اليهود قوم غدر وخيانة
إبراهيم بن سلطان العريفان
الْـحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَا يُـحْمَدُ عَلَى مَكْرُوهٍ سِوَاهُ، نَـحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي الْمُقَصِّرَةَ بِتَقْوَى اللَّهِ، فَهِيَ وَصِيَّةُ اللَّهِ لِلْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ﴾.
إِخْوَةَ الْإِيمَانِ وَالْعَقِيدَةِ .. إِنَّ تَارِيخَ الْأُمَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ مَلِيءٌ بِالدُّرُوسِ وَالْعِبَرِ، وَمِنْ أَبْرَزِ تِلْكَ الْعِبَرِ مَا جَرَى مَعَ قَوْمٍ عُرِفُوا بِالْغَدْرِ وَالْخِيَانَةِ، وَنَقْضِ الْعُهُودِ وَالْمَوَاثِيقِ، وَهُمْ بَعْضُ طَوَائِفِ الْيَهُودِ الَّذِينَ كَانُوا يَعِيشُونَ فِي الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ، فَعَاهَدُوا ثُمَّ خَانُوا، وَوَعَدُوا ثُمَّ نَقَضُوا، وَتَظَاهَرُوا بِالْإِسْلَامِ ثُمَّ انْقَلَبُوا عَلَيْهِ.
لَقَدْ سَطَّرَ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ صَفَحَاتٍ وَاضِحَةً فِي كَشْفِ مَكْرِ الْيَهُودِ وَخِيَانَاتِهِمْ، قَالَ تَعَالَى: ﴿أَفَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ﴾، وَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿وَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً﴾.
لَقَدْ عَاهَدَ الْيَهُودُ النَّبِيَّ ﷺ فِي الْمَدِينَةِ عَلَى السِّلْمِ وَالتَّعَايُشِ وَعَدَمِ الْخِيَانَةِ، لَكِنَّهُمْ خَانُوا الْمِيثَاقَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، حَتَّى أَظْهَرَ اللَّهُ خُبْثَ طَوِيَّتِهِمْ، وَكَشَفَ سُوءَ نِيَّاتِهِمْ.
وَمِنْ أَوْضَحِ صُوَرِ الْخِيَانَةِ مَا فَعَلَهُ يَهُودُ بَنِي قَيْنُقَاعَ، حِينَ نَقَضُوا الْعَهْدَ بَعْدَ غَزْوَةِ بَدْرٍ، وَاعْتَدَوْا عَلَى امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ فِي سُوقِهِمْ، فَقَتَلُوا مُسْلِمًا دَافَعَ عَنْهَا. وَلَمَّا بَلَغَ النَّبِيَّ ﷺ الْحَادِثَةَ، حَاصَرَهُمْ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ، فَأَجْلَاهُمْ عَنِ الْمَدِينَةِ.
ثُمَّ تَتَابَعَتْ خِيَانَاتُهُمْ، فَجَاءَ الدَّوْرُ عَلَى يَهُودِ بَنِي النَّضِيرِ، الَّذِينَ حَاوَلُوا اغْتِيَالَ النَّبِيِّ ﷺ، فَلَمَّا جَلَسَ النَّبِيُّ ﷺ تَحْتَ جِدَارٍ لِبَنِي النَّضِيرِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: مَنْ رَجُلٌ يَعْلُو هَذَا الْبَيْتَ فَيُلْقِي عَلَيْهِ صَخْرَةً؟ فَأَنْبَأَهُ اللَّهُ، فَقَامَ مُسْرِعًا، وَعَادَ إِلَى الْمَدِينَةِ، ثُمَّ أَمَرَ بِإِجْلَائِهِمْ.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: كُلَّمَا صَالَحَ النَّبِيُّ ﷺ يَهُودِيًّا غَدَرَ، حَتَّى لَمْ يَبْقَ إِلَّا خَيْبَرُ، فَفَتَحَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ.
