بادر قبل أن تغادر | فرصة الحج!

بادر قبل أن تغادر | فرصة الحج!

الحمد لله آناء الليل وأطراف النهار، ملء السماوات وملء الأرض حيثما توجه إنسان وأينما استقر، الحمد لله نحمده ونستعين به ونستغفره ونؤمن به ونتوب إليه ونتوكل عليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وصفيه ومختاره من خلقه وخليله، أشهد أنه بلّغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وكشف الله به الغمة، تركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك صلوات الله وتسليماته وتبريكاته عليه وعلى أهل بيته، وسلم تسليماً كثيرًا.

أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون:

 روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "بادروا بالأعمال الصالحة؛ فستكون فتن كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، يبيع دينه بعرض من الدنيا".

وفي حديث آخر صحيح أيضًا عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله! أيّ الصدقة أعظم أجرًا قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "أن تصدَّق –أي: تتصدق- وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى، ولا تمهل –أي: ولا تتمهل- حتى إذا بلغت الحلقوم –أي: حتى إذا بلغت الروح الحلقوم أي: كادت أن تبلغه وتصل إلى حد الغرغرة- قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان" أي: وقد كان المال لك تستطيع أن تتصرف فيه كيف تشاء، أما اليوم فقد صار المال ملكًا للورثة ".

أيها الإخوة المؤمنون: كثير من الناس يحمل بين جوانحه نفسًا خيّرة وقلبًا طاهرًا يحب الخير، ويكثر البر، ويركن إلى المعروف في أمور دينه وفي أمور دنياه، ولكنه ابتُلي بالتسويف يؤخّر عمل الخير من يوم إلى آخر، ولا يغتنم الفرص، وليست لديه قدرة على العزم والتصميم، إذا جلست لمثل هؤلاء سمعت منهم أعمالاً يرسمونها ومشروعات في الخير يخططون لها، فتُسرّ لما تسمع، وتعجب لما يخطط، ولكن تمضي الأيام وتتوالى الشهور والأعوام ولا زالت تلك الأعمال التي رسموها وتلك المشروعات الخيّرة التي خُطط لها ما زالت في حيّز الأحلام والآمال.

عباد الله!

في هذه الدنيا ما نحن إلا عابري سبيل، فاعمل لآخرتك كأنك تموت غداً، فالحياة محطات نمر بها لا نعلم متى تنتهي، لنجعل لنا أثراً قبل مغادرتنا من الحياة، لنبادر ونتسابق في عمل الخير ولأجل آخرتنا التي سنعيش فيها آلاف بل ملايين السنوات بل الخلود الأبدي.. نحن في هذه الحياة الدنيا ضيوف سوف نخرجُ منها بشهادة وفاة لكن ما يبقي لنا هو الأثر الطيب والعمل الصالح..!!

فالزهد في الدنيا، والاهتمام بعمارة الأرض فيما يرضي المولى -عز وجل -، والاستعداد للآخرة بالعمل الصالح والمبادرة بذلك أمر مرغوب ومطلوب، اغتنم آخرتك، وواجه الصعاب بتقوى الله، فهو سر النجاح، إذا كنت تريد انشراح صدرك فعليك بالإكثار من الذكر وإذا كنت تريد السعادة فعليك بالعطاء وإن كنت تريد الخير في الدنيا والآخرة    فاعتنِ بدينك..!! الذي هو عصمة أمرك.

بادر.. قبل أن تغادر ..!!

لمَ الرغبة في الدنيا والتشبث بها وعلى ما فيها من ملذات وشهوات..؟ وكل ما تريده منها فهوا فاني وما كان لله فهوا باقي (فبادر .. قبل أن تغادر)

لا تتهاون بأبسط الأشياء، الحياة دار عمل والآخرة دار مستقر.

نحن في جهاد مع النفس.

وتأكد والله بأن لحظة واحدة في “الآخرة” بكل الدنيا مهما طالت،  وعامل أخيك في الله إن لم تنفعه فلا تضره، وإن لم تفرحه فلا تغمه، وإن لم تمدحه فلا تذمه، فبين الحين والآخر نحتاج لنفسح المجال لربيع قادم، لنصلح قلوبنا جميعًا قبل أن يأتي «يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ».

هذا واعلموا عباد الله: إنَّ الله جل وعلا فرض فرائضَ فلا تضيِّعوها، وسنَّ سننًا فلا تتركوها، فرض على عباده الحجَّ فريضةً من أكبر وأعظم الفرائض، تلك الرِّحلة الفريدة في عالَم الأسفار والرحلات، ينتقل المسلم فيها برُوحه وبدنه وقلبه إلى البلَد الأمين لمناجاةِ ربِّ العالمين.

فما أرْوعها من رحلة! وما أعظَمَه من منظرٍ يأخذ الألباب! فهل شممتَ عبيرًا أزْكى من غُبار المُحْرمين؟!

وهل رأيت لباسًا قطّ أجْمل من لباس الحجَّاج والمعتمرين؟! هل رأيت رؤوسًا أعزَّ وأكرَم من رؤوس المحلّقين والمقصّرين؟! وهل مرَّ بك ركبٌ أشرف مِن ركب الطَّائفين؟!

وهل سمعْتَ نظمًا أرْوع وأعْذب من تلبية الملبِّين، وأنين التَّائبين، وتأوُّه الخاشعين، ومناجاة المنكسِرين؟!

أيها المؤمنون والمؤمنات: لقد اقتربنا من شهر ذي القعدة، وهو أول الأشهر الحرم المتتابعات، التي قال الله جل وعلا فيها: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ}[التوبة:36].

فالأشهر الحرم هي أربعة: رجبٌ وذو القَعدة وذو الحجة ومحرم.

 

ومن حِكم تحريم هذه الأشهر التمكن من الحج والعمرة.

عباد الله: الحاج يعود من ذنوبه كيومَ ولدته أُمه، كما: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه) (متفق عليه).

والحج أفضل الجهاد، عن عائشة قالت: قلت: يا رسول الله، نرى الجهاد أفضل الأعمال، أفلا نجاهد؟ قال: (لا، لكن أفضل الجهاد حجّ مبرور)(رواه البخاري).

“والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ” (متفق عليه).

والحج يجب على الفور على كلِّ مسلم عاقلٍ، بالغٍ حرٍّ مُستطيع للحج، يَملك الزاد والراحلة، والمرأة يكون

لها المحرم ولا تكون محادة.

فيا مَن أنعَم الله عليه بالصحة والعافية، ورغد العيش وأَمْن الطريق، وتوفُّر وسائل السفر المريحة الآمنة بادِر رعاك الله إلى حجِّ بيت الله الحرام، وأدِّ فرضك قبل أن يحجَّ عنك غيرك، إن اخترَمك المنون قبل الحجِّ الواجب، وأن تحجَّ بنفسك خيرٌ لك من أن يتصدَّق عليك أحدُ من أقاربك بالحجِّ نيابةً عنك، فكم من مسلمٍ حبَسه جسده المريض عن الحج، واُضُطرَّ إلى استنابة غيره في حجِّ الفريضة. هذا مع تيسُّر السُّبل، وسهولة السفر، وقصر المدَّة، ألم يكن آباؤنا وأجدادنا يقضون أكثر من شهر في سفر الحج ذهابًا وإيابًا على ظهور الإبل ؟

ولنتأمل الحجاج الذين يأتون من أَقاصي الأَرضِ شَرقًا وغربًا وبعضهم يبقى سنواتٍ وهو يجمع ماله درهمًا درهمًا وفلسًا فلسًا، يقتطعها من قوته وقوت أَهله وأَبنائه حتى يجمع ما يعينه على أَداء هذه ِالفريضة العظيمة.

 

إن بعض الناس ربما ضرب الأرض طولاً وعرضاً ولم يدع مكاناً جميلاً في هذه الأرض إلا سافر إليه، بل أحيانا يسافر إلى بلاد بعيدة، ويوفر لهذه الأسفار ما يكفيها من أموال بطرقٍ عجيبة ولكنه في نفس الوقت لم يفكر في أداء فريضة الحج، لقد سمعنا عن أبناء الخمسين والستين والسبعين أولئك الذين لم يؤدوا فريضة الحج.

 

الخطبة الثانية.

الحمد للَّـه حمدًا طيبًا كثيرًا مباركًا فيه كما يحبُّ ربُّنا ويرضى، وأَشهد أَن لا إِله إِلا الله وحده لا شَريك له، وأَشهد أَن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وعلى آله وأَصحابِه ومن اهتدى بهداهم إِلى يوم الدِّين.

أَمَّا بعد: فاتقوا الله رحمكم الله، {وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ} [البقرة:223].

