العمل الصالح وعشر ذي الحجة
عبدالرحمن عبدالعزيز القنوت
الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الكِتَابَ ولَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا قَيِّمًا، وتَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا، الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا ولَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِ وخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا، والصَّلَاةُ عَلَى مَنْ أَرْسَلَهُ اللَّهُ لِلْعَالَمِينَ شَاهِدًا ومُبَشِّرًا ونَذِيرًا، ودَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وسِرَاجًا مُنِيرًا، وسَلَّمَ تَسْلِيمًا مَزِيدًا.
أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ:
لَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ عِبَادَهُ بِاسْتِغْلَالِ لَحَظَاتِ الدُّنْيَا وأَنْفَاسِهَا بِالعَمَلِ الصَّالِحِ، فَالَّدَارُ دَارُ عَمَلٍ، والمَنْزِلُ منزلُ زَرْعٍ وبَذْلٍ، والحَصَادُ والجَنى فِي الدَّارِ الآخِرَةِ، قَالَ تَعَالَى: (وَقُلِ ٱعۡمَلُوا۟ فَسَیَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمۡ وَرَسُولُهُۥ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَـٰلِمِ ٱلۡغَیۡبِ وَٱلشَّهَـٰدَةِ فَیُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ).
لَقَدْ أَخْبَرَنا جَلَّ في عَلَاهُ أَنَّ الإِنْسَانَ خُلِقَ مِنْ أَجْلِ العبادةِ والعَمَلِ، َوالرَّاحةُ والنَّعِيمُ لَيْسَتْ هنا، بَلْ فِي دَارِ النَّعِيمِ والخُلْدِ يَوْمَ لِقَاءِ اللَّهِ، قَالَ تَعَالَى: (ٱلَّذِی خَلَقَ ٱلۡمَوۡتَ وَٱلۡحَیَوٰةَ لِیَبۡلُوَكُمۡ أَیُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلࣰاۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡغَفُورُ).
ومنْ توفيقِ اللهِ تَعالى أنْ تَرَى العَبْدَ مُشْتَغِلًا بِمَا يُرْضِي اللَّهَ تَعَالَى، مُبْتَعِدًا عَنْ كُلِّ مَا يُغْضِبُه ويُسْخِطُهُ، مُغْتَنِمًا الفُرَصَ، حَتَّى لَا تَفُوتَ عَلَيْهِ الأَيَّامُ واللَّيَالِي، ومنْ كانَ كذلك فإِنهُ دَلَالَةٌ عَلَى فِطْنَتِه وحَزْمِهِ، قَالَ ﷺ: "الكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ، وعَمِلَ لِمَا بَعْدَ المَوْتِ" رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
والعَمَلُ الصَّالِحُ هُوَ البَاقِي النَّافِعُ، والمَالُ والبَنُونَ وزُخْرُفُ الدُّنْيَا لَيْسُوا إِلَّا زِينَةً لِمُدَّةٍ قَصِيرَةٍ ثُمَّ تَزُولُ، قَالَ تَعَالَى: (ٱلۡمَالُ وَٱلۡبَنُونَ زِینَةُ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَاۖ وَٱلۡبَـٰقِیَـٰتُ ٱلصَّـٰلِحَـٰتُ خَیۡرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابࣰا وَخَیۡرٌ أَمَلࣰا).
وإِنَّ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّ مَا يَعْمَلُهُ العَبْدُ مِنْ عَمَلٍ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يُضَيِّعُهُ، قَالَ تَعَالَى: (فَٱسۡتَجَابَ لَهُمۡ رَبُّهُمۡ أَنِّی لَاۤ أُضِیعُ عَمَلَ عَـٰمِلࣲ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ).
فَاللَّهُ يَحْفَظُ لِعَبْدِهِ العَمَلَ ويُحْصِيهِ، ولَوْ كَانَ العَمَلُ الصَّالِحُ قَلِيلًا يَسِيرًا، قَالَ تَعَالَى: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ)، يَعْنِي: يَرَى جَزَاءَهُ فِي الآخِرَةِ.
