العلاقة مع الله تعالى
عبدالرحمن سليمان المصري
العلاقة مع الله تعالى
الخطبة الأولى
الحمد لله المحمود بكل لسان ، المعبود في كل زمان ، المتعالي عن الأشباه والأمثال ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما كثيرا ، أما بعد :
أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى فهي وصية الله للأولين والآخرين قال تعالى ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾
عباد الله : إن الحياة الطيبة الهنيئة ؛ هدف يبحث عنه كلّ إنسان ، وأكثر الناس يحرصون على إقامة الروابط والعلاقات الاجتماعية ، ويسعون لتكثير المعارف و الصداقات , و " المُؤْمِنُ يَأْلَفُ وَيُؤْلَفُ ، وَلَا خَيْرَ فِيمَنْ لَا يَأْلَفُ وَلَا يُؤْلَفُ "
وإن كثيرا من الناس إذا توترت علاقته بأسرته ، أو أحد إخوته ، أو زميله ، أو مديره في العمل ، أو عزيز عليه ، فتجده قد تكدر خاطره ، وضاق صدره ، خاصة إذا كان الخطأ منه ، وقد يشكو لمحبيه ما يجد ليبدأ في البحث عن الحلول ، ولا تجد ذلك في علاقته بربه وخالقه ومولاه .
عباد الله : إن العلاقة مع الله ؛ من أرفع المراتب وأعلاها، وأجلِّها وأزكاها ؛ وإن توثيق العلاقة به سبحانه، هي أساسُ كلِّ العلاقات ، وهي جوهر الدين ؛ فهي صلة الروح بخالقها، وعلاقتها بموجدها ورازقها، علاقة سبب للطمأنينة والسعادة ، وهي علاقة باقية ومستمرة ، قال تعالى: ﴿ مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللّهِ بَاقٍ ﴾النحل:96 ، وقال:﴿ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾الشورى:36.
عباد الله: وقد يصيب المؤمن في علاقته مع ربه فتور وضعف ، وكسل وتثاقل ، قال صلى الله عليه وسلم: " إنَّ الإيمان ليخْلَقُ في جَوْفِ أحدِكُم ، كَما يَخلَقُ الثّوب ، فاسألُوا اللهَ تعالَى أنْ يُجَدِّدَ الإيمان في قُلوبكم " رواه الطبراني وصححه الألباني.
وإن أعظم أسباب ضعف الإيمان ورقّته ، الوقوع في المعاصي والمحرمات ، فهي داء القلوب وجالبة الكروب , وموجبة لسخط علام الغيوب ، وكما أن للخمر سكرةٌ تغشى العقل وتذهبه ، فإنّ للمعاصي سكرةً ، تغشى القلوب وتذهب بيقظتها، وتدعها في غفلة عن الله تعالى .
ومن أسباب ضعف الإيمان ؛ التكاسل والتفريط في السُنن والنوافل ، فضلاً عن التقصير في الواجبات والفرائض ، فالنوافل مكملات للفرائض ، وجابرة للنقص الحاصل فيها ، ولذلك عُدّ التقصير في النوافل باباً للتقصير في الفرائض فيما بعد ،، والله عز وجل يقول يوم القيامة:" انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ ، فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنْ الْفَرِيضَةِ " رواه أبوداود وصححه الألباني.
عباد الله: وإصلاح العلاقة مع الله تعالى باستحضار معيته سبحانه لعبده ، في جميع أوقاته ، قال تعالى: ﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ﴾ ، وقال: ﴿ أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى ﴾ ، وكذا بالتدبر في أسمائه وصفاته ، والتفكّر في آياته ومخلوقاته ، فهذه تنمي مراقبة الله في قلب العبد .
ومن أسباب تقوية العلاقة بالله عز وجل : الدعاء: وهو عبادة من أفضل العبادات ، وأجل القربات ، فـ "الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ " ، و " مَنْ لم يَسأل اللهَ يغضبْ عليه " ، وكان نبينا صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: " يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ " رواه الترمذي.
ومما يقوي العلاقة بالله تعالى : قيام الليل: وهو سبب لطيب النفس، وانشراح الصدر ، والفوز بمحبة الله تعالى والقرب منه ، قال صلى الله عليه وسلم :" أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِنَ العَبْدِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ الآخِرِ، فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَذْكُرُ اللَّهَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَكُنْ " رواه الترمذي وصححه الألباني .
ومما يقوي علاقة العبد بربه: قراءة القرآن الكريم ؛ فكلام الله تعالى شفاء للقلوب من الشهوات والشبهات ، وللأبدان من الأمراض والأسقام ، ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ الإسراء:82 ، وهو سبب لنيل محبة الله جل وعلا ، " أَهْلُ الْقُرْآنِ هُمْ أَهْلُ اللهِ، وَخَاصَّتُهُ " رواه الإمام أحمد .
ومن أسباب تقوية العلاقة بالله جل وعلا : كثرة ذكر الله عز وجل ، فهو يرضي الرحمن ، ويزيد الإيمان، ويطرد الشيطان ، ويبيد الهموم والأحزان ، ويملأ النفس بالسرور والرضوان ، ويوصل الذاكر إلى المذكور جل جلاله ، حتى يصبح الذاكر مذكورا، ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ﴾ ولو لم يكن في فضل الذكر إلا هذا لكفى به فضلا وشرفا.
قال تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُون ﴾
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليماً كثيرا، أما بعد:
عباد الله : كل المخلوقات مفتقرة إلى الله سبحانه و محتاجون إليه ، في وجودهم وبقائهم ، وفي هدايتهم واستقامتهم ، وفي رزقهم ومعاشهم ، وفي صحتهم وعافيتهم ، ومحتاجون إلى الله في مغفرة الذنوب ، وكل الخلق لا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ، ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا ،ولذلك قال الخليل عليه السلام : ﴿الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ ﴾ الشعراء 78-82.
عباد الله: والإنسان بفطرته يلجأ إلى الله في وقت الشدائد، قال تعالى ﴿ فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ ﴾ العنكبوت: 65.
فإذا كان هذا حال المشرك وقت الشدة ، فالواجب على المسلم أن يلجأ إلى الله في كل أوقاته ، وليحذر من أن يجعل صِلته بالله صِلةً مؤقتة ، فيستقيمَ في المواسم أو عند الشدائدِ ، وينسى مولاهُ في حال الرخاء والسعة ، فالله دائم وباق ، وليس لأحد غنى عنه طرفة عين .
عباد الله: العلاقة مع الله جل وعلا ، هي الزم ما يجب على العبد أن يهتم بإصلاحها وتقويتها، والمؤمن مهما تشعبت به الحياة، وكثرت اشغاله واهتماماته ، فلا ينسَ الاهتمامَ بعلاقته بربه جل وعلا .
ومن وقع في المعصية ، فليبادر إلى التوبة والاستغفار ، وليتبعها بالحسنات التي تمحوها ، ﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ النساء:
وليجعل المؤمن هذا ديدنه وعادته وطريقته ، كلما وقع في الذنب ؛ بادر إلى التوبة واعتذر إلى الله .
قيل للحسن البصري رحمه الله: ألا يستحي أحدنا من ربه ، يستغفر من ذنوبه ثم يعود ، ثم يستغفر ثم يعود، فقال: ودَّ الشيطان لو ظفر منكم بهذا، فلا تملُّوا من الاستغفار.أ.هـ.
هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه ، فقال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .