النُّهُوضُ بِالتَّعْلِيم 28 صَفَر 1447هـ
محمد بن مبارك الشرافي
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، الْحَمْدُ للهِ الذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ, عَلَّمَ الإنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ، الْحَمْدُ للهِ الذِي هَدَانَا لِنُورِ الإسْلامِ، وَأَرْشَدَنَا لِطَرِيقِ الْعِلْمِ وَالإيمَانِ، أَشْهَدُ أنْ لا إِلَهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورسُولُهُ صلَّى اللهُ عليْهِ وعلى آلِهِ وصَحْبِهِ وسلَّمَ تَسْلِيمًا كثَيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ فَضْلَ العِلْمِ كَبِيرٌ, وَأَثَرَهُ وَاضِحٌ فِي الفَرْدِ وَالمجْتَمَعِ, قِالَ اللهُ تَعَالَى {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}, وَقَالَ {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}, وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا، سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّنَا مُقْبِلُونَ عَلَى عَامٍ دِرَاسِيٍّ جَدِيدٍ, يَتَّجِهُ فِيهِ أَوْلَادُنَا مِنْ بَنِينَ وَبَنَاتٍ لِلْمَدَارِسِ لِيَنْهَلُوا مِنَ العُلُومِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ, وإِنَّنَا يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَهْتَمَّ بِالتَّعْلِيمِ، وَإِنَّ نَتَائِجَهُ سَلْبًا وَإِيجَابًا سَوْفَ تَعُودُ عَلَيْنَا كُلِّنَا أَفْرَادًا وَمُجْتَمَعًا، دَوْلَةً وَشَعْبًا، وَإِنَّنَا فِي عَصْرٍ لا مَكَانَ فِيهِ لِلْكَسَالَى وَالطُّفَيْلِيِّين، وَلا يَنْجَحُ فِيهِ إِلَّا الْجَادُّونَ وَالْمُثَابِرُونَ.
وَتَأَمَّلُوا فِي أَحْوَالِ أَوَائِلِ أُمَّتِنَا، مِنْ صَحَابَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، كَيْفَ كَانُوا؟ وَكَيْفَ صَارُوا؟ فَمِنْ مُجْتَمَعٍ جَاهِلِيٍّ جَاهِلٍ ,كَانَ يَعْبُدُ الْأَشْجَارَ وَالْأَحْجَارَ، وَيَأْكُلُ الْمَيْتَاتِ وَيَشْرَبُ الْخَمْرَ وَيَقْتُلُ وَالْبَنَاتِ خَوْفَ الْفَقْرِ وَالْعَارِ، إِلَى قَادَةٍ لِلْأُمَمِ وَإِلَى مُجْتَمَعٍ مُتَطَوِّرٍ، حَتَّى إِنَّهُ فِي الْعَهْدِ الْأَنْدَلُسِيِّ كَانَ الْأُورُبِيُّونَ يَفْتَخِرُ أَحَدُهُمْ بِأَنَّ وَلَدَهُ يَتَعَلَّمُ فِي إِحْدَى جَامِعَاتِ الْمُسْلِمِينَ آنَذَاك.
إِنَّ الْقُرْآنَ الذِي نَزَلَ عَلَيْهِمْ وَنَهَضَ بِهِمْ هُوَ بَيْنَ أَيْدِينَا مَحْفُوظٌ لَمْ يَتَغَيَّرْ، وَإِنَّ السُّنَّةَ النَبَوِيَّةَ التِي تَرْبُوا عَلَيْهَا وَصَلَتْ إِلَيْنَا مَنْقُولَةً بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَةِ، فَأَيْنَ نَحْنُ مِنْهُمَا؟
بَلْ تَأَمَّلُوا أَيُّهَا الْفُضَلَاءُ فِي حَالِ دَوْلَةِ الْيَابَانِ فِي الْعَصْرِ الْحَدِيثِ، فَفِي الْحَرْبِ الْعَالِمِيَّةِ الثَّانِيَةِ أَسْقَطَتْ عَلَيْهَا دَوْلَةُ الْكُفْرِ وَالظُّلْمِ أَمْرِيكَا قُنْبُلَتَيْنِ نَوَوِيَّتَيْنِ دَمَّرَتِ الْأَخْضَرَ وَالْيَابِسَ، وَجَعَلَتْهَا فِي الْحَضِيضِ وَالْفَقْرِ وَالْبُؤْسِ، ثُمَّ خِلَالَ سَنَوَاتٍ مَعْدُودَاتٍ فَاقَتِ الْيَابَانُ كُلَّ الدُّوَلِ اقْتِصَادًا وَتَقُدُّمًا