بَلْ مِنْ كَرَمِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ يُضَاعِفُ الأَجْرَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَمَن یَقۡتَرِفۡ حَسَنَةࣰ نَّزِدۡ لَهُۥ فِیهَا حُسۡنًاۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورࣱ شَكُورٌ).
ومِمَّا يُحَرِّضُ العَبْدَ عَلَى حُسْنِ العَمَلِ والدَّيْمُومَةِ عَلَيْهِ، مَا أَخْبَرَ بِهِ رَسُولُ ﷺ حِينَ قَالَ: «يُبْعَثُ كُلُّ عَبْدٍ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
والعَبْدُ مُحتاجٌ إِلَى تَقْدِيمِ العَمَلِ الصَّالِحِ لنفسِه ولَوْ قَلَّ، حتّى يُخَلِّصَ نفْسَه مِنْ جَهَنَّمَ، ويَكُونُ لَهُ حِجَابٌ عَنِ النَّارِ، قَالَ ﷺ «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وبَيْنَهُ تَرْجُمَانٌ، فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ، ويَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ، ويَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَا يَرَى إِلَّا النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، فَاتَّقُوا النَّارَ ولَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
أَيُّهَا الأَحِبَّةُ:
لِنَعْلَمَ أَنَّ طُرُقَ العَمَلِ الصَّالِحِ وأَبْوَابَ فِعْلِ الخَيْرِ كَثِيرَةٌ مُتَنَوِّعَةٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ).
ومِنْ طُرُقِ الخَيْرِ والبِرِّ والعَمَلِ الصَّالِحِ، مَا أَخْبَرَنَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حِينَ قَالَ: «يُصْبحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ: - والسُّلَامَى مَفَاصِلُ الإِنْسَانِ- فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وأَمْرٌ بِالمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، ونَهْيٌ عَنِ المُنْكَرِ صَدَقَةٌ، ويُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنَ الضُّحَى» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ومِنَ الأَعْمَالِ اليَسِيرَةِ الَّتِي يَقْبَلُهَا اللَّهُ تَعَالَى ويَجْزِي بِهَا يَوْمَ القِيَامَةِ، ما قالهُ ﷺ: «عُرِضَتْ عَلَيَّ أَعْمَالُ أُمَّتِي حَسَنُهَا وسَيِّئُهَا فَوَجَدْتُ فِي مَحَاسِنِ أَعْمَالِهَا الأَذَى يُمَاطُ عَنِ الطَّرِيقِ، ووُجِدْتُ فِي مَسَاوِئِ أَعْمَالِهَا النُّخَاعَةُ تَكُونُ فِي المَسْجِدِ لَا تُدْفَنُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
حَتَّى أَخْبَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنَّ فِي الشَّهْوَةِ والجِمَاعِ أَجْرًا إِذَا احْتَسَبَهَا لِلَّهِ تَعَالَى، قَالَ ﷺ: "وفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ ويَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ: «أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وتِلْكَ الِابْتِسَامَةُ الَّتِي لَا تُكَلِّفُ العَبْدَ شَيْئًا، لَا مَالَ فِيهَا ولَا جَهْدَ، يَفْعَلُهَا المسلمُ فَيَشْرَحُ اللَّهُ بِهَا صَدْرَ عَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ، يَكْتُبُ اللَّهُ بِهَا أَجْرًا، قَالَ ﷺ: «لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ المَعْرُوفِ شَيْئًا ولَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلِيقٍ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
بَلْ كُلُّ لَحَظَاتِكَ وأَنْفَاسِكَ، إِذَا اسْتَشْعَرَهَا المُسْلِمُ كَانَتْ لَهُ فِي عِدَادِ الحَسَنَاتِ، قَالَ ﷺ: «كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ: تَعْدِلُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وتُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ، فَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا أَوْ تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، والكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وبِكُلِّ خُطْوَةٍ تَمْشِيهَا إِلَى الصَّلَاةِ صَدَقَةٌ، وتُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وقَالَ ﷺ: «لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا يَتَقَلَّبُ فِي الجَنَّةِ فِي شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَّرِيقِ كَانَتْ تُؤْذِي المُسْلِمِينَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وكُلُّ مَا يَفْعَلُ الإِنْسَانُ مِنْ أَعْمَالِ البِرِّ والخَيْرِ فَهُوَ صَدَقَةٌ يُثَابُ عَلَيْهَا، قَالَ ﷺ: «كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ» رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
