الوقتُ لا يعودُ

محمد محمد
1447/01/01 - 2025/06/26 02:53AM

الوقتُ لا يعودُ-1-1-1447هـ-مستفادة من خطبة الشيخ تركي الـميمان

إِنَّ الحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ، ونَسْتَغْفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيه، مَنْ يَهدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فلا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورَسُولُهُ-صلى اللهُ وَسَلَّمَ وبَارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ-.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَـمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، أَمَّا بَعْدُ: فيَا أيُّها الـمُكَرَّمُونَ:

أَنتُم تَتَقَلَّبُونَ في نِعْمَةٍ عَظِيمَةٍ، لا يَعْلَمُ قَدْرَها حَقًّا إِلَّا الموتَى! وهذه النِّعمَةُ سَبَبٌ لِلفَلَاحِ لِـمَنِ اغتَنَمَها، وسَبَبٌ لِلْخَسَارِ لـِمَنْ أَهْمَلَها؛ إِنَّهَا نِعْمَةُ الوَقت!

 ولِشَرَفِ الوَقتِ؛ أَقْسَمَ اللهُ بِه في كِتَابِهِ؛ فَأَقْسَمَ بـ(الفَجرِ، والضُّحَى، والعَصرِ)؛ بَلْ أَقْسَمَ بِالزَّمَنِ كُلِّهِ: لَيْلِهِ ونَهَارِهِ؛ قال-عزوجل-: (واللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى*والنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى).

قال بعضُ السَّلَف: "اللَّيلُ والنَّهَارُ يَعْمَلَانِ فِيك؛ فاعمَل فِيهِما".

واللهُ يُقَلِّبُ الوَقتَ؛ لإِيقَاظِ القُلُوبِ؛ وذِكْرِ عَلَّامِ الغيوب!

قال-سبحانه-: (وهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ والنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أو أَرَادَ شُكُورًا).

ومِنْ حِينِ استَقَرَّتْ قَدَمُ الإِنسَانِ في هذه الدَّارِ؛ فَهُوَ مُسَافِرٌ إلى دَارِ القَرَارِ؛ ومُدَّةُ سَفَرِهِ: هي عُمرُه ووَقتُهُ الذي كُتِبَ لَه! (يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إلى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ). قال الحَسَنُ-رحمَهُ اللهُ-: "ابنَ آدَمَ، إِنَّما أَنتَ أَيَّامٌ؛ كُلَّمَا ذَهَبَ يَومٌ، ذَهَبَ بَعْضُك!".

ومِنْ أَعظَمِ نِعَمِ اللهِ على العَبدِ: طُولُ العُمُرِ، مَعَ صَلاحِ العَمَل؛ قالَ الرسولُ-صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-: "خَيْرُ النَّاسِ: مَنْ طالَ عُمُرُه، وحَسُنَ عَمَلُه".

وكانَ السَّلَفُ الصَالِحُ: يَغتَنِمُونَ أعمارَهُم، ويَغَارُونَ على أوقاتِهم!

قالَ الحَسَنُ البَصْرِي-رحمَهُ اللهُ-: "أَدرَكْتُ أَقوَامًا كانُوا على أوقَاتِهم؛ أَشَدَّ مِنكُم حِرْصًا على دَرَاهِمِكُم ودَنَانِيرِكُم!"، وقالَ عبدُ الرحمنِ بنُ مهدي-رحمَهُ اللهُ-: "لو قِيلَ لِحَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ: إِنَّكَ تَمُوتُ غَدًا، ما قَدِرَ أَنْ يَزِيدَ في العَمَلِ شَيئًا!"، قالَ الذهبيُ-رحمَهُ اللهُ-: "كانت أوقاتُه مَعمُورَةً بِالتَّعَبُّدِ والأَورَادِ".

والصِّحَّةُ والفَرَاغُ: هُمَا رَأسُ المال، والرَّابِحُ مَنْ بادَرَ أوقاتَ العافية! قالَ الرسولُ-صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-: "نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ، والفَرَاغ". قال ابنُ حَجَر-رحمَهُ اللهُ-: "أَشَارَ بِقَولِهِ: "كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ" إلى أنَّ الذي يُوَفَّقُ لذلك قليلٌ!". ويقول ابنُ عُثَيمِين-رحمَهُ اللهُ-: "يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ-ما دَامَ في حالِ الصِّحَّةِ والفَرَاغ-أَنْ يَحْرِصَ على الأَعمَالِ الصَّالِحَة، حتى إذا عَجَزَ عَنهَا لِـمَرَضٍ أو شُغل؛ كُتِبَتْ لَهُ كَامِلَةً". 