دُنْيَوِيًّا، وَمَا ذَاكَ إِلَّا بِسَوَاعِدِ أْبْنَائِهَا وَجِدِّهِمْ وَمُثَابَرَتهِمْ، فَنَحْنُ الْمُسْلِمُونَ أَوْلَى وَأَحْرَى بِذَلِكَ مِنْهُمْ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ النُّهُوضَ بِالتَّعْلِيمِ مَسْؤُولِيَّةُ الْجَمِيعِ، مِنَ الْبَيْتِ وَالْمَدْرَسَةِ مُمَثَّلَةً فِي الْمُعَلِّمِ وَالْمُدِيرِ وَالطَّالِبِ، فَلا بُدَّ أَنْ نَتَعَاوَنَ وَنَتَكَاتَفَ وَنَتَآزَرَ لِلنُّهُوضِ بِبِلادِنَا، بَلْ بِأْنْفُسِنَا وَبُيُوتِنَا، وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}
إِنَّ التَّعْلِيمَ ذِمَّةٌ وَأَمَانَةٌ، فَأَنْتَ أَيُّهَا الْوَلِيُّ فِي الْبَيْتِ مَسْؤُولٌ، وَأَنْتَ أَيُّهَا الْمُعَلِّمُ مَسْؤُولٌ، وَأَنْتَ أَيُّهَا الْمُدِيرُ مَسْؤُولٌ، وَأَنْتَ أَيُّهَا الْمُوَظَّفُ فِي إِدَارَةِ التَعْلِيمِ أَوِ الْوَزَارَةِ مَسْؤُولٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (كُلُّكُمْ رَاعٍ فَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَالعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلاَ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
أَيُّهَا الْأَوْلِيَاءُ فِي الْبُيُوتِ: لِيَكُنْ حَدِيثُكُمْ هَذِهِ الْأَيَّامِ فِي الْبَيْتِ عَنِ أَهَمِّيَّةِ التَّعْلِيمِ وَفَضْلِ الْمَدْرَسَةِ وَالْجِدِّ وَالْمُثَابَرَةِ، ثُمَّ أَعِدُّوا أَوْلادَكُمْ لِلْاجْتَهَادِ وَتَحْصِيلِ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ, وَلَيْسَ مُجَرَّدُ تَحْصِيلِ الدَّرَجَاتِ وَالشَّهَادَةِ، فَكَمَا تَعْلَمُونَ صَارَتِ الشَّهَادَةُ الْيَوْمَ لا قِيمَةَ لَهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهَا مَعَهُ عِلْمٌ وَقُدْرَةٌ لِيَجْتَازَ الاخْتِبَارَاتِ التَّحْصِيلِيَّةَ وَالْمَوَادَ التَّخَصُّصَيَّةَ، فَكَمْ مِنَ الطُّلَّابِ نَجَحُوا فِي الثَّانَوِيَّةِ أَوْ حَتَّى الْجَامِعَةِ وَلَكِنَّهُمْ فَشَلُوا فِي اخْتِبَارَاتِ الْوَظَائِفِ، وَهُمْ الْيَوْمَ عَاطِلُونُ عَالَةً عَلَى أُسْرَتِهِمْ، وَالسَّبَبُ أَنَّهُمْ بَنَوْا شَهَادَاتِهِمْ عَلَى الْغِشِّ وَالتَّزْوِيرِ فَلَمَّا تَقَدَّمُوا لِلْوَظَائِفِ وَدَخَلُوا اخْتِبَارَاتِهَا انْكَشَفُوا, فَتَقَدَّمَ غَيْرُهُمُ وَتَرَاجَعُوا هُمْ، فَهَلْ تُرِيدُ هَذَا لِأَوْلَادِكَ؟ الْجَوَابُ قَطْعًا: لا، إِذْنْ فَمِنَ الآن أَعِدَّ وَلَدَكَ لِيُحَصِّلَ مَكَانًا فِي الْمُجْتَمَعِ وَلا يَكُونَ عَالَةً عَلَيْكَ غَدًا.
أَيُّهَا الْمُعَلِّمُ: سَدَّدَ اللهُ خُطَاكَ وَنَفَعَ بِكَ، اعْلِمْ أَنَّكَ الْمُرْتَكَزُ الْأَكْبَرُ فِي الْعَمَلِيَّةِ التَّعْلِمِيَّةِ، وَأَنَّكَ الْمُرَبِّي وَأَنَّكَ الْمُوَجِّهُ، فَاحْتَسِبِ الْأَجْرَ, وَتَذَكَّرْ أَنَّكَ تَدُلُّ الطُّلَّابَ عَلَى الْهُدَى وَالْخَيْر، عَن أبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى معلم النَّاس الْخَيْر) رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيّ، فَطُوبَى لَكَ مَا أَجْمَلَ وَظِيفَتَكَ وَمَا أَحْسَنَ عَمَلَكَ، فَأللهَ أَللهَ أَنْ تَضَعَ نَفْسَكَ حَيْثُ يَنْبَغِي.
