اليقين بالله تعالى

عبدالرحمن سليمان المصري
1447/06/06 - 2025/11/27 14:35PM

اليقين بالله تعالى

الخطبة الأولى

الحمد لله ولي المتقين ، زين قلوب عباده باليقين ، ووعدهم عليه ؛ بالثواب العظيم والنعيم المقيم ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما كثيرا ، أما بعد:  أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى فهي وصية الله للأولين والآخرين قال تعالى ﴿ ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله ﴾

عباد الله:  فرض الله على الخلق عبادته ، وأوجب عليهم طاعته ، والقلب هو أشرف ما في الإنسان ، وهو محل الإيمان والعرفان ، وهو محل نظر الرب جل في علاه ، قال صلى الله عليه وسلم  :" إن الله لا ‌ينظر ‌إلى ‌صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم " رواه مسلم.

والقلب هو محل النية ، وبصلاحه تصلح الأعمال ، "إنما الأعمال بالنيات" والفلاح معلق في الآخرة عليه،﴿يوم لا ينفع مال ولا بنون * إلا من أتى الله بقلب سليم﴾الشعراء:88-89.

عباد الله: و إن من أجل أعمال القلوب ورأسها وأساسها ، اليقين بالله تعالى ،  فاليقين أعلى درجات الإيمان، وأخص صفات أهل التقوى والإحسان، وهي روح أعمال القلوب، التي هي روح أعمال الجوارح ، وهو حقيقة الصديقية، قال تعالى ﴿ الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون * أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون ﴾ لقمان: 4-5.

واليقين هو الاعتقاد الجازم والعلم التام ، بأنه لا خالق ولا معبود بحق إلا الله تعالى ، وأنه وحده هو الذي يعطي ويمنع ، ويضر وينفع ، ويخفض ويرفع ، مع سكون النفس، والثقة بالله، وانشراح الصدر وارتياحه .

واليقين من الإيمان بمنزلة الروح من الجسد، قال ابن مسعود رضي الله عنه : ‌الصبر ‌نصف ‌الإيمان ، واليقين الإيمان كله .أ.هـ.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين  ، قال تعالى: ﴿وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون  ﴾السجدة: 24.

عباد الله : واليقين أحد شروط كلمة التوحيد ( لا إله إلا الله) ، قال تعالى: ﴿ إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا﴾ الحجرات:15، أي أيقنوا ولم يشكوا .

وأهل اليقين ؛ هم أهل الهدى والفلاح ، قال تعالى:﴿ والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون * أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون ﴾ البقرة: 4- 5.

أهل اليقين ؛ يكون القرآن لهم هداية ورحمة ، وأما أهل الشك والعصيان فهو عليهم عمى ، قال تعالى: ﴿ هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون ﴾ الجاثية: 20.

أهل اليقين ؛ هم أهل الانتفاع بالآيات والبراهين، قال تعالى: ﴿ وفي الأرض آيات للموقنين ﴾الذاريات: 20.

وأخبر تعالى عن أهل النار ، أنهم لم يكونوا من أهل اليقين ، قال تعالى: ﴿ وإذا قيل إن وعد الله حق والساعة لا ريب فيها قلتم ما ندري ما الساعة إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين ﴾ الجاثية: 32.

عباد الله: ومتى وصل القلب إلى درجة اليقين ؛ امتلأ نورا وإشراقا، وانتفى عنه كل ريب وشك، وكل هم وغم ، وامتلأ بمحبة الله، والخوف منه، والرضا به، والشكر له، والتوكل عليه، والإنابة إليه، والأنس به، وعدم الالتفات إلى غيره.

فينتج عن ذلك ؛ الصبر على مصائب الدنيا وهوانها ، قال ابن عمر رضي الله عنه : قلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم من مجلس حتى يدعو بهؤلاء الدعوات لأصحابه: "‌اللهم ‌اقسم ‌لنا ‌من ‌خشيتك ‌ما ‌يحول ‌بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ، ومن اليقين ما تهون به علينا مصيبات الدنيا .."الحديث رواه الترمذي وحسنه الألباني.

