المُبَادَرَة إِلَى أَدَاءِ فَرِيضَةِ الْحَجِّ وَوُجُوب أَخْذِ التَّصْرِيحِ.

أ.د عبدالله الطيار
1446/11/19 - 2025/05/17 10:31AM

 

الْحَمْدُ للهِ فَاطِرِ الأَرْضِ والسَّمَاوَاتِ، فَرَضَ عَلَى عِبَادِهِ الْحَجَّ فِي أَشْهُرٍ مَعْلُومَاتٍ وَجَمَعَهُمْ عَلَى صَعِيدٍ وَاحِدٍ فِي عَرَفَاتٍ، يَخْتَلِفُونَ فِي الْأَعْرَاقِ وَالْأَشْكَالِ وَاللُّغَاتِ، أَقْبَلُوا عَلَى خَالِقِهِمْ بِالتَّوْحِيدِ مُذْعِنِينَ، وَبِالْحَجِّ مُهَلِّلِينَ، وَلِنِدَاءِ رَبِّهِم مُلَبِّيِينَ (إِنََّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ) البقرة [143] وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عليْهِ وعَلَى آلِهِ وأَصْحَابِهِ أجمعين، أمّا بعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ: (وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) الزمر: [61].
عِبَادَ اللهِ: فَرَضَ اللهُ عَلَى عِبَادِهِ حَجَّ بَيْتِهِ الْحَرَامِ، وَجَعَلَ الْحَجَّ أَحَدَ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ ، وهَوُ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ عَاقِلٍ بَالِغٍ مُسْتَطِيعٍ؛ لِيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ قَالَ تَعَالى (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) الحج: [27].
أَيُّهَا المؤمِنُونَ: وَقَدْ أَكَّدَ النَّبِيُّ ﷺ هَذَا الْأَصْلَ، فَخَطَبَ النَّاسَ بِقَوْلِهِ :( أيُّها النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللهُ عَلَيْكُم الْحَجَّ، فَحُجُّوا) رواه مسلم (1337) وَحَجَّ نَبِيُّنَا ﷺ بالمسلمينَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ وَعَلَّمَ أُمَّتَهُ مَنَاسِكَ الْحَجِّ وَشُرُوطَهِ وَوَاجِبَاتِهِ وَمَحْظُورَاتِهِ بِقَوْلِهِ وَفِعْلِهِ، ثُمَّ قَالَ: (لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ، فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ) أخرجه مسلم (1297).
عِبَادَ اللهِ: والحَجُّ مِنْ أَجَلِّ الْأَعْمَالِ قَاطِبَةً، سُئِلَ النبيُّ ﷺ: أيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قالَ: إِيمَانٌ بِاللهِ وَرَسُولِهِ، قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللهِ، قيل: ثمَّ مَاذَا؟ قَالَ: حَجٌّ مبرورٌ) رواه البخاري (26)، ومسلم (83) وَالْحَجُّ لِلْعَبْدِ مِيلادٌ جَدِيدٌ، يُنَقِّيهِ مِنَ الذُّنُوبِ كَمَّا تُنَقِّي النَّارُ خَبَثَ الْحَدِيدِ، قالَ ﷺ لِعَمْرو بنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (.. أَمَا عَلِمْتَ أنَّ الإسْلامَ يَهْدِمُ ما كانَ قَبْلَهُ؟ وأنَّ الهِجْرَةَ تَهْدِمُ ما كانَ قَبْلَها؟ وأنَّ الحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟) أخرجه مسلم (121) والْحَجَّ الْمَبْرُور لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةَ، فَنِعْمَتْ الْعِبَادَةُ وَنِعْمَ الْجَزَاءُ.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: وَالْمُبَادَرَةُ بِأَدَاءِ فَرِيضَةِ الْحَجِّ، وَالتَّعْجِيلُ بِهَا، شرطُ الْإِسْلَامِ، وَدَلِيلُ الْإِيمَانِ، قَالَ تَعَالى: (فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ) البقرة: [148] وقَالَ ﷺ: (تَعَجَّلُوا إلى الحَجِّ فَإِنَّ أحَدَكُمْ لا يَدرِي ما يَعرِضُ لَهُ) أخرجه أحمد (2869) وصححه الألباني في صحيح الجامع (2957)  كَمَا أَنَّ التَّقَاعُدَ عَنْهَا وَتَسْوِيفَِهَا مِنْ تَسَلُّطِ الشَّيْطَانِ، فَكَيْفَ تَطِيبُ نَفْسُ مُسْلِمٍ أَلْبَسَهُ اللهُ ثَوْبَ الْعَافِيَةِ وَرَزَقَهُ المالَ، وَأَحَاطَهُ بِالأَمْنِ أَنْ يَتَكَاسَلَ عَنْ نِدَاءِ رَبِّهِ، فَيَنْتَكِسَ عَن الْفَرْضِ وَيَتَخَلَّفَ عَن الرَّكْبِ؟! أَلَا فَلْيَتَّقِ اللهَ مَنْ يَسَّرَ اللهُ لَهُ الْحَجَّ، ويُبَادِرَ بِأَدَاءِ مَا افْتُرِضَ عَلَيْهِ، فَقَدْ يَصْعُبُ الْيَسِيرُ، وَيَضِيقُ الْوَاسِعُ، وَيَقِلُّ الْكَثِيرُ، قَالَ ﷺ: (مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَلْيَتَعَجَّلْ فَإِنَّهُ قَدْ يَمْرَضُ الْمَرِيضُ وَتَضِلُّ الرَّاحِلَةُ وَتَعْرِضُ الْحَاجَةُ) أخرجه أبو داود (1732).
 واعْلَمُوا -رَعَاكُم اللهُ- أنَّه يَجُوزُ لِمَنْ عَجَزَ عَن الْحَجِّ لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ أَنْ يُنِيبَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، فَقَدْ جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبيِّ ﷺ فَقَالَتْ: إِنَّ فَرِيضَةَ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ، أَدْرَكَتُ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثبُتَ عَلى الرَّاحِلَةِ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: (نَعَمْ) رواه البخاري (1513)، ومسلم (1334).