اسْتَعِدَّ أَيُّهَا الْفَاضِلُ مِنْ أَوِّلِ يَوْمٍ لِلدِّرَاسَةِ، فَكَفَانَا كَسَلًا وَخُمُولًا، إِنَّهَا إِجَازَةُ زَادَتْ عَلَى شَهْرَيْنِ، فَالْيَوْمُ يَوْمُ الْجِدِّ وَالنُّهُوضِ وَالْمُثَابَرَةِ، ابْدَأْ عَامَكَ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ تَدْخُلُ مَدْرَسَتَكَ وَتَدْخُلُ فَصْلَكَ، لِيَرَى الطُّلَّابُ مِنْكَ الْجِدَّ وَالْعَزْمَ، وَاسْتَعِدَّ مِنَ الآنِ بِتَحْضِيرِ مَا تُلْقِي عَلَى طُلَّابِكَ مِنْ أَوَّلِ حِصَّةٍ، وَلْيَكُنْ مَعَكَ دَفْتُرُ الْمُتَابَعَةِ، فَتُسَجِّلَ أَسْمَاءَ الطُّلَّابِ حَتَّى لَوْ كُنْتَ تَعْرِفُهُمْ مُسْبَقًا، وَتَرْسُمُ لَهُمْ خِطَّةَ الْعَامِ، وَتُرَغِّبُهُمْ فِي تَحْصِيلِ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ، وَتُوَجِّهَهُمْ بِاحْتِرَامِ الْمَدْرَسَةِ وَالْكُتُبِ وَالْمُعَلِّمِينَ وَزُمَلائِهِمْ فِي الْفَصْلِ وَالْمَدْرَسَةِ، ثُمَّ لِيَرَوْا مِنْكَ الْقُدْوَةَ الْحَسَنَةَ وَالْأَخْلَاقَ الْفَاضِلَةَ، وَالْمُحَافَظَةَ عَلَى نِظَامِ الْمَدْرَسَةِ، وَمَا أَجْمَلَ مَا يَسْمَعُونَ مِنْكَ وَيَحْفَظُونَهُ وَيَعْمَلُونَ بِهِ، فَتَلْقَاهُ فِي دُنْيَاكَ وَأُخْرَاكَ بِإِذْنِ اللهِ.
وَتَذَكَّرْ أَيُّهَا الْمُعَلِّمُ أَنَّكَ كَمَا تَدِينُ تُدَانُ، فَكَمَا تُحُبُّ صَلاحَ أَوْلادِكَ وَنَجَاحَهُمْ فَأَحِبَّ ذَلِكَ لِأَوْلادِ إِخْوَانِكَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَبْشِرْ بِالْخَيْرِ.
وَأَخِيرًا أَيُّهَا الْمُوَجِّهُ الْفَاضِلُ وَالْمُعَلِّمُ النَّبِيلُ: إِنِّي أُعِيذُكَ بِاللهِ أَنْ تَكُونَ إِمَّعَةً تُرْخِي أُذُنَكَ لِكَسَالَى الْمُعَلِّمِينَ وَلِلْمُخَذِّلِينَ وَالْمُرْجِفِينَ أَوِ الْمُسْتَهْزِئِينَ مِمَّنْ أَكَلَ عَلَيْهِمُ الزَّمَنُ وَرَكَنُوا لِلْكَسَلِ وَلَمْ يُبْرِئُوا ذِمَمَهُمْ فِي تَحْلِيلِ رَوَاتِبِهِمْ وَأَدَاءِ أَمَانَةِ التَّعْلِيمِ، بَلِ ابْذُلْ جَهْدَكَ وَلا تَنْتَظِرُ الْأَجْرَ إِلَّا مِنَ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَفَقَّكَ اللهُ وَسَدَّدَ خُطَاكَ مُعِلِّمَنَا الْفَاضِلَ.
أَقُولُ قَولِي هَذَا وأَسْتِغْفِرُ الله العَظِيمَ لي ولكُم فاستغْفِرُوهُ إِنَّهُ هوَ الغفورُ الرحيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالمَينَ، وَأَشْهَدُ أَلا إِلَهَ إِلا اللهُ وَلِيُّ الصَّالحِينَ، وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الأَمِينِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ مِمَّا يُنَبَّهُ عَلَيْهِ أَوْلِيَاءُ الْأُمُورِ هُوَ رِعَايَةُ الْأَوْلادِ مِنْ بَنِينَ وَبَنَاتٍ مِنْ خَطَرِ الْأَجْهِزَةِ الْحَدِيثَةِ، وَالذِي يَنْبَغِي أَنْ تُؤْخَذَ مِنْهِمْ وَلاسِيَّمَا التِي تَحْوِي الْأَلْعَابَ، وَلا يُعْطَوْنَهَا إلَّا فِي إِجَازَةِ الْأُسْبُوعِ مَعَ الانْتِباهِ لِمَا يَسْتَعْمِلُونَهُ مِنْ تِلْكَ الْبَرَامِجِ.
