"المدرسةُ المحمدية"          28 /2 /1447هـ

د عبدالعزيز التويجري
1447/02/27 - 2025/08/21 11:42AM

الخطبةُ الأُولى: "المدرسةُ المحمديةُ"               28 /2 /1447هـ

       الحمدُ للهِ الذي لا يبلُغُ مِدحتَهُ القائلون، ولا يُحصي نعماءَهُ العادُّون، بَسَطَ الرزقَ لعبادِهِ، وأغدقَ عليهم من فضلِهِ وإنعامِهِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ له، له الأسماءُ الحُسنى والصفاتُ العُلى، وأشهدُ أن سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُهُ ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِهِ وأصحابِهِ ومَنِ اتّبعَ منهجَهُ إلى يومِ الدينِ.  أمَّا بعدُ

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾.

لكل بداية نهاية، ولكل نهاية بداية، وتلك هي سُنّة الحياة، فلا فرحٌ يدوم، ولا حزنٌ يبقى، ولا راحةٌ تستمرُ، ولا همٌّ يُلازمٌ، فالزمنُ يدورُ، والأيامُ تتبدّلُ، والقلوبُ بين متقلبٍ وثابتٍ، والناسُ بين شاكرٍ وساخطٍ، وعاملٍ وخاملٍ ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى﴾ ﴿وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾.

       التربيةُ الطيبةُ والتعليمُ الأمثلُ يظهرُ نتاجُهُ في الإجازاتِ، فيستغلَ أناسٌ الإجازةَ لحفظِ آياتٍ في صدورِهم، وأحاديثَ تنيرُ قلوبَهم، وبرامجَ تنمي مهاراتهِم، وتحفظُ أوقاتَهم، ويكونُ سفرُهم إما لطاعةٍ أو مباحٍ لا لغوٌ فيه ولا تأثيمٌ، وخسرَ قومٌ فتحملوا أوزارهم بنومٍ عن الصلواتِ أو اتباعٍ للشهواتِ، أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ.

             وَيَنشَأُ ناشِئُ الفِتيانِ مِنّا     عَلى ما كانَ عَوَّدَهُ أَبوهُ

التربيةُ على الدينِ والخلقِ والعلمِ أساسُ عزِ المجتمعِ وحضارتهِ، وأمنهِ وسلامتهِ ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ﴾.

      العلمُ حياةُ الأُممِ، والجهلُ خُذلانُها، ولا يَبْلُغُ المجدَ جاهلٌ.

      العلمُ عمادُ العِزِّ، ورداءُ السُّؤْدَدِ، وَتاجُ الشَّرَفِ .

     والجهلُ مَطِيَّةُ سُوءٍ، من ارْتَحَلَها ضَلَّ، ومَن قادَها ذَلَّ، وَمن سارَ عليها زَلَّ.

هَلْ عَلِمْتُمْ أُمةً في جَهْلِهَا ***   ظَهَرَتْ في المجدِ حَسْناءَ الرِّداءِ

العلمُ يَنْهَضُ بِالوَضِيْعِ إِلى العُلا *** وَالجَهْلُ يَقْعُدُ بِالفَتَى المَنْسُوبِ

العلمُ والتَعَلُم والتعليمُ يؤخذُ من مصادرهِ وأسسِهِ، فلا تغييرَ للطباعِ، ولا للفطرةِ التي فطرَ اللهُ الناسَ عليها: «وكُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ».

فدونَكم نموذجاً من المدرسةِ العالميةِ. التي خرجت أساطينَ التاريخِ، وعلماءَ الدنيا، وعظماءَ المعمورةِ. يروي أحدَ فصولِ دراستِها أحدُ طلابِها فيقولُ: كُنْتُ خَلْفَ المُعلمِ ﷺ يَوْمًا، فَقَالَ: يَا غُلاَمُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ.

منهجٌ عظيمُ في التربيةِ وتلقينِ العلمِ وحسنِ التعليمِ، احتواءٌ ثم ملاطفةٌ ثم تعليم.

