الوفاء خُلق الكبار!

الوفاء خُلق الكبار!

الخطبة الأولى.

الحمد لله الذي جعل الوفاء بالعهد من صفات الأنبياء والمرسلين، ومن علامات المتقين الصادقين، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له المتصفُ بأعظم صفات الوفاء القائلُ في كتابه الكريم {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ}، وأشهدُ أن محمدًا عبدالله ورسوله، فَطَرهُ ربُّه على خلق الوفاء فكان خيرَ البشريةِ بهذا الخلق الكريم، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:

فاتقوا الله أيها المؤمنون والمؤمنات واعلموا أن تقوى الله زاد المتقين { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].

تأهَّبُوا واستعِدُّوا، فإنَّكم على الأثَر، وتزوَّدُوا زادَ التُّقَى، فأنتُم على سفَر، وبادِرُوا بالأعمال الصالِحة،

فالأعمارُ في قِصَر، وما أمرُ السَّاعَة إلا أقرب مِن لَمحِ البصَر، وكفَى بهذه الدُّنيا مُعتبَر.

جعلَنِي الله وإيَّاكُم مِمَّن أخلَصَ لربِّه فيما أعلَنَ وأسَرَّ

أيها المسلمون:

الإسلامُ في بنائِه الأخلاقِيِّ جاءَ بكلِّ ما هو راقٍ ومُتحضِّرٍ، وسمَا بأتباعِهِ فوقَ كلِّ الصغائِر، ورسَمَ للإنسانيَّة حياةً كريمةً تُحيطُ بها كلُّ المعانِي السَّامِية. بِناءٌ أخلاقيٌّ متِين تستَقِيمُ به الحياة، وتُؤدَّى به الرسالة، ويقُومُ عليه البِناء، ويُواجِهُ كلَّ التجاوُزات.

 

وإنَّ ما تُعانِيه الأمةُ في كثيرٍ مِن مواقِعِها ومُجتمعاتِها بسببِ الضعفِ الأخلاقيِّ،

وتلاشِي كثيرٍ مِن القِيَم. ودينُ الإسلام في قِيَمِه وأخلاقِهِ يأبَى أن تُمارَسَ الفضائِل في سُوقِ المنفَعَة العاجِلَة،أو أن تنطَوِي دخائِلُ النفوس على نِيَّاتٍ مغشُوشة.

معاشر المسلمين:

وثَمَّةَ خُلُقٌ هو مِن جوامِعِ الأخلاقِ، ومجمَع المُروءات. خُلُقٌ في أعلَى منازِل الشَّهامة، وأسمَى مقاما المُروءة. قِيمةٌ إسلاميَّةٌ عظيمةٌ،

ورصيدٌ إنسانيٌّ نبِيلٌ، يحسُنُ التذكيرُ به في كل وقت وفي كل حين! خُلُقٌ كريمٌ يدفِنُ الأخطاء، ويمحُو الزلَّات، ويُعلِي المحاسِن، ويغُضُّ عن المعايِب، تتفاوَتُ فيه أقدارُ الرِّجال تفاوتًا واسِعًا، بهذا الخُلُق تُصانُ المودَّات، وتتوثَّقُ العلاقات، ويدُومُ الإحسان، وتسُودُ السَّكِينة، وتستقِرُّ النُّفوس.

إنه خُلُقُ الوفاء. نعم - حفِظَكم الله - الوفاءُ خُلُقٌ عزيزٌ، لا يقدُرُه حقَّ قَدرِه إلا القلِيلُون أو الأقلُّون، وقد قال ربُّ العِزَّة: (وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ)

وقالت العربُ في أمثالِها: "أعَزُّ مِن الوفاء".

بل إن الله - عزَّ وجل في عُلاه - تمدَّحَ به، فقال - عزَّ شأنُه -: (وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ)

وقال - عزَّ شأنُه -: (وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ)

الوفاءُ مِن أخَصِّ صِفاتِ المُؤمنين، (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ)

ومِن أبرزِ نُعوتِ أُولِي الألبابِ: (إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ)

 

أيها الأحِبَّة:

الوفاءُ - مِن أسمَى الأخلاقِ الإنسانيَّة وأرقاها، يحمِلُ معانِي الصدق، والإخلاص، والمحبَّة، والعدل، والكرَم، والنُّبْل، والثِّقة، والجُود، والنَّجْدة.

وما كان الوفاءُ بهذه المنزِلَة إلا لأن الوفاءَ مِن كل شيءٍ تمامُه وكمالُه، ومِن دقائِقِ المعاني في لُغةِ العرب: أن الوفاءَ يعني: الخُلُقَ الشريفَ العالِي الرَّفيعَ.