وَاعْلَمُوا أَنَّ لَدَيْنَا طَاقَاتٍ كَثِيرَةً، وَعِنْدَ أَوْلادِنَا قُدُرَاتٌ جَبَّارَةٌ فِي الْفَهْمِ وَالاسْتِيعَابِ، لَكِنَّهَا تَحْتَاجُ إِلَى تَوْجِيهٍ وَرِعَايَةٍ، وَبَإِذْنِ اللهِ نَرَى مَا تَقَرُّ بِهِ أَعْيُنُنَا، وَلا تُغْفِلُوا عَنِ الدَّعَاءِ لَهُمْ بِالصَّلَاحِ وَالْهِدَايَةِ، فَإِنَّ مِنَ الدُّعَاءِ الْحَرِيِّ بِالْإِجَابَةِ دُعَاءُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى فِي وَصْفِ عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}.
أَيُّهَا الْمُدِيرُ: كُنْ قُدْوَةً لِمُعَلِّمِيكَ فِي الانْضِبَاطِ وَالْجِدِّيَّةِ، فَكُنْ أَوَّلَ الْحَاضِرِينَ لِلْمَدْرَسَةِ وَآخِرَ مَنْ يَخْرُجُ مِنْهَا، قَابِلْ مُعَلِّمِيكَ بِالْبَشَاشَةِ وَالسُّؤَالِ عَنْ أَحْوَالِهِمْ وَدَاعِبْهُم فِي الصَّبَاحِ بِعِبَارَاتٍ طَيِّبَةٍ، ثُمَّ قَسِّمْ عَلَيْهِمُ الْمَهَامَ وَاقْبَلْ مِنْهُمُ الآرَاءَ وَحَقِّقْ لَهُمْ مَا يُرِيدُونَ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، ثُمَّ لِيَرَوْا مِنْكَ الْجِدَّ وَالتَّنْظِيمَ مِنْ أَوَّلِ الْيَوْمِ الدِّرَاسِيِّ، وَاتَّخِذْ مِنْهُمْ مُسَاعِدِينَ وَمُسْتَشَارِينَ، فَمَنِ اسْتَبَدَّ بِرَأْيِهِ تَرَكَهُ النَّاسُ وَلَمْ يُعَاوِنُوهُ.
كُنْ حَازِمًا مِنْ غَيْرِ شِدَّةٍ, وَلَيِّنًا مِنْ غَيْرِ ضَعْفٍ مَعَ الطُّلَّابِ، وَكُنْ عَوْنَاً لِلْمُعَلِّمِينَ عَلَى انْضِبَاطِهِمْ، وَلْيَسْمَعُوا مِنْكَ التَّوْجِيهَاتِ فِي الطَّابُورِ أَوْ الْفُصُولِ، وَأَظْهِرْ لَهُمْ تَقْدِيرَكَ لِلْمُعَلِّمِ وَاحْتِرَامَكَ لَهُ، فَإِنَّ فِي هَذَا دَفْعَةً مَعْنَوِيَّةَ لِلْمُدَرِّسِينَ وَشَدَّاً لِأَزْرِهِمْ وَتَقْوِيَةً لَهُمْ لِيَضْبِطُوا الطُّلَّابِ، وَمَتَى سَيْطَرَ الْمُعَلِّمُ عَلَى الْفَصْلِ اسْتَقَامَ التَّعْلِيمُ بِإِذْنِ اللهِ.
وَاعْمَلْ حَسْبَ الْإِمْكَانِيَّاِت الْمُتَوَفِّرَةِ مِنْ إِدَارَةِ التَّعْلِيمِ، وَلا تَتَوَقَّعْ تَحْقِيقَ رَغَبَاتِكَ وَاكْتِمَالِ عَدَدِ الْمُعَلِّمِينَ فَإِنَّ الظُّرُوفَ كِثَيرَةٌ وَالْأَحْوَالَ مُتَغَيِّرَةٌ، فَتَحَمَّلْ مَسْؤُولِيَّتَكَ أَيُّهَا الْمُدِيرُ وَكُنْ كَذَلِكَ أَيُّهَا الْمُعَلِّمُ، سَدَّدَ اللهُ خُطَاكُمْ وَكَتَبَ لَكُمُ النَّجَاحَ وَالتَّوْفِيقَ فِي مُهَمَّتِكُمْ الْعَظِيمَةَ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}.
رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَوْلادَنَا وَمُعَلِّمِينَا وُمَدَرَاءَنَا وَإِخْوَانَنَا وَأَخَواتِنَا وَآبَاءَنَا وَأُمَّهَاتِنَا يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، اَللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِيننا اَلَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانا اَلَّتِي فِيهَا مَعَاشُنا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنا فِيهَا إِلَيْهَا مَعَادُنا، وَاجْعَلْ اَلْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلْ اَلْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ وُلاةَ أُمُورِنَا وَأَصْلِحْ بِطَانَتَهُم وأَعْوَانَهَم يَا رَبَّ العَالـَمِينَ، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَحْوَال َالـُمسْلِمِينَ في كُلِّ مَكَانٍ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَاحِمِينَ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
النُّهُوضُ بِالتَّعْلِيم 28 صَفَر 1447هـ
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، الْحَمْدُ للهِ الذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ, عَلَّمَ الإنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ، الْحَمْدُ للهِ الذِي هَدَانَا لِنُورِ الإسْلامِ، وَأَرْشَدَنَا لِطَرِيقِ الْعِلْمِ وَالإيمَانِ، أَشْهَدُ أنْ لا إِلَهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورسُولُهُ صلَّى اللهُ عليْهِ وعلى آلِهِ وصَحْبِهِ وسلَّمَ تَسْلِيمًا كثَيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ فَضْلَ العِلْمِ كَبِيرٌ, وَأَثَرَهُ وَاضِحٌ فِي الفَرْدِ وَالمجْتَمَعِ, قِالَ اللهُ تَعَالَى {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}, وَقَالَ {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}, وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا، سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّنَا مُقْبِلُونَ عَلَى عَامٍ دِرَاسِيٍّ جَدِيدٍ, يَتَّجِهُ فِيهِ أَوْلَادُنَا مِنْ بَنِينَ وَبَنَاتٍ لِلْمَدَارِسِ لِيَنْهَلُوا مِنَ العُلُومِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ, وإِنَّنَا يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَهْتَمَّ بِالتَّعْلِيمِ، وَإِنَّ نَتَائِجَهُ سَلْبًا وَإِيجَابًا سَوْفَ تَعُودُ عَلَيْنَا كُلِّنَا أَفْرَادًا وَمُجْتَمَعًا، دَوْلَةً وَشَعْبًا، وَإِنَّنَا فِي عَصْرٍ لا مَكَانَ فِيهِ لِلْكَسَالَى وَالطُّفَيْلِيِّين، وَلا يَنْجَحُ فِيهِ إِلَّا الْجَادُّونَ وَالْمُثَابِرُونَ.
وَتَأَمَّلُوا فِي أَحْوَالِ أَوَائِلِ أُمَّتِنَا، مِنْ صَحَابَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، كَيْفَ كَانُوا؟ وَكَيْفَ صَارُوا؟ فَمِنْ مُجْتَمَعٍ جَاهِلِيٍّ جَاهِلٍ ,كَانَ يَعْبُدُ الْأَشْجَارَ وَالْأَحْجَارَ، وَيَأْكُلُ الْمَيْتَاتِ وَيَشْرَبُ الْخَمْرَ وَيَقْتُلُ وَالْبَنَاتِ خَوْفَ الْفَقْرِ وَالْعَارِ، إِلَى قَادَةٍ لِلْأُمَمِ وَإِلَى مُجْتَمَعٍ مُتَطَوِّرٍ، حَتَّى إِنَّهُ فِي الْعَهْدِ الْأَنْدَلُسِيِّ كَانَ الْأُورُبِيُّونَ يَفْتَخِرُ أَحَدُهُمْ بِأَنَّ وَلَدَهُ يَتَعَلَّمُ فِي إِحْدَى جَامِعَاتِ الْمُسْلِمِينَ آنَذَاك.
إِنَّ الْقُرْآنَ الذِي نَزَلَ عَلَيْهِمْ وَنَهَضَ بِهِمْ هُوَ بَيْنَ أَيْدِينَا مَحْفُوظٌ لَمْ يَتَغَيَّرْ، وَإِنَّ السُّنَّةَ النَبَوِيَّةَ التِي تَرْبُوا عَلَيْهَا وَصَلَتْ إِلَيْنَا مَنْقُولَةً بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَةِ، فَأَيْنَ نَحْنُ مِنْهُمَا؟