عِبَادَ اللهِ: هَا قَد ذَهَبَ أَكْثَرُ ذِي الْقَعْدَة، وَرَبَتْ نَسَائِمُ الْحَجِّ مِنْ بَعِيدٍ، وَتَطَلَّعَتْ عُيُونُ الْمُسْلِمِينَ إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ، تَتَرَقَّبُ بِلَهْفَةٍ، وَتَنْتَظِرُ بِشَوْقٍ، قالَ تَعَالَى: (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) الحج: [27].
أَيُّهَا المؤْمِنُونَ: وَهَا هِيَ بِلادُنَا المبَارَكَة، تَقِفُ شَامِخَةً أَبِيَّةً، تَفْخَرُ بِمَا حَبَاهَا اللهُ عزَّ وَجَلَّ مِنْ سُكْنَى الْبِقَاعِ الطَّاهِرَةِ، وَرِعَايَةِ الْحَرَمَينِ الشَّريفَينِ، وخِدْمَةِ الحُجَّاجِ والمعْتَمِرِينَ، وَتَقُومُ بِوَاجِبِهَا تِجَاهَ ضُيُوفِ الرَّحْمَنِ، قَد اسْتَنْفَرَتْ جَمِيعَ أَجْهِزَتِهَا الأَمْنِيَّةِ والصِّحِّيَّةِ، والدَّعَوِيَّةِ والتَّوْعَوِيَّةِ، والاجْتِمَاعِيَّةِ والتَّطَوُّعِيَّةِ بِرِعَايَةٍ كَرِيمَةٍ مِنْ وُلاةِ الأَمْرِ-حَفِظَهُم اللهُ- فِي تَنْظِيمٍ دَقِيقٍ، وَدَعْمٍ سَخِيٍّ، وَتَسْخِيرٍ لِلطَّاقَاتِ الْبَشَرِيَّةِ، وَالْوَسَائِلِ التِّقَنِيَّةِ لِخِدْمَةِ ضُيُوفِ الرَّحْمَنِ، وَالْقِيَامِ بِحَقِّهِمْ، وَتَيْسِيرِ الْعِبَادَةِ لَهُمْ، فَجَزَاهُمُ اللهُ عَنَّا، وَعَنِ المسْلِمِينَ خَيرَ الْجَزَاءِ.