والوفاءُ في حقيقتِه - حفِظَكم الله - هيئةٌ في النَّفس راسِخة، تُنبِئُ عن طهارتِها وسُمُوِّها، يصدُرُ عنها أداءُ ما التَزَمَه المرءُ مِن حقوقٍ ومسؤوليَّاتٍ، وهذه الحُقوقُ - كما يُفسِّرُها ابنُ عباسٍ - رضي الله عنهما - هي:

العُهُود مما أحلَّ الله وما حرَّم، وما فرَضَ وما حدَّدَ في الدينِ كلِّه.

الوفاءُ ينتَظِمُ جميعَ المسؤوليَّات الدينية والدنيوية، فمَن تولَّى عملًا أو التَزَمَ أمرًا، فقد تعهَّدَ أن يفِيَ بِه على أفضل الوُجوهِ، وعلى قَدر التقصيرِ يكونُ الإخلالُ بهذا الخُلُق العظيمِ.

فبالوفاءُ تنتَظِمُ جميعَ العلاقات، وأولُ ما يجِبُ الوفاءُ بِهِ: مسؤوليَّةُ العبد نحوَ ربِّه بامتِثالِ أوامِرِه، واجتِنابِ نواهِيه، والمسارعة إلى الخَيرات، وتطلُّبِ مراضِي الله - سبحانه -، وذِكرِه وشُكرِه وحُسن عبادِه.

«فاقْضُوا اللهَ؛ فاللهُ أحقُّ بالوفاءِ».

يقولُ أبو العالِية - رحمه الله -: "عهدُ الله إلى عبادِه دينُ الإسلام أن يتَّبِعُوه".

ومِن أعظم الوفاءِ: الوفاءُ مع جنابِ المُصطفَى سيِّدنا ونبيِّنا مُحمدٍ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -،

الذي بلَّغ الرسالةَ، وأدَّى الأمانةَ، ونصَحَ الأمةَ، وما مِن خيرٍ إلا دلَّ عليه،وما مِن شرٍّ إلا حذَّرَ مِنه، بيَّن المحجَّةَ بيضاء لا يَزِيغُ عنها إلا هالِك. الوفاءُ معه - عليه الصلاة والسلام - بمحبَّتِه وتعظيمِه، وكثرةِ الصلاةِ عليه، والاعتِرافِ بعظيمِ مِنَّة الله ببِعثتِه،

فيتعلَّقُ القلبُ بسُنَّته، ويتَّبِعُ مِلَّتَه وهَديَه، يزَمُ ذلك حتى يلقَى ربَّه.

ومِن الوفاءِ: الوفاءُ مع النَّفسِ بالحِفاظِ عليها وصِيانتِها؛ فإنَّ لنفسِك عليك حقًّا، فلا يحرِمها الطيِّبات،

ولا يُورِدُها المهالِك، يسعَى في صلاحِها وإصلاحِها، وفَكاكِها مِن النَّار، وإدخالِها الجنَّة.

ثم الوفاءُ للوالِدَين ببِرِّهما، والإحسانِ لهما، وحُسن صُحبتِهما، والاعتِرافِ بفضلِهما، وخَفضِ الجَناحِ لهما،

والدُّعاءِ لهما في الحياةِ وبعد الممات، ( وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا{ [الإسراء: 23، 24].

ومِن الوفاءِ: الوفاءُ بين الزَّوجَين، مما يجعَلُ الأُسرةَ مُطمئنَّةً، والحياةَ مُستقِرَّةً.

يقول تعالى { ولا تنسوا الفضل بينكم .. } إذا كانت هذه الوصية في حال طلاق قبل دخول وليس بينهما عشرة .. { ولا تنسوا الفضل بينكم .. } فكيف بمن عاش مع زوجته السنين الطوال !!

ما أجمل وفاء الزوجين لبعضهما؛ وفاءٌ جميلٌ في حالِ الشدَّة والرَّخاء، والعُسر واليُسر، وفاءُ مودَّةٍ ورحمةٍ، وحُسن عِشرةٍ، ولُطفِ معيشةٍ، وتحمُّلٍ وتجمُّلٍ.

والوفاءُ للأقرَبِين، والأصحابِ، والمعارِفِ بالسُّؤال والمُزاوَرَة والتفقُّد والبَذل والتعاوُن والتسامُح والمعرُوف.

والإنسانُ في وطنِه ومع وُلاةِ أمرِه على عهدٍ والتِزامٍ بأن يقُومَ بمسؤوليَّته في السَّمع والطاعة، والمنشَط والمكرَه،

والعُسر واليُسر، والأمانة والنَّصِيحة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المُنكَر، والحِفاظ على المُكتسَبات.