بَلْ تَأَمَّلُوا أَيُّهَا الْفُضَلَاءُ فِي حَالِ دَوْلَةِ الْيَابَانِ فِي الْعَصْرِ الْحَدِيثِ، فَفِي الْحَرْبِ الْعَالِمِيَّةِ الثَّانِيَةِ أَسْقَطَتْ عَلَيْهَا دَوْلَةُ الْكُفْرِ وَالظُّلْمِ أَمْرِيكَا قُنْبُلَتَيْنِ نَوَوِيَّتَيْنِ دَمَّرَتِ الْأَخْضَرَ وَالْيَابِسَ، وَجَعَلَتْهَا فِي الْحَضِيضِ وَالْفَقْرِ وَالْبُؤْسِ، ثُمَّ خِلَالَ سَنَوَاتٍ مَعْدُودَاتٍ فَاقَتِ الْيَابَانُ كُلَّ الدُّوَلِ اقْتِصَادًا وَتَقُدُّمًا دُنْيَوِيًّا، وَمَا ذَاكَ إِلَّا بِسَوَاعِدِ أْبْنَائِهَا وَجِدِّهِمْ وَمُثَابَرَتهِمْ، فَنَحْنُ الْمُسْلِمُونَ أَوْلَى وَأَحْرَى بِذَلِكَ مِنْهُمْ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ النُّهُوضَ بِالتَّعْلِيمِ مَسْؤُولِيَّةُ الْجَمِيعِ، مِنَ الْبَيْتِ وَالْمَدْرَسَةِ مُمَثَّلَةً فِي الْمُعَلِّمِ وَالْمُدِيرِ وَالطَّالِبِ، فَلا بُدَّ أَنْ نَتَعَاوَنَ وَنَتَكَاتَفَ وَنَتَآزَرَ لِلنُّهُوضِ بِبِلادِنَا، بَلْ بِأْنْفُسِنَا وَبُيُوتِنَا، وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}
إِنَّ التَّعْلِيمَ ذِمَّةٌ وَأَمَانَةٌ، فَأَنْتَ أَيُّهَا الْوَلِيُّ فِي الْبَيْتِ مَسْؤُولٌ، وَأَنْتَ أَيُّهَا الْمُعَلِّمُ مَسْؤُولٌ، وَأَنْتَ أَيُّهَا الْمُدِيرُ مَسْؤُولٌ، وَأَنْتَ أَيُّهَا الْمُوَظَّفُ فِي إِدَارَةِ التَعْلِيمِ أَوِ الْوَزَارَةِ مَسْؤُولٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (كُلُّكُمْ رَاعٍ فَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَالعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلاَ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
أَيُّهَا الْأَوْلِيَاءُ فِي الْبُيُوتِ: لِيَكُنْ حَدِيثُكُمْ هَذِهِ الْأَيَّامِ فِي الْبَيْتِ عَنِ أَهَمِّيَّةِ التَّعْلِيمِ وَفَضْلِ الْمَدْرَسَةِ وَالْجِدِّ وَالْمُثَابَرَةِ، ثُمَّ أَعِدُّوا أَوْلادَكُمْ لِلْاجْتَهَادِ وَتَحْصِيلِ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ, وَلَيْسَ مُجَرَّدُ تَحْصِيلِ الدَّرَجَاتِ وَالشَّهَادَةِ، فَكَمَا تَعْلَمُونَ صَارَتِ الشَّهَادَةُ الْيَوْمَ لا قِيمَةَ لَهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهَا مَعَهُ عِلْمٌ وَقُدْرَةٌ لِيَجْتَازَ الاخْتِبَارَاتِ التَّحْصِيلِيَّةَ وَالْمَوَادَ التَّخَصُّصَيَّةَ، فَكَمْ مِنَ الطُّلَّابِ نَجَحُوا فِي الثَّانَوِيَّةِ أَوْ حَتَّى الْجَامِعَةِ وَلَكِنَّهُمْ فَشَلُوا فِي اخْتِبَارَاتِ الْوَظَائِفِ، وَهُمْ الْيَوْمَ عَاطِلُونُ عَالَةً عَلَى أُسْرَتِهِمْ، وَالسَّبَبُ أَنَّهُمْ بَنَوْا شَهَادَاتِهِمْ عَلَى الْغِشِّ وَالتَّزْوِيرِ فَلَمَّا تَقَدَّمُوا لِلْوَظَائِفِ وَدَخَلُوا اخْتِبَارَاتِهَا انْكَشَفُوا, فَتَقَدَّمَ غَيْرُهُمُ وَتَرَاجَعُوا هُمْ، فَهَلْ تُرِيدُ هَذَا لِأَوْلَادِكَ؟ الْجَوَابُ قَطْعًا: لا، إِذْنْ فَمِنَ الآن أَعِدَّ وَلَدَكَ لِيُحَصِّلَ مَكَانًا فِي الْمُجْتَمَعِ وَلا يَكُونَ عَالَةً عَلَيْكَ غَدًا.
أَيُّهَا الْمُعَلِّمُ: سَدَّدَ اللهُ خُطَاكَ وَنَفَعَ بِكَ، اعْلِمْ أَنَّكَ الْمُرْتَكَزُ الْأَكْبَرُ فِي الْعَمَلِيَّةِ التَّعْلِمِيَّةِ، وَأَنَّكَ الْمُرَبِّي وَأَنَّكَ الْمُوَجِّهُ، فَاحْتَسِبِ الْأَجْرَ, وَتَذَكَّرْ أَنَّكَ تَدُلُّ الطُّلَّابَ عَلَى الْهُدَى وَالْخَيْر، عَن أبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى معلم النَّاس الْخَيْر) رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيّ، فَطُوبَى لَكَ مَا أَجْمَلَ وَظِيفَتَكَ وَمَا أَحْسَنَ عَمَلَكَ، فَأللهَ أَللهَ أَنْ تَضَعَ نَفْسَكَ حَيْثُ يَنْبَغِي.
