الفسادُ الماليُّ ذئبٌ جائعٌ ( تعميم )

راشد بن عبد الرحمن البداح
1447/06/11 - 2025/12/02 20:00PM

الفسادُ الماليُّ ذئبٌ جائعٌ (راشد البداح-الزلفي) 2
14 / 6 / 1447​​​​​
الحمدُ للهِ الذي أعطانا الإسلامَ بفضلهِ ونحنُ ما سألْناهُ، وسيُدخِلُنا الجنةَ برحمتهِ وقدْ سألناهُ. أشهدُ أنْ لا إلهَ إلا إياه، وأشهدُ أن نبيَّنَا محمدًا خيرُ مَنْ أرسَلَهُ ربُّهُ واصطفَاهُ، أمّا بعدُ: فإن الإيمانَ خيرُ العطَايا، والتُّقَى خيرُ الوصايا.

أيُّها المؤمنونَ: اعلمُوا أنَ مِن أعظمِ فِتَنِ هذا العصرِ فتنةَ المالِ، حتى لقدْ قالَ عنها نبيُنا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنَةً، وَفِتْنَةُ أُمَّتِي الْمَالُ(). فهو فتنةٌ في تحصيلِهِ، وفتنةٌ في تمويلِهِ، وفتنةٌ في إنفاقِهِ.

ولذا وصفَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اللاهثَ وراءَ المالِ بمثابةِالمرسِلِ على غَنَمِهِ ذئباً جائعاً، حيثُ قالَ: مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلَا فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ المَرْءِ عَلَى المَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ.قالَ الترمذيُّ: حسنٌ صحيحٌ().

(فهذا مَثَلٌ عظيمٌ جدَّاً ضرَبَهُ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لبيانِ أن فسادَ الدِّينِ بسببِ المالِ والشَّرفِ ليسَ بأهونَ منْ فسادِ غنمٍ بهجومِ ذئبينِ جائعينِ ضارييَنِ، وقد غابَ عنها رِعاؤُها. فهذا المَثَلُ العظيمُ يتضمنُ غايةَ التَّحذيرِ من شرِّ الحرصِ عَلَى المالِ والشَّرفِ في الدُّنْيَا.

فأمَّا الحرصُ عَلَى المالِ فهوَ عَلَى نوعينِ:

أحدُهُما: شدةُ محبتهِ مع شدةِ طلَبهِ من وجوهِهِ المباحةِ، مع الجهدِ والمشقةِ، ثم تراهُ يَتركُ المالَ لورثتهِ، ويتلظَّى بمعرَّتِهِ.

النَّوعُ الثَّاني: أن يزيدَ عَلَى ما سبقَ، حتى يَطلُبَ المالَ من الوجوهِالمحرمةِ ويمنعَ الحقوقَ الواجبةَ، فهذا من الشحِّ المذمومِ)(): {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.

وفي صحيحِ مسلمٍ أن النبيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالَ: اتَّقُوا الشُّحَّ؛ فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ، وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ().

ومِن أساليبِ المفتونينَ بالمالِ المهلِكينَ دينَهم: التحايلُ في أكلِه بالباطلِ، ولسانُ حالِهِم: مَنْ لهُ حِيْلَةٌ فَلْيَحْتَلْ! ويَتضاعَفُ إثمُ التحايُلِ إذا كانَ استحلالاً لمالِ الدولةِ، واستهانةً بالأموالِ العامةِ، التي يتنازَعُها جميعُ المنتسبينَ لتلكَ الدولةِ.

قالَ الشيخُ ابنُ عثيمينَ –رحمهُ اللهُ-: (بيتُ مالِ المسلمينَ أعظمُ من مُلكِواحدٍ معيّنٍ؛ وذلكَ لأنَ سرِقتَهُ خيانةٌ لكلِ مسلمٍ. فلا تَستهِينُوا بنظامِ الدولةِ؛ فإنه إذا لم يُخالِفِ الشرعَ فهو من الشرعِ، لقولهِ تعالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ). ومَن ظنَّ أنَ وُلاةَ الأمورِ لا يُطاعونَ إلا فيما شَرَعَهُ اللهُ فقد أخطأَ) ().أ.هـ.

ولأجلِ أن نُدرِكَ خطورةَ الأخذِ من بيتِ مالِ المسلمينَ وأموالِهمُ العامةِ: فلنتأملْ في حالِ رجلٍ خرجَ للجهادِ في سبيلِ اللهِ مع رسولِ اللهِ، ولكنَّالمخيفَ كيفَ مَصيرُهُ؟ وبِم خُتِمَ لهُ؟!

ففي الصحيحينِ أن مَولىً لرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بينَما هوَ يَحُطُّ رَحْلاً لرسولِ اللهِ يَوْمَ خَيْبَرَ، إِذَا سَهْمٌ (عَائِرٌ) فَقَتَلَهُ، فَقَالَ النَّاسُ: هَنِيئًا لَهُ الْجَنَّةُ. فَقَالَ: كَلاَّ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! إِنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أَخَذَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ مِنَ الْمَغَانِمِ لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا().

فإذا كانَ هذا في شملةٍ محقَّرةٍ؛ فكيفَ بأهلِ الملايينِ والقناطيرِالمقنطَرَةِ؟!

وما أعظمَ خيانةَ مَن حَمَلَ أمانةَ مشروعٍ أو عملٍ للدولةِ، ثم اتَّخذَهُمطيّةً لجمعِ الأموالِ بالاختلاسِ أو التحايُلِ أو الرشوةِ، والرشوةُ أدهَى وأمَرّ.

الحمدُ للهِ وكفَى، وصلاةً وسلامًا على النبيِ المصطفَى، أما بعدُ:

فيا معاشِرَ المسلمينَ: اعلمُوا أن ثمتَ مفسِدِينَ في الأرضِ، فلا تَسكُتُوا عن إفسادِهم، فسَفِينَتُنا واحدةٌ، ولْنبلِّغْ عن جرائمِ الفسادِ؛ محافِظينَ على المالِ العامِ: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}.

ألَا إنّ الفسادَ الماليَ هو الداءُ الدويُّ الذي يئِدُ المشاريعَ الإنمائيةَ، بِيَدِ مَن يبِيعونَ دينَهم، ويُرخِصُونَ أوطانَهُمْ بأموالٍ من سُحتٍ، فقدغرَّتْ وأغْرَتْ ضِعافَ نفوسٍ، بأداءِ المسئولياتِ ناقصةً مغشوشةً، فجرَّعتِالبُرَآءَ العَناءَ، وكبَّدتِ الأوطانَ الأرزاءَ.

ولا يوقِفُ هذهِ الجرائمَ كمِثْلِ تَصَدِّي وليِّ الأمرِ لها مباشرةً لمكافحتِها، بالمحاسبةِ والمعاقبةِ، وتقصِّي مصادرِ الذين يُخِلُّونَ أو يَغُلُّونَ، وفي المالِ العامِّ يتخوّضونَ.

قالَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- متوعِدًا أولئكَ: مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ فَلْيَجِئْ بِقَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ. رواهُ مسلمٌ(). وقالَ: مَنِاسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ فَرَزَقْنَاهُ رِزْقًا، فَمَا أَخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَغُلُولٌ. رواهُ أبُو داودَ بسندٍ صحيحٍ().

ألا فلْيُفِقِ الغالُّونَ المُتَمَادُونَ في الردَى، وإلا فإن عقابُهم آتٍ ولوْ طالَ المدَى.

• فاللهم جنِّبْنَا الفسادَ والمفسدِينَ.
• اللهم أخرِجنا من هذهِ الدنيا ولا أحدَ من خلقِكَ يَطلبُنا بمَظلمةٍ.
• اللهم طيِّبْ أرزاقَنا، وبارِكْ أموالَنا، واقضِ ديونَنا.
• اللهم اجعلنا أغنَى خلقِكَ بكَ، وأفقرَ عبادِكَ إليكَ.
• ربَّنا اهدِ حيارَى البصائرِ إلى نورِكَ، وضُلَّالَ المناهجِ إلى صراطِكَ.
• اللهم وارحمْنا ووالدِينا، وهبْ لنا من أزواجِنا وذرياتِنا قُرةَ أعينٍ.
• اللهم واحفظْ علينا دينَنا وأمنَنا وحدودَنا وجنودَنا. واحفَظْ ثرواتِنا وثمراتِنا، واقتصادَنا وعتادَنا.
• اللهم وفقْ وسدِّدْ خادمَ الحرمينِ الشريفينِ ووليَ عهدِه لهُداكَ. واجعلْ عمَلَهما في رضاكَ.
• لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ اللَّهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، الْغَنِيُّ وَنَحْنُ الْفُقَرَاءُ، أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْثَ، وَلَا تَجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِطِينَ.
• اللَّهُمَّ إِنَّ بِالْعِبَادِ وَالْبِلَادِ وَالْبَهَائِمِ مِنَ اللَّأْوَاءِ وَالْجَهْدِ مَا لَا نشْكُوهُ إِلَّا إِلَيْكَ.
• اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا.
• اللهم صلِّ وسلِّمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ.

المرفقات

1764694803_‎⁨الفساد المالي ذئب جائع⁩.docx

1764694803_‎⁨الفساد المالي ذئب جائع⁩.pdf

المشاهدات 216 | التعليقات 0