مُواطِنٌ وفِيٌّ يعملُ ولا يُهمِل، ويبنِي ولا يهدِم، ويُخلِصُ ولا يغشُّ.

والوفِيُّ الكريمُ لا ينسَى جَميلَ المُعلِّم، وجَميلَ الصَّدِيق، وجَميلَ كلِّ صاحِبِ جَميلٍ. ومَن أُوتِيَ علمًا فكتَمَه، فقد خانَ ولم يَفِ.

أما الوفاءُ بالعُقودِ والعُهودِ والمواثِيقِ، والأيمانِ والنُّذُور، والدُّيُون والمُعاملات فهذا مِن أعظم الأماناتِ وأوسَعها وألزَمها.

معاشر المسلمين:

ومِن الوفاءِ: الوفاءُ لماضِي الأمةِ وتُراثِها وتارِيخِها، فلا يجوزُ للمرءِ أن يتنكَّرَ لماضِيه؛

فمَن لا ماضِيَ له لا مُستقبَلَ له، والوفاءُ للماضِي ليس بتقدِيسِه وادِّعاء عِصمتِه وتبرِئتِه مِن الأخطاء والنقائِص،

وإنما الوفاءُ بالارتِباطِ به، وعدم الانفِصال عنه؛ لأنه يُمثِّلُ الجُذُور، وفصل الشَّجَرة عن جُذُورها يُميتُها.

أيها الإخوة:

مَن رُزِقَ الوفاء فقَد رُزِقَ الخير كلَّه؛ فهو الدليلُ على طِيبِ الأصل، وهو البُرهانُ على شرَفِ العُنصر.

أما آثارُه الوفاءُ - عباد الله - وثِمارُه فأكثَرُ مَن أن تُحصَى أو تُحصَر؛ فبالوفاءِ يكونُ تحصيلُ التقوَى، {بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى} §وبالوفاءِ يتحقَّقُ الأمنُ، وتُصانُ الدماء، وتُحفَظُ الحُقوق،

{وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ}

بالوفاءِ تكفِيرُ السيِّئات، ودخُول الجنَّات

{لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا } 

{وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}

بالوفاءِ تكونُ النَّجدَة والشَّهامة والمُروءَة، ودوامُ الصِّلة، وانتِشارُ الخير والمعروف، وحِفظُ النِّعَم،

وغرسُ معانِي الإنسانيَّة ومكارِمِ الأخلاقِ. وبسِيادةِ الوفاءِ تجرِي العلاقاتُ الإنسانيَّة برُوح الأخُوَّة والمحبَّة والثِّقَة.

إنَّ الوفاءَ على الكريمِ فريضةٌ              واللؤمُ مقرون بذي الإخلافِ

وترى الكريم لمن يعاشرُ منصفًا            وترى اللئيمَ مجانبَ الإنصافِ

{وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ}[النحل: 91] .

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية.

الحمد لله على فضلهِ وإحسانِه، والشكرُ له على توفيقِه وامتنانِه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهدُ أن محمداً عبدُ اللهِ ورسولُه الداعي إلى جنتهِ ورضوانِه، صلى الله عليه وآله وصحبه ومن سار على نهجِه إلى يومِ الدِّين وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد: فاتقوا الله جل وعلا، واعلموا أن الجنَّةَ سلعتُها غاليةٌ وتحتاجُ منَّا إلى نيةٍ طيبةٍ وعملٍ صالحٍ. واعلموا أن الوفاء خلق الكرام وخُلق الكبار فمن وجد صاحبا له لا يزال على العهد والرففة رغم مضي السنوات وتصرم الأعوام فعليه بأن يتمسك به ولا يتركه ويفي معه.. وليحذر الواحد منا صحبة المصالح الذين يصاحبون لا حبا في الله إنما في هذه الدنيا الفانية فتجدهم متقلبون متلونون..

وَلا خَيرَ في وِدِّ اِمرِئٍ مُتَلَّون              إِذا الريحُ مالَت مالَ حَيثُ تَميلُ

جَوادٌ إِذا اِستَغنَيتَ عَن أَخذِ مالِهِ               وَعِندَ اِحتِمالِ الفَقرِ عَنكَ بَخيلُ

فَما أَكثَرَ الإِخوان حينَ تَعدّهُم               وَلَكِنَهُم في النائِباتِ قَليلُ

صاحِبُ الوفاء تعظُمُ منزلتُه وتبقَى سيرتُه لِسانَ صِدقٍ في الآخَرين والآخِرين، وأقدارُ الرِّجال تتفاوَتُ تفاوُتًا واسِعًا، وثَمْن الوفاء قد يكونُ فادِحًا يُكلِّفُ المرءَ حياتَه قبل مالِه، وهذه - وربِّكم - تكالِيفُ المجدِ المنشُود في الدنيا والآخرة،

والفضائِلُ لا تتجزَّأ، فلا يكونُ المرءُ كريمًا مع قومٍ لئيمًا مع آخرين.