ولا يَعْرِفُ قَدْرَ أَوقَاتِ العَافِيَةِ؛ إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيم! يقولُ ابنُ قُدَامة-رحمَهُ اللهُ-: "اِغْتَنِم حياتَكَ النَّفِيسَةَ، واحْتَفِظ بأوقاتِكَ العَزِيزَةِ، واعلَم أَنَّ العُمُرَ كُلَّهُ قَصِيرٌ، والبَاقِي مِنهُ يَسِيرٌ، وبهذه الحيَاةِ اليَسِيرَةِ: خُلُودُ الأَبَدِ في النَّعِيمِ أو العَذَابِ الأَلِيمِ؛ فلا تُضَيِّعْ جَوَاهِرَ عُمُرِكَ بِغَيرِ عَمَلٍ، واجتَهِدْ أَلَّا يَخلُوَ نَفَسٌ مِنْ أَنفَاسِكَ إلَّا في طَاعَةٍ".

وقال ابنُ القَيِّم-رحمَهُ اللهُ-: "الأيامُ أَنفَاسٌ مَعدُودَةٌ مُنصَرِمَةٌ، كُلُّ نَفَسٍ مِنْهَا يُقَابِلُهُ آلَافُ آلَافٍ-ملايينَ-مِنَ السِّنِينَ في دَارِ البَقَاءِ، فَمَا أَوْلَاهُ أَنْ لَا يَصْرِفَ مِنهَا نَفَسًا إِلَّا في أَحَبِّ الأُمُورِ إلى اللهِ، فَلَوْ صَرَفَهُ فِيمَا يُحِبُّهُ، وترَكَ الأَحَبَّ: لكانَ مُفَرِّطًا! فكَيفَ إذا صَرَفَهُ فيما لا يَنْفَعُه! فكَيفَ إذا صَرَفَهُ فيما يَمقُتُه عليهِ رَبُّهُ!".

وإنْ كانَ العَمَلُ مُتْعِبٌ؛ فإِنَّ الفَرَاغَ مُفْسِدٌ، ونَفْسَكَ إِنْ لم تَشْغَلْهَا بِالحَقِّ، شَغَلَتْكَ بِالبَاطِلِ؛ والمُوفَّقُ مَنْ حافَظَ على وَقْتِه، وسارَعَ إلى جَنَّةِ رَبِّهِ؛ والمَحرُومُ مَنْ حُرِمَ بَرَكَةُ وَقْتِهِ، (وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا). يقولُ ابنُ عُثَيمِين-رحمهُ اللهُ-: "إذا رَأَيتَ وقتَكَ يَمضِي، وعُمُرَكَ يَذهَبُ، وأَنْتَ لم تُنْتِجْ شَيئًا مُفِيدًا ولا نَافِعًا، ولم تَجِدْ بَرَكَةً في الوَقتِ؛ فَاحْذَر أَنْ يَكُونَ أَدرَككَ قَولُهُ-تعالى-: (ولَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا واتَّبَعَ هَوَاهُ وكانَ أَمْرُهُ فُرُطًا)".

والمُسلِمُ يَغَارُ على أَوقَاتِهِ أَنْ تَضِيعَ في غَيرِ فَائِدَة؛ فَهُوَ يُحَدِّدُ هَدَفَه، ويُخَطِّطُ لِوَقْتِه؛ ليسَ عِندَهُ فراغٌ أو مَلَالٌ، ولا إِحبَاطٌ أو كَسَلٌ! وشِعَارُه في الحياةِ: (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ*وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ).

أستَغفِرُ اللهَ لي ولَكُم وللمسلمين...

الخُطبَةُ الثَّانِيَةُ

الحمدُ للَّهِ حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيهِ مبارَكًا عليْهِ كما يحبُّ ربُّنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ الدُّنيا وَقْتُهَا قَصِيرٌ، فَكُنْ حَرِيصًا على أَوقَاتِكَ، بَخِيلًا بِزَمَانِكَ، وإلَّا سَتَنْدَم حِينَ لا يَنْفَعُ النَّدَمُ! وهذهِ الدنيا ساعةٌ، فاجْعَلْها طاعةً! قالَ-تعالى-: (ويَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ المُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ).

وإِضَاعَةُ الوَقتِ؛ أَشَدُّ مِنَ الموتِ؛ لأَنَّ إِضَاعَةَ الوَقتِ: تَقْطَعُكَ عن اللهِ والدَّارِ الآخِرَةِ، وأَمَّا الموتُ: فَيَقْطَعُكَ عنِ الدُّنيا وأَهْلِهَا، قال ابنُ مَسعودٍ-رضي اللهُ عنهُ-: "ما نَدِمْتُ على شَيءٍ؛ نَدَمِي على يَومٍ غَرَبَتْ شَمْسُه: نَقَصَ فيهِ أجَلي، ولم يَزِدْ فيه عملي".