اسْتَعِدَّ أَيُّهَا الْفَاضِلُ مِنْ أَوِّلِ يَوْمٍ لِلدِّرَاسَةِ، فَكَفَانَا كَسَلًا وَخُمُولًا، إِنَّهَا إِجَازَةُ زَادَتْ عَلَى شَهْرَيْنِ، فَالْيَوْمُ يَوْمُ الْجِدِّ وَالنُّهُوضِ وَالْمُثَابَرَةِ، ابْدَأْ عَامَكَ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ تَدْخُلُ مَدْرَسَتَكَ وَتَدْخُلُ فَصْلَكَ، لِيَرَى الطُّلَّابُ مِنْكَ الْجِدَّ وَالْعَزْمَ، وَاسْتَعِدَّ مِنَ الآنِ بِتَحْضِيرِ مَا تُلْقِي عَلَى طُلَّابِكَ مِنْ أَوَّلِ حِصَّةٍ، وَلْيَكُنْ مَعَكَ دَفْتُرُ الْمُتَابَعَةِ، فَتُسَجِّلَ أَسْمَاءَ الطُّلَّابِ حَتَّى لَوْ كُنْتَ تَعْرِفُهُمْ مُسْبَقًا، وَتَرْسُمُ لَهُمْ خِطَّةَ الْعَامِ، وَتُرَغِّبُهُمْ فِي تَحْصِيلِ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ، وَتُوَجِّهَهُمْ بِاحْتِرَامِ الْمَدْرَسَةِ وَالْكُتُبِ وَالْمُعَلِّمِينَ وَزُمَلائِهِمْ فِي الْفَصْلِ وَالْمَدْرَسَةِ، ثُمَّ لِيَرَوْا مِنْكَ الْقُدْوَةَ الْحَسَنَةَ وَالْأَخْلَاقَ الْفَاضِلَةَ، وَالْمُحَافَظَةَ عَلَى نِظَامِ الْمَدْرَسَةِ، وَمَا أَجْمَلَ مَا يَسْمَعُونَ مِنْكَ وَيَحْفَظُونَهُ وَيَعْمَلُونَ بِهِ، فَتَلْقَاهُ فِي دُنْيَاكَ وَأُخْرَاكَ بِإِذْنِ اللهِ.
وَتَذَكَّرْ أَيُّهَا الْمُعَلِّمُ أَنَّكَ كَمَا تَدِينُ تُدَانُ، فَكَمَا تُحُبُّ صَلاحَ أَوْلادِكَ وَنَجَاحَهُمْ فَأَحِبَّ ذَلِكَ لِأَوْلادِ إِخْوَانِكَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَبْشِرْ بِالْخَيْرِ.
وَأَخِيرًا أَيُّهَا الْمُوَجِّهُ الْفَاضِلُ وَالْمُعَلِّمُ النَّبِيلُ: إِنِّي أُعِيذُكَ بِاللهِ أَنْ تَكُونَ إِمَّعَةً تُرْخِي أُذُنَكَ لِكَسَالَى الْمُعَلِّمِينَ وَلِلْمُخَذِّلِينَ وَالْمُرْجِفِينَ أَوِ الْمُسْتَهْزِئِينَ مِمَّنْ أَكَلَ عَلَيْهِمُ الزَّمَنُ وَرَكَنُوا لِلْكَسَلِ وَلَمْ يُبْرِئُوا ذِمَمَهُمْ فِي تَحْلِيلِ رَوَاتِبِهِمْ وَأَدَاءِ أَمَانَةِ التَّعْلِيمِ، بَلِ ابْذُلْ جَهْدَكَ وَلا تَنْتَظِرُ الْأَجْرَ إِلَّا مِنَ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَفَقَّكَ اللهُ وَسَدَّدَ خُطَاكَ مُعِلِّمَنَا الْفَاضِلَ.
أَقُولُ قَولِي هَذَا وأَسْتِغْفِرُ الله العَظِيمَ لي ولكُم فاستغْفِرُوهُ إِنَّهُ هوَ الغفورُ الرحيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالمَينَ، وَأَشْهَدُ أَلا إِلَهَ إِلا اللهُ وَلِيُّ الصَّالحِينَ، وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الأَمِينِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ مِمَّا يُنَبَّهُ عَلَيْهِ أَوْلِيَاءُ الْأُمُورِ هُوَ رِعَايَةُ الْأَوْلادِ مِنْ بَنِينَ وَبَنَاتٍ مِنْ خَطَرِ الْأَجْهِزَةِ الْحَدِيثَةِ، وَالذِي يَنْبَغِي أَنْ تُؤْخَذَ مِنْهِمْ وَلاسِيَّمَا التِي تَحْوِي الْأَلْعَابَ، وَلا يُعْطَوْنَهَا إلَّا فِي إِجَازَةِ الْأُسْبُوعِ مَعَ الانْتِباهِ لِمَا يَسْتَعْمِلُونَهُ مِنْ تِلْكَ الْبَرَامِجِ.