بكلماتٍ عظيمةٍ، استُهِلتْ بترسخِ مبدأِ التعلقِ باللهِ والالتجاءِ إليهِ في السراءِ والضراءِ، وثنّت بالوصيةِ بحفظِ النفسِ والجوارحِ من منزلقاتِ المعاصي ولوثاتِ المنكراتِ، ثم الاستعانةِ باللهِ والانطلاقِ بعزيمةٍ ومثابرةٍ وثباتٍ في التحصيلِ من العلمِ وما ينفعُ في الدنيا ويرفعُ في الآخرةِ، وختَمها بأنّ كلَ ما في الكونِ بتدبيرِ اللهِ، وأن قوى البشرِ لا تستطيعُ أن تضرَ أحداً إذا حفظهُ الله. أو تنفعَهُ إذا منعهُ اللهُ، تلكم هي نموذجٌ من المدرسةِ النبويةِ، والروضةِ المحمديةِ.

نبيٌّ تقيٌ أريحيٌ مهذبٌ ** بشيرٌ لكلّ ِ العالمينَ نذيرُ

 وفي موقفٍ آخر تُجلي هذه المدرسةُ أسمى معاني الحياةِ، الا وهي الحفاظُ على التوحيدِ والعقيدةِ، وترسيخِ المبادئِ والقيمِ النبيلةِ، وتحبيبِ العلمِ والتعلمِ، والتحذيرِ والتنفيرِ مما يضلُ القلوبَ ويفسدُ الابدانَ.

فينادي معلمُها معاذَ ابنَ جبلٍ t وهو إلى جنبِه إشعارًا بأهميةِ وعظمةِ ما سيلقيهِ فيوصيهِ بأعظمِ وصيةٍ ويعلمُهُ أرقى علمٍ وأفضلِه «يَا مُعَاذُ، أتَدْرِي مَا حَقُّ اللهِ عَلَى الْعِبَادِ؟ وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللهِ؟» قَالَ: قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «فَإِنَّ حَقَّ اللهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوا اللهَ، وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقَّ الْعِبَادِ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لَا يُعَذِّبَ مَنْ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا» متفقٌ عليه.

اختيارُ المحضنِ والمعلمِ والصديقِ من أهم مقوماتِ الاستقامةِ في الحياةِ، وسلوكِ اعلى المراتبِ في الاخلاقِ والقيمِ، قالَ عليه الصلاةُ والسلامُ: "مُرُوا أولادكمِ بالصلاةِ وهم أبناءُ سبعِ سِنينَ، واضرِبوهم عليها وهم أبناءُ عَشرٍ، وفرِّقوا بينهم في المَضاجِعِ".

قالَ الإمامُ العينيُّ أي: يفرقُ بين الجاريةِ والغلامِ في المراقدِ؛ وذلك لأنهم إذا قاربوا أدنى حدِ البلوغِ، فيخافُ عليهم من الفسادِ، وكذا في التعليمِ والعملِ. فلا أحسنَ من فطرةِ اللهِ التي فطر الناس عليها.

وقد كان الناسُ يرسلون أبنائَهم لمن يثقون في تعليمهِ وحسنِ أخلاقهِ وقَوامةِ تربيتِه، فقد أرسلت أم سُليمٍ ابنها أنسَ بنَ مالكٍ ليتعلمَ من النبيِ ﷺ ويخدمَهُ ويهتديَ بسمتهِ ويتربى على خُلُقِه.

إنه ليسوؤكَ حين ترى مربي الأجيالِ يجرُ إزارَهُ بين الطلاب. وآخرَ يتسللُ لواذاً بين الحصصِ ليلوّثَ فاهُ بالدخانِ، ومن المناظرِ السيئة أن تجدَ معلمًا يُغذي في طلابهِ التعصبَ الرياضي.. والطالبةُ التي ترى معلمتَها متبرجةً سافرةً كيف تلتزم بالحجابِ والجلبابِ!! ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ* كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ﴾.

أستغفرُ اللهَ لي ولكم وللمسلمين والمسلماتِ فاستغفروه إن ربي رحيمٌ ودودٌ.

الخطبةُ الثانيةُ: الحمدُ للهِ على إحسانِهِ، والشكرُ لهُ على توفيقِهِ وامتنانِهِ، وصلّى اللهُ وسلَّمَ على عبدِهِ ورسولِهِ وآلِهِ وأصحابِهِ. أمّا بعدُ ..