وَمِنْ سَعَةِ كَرَمِ اللَّهِ تَعَالَى، أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى يُثِيبُكَ ويُجَازِيكَ بِحَسَنَاتٍ لَا تَعْلَمُ عَنْهَا، لِأَنَّكَ كُنْتَ سَبَبًا فِيهَا، قَالَ ﷺ: «فَلَا يَغْرِسُ المُسْلِمُ غَرْسًا فَيَأْكُلَ مِنْهُ إِنْسَانٌ ولَا دَابَّةٌ ولَا طَيْرٌ إِلَّا كَانَ لَهُ صَدَقَةٌ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَمِنْ أَعْجَبَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ إِمْسَاكَ المُسْلِمِ عَنْ فِعْلِ الشَّرِّ حَسَنَةٌ وصَدَقَةٌ تُكْتَبُ لَهُ، قَالَ ﷺ: «يُمْسِكُ عَنِ الشَّرِّ، فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
عِبَادَ اللَّهِ:
قَرَنَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ العَمَلَ الصَّالِحَ بِالإِيمَانِ، فَلَا تَجِدُ ذِكْرًا لِلْعَمَلِ الَّذِي يُثَابُ عَلَيْهِ العَبْدُ إِلَّا إِذَا كَانَ صاحبهُ مُؤْمِنًا، فَمَا يَفْعَلُهُ المُسْلِمُ ولَوْ يَسِيرًا كَافَأَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى صَنِيعِهِ، ولَوْ كَانَ بِقَلْبِهِ، قَالَ تَعَالَى: (وعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ لَهُم مَّغۡفِرَةࣱ وَأَجۡرٌ عَظِیمࣱ).
وأَمَّا مَا يُقَدِّمُهُ الكَافِرُ مِنْ أَعْمَالٍ صَالِحَةٍ طَيِّبَةٍ، ولَوْ كَانَتْ كَبِيرَةً فَإِنَّهَا لَا تَنْفَعُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، لِأَنَّهُ فَقَدَ سَبَبَ القَبُولِ، وهُوَ الإِيمَانُ بِاللَّهِ تَعَالَى.
فإِذَا فَقَدَ العَمَلُ الإِيمَانَ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَقْبُول، ولَوْ اسْتَغْرَقَ العَامِلُ لَيْلَهُ ونَهَارَهُ، قَالَ تَعَالَى: (وَقَدِمۡنَاۤ إِلَىٰ مَا عَمِلُوا۟ مِنۡ عَمَلࣲ فَجَعَلۡنَـٰهُ هَبَاۤءࣰ مَّنثُورًا).
سَأَلَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، ابْنُ جُدْعَانَ كَانَ فِي الجَاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ، ويُطْعِمُ المِسْكِينَ، فَهَلْ ذَاكَ نَافِعُهُ؟ قَالَ: لَا يَنْفَعُهُ، إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْمًا: رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
أَيُّهَا الأَحِبَّةُ:
وهَذِهِ الأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ سَبَبُ دُخُولِ الجَنَّةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: (وَتِلۡكَ ٱلۡجَنَّةُ ٱلَّتِیۤ أُورِثۡتُمُوهَا بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ).
ومِنْ ثَمَرَةِ العَمَلِ الصَّالِحِ أَنَّهُ يُحْيَى العَبْدُ حَيَاةً طَيِّبَةً مطْمَئنةً، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (مَنۡ عَمِلَ صَـٰلِحࣰا مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنࣱ فَلَنُحۡیِیَنَّهُۥ حَیَوٰةࣰ طَیِّبَةࣰ).
والعَامِلُونَ لِلصَّالِحَاتِ يَجْعَلُ لَهُمُ الله تعالى مَحَبَّةً ومَوَدَّةً فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ، قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ سَیَجۡعَلُ لَهُمُ ٱلرَّحۡمَـٰنُ وُدࣰّا).
أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ: (یَوۡمَ یَبۡعَثُهُمُ ٱللَّهُ جَمِیعࣰا فَیُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوۤا۟ۚ أَحۡصَىٰهُ ٱللَّهُ وَنَسُوهُۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ شَهِیدٌ).