أيها المؤمنون: ومما ينبغي التذكير به أنه لا يحل لزوجٍ أَن يمنع زوجته من أَداء فرضها، ولا لوالدٍ أَن يمنع ولده من أَداء فرضه؛ شحًّا بِه، أَو خوفًا عليه؛ أما إذا كان الزوج محتاجا لزوجته أو الوالد محتاجا لولده.

إِن الشفقة الحقيقية هي في الخوف على الأَولاد من عقوبة الله بِتركهم فرائضه سبحانه، بل الواجب على الزوج أَن يأمر زوجته بِالحج، ويحثها عليه؛ لأَنه أَمر بِالطاعة، وإِن رافقها إِلى الحج، أَو دفع نفقة حجها وحج محرماً معها كان ذلِك إِحسانًا لعشرتها، وعونًا على أَداء فرضها، وقد أمر صلى الله عليه وسلم الرجل الذي اكتتِب في الغزوِ وامرأَته حاجة بِأَن يترك الغزو فقال: «ارْجِعْ، فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ» (رَوَاهُ الشَّيْخَانِ).

وهنا نذكر بخطورة ترك الحج مع القدرة عليه!

 

قال الشيخ ابن باز رحمه الله:

 من قدر على الحج ولم يحج الفريضة وأخره لغير عذر، فقد أتى منكرا عظيما ومعصية كبيرة، فالواجب عليه التوبة إلى الله من ذلك والبدار بالحج ؛ لقول الله سبحانه :( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين.{آل عمران: 97}

وقال الحسن البصري وغيره: إن من ترك الحج وهو قادر عليه فهو كافر. انتهى.

فلاحظ يرحمك الله أن من السلف من يرى بكفر من استطاع الحج ولم يحج وإن كان الصحيح أنه لا يكفر وإنما يكون على معصية لتساهله ولكن لتعلم أن الأمر خطير للغاية.

فأنت يامن لم تحج إلى الآن ما عذرك بالله عليك ما عذرك !؟

إن كان لديك عذرك فأنت معذور

وإن كان عذرك البخل على نفسك أو الوهم الكاذب الذي يتسلل للنفس من عدم القدرة المالية على الحج رغم أننا نرى ونعرف من دخلهم طيب ولديهم سعة في رزقهم وأنواع وأشكال من الخيرات وإذا قيل له الحج!؟ قال لا أستطيع وهو والله يستطيع ولكن الشح على نفسه نسأل الله العافية! الآن هناك حملات رسمية بمبالغ  ما بين السبعة آلاف إلى العشرة آلاف ريال فالبعض يقول لا أستطيع وإذا رأيت هاتفه فتجد بآلاف الريالات وهكذا إذا رأيت سيارته أو بيته أو مشترياته.. أيعقل أن نزهد في ركن الإسلام الخامس هل ترضى أن يكون دينك لم يرتفع بسبب عدم وجود الركن الخامس فيه أترضى أن يفوتك أجر العودة كيوم ولدتك أمك بلا ذنوب أترضى أن تفوت على نفسك تلك الدعوات والصلوات والأجور المضاعفات.. بادر يرحمك الله وسجل الآن عبر المنصة الرسمية لوزارة الحج فلا يزال التسجيل مفتوح الآن لا تسوف بادر قبل اكتمال التسجيل.. واحتسب الأجر ‏﴿ وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾

وأنت يا من أكرمك الله بالحج وقضيت فرضك أشكر الله كثيرا وهناك كذلك فرصة لك بأن تزيد أجرك وتكون مع من يحجون وأنت في بيتك وذلك بمشاركتك في كفالة حاج ولو بالقليل عبر الجمعيات الرسمية وبرامجها المخصصة لذلك ولو بحثت لوجدت والأقربون أولى بالمعروف فإذا وجدت قريبا لك لم يحج فأعنه ولو بالقليل ولك مثل أجره والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم.

هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً:{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}[الأحزاب:٥٦

اللهم يسر الحج لضيوفك، وأعنهم على أداء فرضهم، واحفظهم، وتقبل منهم، يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم وفق ولاة أمر المسلمين للحكم بكتابك والعمل بسنة نبيك ووفق ولاة أمرنا خاصة للخير، اللهم خذ بأيديهم لما فيه الخير للبلاد والعباد……….

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

المشاهدات 183 | التعليقات 0