اللِّواطُ وفُحشُ المَجالِس !
نواف الشيخي
1447/06/07 - 2025/11/28 03:45AM
الحمدُ للهِ . عَظُمَ حِلمُهُ فسَتر، وَفَتَحَ بَابَ التَّوْبَةِ وَغَفَر، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلا هو أَحَاطَ عِلْمُهُ بِمَا بَطَن وَمَا ظَهَرَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ محمداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلِّ الله وَسَلِّمْ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ السَّادَات الْغُرَر
أما بَعْد عباد الله : فَلَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهُ إلَّا مِنْ رَحِمَ، فلُوذوا بِرَحْمَتِه وتوسّلوا إلَيْه بِمَغْفِرَتِه واتقوه حق التقوى ( ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا).
إِخْوَة الإِسْلامِ: يَعِزّ عَليَّ أن أُكدِّرَ أسماعَكم في هذه الخُطْبَةِ، لَكِنَّ عُذْرِي أَنَّ الْقُرْآنَ تَحَدَّثَ عَنْها، وعُذْرِي أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أنذر منها، وَعُلَمَاء السَّلَف والخلَف تَكَلَّمُوا فيها وخطَبُوا، فرهَّبوا وبشَّعوا، وَذَكَّرُوا وشنَّعوا.. جريمةٌ بلغت غايتها في القبح والخسة والذلة والمهانة، إنها فَاحِشَة اللِّوَاط.
تِلْك الْفَاحِشَة الَّتِي اقترَفَها قَوْمُ لُوطٍ، وَلَمْ يَزَلْ نَبِيُّ اللَّهِ لُوطٌ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- بِقَوْمِه يُحَذِّرُهُم، وبالعقاِب يُنْذِرهُم، وبالجبَّارِ يُذَكِّرُهُم، وبِشَناعةِ الْأَمْرِ يرهِّبُهم؛ (أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدِ مِنْ الْعَالَمِينَ * إنَّكُم لتأتُونَ الرِّجَال شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسرِفُونَ) وَفِي آيَةِ أُخْرَى يُوبّخُهُم: (أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ * أَئِنَّكُم لتأتون الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) وانظر للؤمهم ونكسِ فطرتِهم ، كيف أجابوا نبيَّهم (فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إلّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آل لُوطٍ مِنْ قريتِكُم إنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ) عجباً وَرَبِّي لانتكاسِ الْفِطر، الجَرِيمَةُ التي برأيهم يستحقُ بها آل لوطٍ الطَّرْدَ مِن الْقَرْيَةِ أنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ، وَعَنِ الْفَوَاحِشِ يَتَعَفَّفُون،
أَمَّا مُعاقَرَةُ الْفَوَاحِشِ وَالْمُحَرَّمَاتِ فَمِنْ بَابِ الحريات؛ قَالَهَا اللُّوطِيَّةُ الْأَوَائِل وَتَبِعَهُمْ فِي كُلِّ جِيلٍ مِن الُّشذاذِ أَسافِلُ، يُطَالَبُونَ بِالْحُرِّيَّةِ الْجِنْسِيَّةِ زَعَمُوا، ولراية الْمِثْلِيَّةِ رَفَعُوا ،أَفَلَا فِي التَّارِيخِ نَظَرُوا فَاعْتَبَرُوا! وَخَافُوا الْعُقُوبَاتِ الْإِلَهِيَّةِ وارتدعوا، فَهَا هِي عُقُوبَةُ الْقَهَّارِ للوطية عقوبةٌ لَمْ يَسْبِقْها مَثِيلٌ لَهَا بَيْنَ الْأُمَم الكافرة، بل إن فرعون الطاغية الذي قال: (أنا ربُّكم الأعلى)؛ لم يُعاقب بمِثلها، فانظروا إلى هذا العذاب: (فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ).
ساعاتٌ مَعْدُودَات حَتَّى جَاءَتِ الصّيْحَةُ فَاقْتَلَعَتْ دِيَارَهُمْ ؛ بِقُصُورِهَا، ودَوَابِّهَا، ورِجَالِها، ونِسَائِهَا رُفِعَت لعلياء السَّمَاءِ حَتَّى سَمِعَ أهلُ السَّمَاءِ أَصْوَاتَهم وصُراخَهم، وكَانوا أَرْبَعَمِائَةِ أَلْفٍ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ كَثِيرٍ وَغَيْرُه، ثُمَّ قَلَبَ الله الْقَرْيَة فَأَرْسَلَهَا إلَى الْأَرْضِ منكُوسةً، فَجَعَلَ عَالِيَهَا سَافِلَهَا، ثُمَّ أَتْبَعَهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ أي من طين متحجّر...اللَّهُ أَكْبَرُ! مَا أشدَّ بَطْشَ اللَّهِ! مَا أشدَّ عَذَابَه! مَا أَقْوَى عِقَابَه! نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِهِ، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِهِ.