نرفُلُ بحمدِ اللهِ في هذا البلدِ المُعطاءِ بمعلّمينَ ومعلّماتٍ في التعليمِ العامِّ والجامعاتِ، وحِلقِ التحفيظِ والدُّورِ النِّسائيّةِ، أَخيارًا أَغيارًا، يُبذِلون أوقاتَهم وجهودَهم وأموالَهم لتربيةِ أبنائِنا وتعليمِهم وتحفيظِهم القرآنَ، فَهُم فخرُنا، وعليهمُ المُعَوَّلُ بعدَ اللهِ، وأجرُهم على ربِّهِم، واللهُ لا يُضيعُ أجرَ مَن أحسنَ عملًا.

وإنه لابد للمدرسةِ والمعلمِ من يدٍ في البيتٍ تعينُهم، من أبٍ وأمٍ وإخوةٍ يرعون مَن تحت أيديِهم... إذا وضعَ المعلمُ في الابنِ لَبِناتٍ ثم رعاها الأبُ وحافظَ عليها أن تنهدَّ اكتملَ البناءُ وتحصنتِ البيوتُ من لصوصِ العقولِ والأخلاقِ.

أَرى أَلفَ بانٍ لا يَقومُ بِهادِمٍ *** فَكَيفَ بِبانِ خَلفَهُ أَلفُ هادِمِ

إن من العجبِ من آباءِ يهملون مسؤوليةَ التعليمِ والتوجيهِ ويكلون ذلك للمدرسةِ وهو يرى الأعادي تنهش من كلِ مكانٍ، برامجُ تواصلٍ، وصحبةُ سوءٍ، ودعاياتٌ ومواقعُ وتجمعاتٌ.

ألقاه في اليم مكتوفاً وقالَ له *** إياك إياك أن تبتلَ بالماءِ

إن من الواجبِ علينا أن نُربي الجيلَ منذُ الصغرِ على ما يرفعُ الهمةَ، ويؤصلُ الكرامةَ، وأن قيمةَ الإنسانِ بما يحملُ لا بما يحاكي ويتبعُ.

والمجتمعُ بأسرهِ مسؤولٌ عن تربيةِ هذا النشءِ التربيةَ الصحيحةَ المستقيمةَ " كلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيتِهِ".

وجماعُ ذلك كلِه الاستعانةُ باللهِ والدعاءُ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۚ رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ﴾.

والصبرُ وعدمُ اليأسِ من طولِ الطريقِ "استعنْ بالله ولا تعجزْ"، والنصحُ لكلِ مسلمٍ ﴿إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ﴾، ﴿وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾

وأعظمُ التعليمِ وأزكى التربيةِ، التعليمُ والتزكيةُ بالقرآنِ، وحلقُ القرآنِ، والدورُ النسائيةُ تشرعُ أبوابَها للتسجيلِ والالتحاقِ بكنفِها، للكبارِ والصغارِ والذكورِ والإناثِ، فليس أحدٌ يستغني عن القرآنِ الكريمِ، وتزكيةِ كلامِ الملكِ الديانِ، فكم من بحورِ الأجورِ في ميزانِ من يلتحقُ بها: "فلأنْ يَغدُوَ أحدُكُم كل يَوْمٍ إلى المسجد، فيتَعلَّمَ أَوْ يَقْرَأُ آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ نَاقَتَيْنِ، وَثَلَاثٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثَلَاثٍ، وَأَرْبَعٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَرْبَعٍ، وَمِنْ أَعْدَادِهِنَّ مِنَ الْإِبِلِ» أخرجَهُ مسلمٌ.

ثم صلوا وسلموا على من أمركم ربُّكم بالصلاةِ والسلامِ عليه فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.

.

اللهم صل على عبدك ورسوك نبينا محمد وارض اللهم عن صحابته أجمعين

  اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين في غزة ...اللهم آمنا في دورنا وأصلح ولاة أمورنا.

المرفقات

1755765748_المدرسة المحمدية.docx

1755765748_المدرسة المحمدية.pdf

المشاهدات 663 | التعليقات 0