وينشأ عن اليقين ؛ قوة التوكل على الله، قال تعالى: ﴿ فتوكل على الله إنك على الحق المبين ﴾النمل: 79، فالحق هو اليقين.

كما أنه يولد في النفس معية الله لعبده ، خاصة في حال الكرب والخوف والشدة ، ﴿ فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون * قال كلا إن معي ربي سيهدين ﴾الشعراء:61-62.

عباد الله: واليقين سبب للنجاة من عذاب الله يوم القيامة ، ومن عذاب القبر ، عند سؤال الملكين ، قال صلى الله عليه وسلم :" فأما المؤمن، أو الموقن ، فيقول: هو محمد رسول الله، جاءنا بالبينات والهدى، فأجبنا وآمنا واتبعنا، فيقال: نم صالحا، فقد علمنا إن كنت لمؤمنا. وأما المنافق أو المرتاب ، فيقول: لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئا فقلته" رواه البخاري.

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.        

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ، وسلم تسليما كثيرا  ،       أما بعد :

عباد الله : إن مما ينافي اليقين أن يكون القلب متطلعا إلى غير الله عز وجل، متعلقا به، ملتفتا إليه، قال سهل التستري: ‌حرام ‌على ‌قلب ‌أن ‌يشم ‌رائحة ‌اليقين، وفيه سكون إلى غير الله، وحرام على قلب أن يدخله النور، وفيه شيء مما يكره الله عز وجل .أ.هـ.

عباد الله: ومما يعين المرء على التحلي بحلية اليقين ، والترقي في منازل المتقين ، بذل الوسع في فعل المأمور، والمجاهدة والمصابرة عليه، واجتناب المنهي عنه، حتى تتزكى النفس، وتتخلص من حظوظها ويسلم القلب ويصفو ويزداد الإيمان ، ولا يكون ذلك إلا بالعلم النافع من الكتاب والسنة .

ومما يوصل لهذه الرتبة العلية ، والمكانة الزكية ، العناية بكلام رب العالمين، تلاوة وتدبرا، وعلما وعملا ، ﴿ كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب ﴾ص:29.

وعن أبي شريح الخزاعي قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم   فقال: " أبشروا ، أليس تشهدون أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله "، قالوا: بلى. قال: "إن هذا القرآن سبب ‌طرفه ‌بيد ‌الله، ‌وطرفه ‌بأيديكم، فتمسكوا به؛ فإنكم لن تضلوا ولن تهلكوا بعده أبدا "رواه الطبراني وصححه الألباني .

ومن أسباب تحصيل اليقين ؛ دعاء الله وسؤاله أن يبلغه أعلى مراتب الإيمان ، قال صلى الله عليه وسلم :" اسألوا الله العفو والعافية ، فإن أحدا لم يعط بعد اليقين ، خيرا من العافية " رواه الترمذي وصححه الألباني.

قال ابن القيم رحمه الله : جمع بين عافيتي الدين والدنيا، ولا يتم صلاح العبد في الدارين إلا باليقين والعافية، فاليقين يدفع عنه عقوبات الآخرة ، والعافية تدفع عنه أمراض الدنيا في قلبه وبدنه .أ. هـ.

عباد الله: ومن حقق اليقين حاز التوكل، وورث الصبر، ووثق بالله في أموره كلها، ورضي بقضائه وقدره، واستحالت البلايا في حقه إلى عطايا، والنقم إلى نعم، وكان من أغنى الناس، وإن لم يكن له حظ من الدنيا.

اللهم إنا نسألك ‌إيمانا ‌لا ‌يرتد ، ونعيما لا ينفد، ومرافقة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم   في أعلى جنة الخلد ، يارب العالمين.

هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه ، فقال تعالى: ﴿ إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما﴾

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .

المرفقات

1764243327_اليقين بالله تعالى خطبة2.docx

1764243327_اليقين بالله تعالى خطبة2.pdf

المشاهدات 546 | التعليقات 0