وَكَفَى عُقُوبَةً لِهَذِه الجَرِيمَةِ النَّكراءِ لَعْنَةُ فَاطِرِ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ؛ فَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَوَافَقَه الذَّهَبِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: (لَعَنَ اللَّهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ، لَعَنَ اللَّهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ، لَعَنَ اللَّهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ)، لَمْ يَلعنْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فِي حَدِيثٍ، إلا في هذا العملِ الخبيثِ.
وَلِذَا اتَّفَقَ الصَّحَابَةُ عَلَى قَتْلِ أَهْل اللِّوَاطِ؛ لِقَوْلِهِ ﷺ: "مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ"(صحَّحهُ الألباني) وَاخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فِي كَيْفِيَّةِ الْقَتْلِ؛ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: بِالسَّيْفِ. وَقَالَ آخَرُونَ: يُرْمَى بِالْحِجَارَةِ حَتّى الْمَوْت. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُرْمَى مِنْ أَعْلَى بِنَاءٍ فِي الْقَرْيَةِ يُرْمَى مُنكَّسًا ثُمَّ يُتْبَعَ بِالْحِجَارَةِ، وَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَنْكَى .. فَاحْذَرُوا –عِبَادَ اللَّهِ– فَقَدْ قَرَّبَ اللَّهُ مَسَافَةَ الْعَذَابِ بَيْنَ أُمَّةِ لُوطٍ وَمَنْ يَسْتَنُّ بِسَنَنِهِمْ فِي كُلِّ عَصْرٍ، فَقَالَ: (وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ).
هذا وَلِلِّوَاطِ أَضْرَارٌ دِينِيَّةٌ وَنَفْسِيَّةٌ وَجَسَدِيَّةٌ؛ فَهِيَ مِنَ الْكَبَائِرِ، وَفِيهَا لَعْنٌ ثَلَاثًا. وَنَفْسِيًّا تُورِثُ الضَّعْفَ وَالانْهِيَارَ وَالِانْطِوَاءَ. وَجَسَدِيًّا يَكْشِفُ الطِّبُّ الْحَدِيثُ صِحَّةَ قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: «(لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى
يُعْلِنُوا بِهَا إِلاَّ فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ، وَالأَوْجَاع الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلاَفِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا). (صححه الألباني).
وَمِنْهَا: التَّبَرُّزُ غَيْرُ الْإِرَادِيّ، وَالضَّعْفُ الْجِنْسِيُّ عِنْدَ الزَّوَاجِ، وَهُوَ مِنْ أَسْبَابِ الطَّلَاقِ.
وَمِنْهَا: التَّبَرُّزُ غَيْرُ الْإِرَادِيّ، وَالضَّعْفُ الْجِنْسِيُّ عِنْدَ الزَّوَاجِ، وَهُوَ مِنْ أَسْبَابِ الطَّلَاقِ.
كما بَيَّنَتْ وِزَارَةُ الصِّحَّةِ أَنَّ الإِيدْزَ يَنْتَقِلُ بِاللِّوَاطِ كَمَا يَنْتَقِلُ بِالزِّنَا… عَافَانَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم..
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
:فهذه بعضا من سبلِ الوقايةِ من هذه البليةِ نسألُ الله أن يهدِ بها من ولَغ في مستنقَعِها:
أولا: اللهَ اللهَ بالتوبة النصوح ؛ فإن الباب مفتوح ، وَمَنْ تَرَكَ شَيْئًا لِلَّهِ عَوَّضَهُ خَيْرًا مِنْهُ، وَالْعِبْرَةُ بِكَمَالِ النِّهَايَاتِ لَا بِنَقْصِ الْبِدَايَاتِ.
ثانيا: تَزْوِيجُ الأَبْنَاءِ مَا أَمْكَنَ، وَشَغْلُ فَرَاغِهِمْ بِالنَّافِعِ، فإن الفراغَ مفسدةٌ أيّما مفسدة، وَالإِكْثَارُ مِنْ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ؛ فَفِيهِ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ.
ثالثا: مَا تَجَرَّأت نَفْسٌ عَلَى هَذِهِ الْفَاحِشَةِ إلَّا عِنْدَ التهاون بشأن الصلاة: (إنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ).