 معاشِر الإخوة:

ومِن الوفاءِ: الوفاءُ بالعُهود والمواثِيق، والعلاقات الدوليَّة. وتاريخُ الإسلام ناصِعٌ مُنذ فجرِه الأول؛

فصفحتُه بيضاء نقيَّة، لم يُدنَّس بخيانةٍ، ولا غدرٍ، ولا نقضِ عهدٍ.

يقولُ الإمامُ الثوريُّ - رحمه الله -:

"اتَّفقُوا على جوازِ الخِداعِ في الحربِ إلا أن يكون فيه نقضُ عهدٍ أو أمانٍ، فلا يحِلُّ".

 

وتاريخُ الإسلام يُحدِّثُ أحسنَ الحديثِ عن الوفاءِ في صفحاتِ مجدٍ وفَخارٍ، يأتِي في مُقدِّمة ذلك: حبيبُنا وسيِّدُنا مُحمدٌ - صلى الله عليه وسلم - مع أهلِه، ومُعاهداتِه ومواثِيقِه:

أما وفاؤُه مع أهلِ بيتِه: فتأمَّله مع زوجِهِ خديجة - رضي الله عنها -،

واستَمِع إلى عائشة - رضي الله عنها - وهي تقُولُ:

"ما غِرتُ على امرأةٍ ما غِرتُ على خديجَة، ولقد هلَكَت قبل أن يتزوَّجَني بثلاثِ سِنين؛ لِما كُنتُ أسمَعهُ يذكُرُها،

وإن كان ليَذبَحُ الشاةَ ثم يُهدِي في خُلَّتِها مِنها".

وفي بعضِ المروِيَّات: "اذهَبُوا به إلى فُلانةٍ؛ فإنها كانت صَدِيقةً لخَدِيجة".

تقُولُ عائشةُ: فرُبَّما قُلتُ: كأنَّما لم يكُن في الدنيا امرأةٌ إلا خديجَة،

فيقولُ: «لقد آمَنَت بِي إذ كفَرَنِي الناسُ، وصدَّقَتني إذ كذَّبَني الناسُ، وواسَتْني بمالِها إذ أخرَجَني الناسُ، ورَزَقَني الله مِنها الوَلَد».

أما في مُعاهداتِه واتِّفاقيَّاتِه فالأمرُ أكبرُ وأعظمُ، وكلُّ سيرته بأحداثِها ومافيها صِدقٌ ووفاءٌ والتِزامٌ.

معاشر المُسلمين:

ومِن الوفاءِ والشُّكرِ والعِرفان: استِشعارُ ما عليه بلادُ الحرمَين الشريفَين المملكة العربية السعودية مِن الخير،

والأمن، والإيمان؛ فهي - بفضلِ الله ومِنَّتِه - مأرِزُ الإسلام، ومنبَعُ الدعوةِ إلى الله، وأمانُ الخائِفِين،

وعَونُ المُحتاجِين للدُّول والأفرادِ. يدٌ حانِية تُواسِي المكلُومِين، وتُداوِي جِراحَ المُسلمين، فالحمد لله الذي وفق وأعان وأدام الله على هذه البلاد أمنها واستقرارها.

هذا واعلموا يقينًا وتحقيقًا، أن مَن يصِلُ الرَّحِم، ويحمِلُ الكَلَّ، ويُعينُ على نوائِبِ الحقِّ لا يُخزِيه الله أبدًا، ومَن كثُرَت حسناتُه وإحسانُه حسُنَت - بإذنِ الله - عاقِبتُه، وحفِظَه ربُّه في دينِه وأهلِه وديارِه.

أسأل الله جلَّ وعلا أن يجعلنَا وإياكم ممن يوفون بالعهدِ، وأن يحفظَ علينَا ديننَا وعُلماءنا وولاةَ أمرنا واجتماع كلمتِنَا إنه ولي ذلك والقادر عليه.

هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً:{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}(الأحزاب:٥٦).

اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم ارزقنا الوفاء في جميع علاقاتنا اللهم اجعلنا ممن يوفون الميثاق وارزقنا سعادة الدنيا ونعيم الآخرة اللهم أصلح أحوال المسلمين اللهم اغفر لوالدينا وارحمهم كما ربونا صغارا اللهم استعملنا فيما تحبه وترضاه واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

المشاهدات 403 | التعليقات 0