لَقَدْ كَانَتْ خِيَانَتُهُمْ فِي مَعْرَكَةِ الْأَحْزَابِ إِحْدَى أَقْبَحِ صُوَرِ الْغَدْرِ، حِينَ تَآمَرَ يَهُودُ بَنِي قُرَيْظَةَ مَعَ الْأَحْزَابِ ضِدَّ الْمُسْلِمِينَ، فِي وَقْتٍ كَانَتِ الْمَدِينَةُ فِي أَشَدِّ الْحَاجَةِ إِلَى التَّمَاسُكِ الدَّاخِلِيِّ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي وَصْفِ هَذَا الْمَوْقِفِ: ﴿وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ﴾.
وَقَدْ حَكَمَ فِيهِمُ النَّبِيُّ ﷺ بِحُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ t، فَقَالَ: أَحْكُمُ فِيهِمْ أَنْ يُقْتَلَ الْمُقَاتِلَةُ، وَتُسْبَى الذُّرِّيَّةُ وَالنِّسَاءُ. فَقَالَ ﷺ: "لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ".
أَرَأَيْتُمْ يَا عِبَادَ اللَّهِ؟ كَمْ مَرَّةً خَانُوا؟ وَكَمْ مَرَّةً نَقَضُوا الْعَهْدَ؟
وَصَدَقَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ t حِينَ قَالَ: اعْرِفُوا الْيَهُودَ، فَإِنَّهُمْ أَهْلُ مَكْرٍ وَخِدَاعٍ، قَدْ جُبِلُوا عَلَيْهِ.
عِبَادَ اللَّهِ، إِنَّ الْغَدْرَ مِنْ شِيَمِهِمْ، وَالْخِيَانَةَ سَجِيَّتُهُمْ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ﴾.
اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِأَهْلِ الْغَدْرِ وَالْخِيَانَةِ، فَإِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَكَ.
الحَمْدُ لِلَّهِ العَلِيِّ العَظِيمِ، القَوِيِّ المَتِينِ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلٰهَ إِلَّا اللَّهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
مَعَاشِرَ المُؤْمِنِينَ .. لَيْسَتْ هٰذِهِ الخِيَانَاتُ دُرُوسًا تَارِيخِيَّةً فَحَسْبُ، بَلْ هِيَ عِبَرٌ تُتْلَى عَلَى الأُمَّةِ لِتَبْقَى يَقِظَةً، وَاعِيَةً، لَا تُلْدَغُ مِنَ الجُحْرِ مَرَّتَيْنِ، وَلَا تَنْخَدِعُ بِزُخْرُفِ الكَلَامِ وَادِّعَاءَاتِ السَّلَامِ. وَقَدْ حَذَّرَ النَّبِيُّ ﷺ أُمَّتَهُ مِنَ الانْخِدَاعِ بِهَؤُلَاءِ، فَقَالَ ﷺ:
"تُقَاتِلُونَ اليَهُودَ، حَتَّى يَخْتَبِئَ اليَهُودِيُّ وَرَاءَ الحَجَرِ، فَيَقُولُ الحَجَرُ: يَا مُسْلِمُ، هٰذَا يَهُودِيٌّ وَرَائِي فَاقْتُلْهُ".
وَهٰذَا الحَدِيثُ لَا يَدْعُو لِلْعُدْوَانِ، بَلْ يُنَبِّئُ عَنْ خَاتِمَةِ مَعْرَكَةٍ عَادِلَةٍ، لَا تَبْدَؤُهَا الأُمَّةُ بِالعُدْوَانِ، لَكِنَّهَا تُنْهِي بِهَا ظُلْمًا طَوِيلًا.