رابعا: صُحْبَةُ السُّوءِ مَصَايِدُ شَيْطَانٍ؛ يَجُرُّونَ إِلَى الْحَرَامِ، وَيُزَيِّنُونَ الآثَامَ، ولا ينقضي العجب من أبٍ ينام قريرَ العين ويترك ولده يَسرحُ مع مَن شاء؛ كبارًا كانوا أم صغارًا، صالحين أم طالحين.
فلنتفقدّ أولادنا، ولنُربِّهم عَلَى الرَّجُولَةِ وَالدِّينِ، وَمُرَاقَبَةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
وَأَمَّا آخِرُ مَا أَقُولُهُ –أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ– فَإِنَّ مِنْ مَظَاهِرِ الْفُحْشِ الَّتِي فَشَتْ: الاسْتِهَانَةُ بِالْكَلِمَاتِ الفاحشةِ الْقَذِرَةِ الَّتِي تُقَامُ مِنْ أَجْلِهَا الْحُدُودُ، وَتُسْفَكُ بِسَبَبِهَا الدِّمَاء.
إن الله جلّ وعلا قال: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)، فكيف بمن يَلفِظُ أقبحَ القولِ وأشنَعَه، فيَهتِكُ به أعراضَ الناس.
إن الله جلّ وعلا قال: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)، فكيف بمن يَلفِظُ أقبحَ القولِ وأشنَعَه، فيَهتِكُ به أعراضَ الناس.
ويا من تُخرج هذه الكلماتِ من فيك: اتقِ الله؛ فإنها كلمةٌ تُسقِطُ بها مروءتَك، وتُسَوِّد بها صحيفتَك، وقد قال ﷺ: «وإن الرجلَ ليتكلمُ بالكلمةِ من سخطِ الله لا يُلقي لها بالًا، يهوي بها في النارِ سبعين خريفًا».
وأَعْجَبُ مِنْ قائِلِ الفُحْشِ؛ صَدِيقِهِ الَّذِي يَسْمَعُ الفُحْشَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عِرْضِهِ، ثُمَّ يَضْحَكُ لَه، وَيُصَاحِبُ قَائِلَه ! فَيَالَهُ مِنْ أَحْمَقَ سَافِلٍ، مَيِّتِ القَلْبِ، دَنِيءِ النَّفْسِ، يَسُبُّهُ صَدِيقُهُ بِذِكْرِ فَرْجِ أُمِّهِ أَوْ أُخْتِهِ بِاللَّفْظِ الصَّرِيحِ، أَوْ
يَقْذِفُهُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ، فيَسمَعُ ذلك ويَفْغَرُ فَاهُ ضَاحِكًا كَالْأَبْلَهِ! لَا غَيْرَةَ تَرْدَعُهُ، وَلَا مُرُوءَةَ تَحْجِزُهُ، وَلَا دِينَ يَزْجُرُهُ! أَيُّ قَلْبٍ بَارِدٍ يَحْمِلُهُ؟ هٰذَا القَذْفُ لَوْ قِيلَ لِرَجُلٍ كَرِيمٍ لَهَاجَ وَثَارَ، وَاسْتَحَالَ مَجْلِسُهُ شَرَارًا وَنَار؛ لأجل
إقامة حدّ القذفِ ثمانينَ جلدة!
ألا فجَنِّبُوا مجالسَكم عِبَارَاتِ الِابْتِذَالِ المُسِفِّ وَكَلِمَاتِ التَّشَهِّي والفُحش، وأوقِدوا في نفوسِكُم الغَيْرة، والبَسوا ثيابَ المروءة.
وقد قال النبي ﷺ: (لَيْسَ المُؤْمِنُ بالطَّعَّانِ، وَلا اللَّعَّانِ، وَلا الْفَاحِشِ، وَلا الْبَذِيء)، حسنه الترمذي.
اللَّهُمّ ارْحَمْنَا، وَمَن الْفَوَاحِشِ احْفَظْنَا، وَعَنِ الْحَرَامِ اصرِفنا...
اللهم صل على محمد وآل محمد ...
وقد قال النبي ﷺ: (لَيْسَ المُؤْمِنُ بالطَّعَّانِ، وَلا اللَّعَّانِ، وَلا الْفَاحِشِ، وَلا الْبَذِيء)، حسنه الترمذي.
اللَّهُمّ ارْحَمْنَا، وَمَن الْفَوَاحِشِ احْفَظْنَا، وَعَنِ الْحَرَامِ اصرِفنا...
اللهم صل على محمد وآل محمد ...