وَاعْلَمُوا أَنَّ لَدَيْنَا طَاقَاتٍ كَثِيرَةً، وَعِنْدَ أَوْلادِنَا قُدُرَاتٌ جَبَّارَةٌ فِي الْفَهْمِ وَالاسْتِيعَابِ، لَكِنَّهَا تَحْتَاجُ إِلَى تَوْجِيهٍ وَرِعَايَةٍ، وَبَإِذْنِ اللهِ نَرَى مَا تَقَرُّ بِهِ أَعْيُنُنَا، وَلا تُغْفِلُوا عَنِ الدَّعَاءِ لَهُمْ بِالصَّلَاحِ وَالْهِدَايَةِ، فَإِنَّ مِنَ الدُّعَاءِ الْحَرِيِّ بِالْإِجَابَةِ دُعَاءُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى فِي وَصْفِ عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}.
أَيُّهَا الْمُدِيرُ: كُنْ قُدْوَةً لِمُعَلِّمِيكَ فِي الانْضِبَاطِ وَالْجِدِّيَّةِ، فَكُنْ أَوَّلَ الْحَاضِرِينَ لِلْمَدْرَسَةِ وَآخِرَ مَنْ يَخْرُجُ مِنْهَا، قَابِلْ مُعَلِّمِيكَ بِالْبَشَاشَةِ وَالسُّؤَالِ عَنْ أَحْوَالِهِمْ وَدَاعِبْهُم فِي الصَّبَاحِ بِعِبَارَاتٍ طَيِّبَةٍ، ثُمَّ قَسِّمْ عَلَيْهِمُ الْمَهَامَ وَاقْبَلْ مِنْهُمُ الآرَاءَ وَحَقِّقْ لَهُمْ مَا يُرِيدُونَ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، ثُمَّ لِيَرَوْا مِنْكَ الْجِدَّ وَالتَّنْظِيمَ مِنْ أَوَّلِ الْيَوْمِ الدِّرَاسِيِّ، وَاتَّخِذْ مِنْهُمْ مُسَاعِدِينَ وَمُسْتَشَارِينَ، فَمَنِ اسْتَبَدَّ بِرَأْيِهِ تَرَكَهُ النَّاسُ وَلَمْ يُعَاوِنُوهُ.
كُنْ حَازِمًا مِنْ غَيْرِ شِدَّةٍ, وَلَيِّنًا مِنْ غَيْرِ ضَعْفٍ مَعَ الطُّلَّابِ، وَكُنْ عَوْنَاً لِلْمُعَلِّمِينَ عَلَى انْضِبَاطِهِمْ، وَلْيَسْمَعُوا مِنْكَ التَّوْجِيهَاتِ فِي الطَّابُورِ أَوْ الْفُصُولِ، وَأَظْهِرْ لَهُمْ تَقْدِيرَكَ لِلْمُعَلِّمِ وَاحْتِرَامَكَ لَهُ، فَإِنَّ فِي هَذَا دَفْعَةً مَعْنَوِيَّةَ لِلْمُدَرِّسِينَ وَشَدَّاً لِأَزْرِهِمْ وَتَقْوِيَةً لَهُمْ لِيَضْبِطُوا الطُّلَّابِ، وَمَتَى سَيْطَرَ الْمُعَلِّمُ عَلَى الْفَصْلِ اسْتَقَامَ التَّعْلِيمُ بِإِذْنِ اللهِ.
وَاعْمَلْ حَسْبَ الْإِمْكَانِيَّاِت الْمُتَوَفِّرَةِ مِنْ إِدَارَةِ التَّعْلِيمِ، وَلا تَتَوَقَّعْ تَحْقِيقَ رَغَبَاتِكَ وَاكْتِمَالِ عَدَدِ الْمُعَلِّمِينَ فَإِنَّ الظُّرُوفَ كِثَيرَةٌ وَالْأَحْوَالَ مُتَغَيِّرَةٌ، فَتَحَمَّلْ مَسْؤُولِيَّتَكَ أَيُّهَا الْمُدِيرُ وَكُنْ كَذَلِكَ أَيُّهَا الْمُعَلِّمُ، سَدَّدَ اللهُ خُطَاكُمْ وَكَتَبَ لَكُمُ النَّجَاحَ وَالتَّوْفِيقَ فِي مُهَمَّتِكُمْ الْعَظِيمَةَ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}.
رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَوْلادَنَا وَمُعَلِّمِينَا وُمَدَرَاءَنَا وَإِخْوَانَنَا وَأَخَواتِنَا وَآبَاءَنَا وَأُمَّهَاتِنَا يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، اَللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِيننا اَلَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانا اَلَّتِي فِيهَا مَعَاشُنا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنا فِيهَا إِلَيْهَا مَعَادُنا، وَاجْعَلْ اَلْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلْ اَلْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ وُلاةَ أُمُورِنَا وَأَصْلِحْ بِطَانَتَهُم وأَعْوَانَهَم يَا رَبَّ العَالـَمِينَ، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَحْوَال َالـُمسْلِمِينَ في كُلِّ مَكَانٍ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَاحِمِينَ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
المرفقات
1755710665_النُّهُوضُ بِالتَّعْلِيم 28 صَفَر 1447 هـ.pdf
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق