الكلمة الخالدة
راكان المغربي
الْكَلِمَةُ الْخَالِدَةُ
الْخُطْبَةُ الْأُولَى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}، أَمَّا بَعْدُ:
الْإِمَامُ الذَّهَبِيُّ، إِمَامٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَعَلَمٌ مِنْ أَعْلَامِ الْأُمَّةِ. عَاشَ فِي الْقَرْنِ الثَّامِنِ الْهِجْرِيِّ، بَلَغَتْ مُؤَلَّفَاتُهُ أَكْثَرَ مِنْ مِئَتَيْ مُؤَلَّفٍ، عَدَدُ صَفَحَاتِ الْمَطْبُوعِ مِنْهَا حَوَالَيْ ثَلَاثِينَ أَلْفَ صَفْحَةٍ، لَا زِلْنَا إِلَى يَوْمِنَا هَذَا بَعْدَ سِتَّةِ قُرُونٍ، نَقْرَؤُهَا وَنَتَدَارَسُهَا وَنَسْتَلْهِمُ مِنْهَا الْفَوَائِدَ وَالْعِبَرَ.
أَرَأَيْتُمْ هَذَا الْإِنْتَاجَ الْغَزِيرَ، وَالْعِلْمَ الْوَافِرَ؟ هَلْ تَعْلَمُونَ كَيْفَ كَانَتْ بِدَايَتُهُ؟ وَمَا هِيَ النُّقْطَةُ الْفَارِقَةُ الَّتِي لَوْلَاهَا لَمَا كَانَ كُلُّ ذَلِكَ؟
لَقَدْ كَانَتِ الْبِدَايَةُ بِكَلِمَةٍ قَالَهَا لَهُ شَيْخُهُ عَلَمُ الدِّينِ الْبِرْزَالِيُّ. يَقُولُ الذَّهَبِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: "وَكَانَ هُوَ [أَيْ: عَلَمُ الدِّينِ الْبِرْزَالِيُّ] الَّذِي حَبَّبَ إِلَيَّ طَلَبَ الْحَدِيثِ؛ فَإِنَّهُ رَأَى خَطِّي فَقَالَ: خَطُّكَ يُشْبِهُ خَطَّ الْمُحَدِّثِينَ، فَأَثَّرَ قَوْلُهُ فِيَّ".
لَقَدْ خَلَدَتْ كَلِمَةُ الْبِرْزَالِيِّ بِذَاتِهَا، وَخَلَدَتْ بِأَثَرِهَا، وَلَا زِلْنَا إِلَى يَوْمِنَا هَذَا نَقْتَبِسُ مِنْ بَرَكَةِ تِلْكَ الْكَلِمَةِ فِي مُؤَلَّفَاتِ تِلْمِيذِهِ النَّجِيبِ.
هَذَا هُوَ الْأَثَرُ الَّذِي تُحْدِثُهُ الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ فِي النَّفْسِ، فَهِيَ تُوقِدُ الْعَزَائِمَ، وَتُشْعِلُ الْهِمَمَ، وَتُحْيِي الْأَمَلَ، وَتَخْلُدُ فِي الزَّمَانِ بِأَثَرِهَا وَبَرَكَتِهَا.
نَمُوذَجٌ آخَرُ فِي الطَّرَفِ الْمُقَابِلِ يُوَضِّحُ لَنَا الْأَثَرَ الْمُعَاكِسَ:
فَفِي خَيْرِ عُصُورِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ النُّبُوَّةِ، عَصْرِ الْخِلَافَةِ الرَّاشِدَةِ، كَانَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ، وَعَلَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ. فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَبَأٍ، وَقَدْ تَطَايَرَ الشَّرَرُ مِنْ فِيهِ، وَتَنَاثَرَ السَّمُّ مِنْ لِسَانِهِ، فَبَثَّ الشَّائِعَاتِ، وَنَشَرَ الْأَكَاذِيبَ عَلَى الْخَلِيفَةِ الرَّاشِدِ، ذِي النُّورَيْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-. صَدَّقَ أَكَاذِيبَهُ غَوْغَاءُ النَّاسِ، وَهَاجَ بِسَبَبِ شَائِعَاتِهِ سُفَهَاءُ الْأَمْصَارِ، فكَانَتِ النَّتِيجَةُ أَنْ قُتِلَ عُثْمَانُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- شَهِيدًا، فَفُتَحَ عَلَى الْأُمَّةِ بَابُ شَرٍّ كَبِيرٍ، وَفِتْنَةٍ عَظِيمَةٍ، لَمْ يُغْلَقْ أَبَدًا، وَلَا زِلْنَا إِلَى الْيَوْمِ نَرَى آثَارَهَا، وَنَذُوقُ شُرُورَهَا.
كُلُّ تِلْكَ الْفِتَنِ خِلَالَ قُرُونِ الْإِسْلَامِ الْمُتَطَاوِلَةِ، كَانَتْ بِدَايَتُهَا بِسَبَبِ كَلِمَةٍ كَاذِبَةٍ، وَدِعَايَةٍ مُغْرِضَةٍ.
ذَلِكُمْ هُوَ أَثَرُ الْكَلِمَةِ الْخَالِدِ.
فَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ قَدْ تُخَلَّدُ بِنَاءً لِلْإِنْسَانِ، وَنَهْضَةً فِي الْمُجْتَمَعِ، وَصَلَاحًا فِي الْأُمَّةِ.
وَالْكَلِمَةُ الْخَبِيثَةُ قَدْ تُخَلَّدُ خَرَابًا لِلْإِنْسَانِ، وَانْحِطَاطًا فِي الْمُجْتَمَعِ، وَفَسَادًا فِي الْأُمَّةِ.
وَهَذَا الْأَمْرُ لَيْسَ مَقْصُورًا عَلَى الْحَوَادِثِ الْكُبْرَى فِي التَّارِيخِ، بَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْتَ أَنْ تُخَلِّدَ كَلِمَاتِكَ، وَتَتْرُكَ أَثَرَكَ.
تُرَطِّبُ لِسَانَكَ بِذِكْرِ اللَّهِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ الذِّكْرُ غِرَاسًا لَكَ فِي بَيْتِكَ فِي الْجَنَّةِ، تَتَنَعَّمُ بِهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا.
تَتَفَوَّهُ بِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ لِوَالِدَيْكَ أَوْ لِزَوْجِكَ فَتُنْقَشُ فِي قُلُوبِهِمْ بِحِبْرٍ لَا يَقْبَلُ الْمَحْوَ وَلَا النِّسْيَانَ.
تَبْذُلُ النُّصْحَ لِأَخٍ لَكَ، فَيَسْتَجِيبُ لِلنَّصِيحَةِ وَتَكُونُ نِبْرَاسًا لِحَيَاتِهِ.
تُرْسِلُ مَنْشُورًا نَافِعًا عَنْ فَضْلِ عِبَادَةٍ أَوْ ذِكْرٍ، فَيَلْتَقِطُهُ أَحَدُهُمْ وَيُدَاوِمُ عَلَى أَدَائِهَا فَيَكُونُ لَكَ أَجْرُهُ طَوَالَ عُمْرِهِ.
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا). وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ). صَدَقَةٌ تَكْسَبُ بِهَا مَحَبَّةَ اللَّهِ، وَمَحَبَّةَ النَّاسِ الَّذِينَ تَتَصَدَّقُ عَلَيْهِمْ بِهَا.
وقَالَ سُبْحَانَهُ: (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا) فَهَنَا أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِالْقَوْلِ الْحَسَنِ، وَحَذَّرَ بَعْدَهَا مِنْ عَدَاوَةِ الشَّيْطَانِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الشَّيْطَانَ يَقْتَنِصُ الْكَلِمَاتِ، فَيُنْشِئُ مِنْهَا الْعَدَاوَاتِ، وَيُشْعِلُ الْخِلَافَاتِ، وَيُفْسِدُ الْقُلُوبَ، وَيُؤَلِّبُ النُّفُوسَ. فَكَمْ مِنَ الْكَلِمَاتِ يَقُولُهَا الْمَرْءُ وَهُوَ لَا يُبَالِي، فَيُحَطِّمُ نُفُوسًا، أَوْ يَهْدِمُ بُيُوتًا، أَوْ يُشْعِلُ حَرَائِقَ لَا تَنْطَفِئُ.
مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ عَظَّمَتِ الشَّرِيعَةُ أَمْرَ اللِّسَانِ، وَنَبَّهَنَا الْوَحْيُ عَلَى خُطُورَتِهِ، وَعِظَمِ أَثَرِهِ. يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ، فَإِنَّ الْأَعْضَاءَ كُلَّهَا تُكَفِّرُ اللِّسَانَ، تَقُولُ: اتَّقِ اللَّهَ فِينَا، فَإِنَّمَا نَحْنُ بِكَ، فَإِنِ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا، وَإِنِ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا). فَمَنْ طَابَ كَلَامُهُ صَلُبَ دِينُهُ، وَمَنْ خَبُثَ كَلَامُهُ ضَعُفَ دِينُهُ.
يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُبَيِّنًا أَثَرَ الْكَلِمَةِ طَيِّبَةً كَانَتْ أَوْ خَبِيثَةً: (إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سُخْطِ اللَّهِ لَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ فَيَكْتُبُ اللَّهُ عَلَيه بِهَا سُخْطَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ فَيَكْتُبُ اللَّهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ).
إِنَّ اللِّسَانَ هُوَ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ دُخُولِ الْجَنَّةِ أَوْ دُخُولِ النَّارِ، وَلِذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَن يَضْمَن لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ، أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ). وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ أَكْثَرَ مَا يُدْخِلُ مِنَ النَّاسِ النَّارَ الْأَجْوَفَانِ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْأَجْوَفَانِ؟ قَالَ: الْفَرْجُ وَالْفَمُ).
وَلَا عَجَبَ فِي ذَلِكَ فَالْعِبَادَاتُ الْكُبْرَى فِي الْإِسْلَامِ لَا تَتِمُّ إِلَّا بِاللِّسَانِ، مِنَ الشَّهَادَتَيْنِ وَالصَّلَاةِ وَالْحَجِّ وَالذِّكْرِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالصِّدْقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وكَبَائِرُ الذُّنُوبِ تُرْتَكَبُ أَيْضًا بِاللِّسَانِ، مِنْ كَلِمَةِ الْكُفْرِ وَالشِّرْكِ، وَالْقَوْلِ عَلَى اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَالِاسْتِهْزَاءِ وَالسُّخْرِيَةِ، وَالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ، وَالْكَذِبِ وَالْبُهْتَانِ وَشَهَادَةِ الزُّورِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآثَامِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي تَكُونُ بِاللِّسَانِ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَأْكِيدًا لِهَذَا الْمَعْنَى: (أَكْثَرُ خَطَايَا ابْنِ آدَمَ فِي لِسَانِهِ).
فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ مِنْ هَذَا الْعُضْوِ يَا عِبَادَ اللَّهِ، مَنْ كَانَ مُحَرِّكُهُ وَلَا بُدَّ، فَلْيَلْزَمْ وَصِيَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكُلِّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَأَيْقَنَ بِالْجَنَّةِ وَالنَّارِ، حِينَ قَالَ: (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ). وَلْيَأْخُذْ بِمَوْعِظَتِهِ الْبَلِيغَةِ حِينَ أَخَذَ بِلِسَانِهِ وَقَالَ لِصَاحِبِهِ مُعَاذٍ: (كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا). فَقَالَ مُعَاذٌ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ ؟ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟!).
وَحِينَ سَأَلَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا النَّجَاةُ؟ قَالَ: (أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ، وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ).
بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ وَالَاهُ، أَمَّا بَعْدُ:
فَلَقَدْ كَانَ الصَّالِحُونَ يَحْفَظُونَ أَلْسِنَتَهُمْ، وَيُحَاسِبُونَ أَنْفُسَهُمْ عَلَى دَقِيقِ أَلْفَاظِهِمْ. دَخَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- وَهُوَ يَجُرُّ لِسَانَهُ، فَقَالَ لَهُ: مَهْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ! فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: "إِنَّ هَذَا أَوْرَدَنِي الْمَوَارِدَ". وَإِذَا كَانَ الصِّدِّيقُ الْعَفِيفُ خَيْرُ النَّاسِ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ يَقُولُ ذَلِكَ عَنْ لِسَانِهِ، فَمَاذَا نَقُولُ نَحْنُ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ؟!
وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: "أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَبِي دُجَانَةَ وَهُوَ مَرِيضٌ، وَكَانَ وَجْهُهُ يَتَهَلَّلُ، فَقَالَ لَهُ: مَا لَكَ يَتَهَلَّلُ وَجْهُكَ؟ قَالَ: مَا مِنْ عَمَلِ شَيْءٍ أَوْثَقُ عِنْدِي مِنَ اثْنَيْنِ: أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكُنْتُ لَا أَتَكَلَّمُ بِمَا لَا يَعْنِينِي، وَأَمَّا الْأُخْرَى فَكَانَ قَلْبِي لِلْمُسْلِمِينَ سَلِيمًا".
وَقِيلَ لِرَجُلٍ: بِمَ سَادَكُمُ الْأَحْنَفُ، فَوَاللَّهِ مَا كَانَ بِأَكْبَرِكُمْ سِنًّا، وَلَا بِأَكْثَرِكُمْ مَالًا؟ فَقَالَ: بِقُوَّةِ سُلْطَانِهِ عَلَى لِسَانِهِ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَاوُسٍ: "كَانَ طَاوُسٌ يَتَعَذَّرُ مِنْ طُولِ السُّكُوتِ، وَيَقُولُ: إِنِّي جَرَّبْتُ لِسَانِي فَوَجَدْتُهُ لَئِيمًا".
عباد الله
وَكَمَا يَجِبُ عَلَيْنَا حِفْظُ أَلْسِنَتِنَا، كَذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَحْفَظَ أَسْمَاعَنَا. فَلَا نُنْصِتْ لِأَهْلِ الْبَاطِلِ وَأَكَاذِيبِهِمْ، وَلَا نُصَدِّقْ إِشَاعَاتِهِمْ، وَلَا نُرَوِّجْ لِأَبَاطِيلِهِمْ.
اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِنَا لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِطَاعَتِكَ وَجَنِّبْنَا مَعْصِيَتَكَ، اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ، وَالسَّلَامَةَ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ، وَالْفَوْزَ بِالْجَنَّةِ، وَالنَّجَاةَ مِنَ النَّارِ.
رَبَّنَا تَقَبَّلْ تَوْبَاتِنَا، وَاغْسِلْ حَوْبَاتِنَا، وَأَجِبْ دَعَوَاتِنَا، وَثَبِّتْ حُجَجَنَا، وَسَدِّدْ أَلْسِنَتَنَا، وَاسْلُلْ سَخَائِمَ صُدُورِنَا.
المرفقات
1752150238_الكلمة الخالدة.docx
1752150239_الكلمة الخالدة.pdf