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين والمسلمات، فاستغفروا وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِنْعَامِهِ، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَفَضُّلِهِ وامْتِنَانِهِ، والصَّلَاةُ والسَّلَامُ عَلَى مُحَمَّدٍ خَيْرِ عِبَادِهِ، وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وإِخْوَانِهِ.
أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ: إِنَّنَا نَسْتَقْبِلُ فِي الأَيَّامِ القَادِمَةِ أَفْضَلَ أَيَّامِ العَامِ، ومِنْ عَظَمَةِ هَذِهِ الأَيَّامِ وفَضْلِهَا؛ أَنَّ اللَّهَ -تَبَارَكَ وتَعَالَى- أَقْسَمَ بِهَا تَشْرِيفًا لَهَا، وتَعْلِيَةً مِنْ شَأْنِهَا، فَقَالَ -جَلَّ وعَلَا-: (وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ).
هَذِهِ الأَيَّامُ العَظِيمَةُ العَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَفْضَلُ مِنْهُ فِي غَيْرِهَا، يَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ: "مَا العَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ، قَالُوا: ولَا الجِهَادُ؟ قَالَ: ولَا الجِهَادُ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ ومَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ" رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
وقَالَ ﷺ: "مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ ولَا أَحَبُّ إِلَيْهِ العَمَلُ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ العَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ والتَّكْبِيرِ والتَّحْمِيدِ" رَوَاهُ أَحْمَدُ.
وأَحَبُّ العَمَلِ إِلَى تَعَالَى فِي هَذِهِ الأَيَّامِ أَدَاءُ فَرَائِضِهِ، وفِعْلُ وَاجِبَاتِهِ، والصَّلَاةُ أَعْظَمُ الفَرَائِضِ وأَجَلُّهَا، فَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَعْقِدَ العَزْمَ عَلَى اسْتِغْلَالِ كُلِّ لَحَظَاتِهَا، وأَعْظَمُ مَا يُفْعَلُ فِيهَا العِنَايَةُ بِالصَّلَوَاتِ الخَمْسِ فِي أَوْقَاتِهَا مُبَكِّرًا إِلَيْهَا، حَيْثُ يُنَادَى بِهَا.
ومِنَ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ الصِّيَامُ، وأَفْضَلُ الصِّيَامِ في هذه العَشْرِ صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ.
ومِنَ العَمَلِ الصالح الأُضْحِيَّةُ وإِرَاقَةُ الدِّمَاءِ.
ومِنَ الأَعْمَالِ الجَلِيلَةِ فِي هَذِهِ العَشْرِ الإِكْثَارُ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ والسَّلَامُ: "فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ والتَّكْبِيرِ والتَّحْمِيدِ"، وتِلَاوَةُ القُرْآنِ مِنْ أَعْظَمِ الذِّكْرِ وأَنْفَعِهِ.
أَيُّهَا الكِرَامُ.. قَالَ ﷺ: (مَا مِنْ أَيَّامٍ العَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ..)، فَأَطْلَقَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ والسَّلَامُ لَفْظَ العَمَلِ الصَّالِحِ، فَيَشْمَلُ كُلَّ عِبَادَةٍ تَتَقَرَّبُ بِهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ يُقْصَدُ بِهَا العَبْدُ رِضَا اللَّهِ وجَنَّاتَهُ.
أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ: (وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ).
اللَّهُمَّ وأَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وشُكْرِكَ وحُسْنِ عِبَادَتِكَ.
اللَّهُمَّ وإِنَّا نَسْأَلُكَ لِسَانًا ذَاكِرًا وقَلْبًا خَاشِعًا وعَمَلًا مُتَقَبَّلًا.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُ الجَنَّةَ ومَا يُقَرِّبُ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ وعَمَلٍ..
اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ دَرَكِ الشَّقَاءِ، وسُوءِ القَضَاءِ وشَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ.
اللَّهُمَّ آتِ نُفُوسَنَا تَقْوَاهَا، زَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا..
اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِلصَّالِحَاتِ، واجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ.
المرفقات
1747997770_العمل الصالح وعشر ذي الحجة.pdf