إِنَّ الحَدِيثَ عَنْ خِيَانَةِ اليَهُودِ لَيْسَ دَعْوَةً لِلْكَرَاهِيَةِ العَمْيَاءِ، وَلَا تَحْرِيضًا عَلَى القَتْلِ أَوِ الإِيذَاءِ، بَلْ هُوَ كَشْفٌ لِلْحَقَائِقِ التَّارِيخِيَّةِ الَّتِي خَاضَهَا النَّبِيُّ ﷺ مَعَ أَقْوَامٍ غَدَرُوا وَخَانُوا وَأَلَّبُوا عَلَيْهِ الأَعْدَاءَ.
وَمَا زَالَتْ تِلْكَ الخِيَانَةُ تَتَكَرَّرُ فِي زَمَانِنَا، فَمَا مِنْ أُمَّةٍ احْتُلَّتْ أَوْ هُجِّرَتْ أَوْ سُفِكَتْ دِمَاؤُهَا ظُلْمًا إِلَّا وَكَانَ لِلْيَهُودِ فِيهَا يَدٌ، مِنْ فِلَسْطِينِ الحَبِيبَةِ، إِلَى مُؤَامَرَاتِ العَصْرِ الحَدِيثِ.
وَإِنَّنَا إِذْ نُبَيِّنُ خِيَانَتَهُمْ، فَلْنَعْلَمْ أَنَّ المَكْرَ لَا يُفْلِحُ أَهْلُهُ، وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ المُفْسِدِينَ ﴿وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ﴾.
فَلْنَعْلَمْ أَنَّ أُمَّتَنَا لَنْ تُعَزَّ إِلَّا إِذَا تَمَسَّكَتْ بِدِينِهَا، وَاتَّبَعَتْ نَبِيَّهَا، وَصَدَقَتْ مَعَ رَبِّهَا.
وَصَدَقَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ، حِينَ قَالَ: "مَا خَانُوا نَبِيًّا إِلَّا فَضَحَهُمُ اللَّهُ، وَلَا مَكَرُوا بِأُمَّةٍ إِلَّا مَزَّقَهُمُ اللَّهُ".
يَا أُمَّةَ الإِسْلَامِ، إِنَّ القُدْسَ اليَوْمَ أَسِيرَةٌ، وَالدِّمَاءُ فِي الأَرْضِ المُبَارَكَةِ تُرَاقُ، وَالمَكْرُ اليَهُودِيُّ لَمْ يَنْتَهِ، لَكِنَّهُ تَغَيَّرَ شَكْلًا، وَاشْتَدَّ ضَرَاوَةً، فَكُونُوا عَلَى بَيِّنَةٍ، وَاثْبُتُوا عَلَى الحَقِّ، وَلَا تَتَنَازَلُوا عَنِ الدِّينِ.
اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنَ الثَّابِتِينَ عَلَى الحَقِّ، المُحَذِّرِينَ مِنَ المَكْرِ، الوَاثِقِينَ بِوَعْدِكَ، يَا نَاصِرَ المُؤْمِنِينَ. اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنَ الخِيَانَةِ، وَنَسْأَلُكَ الصِّدْقَ وَالثَّبَاتَ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِمَنْ ظَلَمَ المُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِمَنْ خَانَ المُوَاثِيقَ وَقَتَلَ الأَبْرِيَاءَ وَشَرَّدَ الضُّعَفَاءَ.
اللَّهُمَّ انْصُرِ الإِسْلَامَ وَأَعِزَّ المُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ انْصُرِ المُجَاهِدِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ، اللَّهُمَّ حَرِّرِ المَسْجِدَ الأَقْصَى مِنْ دَنَسِ اليَهُودِ الغَاصِبِينَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي نُحُورِهِمْ، وَأَرِنَا فِيهِمْ آيَةً مِنْ آيَاتِكَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ وُلَاةَ أُمُورِنَا، وَاجْعَلْ هٰذَا البَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا وَسَائِرَ بِلَادِ المُسْلِمِينَ.
وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
المرفقات
1750947208_اليهود قوم غدر وخيانة.pdf
1750947220_اليهود قوم غدر وخيانة.docx