عباد الله: وَاعْلَمُوا أنَّ مِنَ الأُمُورِ الْهَامَّةِ وَالمُنَظِّمَةِ لِشَعِيرَةِ الْحَجِّ، استخراج تَصَارِيحِ الْحَجِّ عَبْرَ الْقَنَوَاتِ الرَّسْمِيَّةِ المعْتَمَدَةِ، وَالْحَذَر مِنَ المُحْتَالِينَ وَالمُضَلِّلِينَ وَالمدَّعِينَ وَالمُخَالِفِينَ الَّذِينَ يُرَوِّجُونَ لِلْفَوْضَى وَيَسْتَغِلُّونَ الْجُهَلاء. أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرِّجِيمِ: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) البقرة: [96-97]. بَارَكَ اللهُ لِي ولَكُمْ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِمَا مِنَ الْآَيَاتِ وَالْحِكْمَةِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي ولَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ وَتُوبُوا إِلَيْهِ، إِنَّ رَبِّي كَانَ غَفَّارًا.

الخُطْبَةُ الثَّانِيَة: الْحَمْدُ للهِ وَلِيِّ الصَّالِحِينَ، وَالصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى خَاتَمِ المُرْسَلِينَ، نَبِيّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، أمَّا بَعْدُ فاعلموا -رحمكم الله- أنَّ الْحَجَّ بِلا تَصْرِيحٍ خَرْقٌ لِلأَنْظِمَةِ وَإِضْرَارٌ بِالْحُجَّاجِ، وَسَبِيلٌ لِلْفَوْضَى، وَمُخَالَفَةٌ لِوَلِيِّ الأَمْرِ الَّذِي مَا وَضَعَ هَذِهِ الأَنْظِمَةَ إلا تَحْقِيقًا لِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ وَالتَّسْهِيلِ عَلَى الْحُجَّاجِ، وَخِدْمَتِهِمْ ورِعَايَتِهِمْ وَتَيْسِيرِ المَنَاسِكِ، وَإِظْهَارِ الْعِبَادَةِ بِصُورَةٍ تَعْكِسُ تَعَالِيمَ الإِسْلامِ في النِّظَامِ والالْتِزَامِ، قَالَ تَعَالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ) والْحَجُّ بِلا تَصْرِيحٍ لا يَقْتَصِرُ ضَرَرُهُ عَلَى المُخَالِفِ، بَلْ يَتَعَدَّى إِلَى غَيْرِهِ، فَيُسَبِّبُ الزّحَامَ ويُؤْذِي الْحَجِيجَ وَيعِيقُ الخْدَمَاتِ ويُشْغِلُ الْجِهَاتِ الأمنيَّةَ وَالصِّحِّيَّةَ قَالَ ﷺ: (لا ضَررَ ولا ضِرارَ). أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُتِمَّ عَلَى الْحَجِيجِ حَجَّهُمْ، وَأَنْ يَحْفَظَ عَلَى بِلادِنَا أَمْنَهَا وَأِيمَانَهَا وَعِزَّهَا وَرَخَاءَهَا، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمسْلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمشْرِكِينَ، وانْصُرْ عِبَادَكَ الموَحِّدِينَ، اَللَّهُمَّ أمِّنا فِي أَوْطَانِنَا وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللهم وَفِّق وَلِيَّ أَمْرِنَا خادمَ الْحَرَمَيْنِ الشريفينِ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ وِإِخْوَانَهُ وَأَعْوَانَهُ إِلَى كُلِّ خَيْرٍ، وَسَلِّمْهُمْ مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ وَشَرٍّ. اللَّهُمَّ احْفَظْ عُلَمَاءَنَا، وَرِجَالَ أَمْنِنَا، وَالمُرَابِطِينَ عَلَى حُدُودِنَا. اللَّهُمَّ ارْحَمْ هذَا الْجَمْعَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ والمؤْمِنَاتِ، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِهِمْ، وآَمِنْ رَوْعَاتِهِمْ وارْفَعْ دَرَجَاتِهِمْ في الجناتِ واغْفِرْ لَهُمْ ولآبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ، واجْمَعْنَا وإيَّاهُمْ ووالدِينَا وإِخْوَانَنَا وذُرِّيَّاتِنَا وَأَزْوَاجَنَا وجِيرَانَنَا ومشايخنا وَمَنْ لَهُ حَقٌّ عَلَيْنَا في جَنَّاتِ النَّعِيمِ. وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّد، وَعَلَى آَلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.   الجمعة 11 /11 /1446هـ

المشاهدات 91 | التعليقات 0