وكُلُّ نَفَسٍ مِنْ أَنفَاسِ العُمُرِ جَوهَرَةٌ نَفِيسَةٌ، يُمكِنُ أَنْ تَشْتَرِيَ بها كَنزًا مِنْ كُنُوزِ الجنَّة، لا يتناهَى نَعِيمُهُ أَبَدَ الآبَادِ! فَإِضَاعَةُ هذه الأَنفَاسِ: خُسرَانٌ عَظِيمٌ؛ ويَظْهَرُ هذا الخَسرَانُ يومَ التغابُنِ! (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا).

واعلَمُوا أَنَّكُم غدًا بينَ يَدَي اللهِ مَوْقُوفُونَ، وعنْ أَوقَاتِكُم مَسؤُولُونَ؛ و"لا تَزُولُ قَدَمَا عَبدٍ يَومَ القِيَامَةِ؛ حَتَّى يُسأَلَ عن عُمُرِهِ فيما أَفْنَاه، وعنْ شَبابِهِ فيمَ أبلاهُ...".

وكُلُّ غَائِبٍ قد يَعُودُ، إِلَّا الوَقتَ المَفقُودُ! فَهُوَ أَنْفَاسٌ لا تَعُودُ، فاغْتَنِمُوا أعمارَكُم: برَفْعِ الدرجاتِ وجَمْعِ الحسناتِ، وتَكْفِيرِ السيئاتِ، فإنَّ الأيَّامَ صَحَائِفُ أَعمَالِكُم، فَخَلِّدُوهَا فيها أَجمَلَ أَفعَالِكُم! واعلَمُوا أَنَّ حياتَكُم مَحدُودَةٌ، وأنفَاسَكُم مَعدُودَةٌ! (ولَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ).

اللَّهمَّ لكَ الحمدُ، وإِليكَ الـمُشتكى، وأَنتَ الـمُستَعانُ، وبِكَ الـمُستغاثُ، وعليكَ التُكْلان، ولا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا بكَ.

اللَّهمَّ إنِّا نسألُكَ بأنَّ لَكَ الحمدُ، وأَنَّا نَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ، لا إلَهَ إلَّا أنتَ، الْأَحَدُ، الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، المنَّانُ، بديعُ السَّمواتِ والأرضِ، ياذا الجلالِ والإِكرامِ، يا حيُّ يا قيُّومُ.

اللَّهُمَّ أصلحْ وُلاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، ووفقهمْ لرضاكَ، ونَصرِ دِينِكَ، وإعلاءِ كَلمتِكَ.

اللَّهُمَّ انصرْ المسلمينَ وجنودَنا الـمُرابطينَ، ورُدَّهُم سالـمينَ غانـمينَ.

اللَّهُمَّ اجعلنا والمسلمينَ ممن نصرَك فنصرْته، وحفظَك فحفظتْه.

اللَّهُمَّ عليك بأعداءِ الإسلامِ والمسلمينَ وعليكَ بالظالمينَ فإنهم لا يعجزونَك، اكفنا واكفِ المسلمين شرَّهم بما شئتَ.

اللَّهُمَّ إنَّا نجعلُكَ في نـُحورِهم، ونعوذُ بكَ مِنْ شرورِهم، حسبُنا اللهُ ونِعْمَ الوكيلُ، لا إلهَ إلَّا هوَ عليهِ توكلنا وهو ربُّ العرشِ العظيمِ.

اللَّهُمَّ إنَّا والمسلمينَ مغلوبونَ مستضعفونَ فانتصرْ لنا يا قويُ يا عزيزُ.

اللَّهُمَّ الطفْ بنا وبالـمِسلمينَ على كُلِّ حالٍ، وبَلِّغْنا وإياهُم من الخيرِ والفرجِ والنصرِ منتهى الآمالِ.

اللَّهُمَّ أَلِّفْ بينَ قلوبِ الـمُسلمينَ، وأصلحْ ذاتَ بينهم.

اللَّهُمَّ أحسنْتَ خَلْقَنا فَحَسِّنْ أخلاقَنا.

اللَّهُمَّ إنَّا نسألك لنا ولوالدِينا وأهلِنا والـمُسلمينَ من كلِّ خيرٍ، ونعوذُ ونعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، ونسْأَلُكَ لنا ولهم العفوَ والْعَافِيَةَ، والهُدى والسَّدادَ، والبركةَ والتوفيقَ، وَصَلَاحَ الدِّينِ والدُنيا والآخرةِ.

اللَّهُمَّ يا شافي اِشْفِنا وأهلَنا والـمسلمينَ والـمسالِمين.

اللَّهُمَّ (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا).

اللَّهُمَّ صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ، والحمدُ للهِ ربِ العالـمينَ.

المرفقات

1750895612_الوقتُ لا يعودُ-1-1-1447هـ-مستفادة من خطبة الشيخ تركي الـميمان.docx

1750895612_الوقتُ لا يعودُ-1-1-1447هـ-مستفادة من خطبة الشيخ تركي الـميمان.pdf

المشاهدات 313 | التعليقات 0