَرَّمَةُ، وَيَنْتَشِرُ التَّبَرُّجُ وَالتَّفَلُّتُ، وَيَكْثُرُ مَنْ لَا يَغُضُّ بَصَرَهُ.
فَاتَّقُوا اللهَ يَا عِبَادَ اللهِ، فَإِنَّ نَظْرَةً تُتْبِعُهَا حَسْرَةٌ، خَيْرٌ مِنْهَا تَغْيِيرُ الْمَسَارِ وَغَضُّ الْبَصَرِ.
قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ:"العَيْنَانِ تَزْنِيَانِ، وَزِنَاهُمَا النَّظَرُ"
الوَقْفَةُ الثَّالِثَةُ: أَبْنَاؤُنَا أَمَانَةٌ فِي الصَّيْفِ:يَا أَيُّهَا الوَالِدَانِ: صَيْفُ أَوْلَادِكُمْ إِمَّا أَنْ تَجْعَلُوهُ مَدْرَسَةً لِلْقِيَمِ وَالتُّقَى، وَإِمَّا أَنْ تَتْرُكُوهُ فِي يَدِ شَبَكَاتٍ تُفْسِدُ العَقْلَ وَالدِّينَ وَالأَخْلَاقَ.
لَا تَقُولُوا: "إِنَّهُم صِغَارٌ، يَسْتَمْتِعُونَ"، فَالصِّغَرُ لا يَمْنَعُ الغَرْسَ، وَالإِهْمَالُ يُؤَسِّسُ لِلضَّيَاعِ.
الوَقْفَةُ الرَّابِعَةُ: الصَّيْفُ فُرْصَةٌ لِلتَّقَرُّبِ إِلَى اللهِ: صَوْمُ يَوْمٍ فِي الْحَرِّ، قِيَامُ لَيْلٍ فِي السُّكُونِ، وِرْدٌ يَوْمِيٌّ مِنَ القُرْآنِ، مَشْرُوعٌ تَرْبَوِيٌّ مَعَ الأَبْنَاءِ، زِيَارَةُ أَرْحَامٍ، دُعَاءٌ صَادِقٌ، هَذِهِ كُلُّهَا أَعْمَالٌ صَالِحَةٌ تُحْيِي القَلْبَ وَتَبْنِي الحَيَاةَ.
يَقُولُ رَسُولُ اللهِ ﷺ:"مَنْ خَافَ أَدْلَجَ، وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ المَنْزِلَ، أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ، أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الجَنَّةُ"
نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُبَارِكَ لَنَا فِي أَوْقَاتِنَا، وَأَنْ يَجْعَلَ أَعْمَالَنَا خَالِصَةً لِوَجْهِهِ، وَأَنْ يَحْفَظَنَا وَأَهْلِينَا .
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
عِبَادَ اللَّهِ : إِنَّ الصَّيْفَ لَيْسَ فَقَطْ فُرْصَةً لِلرَّاحَةِ وَالسَّفَرِ، بَلْ هُوَ أَيَّامٌ تَحْمِلُ فِي طَيَّاتِهَا خَطَرَ الْغَفْلَةِ وَتَفْرِيطِ الْوَقْتِ، وَمِنْ نَفْسِ الْوَقْتِ فُرْصَةٌ لِتَصْحِيحِ الْمَسَارِ وَالِانْطِلاقِ فِي طَرِيقِ الْخَيْرِ.
تَخَيَّلْوا مَعِي أَيَّامَ الصَّيْفِ، نَهَارًا طَوِيلًا، فَرَاغاً كَبِيراً، وَوَقْتاً كَثِيراً، وَهَذَا الْوَقْتُ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَكُونَ إِمَّا سَبَبًا فِي تَهْدِيرِ الْعُمْرِ، أَوْ سَبَبًا فِي نَهْلِ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ.
لَا تَجْعَلِوا الصَّيْفَ مِجَرَّدَ وَقْتٍ للهُرُوبِ فِيهِ مِنْ الْمَسْئُولِيَّةِ ، وَلَكِنْ اجْعَلْوه وَقْتَ تَجْدِيدِ الْعَهْدِ مَعَ اللهِ، وَاشْغَلُوهُ بِالْخَيْرِ وَالْحُبِّ وَالتَّرَابُطِ..
اللَّهُمَّ اجْعَلْ صَيْفَنَا هَذَا صَيْفَ طَاعَتِكَ، وَنَهَارَنَا مَلِيئاً بالْخَيْرِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَارْزُقْنَا وَذُرِّيَّاتِنَا الْهُدَى وَالسَّعَادَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.
المرفقات
1750574139_الصيفية.docx